طباعة

في ذكر آدم (عليه السّلام ) فصل ـ 6 ـ

 

فصل ـ 6 ـ
في كيفيّة التّناسل وخلق حوّا وقصّة ابني آدم ووفاته :
32 ـ عن ابن بابويه ، عن أبيه ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن الحسن بن أبان ، عن محمّد بن اورمة ، عن النّوفلي ، عن عليّ بن داود اليعقوبي (1) عن مقاتل بن مقاتل ، عمّن سمع زرارة يقول : سئل أبو عبدالله عليه السّلام عن بدء النّسل من آدم صلوات الله عليه كيف (2) كان ؟ وعن بدء النّسل من ذرية آدم ، فإنّ اُناساً عندنا يقولون : إنّ الله تعالى أوحى إلى آجم أن يزوّج بناته من بنيه ، وأنّ هذا الخلق كلّهم أصله من الأخوة والأخوات فمنع ذلك أبو عبد الله عليه الصّلاة والسّلام عن ذلك (3) ، وقال : نبئت (4) أنّ بعض البهائم تنكرت له اُخته ، فلمّا نزا عليها ونزل ثمّ علم أنّها أخته قبض على عزموله بأسنانه حتّى قطعه فخرّ ميّتاً ، وآخر تنكرت له اُمّه ففعل هذا بعينه ، فكيف بالإنسان (5) في فضله وعلمه ، غير أن جيلاً من هذه الأمّة الّذين يرون أنّهم رغبوا عن علم أهل بيوتات أنبيائهم ، فأخذوه من حيث لم يؤمروا بأخذه ، فصاروا إلى ما يرون من الضّلال .
وحقّاً أقول : ما أراد من يقول هذا : إلاّ تقويةً لحجج المجوس .
ثمّ أنشأ يحدّثنا (6) كيف كان بدء النّسل ، فقال : إنّ آدم صلوات الله عليه ولد له سبعون بطناً ، فلمّا قتل قابيل هابيل جزع جزعاً قطعه عن إتيان النّساء ، فبقي لا يستطيع أن يغشى حوّا خمسمائة سنة (7) ، ثم وهب الله له شيئاً وهو هبة الله ، وهو أوّل وصي اُوصي إليه من بني آدم في الأرض ، ثم وراه بعده يافث ، فلمّا أدركا وأراد الله أن يبلغ بالنّسل ما ترون أنزل بعد العصر يوم الخميس حوراء من الجنّة اسمها نزلة ، فأمر الله أن يزوّجها من شيث ثمّ أنزل الله بعد العصر من الغد حوراء من الجنة اسمها منزلة ، فأمر الله آدم أن يزوجها من يافث فزوجها منه ، فولد (8) لشيث غلام وليافث جارية ، فأمر الله آدم عليه السّلام حين أدركا أن يزوّج بنت يافث من ابن شيث ، ففعل فولد الصّفوة من النّبيين والمرسلين من نسلهما ومعاذ الله أن يكون ذلك ما قالوه من الإخوة والأخوات ومناكحهما .
قال : فلم يلبث آدم صلوات الله عليه بعد ذلك إلاّ يسيرا حتّى مرض (9) فدعا شيثاً وقال : يا بنيّ إنّ أجلي قد حضر وأنا مريض فإنّ ربيّ قد أنزل من سلطانه ما قد ترى ، وقد عهد إليّ فيما قد عهد أن أجعلك وصيّي (10) وخازن ما استودعني ، وهذا كتاب الوصيّة تحت رأسي وفيه أثر العلم واسم الله الأكبر ، فإذا أنا متّ فخذ الصّحيفة وإيّاك أن يطّلع عليها أحد (11) وأن تنظر فيها إلى قابل في مثل هذا اليوم الّذي يصير إليك فيه ، وفيها جميع ما تحتاج إليه من اُمور دينك ودنياك وكان آدم صلوات الله وسلامه عليه نزل بالصّحيفة الّتي فيها الوصيّة من الجنّة .
ثمّ قال آدم لشيث صلوات الله عليهما : يا بنيّ إنّي قد اشتهيت ثمرة من ثمار الجنّة فاصعد إلى جبل الحديد ، فانظر من لقيته من الملائكة ، فاقرأه منّي السّلام وقل له : إنّ أبي مريض وهو يستهديكم من ثمار الجنّة ، قال : فمضى حتّى صعد إلى الجبل فإذا هو بجبرئيل في قبائل من الملائكة صلوات الله عليهم .
