يرى بعض الباحثين أن الحزب الأموي كان وراء مقتل الخليفة الثاني خصوصاً وقد ضيق عليهم في أواخر عهده . فهذا عمرو بن العاص يتأفف ويقول : لعن اللـه زماناً صرت فيه عاملاً لعمر بن الخطاب والمغيرة يحقد عليه لأنه عزله عن البصرة بعد أتِّهامه بالزنا ، وفي أكثر من مناسبة ، كان يخاطبه قائلا : واللـه لا أظن أبا بكرة قد كذب عليك ويرى عبد الرحمن بن أبي بكر أن جفينة غلام سعد بن أبي وقاص كان مشتركاً في الجريمة ، وسعد كان تربطه بالبيت الأموي قرابة حميمة حيث إن أمّه كانت أخت أبي سفيان .
والواقع : أن الأسباب التي يرى المؤرخون أنها كانت وراء إقدام أبي لؤلؤة على اغتيال الخليفة الثاني ، تافهة ، ولا يمكن أن تصمد أمام النقد ، حيث إن مجرد رفع المغيرة مولاه الضريبة عليه لا تدعو لاغتيال الخليفة بل لاغتيال مولاه والذي تذهب إليه الضريبة مباشرة ، فلما اشرف الخليفة على الوفاة جعلها شــــــورى بين ستة وجعل الإمام عليّاً (ع) واحداً منهم أما الباقون فهم : عثمان ، وعبد الرحمن بن عـوف ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص .
وكان واضحاً من طبيعة الشورى ، ومن وصية عمر بأن يؤخذ برأي الثلاثة ، الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف ، الذي كان يفضل صهره عثمان وهكذا فإن الخليفة الثاني اختار خليفته بلباقة ، ولعله فعل ذلك بوحي مخاوفه السابقة من انتقال الخلافة إلى الإمام (ع) باعتباره النجم اللامع الذي إذا سطع في سماء الخلافة ، ولم يبق لغيره بريق ، أولم يقل وهويستعرض صفات الست ، وينعت كل واحد منهم بأبشع الصفات إلاّ عليّاً فيقول فيه : لله أنت لولا دعابة فيك أما واللـه لو وليتهم لتحملنّهم على الحق الواضح والمحجة البيضاء .
وهذا يعني أن خلافة علي (ع) كانت تنسف الأسس التي بناها الخليفتان من قبله ، ولعله لذلك رفض الإمام شرطاً من عبد الرحمن بن عوف عليه بأن يعمل بسيرة الشيخين إلاّ أن الإمام (ع) حين خرج من بيت الشورى وقد تمت البيعة ، لعثمان بن عفان قال : نحن أهــل بيت النبوة ، ومعدن الحكمة ، أمان لأهل الأرض ، ونجاة لمــــن طلب ، إن لنا حقّاً إن نُعطــــه أخذناه ، وإن نمنعه نركب أعجاز الإبل .
( أي نكون تبعاً لغيرنا ) ثم التفت إلى ابن عوف وقال : ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل واللـه المستعان على ما تصفون واللـه ما ولَّيته الأمر إلاّ ليردَّه عليك [58] .
وقال أيضاً : أيها الناس ! لقد علمتم أني أحق الناس بهذا الأمر من غيري أَمَا وقد انتهى الأمر إلى ما ترون فواللـه لأُسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن جور إلاّ عليَّ خاصة التماسا لأجر ذلك وفضله وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه [59] .
***************
([58]) راجع : سيرة الأئمة الاثنى عشر ( ج1 / ص 394 ) .
([59]) المصدر : ص ( 397 ) .