• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عليّ (عليه السلام) في معركة اُحد

لم تكن قريش لتنسى هزيمتها الساحقة في معركة بدر ومقتل صناديدها ورجالها وكثير من أبطالها فعزمت على الثأر من المسلمين ردّاً لاعتبارها الذي فقدته ولم يمضِ سوى عام حتى استكملت قريش عدّتها، واجتمع اليها أحلافها من المشركين واليهود، وانضمّ اليهم كلّ حاقد وناقم على الدين الإسلامي، فاتّفقت كلمة الكفر، واتّحدت قوى الباطل لمواجهة الحقّ، وخرج جيش الكفر باتّجاه المدينة وقد تجاوز عدده ثلاثة آلاف، وذلك في أوائل شوال من السنة الثالثة للهجرة، وما أن وصل خبرهم إلى مسامع النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتى جمع المسلمين واستشارهم في الموقف المناسب الذي يجب أن يتّخذوه، ثمّ خطب فيهم وحثّهم على القتال والصبر والثبات، ووعدهم بالنصر والأجر، وتجهّز للخروج بمن معه وكانوا ألفاً أو يزيدون، ودفع لواءه لعليّ بن أبي طالب (عليه السلام) ووزّع الرايات على وجوه المهاجرين والأنصار، وأبى النفاق إلاّ أن يأخذ دوره في إضعاف المسلمين، فرجع عبدالله ابن اُبيّ بمن تبعه في منتصف الطريق، وكان عددهم يناهز الثلاثمائة[13].
واستمرّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) في مسيره قدماً حتى بلغ اُحداً، فأعدّ أصحابه للقتال ووضع تخطيطاً سليماً محكماً للمعركة يضمن لهم النصر، حيث أمر خمسين رجلاً من الرماة أن يكونوا من وراء المسلمين إلى جانب الجبل، وأكّد عليهم بأن يلزموا أماكنهم ولا يتركوها حتى لو قُتل المسلمون جميعاً[14].
ووصلت قريش إلى اُحد وأعدّوا أنفسهم للقتال، فقسّموا الأدوار ووزّعوا المهام كما بدا لهم، وأعطوا لواءهم لبني عبدالدار، وأوّل من استلمه منهم طلحة بن أبي طلحة، ولمّا علم النبيّ بذلك أخذ اللواء من عليّ (عليه السلام) وسلّمه إلى مصعب بن عمير وكان من بني عبدالدار، وبقي معه إلى أن قُتل، وحينئذ ردّه النبيّ (صلى الله عليه وآله) إلى عليّ (عليه السلام)[15] وكانت معركة اُحد قد وقعت في شوال من العام الثالث من الهجرة. وفي اللحظة التي كمل فيها التنظيم انطلقت شرارة المعركة عندما برز كبش الشرك وحامل رايتهم طلحة بن أبي طلحة الذي كان يُعدّ من شجعان قريش، يتقدّم نحو المسلمين رافعاً صوته متحدّياً لهم مستخفّاً بجمعهم قائلاً: يا معشر أصحاب محمد! إنّـكم تزعمون أنّ الله يعجلنا بسيوفكم إلى النار ويعجلكم بسيوفنا الى الجنّة; فهل أحد منكم يعجله سيفي الى الجنّة أو يعجلني سيفه الى النار؟ فخرج اليه عليّ (عليه السلام)[16] وبرزا بين الصفّين ورسول الله (صلى الله عليه وآله) جالس في عريش اُعدّ له يشرف على المعركة ويراقب سيرها فضرب عليّ طلحة فقطع رجله وسقط على الأرض وسقطت الراية، فذهب علي ليجهز عليه فكشف عورته وناشده الله والرحم فتركه عليّ (عليه السلام) فكبّر رسول الله وكبّر معه المسلمون فرحاً بنتيجة هذه الجولة.