فبدأه جبرائيل بالسّلام ، ثم قال : إلى أين يا شيث ؟ فقال له شيث : ومن أنت يا عبدالله ؟ قال : أنا الرّوح الأمين جبرئيل ، فقال : إنّ أبي مريض وقد (12) أرسلني إليكم ،
وهو يقرئكم السّلام ويستهديكم من ثمار الجنّة ، فقال له جبرئيل عليه السلام : وعلى أبيك السّلام يا شيث ، أما أنّه قد قبض (13) وإنما نزلت لشأنه ، فعظم الله على مصيبتك فيه أجرك (14) واحسن على العزاء منه صبرك ، وآنس بمكانه منك عظيم وحشتك ارجع فرجع معهم ومعهم كلّ ما يصلح به أمر آدم صلوات الله عليه وقد جاؤا به من الجنّة .
فلما صاروا إلى آدم كان أوّل ما صنع شيث أن أخذ صحيفة الوصيّة من تحت رأس آدم صلوات الله عليه فشدّها على بطنه فقال جبرئيل عليه السلام : من مثلك يا شيث ؟ قد أعطاك الله سرور كرامته (15) وألبسك لباس عافيته ، فلعمري لقد خصّك الله منه بأمر جليل .
ثم إن جبرئيل عليه السلام وشيثاً أخذا في غسله ، واراه جبرئيل كيف يغسّله حتّى فرغ منه ، ثمّ أراه كيف يكفّنه ويحنّطه حتّآ فرغ ، ثمّ أراه كيف يحفر له .
ثمّ إنّ جبرئيل أخذ بيد شيث ، فأقامه للصّلاة عليه كما نقوم اليوم نحن ، ثمّ قال : كبّر على أبيك سبعين تكبيرة ، وعلّمه كيف يصنع .
ثم إن جبرئيل عليه السلام أمر الملائكة (16) أن يصطفوا قياماً خلف شيث كما يصطف (17) اليوم خلف مصلّي على الميّت ، فقال شيث : يا جبرئيل أو يستقيم هذا لي وأنت من الله بالمكان الّذي أنت فيه ومعك (18) عظماء الملائكة ؟ فقال جبرئيل : يا شيث ألم تعلم أنّ الله تعالى لمّا خلق أباك آدم أوقفه بين الملائكة وأمرنا بالسجود له ، فكان إمامنا ليكون ذلك سنّة في ذرّيّته ، وقد قبضه الله اليوم وأنت وصيّه ووارث علمه وأنت تقوم مقامه ، فكيف نتقدمك وأنت إمامنا ؟ فصلّى بهم عليه (19) كما أمره .
ثمّ أراه كيف يدفنه ، فلمّا فرغ من دفنه وذهب جبرئيل ومن معه ليصعدوا من حيث جاؤا . بكى (20) شيث ونادى يا وحشتا فقال له جبرئيل : لا وحشة عليك مع الله تعالى يا شيث ، بل نحن نازلون عليك بأمر ربك وهو يؤنسك فلا تحزن ، وأحسن ظنّك بربك ، فإنّه بك لطيف وعليك شفيق .
ثم صعد جبرئيل ومن معه ، وهبط قابيل من الجبل وكان على الجبل هارباً من أبيه آدم صلوات الله عليه أيّام حياته لا يقدر أن ينظر إليه فلقى شيثاً ، فقال يا شيث : إنّي إنّما قتلت هابيل أخي لأنّ قربانه تقبّل ولم يتقبّل قرباني ، وخفت أن يصير بالمكان الّذي قد صرت أنت اليوم (21) فيه وقد صرت بحيث أكره ، ون تكلّمت بشيء ممّا عهد إليك به أبي لأقتلنّك (22) كما قتلت هابيل .
قال زرارة : ثم قال أبو عبدالله عليه السلام ـ وأومأ بيده إلى فيه (23) ، فأمسكه يعلّمنا أي هكذا أنا ساكت ـ : فلا تلقوا بأيديكم إلى التّهلكة معشر (24) شيعتنا ، فتمكّنوا عدوّكم من رقابكم ، فتكونوا عبيداً لهم بعد إذ أنتم أربابهم وساداتهم ، فان في التّقيّة منهم لكم ردّاً عمّا قد أصبحوا فيه من الفضائح بأعمالهم الخبيثة علانية ، ولا يرى (25) منكم من يبعدكم عن المحارم وينزّهكم عن الأشربة السّوء والمعاصي وكثرة الحجّ والصّلاة وترك كلامهم (26) .