ثمّ تقدّم أخوه عثمان بن أبي طلحة فحمل الراية فحمل عليه حمزة بن عبدالمطلب فضربه فقتله، فحمل اللواء من بعده أخوهما أبو سعيد، فحمل عليه عليّ (عليه السلام) فقتله، ثمّ أخذ اللواء أرطاة بن شرحبيل فقتله عليّ، وهكذا تعاقب على حمل اللواء تسعة من بني عبدالدار قُتلوا بأجمعهم بسيف عليّ[17] أو سيف حمزة، وكان آخر من حمل اللواء هو غلام لبني عبدالدار يُدعى صواب فحمل عليه عليّ وقتله، وسقط اللواء من بعده في ساحة المعركة ولم يجرؤ أحد أن يحمله، فدبّ الرعب في قلوب المشركين، وانهارت معنوياتهم، وانكشف المشركون لا يلوون على شيء حتى أحاط المسلمون بنسائهم، وبدت المعركة وكأنّها قد حُسمت لصالح المسلمين. وهنا عصفت النازلة العظمى بالمسلمين حيث ترك الرماة موقعهم فوق الجبل، وانحدروا يشاركون إخوتهم غنائم المعركة، ولم يثبت على الجبل إلاّ عشرة رماة.فنظر خالد بن الوليد وكان على خيل المشركين خلوّ الجبل وقلّة الثابتين صاح بخيله، وكرّ يحمل على الرماة وتبعه عكرمة فقتلوهم، وهنا تغيّر ميزان القوة ورجحت كفّته لصالح المشركين فاستطاعوا أن ينفذوا ويشقّوا صفوف المسلمين[18]، وكانت المأساة التي لم يعرف المسلمون لها مثيلاً، فارتبك المسلمون وضاع صوابهم، فكانت هزيمة بعد نصر وانكساراً بعد انتصار، وتفرّق الناس كلّهم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأسلموه إلى أعدائه بعد أن استشهد عمّه حمزة ومصعب بن عمير، ولم يبق معه أحد إلاّ عليّ ونفر قليل من المهاجرين والأنصار.في هذه اللحظات الحاسمة والحرجة سجّل التأريخ موقف الصمود والفداء الذي وقفه عليّ (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقف ليدافع عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) بكلّ قوة وبسالة وهمّه سلامة الرسول والرسالة، إذ كان يحمل الراية بيد والسيف بالاُخرى يصدّ الكتائب ويردّ الهجمات عن الرسول، وكأنّه جيش بكامل عِدَّته وعُدَّته، وكان الرسول كلّما رأى جماعة تهجم عليه قال لعليّ (عليه السلام): يا عليّ احمل عليهم، فيحمل عليهم ويفرّقهم، فلم يزل عليّ يقاتل حتى أثخنته جراحات عديدة في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه[19].
فأتى جبرئيل (عليه السلام) النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: إنّ هذه لهي المواساة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إنّه منّي وأنا منه، فقال جبرئيل: وأنا منكما، فسمعوا صوتاً في السماء ينادي: لا سيف إلاّ ذو الفقار ولا فتى إلاّ عليّ[20] وهكذا استطاع أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يحافظ على حياة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأن يوصل نتيجة المعركة الى حالة من التوازن دون أن يحرز أحد الطرفين نصراً حاسماً.

مواقف بعد معركة اُحد :
ولمّا انصرف أبو سفيان ومن معه بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً (عليه السلام) فقال: اخرج في آثار القوم وانظر ماذا يصنعون، فإن كانوا قد جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل فإنّهم يريدون مكّة، وإن ركبوا الخيل وساقوا الإبل فهم يريدون المدينة قال عليّ (عليه السلام): فخرجتُ في آثارهم فرأيتهم جنّبوا الخيل وامتطوا الإبل يريدون مكّة[21] ولمّا رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى أهله ناول سيفه ابنته فاطمة (عليها السلام) وقال: اغسلي عن هذا دمه يابنية، وناولها عليّ (عليه السلام) سفيه وقد خضّب الدم يده إلى كتفه، فقال لها رسول الله (صلى الله عليه وآله): خذيه يافاطمة فقد أدّى بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش[22] كانت معركة اُحد قاسية نتيجتها، شديدة وطأتها،باهضة مكلّفة خسارتها، ورغم مرارة المعركة نلمح فيها ومضات ساطعة من مواقف عليّ (عليه السلام).