33 ـ وقال زرارة : سئل [ أبو جعفر عليه السلام ] (27) عن خلق حوّا ، وقيل : إنّ اُناساً عندنا يقولون : إن الله خلق حوّا من ضلع آدم الأيسر الأقصى ، قال : سبحان الله إنّ الله لم يكن له من القدرة ما يخلق لآدم زوجته (28) من غير ضلعه ؟ ولا يكون لمتكلم أن يقول : ان آدم كان ينكح بعضه بعضاً ؟
ثم قال : إن الله تعالى لما خلق آدم وأمر الملائكة فسجدوا (29) ألقى عليه السّبات ، ثم ابتدع له خلق حوّا ، ثم جعلها في موضع النقرة (30) الّتي بين وركيه ، وذلك لكي تكون المرأة تبعاً للرجل (31) ، فاقبلت تتحرك فانتبه لتحركها ، فلمّا انتبه تودي أن تنحّي عنه ، فلمّا نظر إليها نظر إلى خلق حسن يشبه صورته غير أنّها اُنثى ، فكلّمها وكلمته بلغته ، فقال لها من أنت ؟ فقال : أنا خلق خلقني الله تعالى كما ترى .
فقال آدم عند ذلك : يا ربّ ما هذا الخلق الحسن الّذي قد آنسني قربه والنّظر اليه ؟ فقال الله تعالى : يا آدم هذه أمتي حوّا ، أفتحبّ (32) أن تكون معك فتؤنسك وتحدّثك وتكون تابة لأمرك ؟ فقال : نعم يا ربّ لك عليّ بذلك الحمد والشكر ما بقيت .
قال : فاخطبها إليّ فانّها أمتي (33) وقد تصلح لك زوجة للشهوة ، والقى الله عليه الشّهوة ، وقد علمه قبل ذلك المعرفة بكلّ شيء فقال : يا ربّ إنّي أخطبها اليك فما رضاك لذلك لي ؟ فقال : مرضاتي (34) أن تعلمها معالم ديني ، فقال : ذلك لك يا ربّ إن شئت ذلك لي ، فقال : فقد شئت ذلك وقد (35) زوّجتكها فضُمّها إليك ، فقال لها آدم : إليّ فاقبلي ، فقال : بل أنت . فأمر الله آدم أن يقوم إليها فقام ، ولولا ذلك لكنّ النّساء يذهبن إلى الرّجال (36) .
____________
(1) في ق 1 : عن ابن داود اليعقوبي .
(2) في ق 2 : وكيف .
(3) في ق 1 وق 2 : من ذلك .
(4) في ق 4 : ثبت .
(5) في ق 1 وق 3 وق 5 : الإنسان .
(6) في ق 1 وق 4 وق 5 : حديثاً .
(7) في ق 3 : عام .
(8) في ق 2 : فولدت .
(9) في ق 3 : فمرض .
(10) في ق 2 : وصيّاً .
(11) في ق 3 : أن تطلع عليها أحداً .
(12) في ق 2 : وهو .
(13) في ق 3 : قد قضى .
(14) في ق 2 : فعظم على الله مصيبتك فيه آجرك الله .
(15) في ق 2 : سروراً وكرامة .
(16) في ق 3 : ثم أمر جبرئيل الملائكة .
(17) في ق 1 وق 3 : كما نصطف .
(18) في ق 2 : وأنت بالمكان الذي أنت ومعك .
(19) في ق 3 : بهم عليه السلام ، والصحيح : بهم عليه عليه السلام .
(20) في ق 3 : فبكى .
(21) في ق 3 : الذي أنت اليوم .
(22) في ق 3 : لاقتلك .
(23) في ق 2 وق 3 وق 4 : فمه .
(24) في ق 3 : معاشر .
(25) في ق 1 وق 3 : ولا يرون ، وفي البحار : وما يرون .
(26) بحار الأنوار ( 11 | 262 ـ 264 ) ، برقم : ( 11 ) .
(27) الزيادة من ق 1 فقط .
(28) في ق 2 : ما لا يخلق لآدم من زوجة ، وفي ق 3 : إنّ الله له من القدرة ما يخلق لآدم .
(29) في ق 2 : وأمر الملائكة بالسّجود له .
(30) في ق 2 : المنقرة .
(31) في ق 1 وق 4 : للرّجال .
(32) في ق 1 وق 3 : فتحب .
(33) في ق 1 وق 3 وق 4 : أنثى .
(34) في ق 3 : رضائي .
(35) في ق 1 : فقال قد شئت وقد .
(36) لم ينقل العلامة المجلسي هذا الخبر في البحار عن القصص ، إلاّ أنه موجود فيه ضمن خبر رواه عن العلل في ( 11 | 220 ـ 221 ) غير أن زرارة رواه عن أبي عبد الله عليه السلام .