فقد امتاز باُمور دون أن يشاركه فيها أحد:
1 ـ إنّه كان صاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله) والتي لم تسقط الى الأرض رغم فرار أغلب المسلمين.
2 ـ قتله (عليه السلام) أصحاب راية المشركين الذين تصدّوا لحملها، وقد أظهر بذلك حنكة عسكرية وشجاعة فذّة، وأحدث بذلك شرخاً كبيراً في صفوف المشركين كان سبباً في هزيمتهم في أوّل المعركة.
3 ـ ثباته (عليه السلام) مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعدم فراره بعدما فرّ عنه الناس يدلّ على إيمانه المطلق بالمعركة، والذي يكشف عن عمق العقيدة ورسوخها في نفسه (عليه السلام).
4 ـ إنّه كان هو المحامي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) والدافع عنه كتائب المشركين الذين قصدوا قتل النبي (صلى الله عليه وآله) فكان (عليه السلام) يمثّل الدرع التي تقي رسول الله عن وصول مكروه إليه، وهذا يدلّ على عظيم حبّه للرسول وتفانيه في الحرص على سلامته.
5 ـ إنّ أكثر المقتولين من المشركين يومئذ قتلاه[23] وهذا يدلّ على فاعليته القتالية العالية وقوّته وشجاعته (عليه السلام).
6 ـ الأخلاق والقيم العالية التي عكسها في المعركة حيث ترك الإجهاز على طلحة بن أبي طلحة عندما كشف عن عورته حياءً منه (عليه السلام) وتكرّماً.
7 ـ إنّه (عليه السلام) كان قريباً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ملازماً له حيث كان الرسول يوجّهه ليرد الهاجمين عليه، وأيضاً هو الذي أخذ بيد النبي (صلى الله عليه وآله) لمّا سقط في إحدى الحفر التي حفرها أبو عامر الراهب في ساحة المعركة ليقع فيها المسلمون[24]كما إنّه هو الذي حمل الماء بدرقته الى النبيّ (صلى الله عليه وآله) ليغسل الدم والتراب عن وجهه ورأسه.
8 ـ ورغم الجراحات التي تعرّض لها عليّ (عليه السلام) والجهد الذي بذله فقد أرسله النبيّ (صلى الله عليه وآله) بعد انصراف قريش عن المعركة ليستطلع أخبارهم وهذا يدلّ على ثقة الرسول بقدرة عليّ ودقّة ضبطه للمعلومات وحنكته في معالجة الاُمور الطارئة فالمعركة لم تنته بعد تماماً[25].
*****************
[13] الكامل في التأريخ: 2 / 150، وسيرة ابن هشام: 3 / 64.
[14] مغازي الواقدي: 1 / 224، والكامل في التأريخ: 2 / 152، وسيرة ابن هشام: 3 / 66.
[15] تأريخ الطبري: 2/199 ط مؤسسة الأعلمي.
[16] سيرة ابن هشام: 3 / 73.
[17] الكامل في التاريخ: 2 / 152 ـ 154.
[18] تأريخ الطبري: 2/194 ط مؤسسة الأعلمي.
[19] الكامل في التأريخ: 2 / 154، وأعيان الشيعة: 1 / 288، وبحار الأنوار: 20 / 54.
[20] الكامل في التأريخ: 2 / 154، وفرائد السمطين للحمويني:1 / 257 الحديث 198، 199وتأريخ دمشق لابن عساكر: 1 / 148 وروضة الكافي :الحديث : 90
[21] أعيان الشيعة: 1 / 389، والسيرة النبوية لابن هشام: 3 / 94.
[22] أعيان الشيعة: 1 / 390.
[23] الإرشاد : 82 ، الفصل 23 الباب 2.
[24] سيرة ابن هشام: 3 / 80 .
[25] هذه الامتيازات لعليّ (عليه السلام) في غزوة اُحد قد ذكرها العلاّمة السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة: 1 / 390 فراجع.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page