طباعة

سياسته في عهد معاوية

سياسته في عهد معاوية :

وهكذا قاد الإما الحسن المجتبى (ع) معارضة سياسية قوية ، ولكن من دون الحرب . وكان يوجه شيعته هنا وهناك ، وينظم صفوفهم ، وينمي كفاءاتهم ، ويدافع عنهم أمام بطش معاوية وكيده . وفي ذات الوقت كان (ع) يقوم بنشر الثقافة الإسلامية في كافة البلاد ، إما عن طريق الرسائل والموفودين من تلامذته البارعين الذين كان يتكفل أمورهم المادية والمعنوية ثم يبعثهم إلى الآفاق ، أو عبر الخطب التي كان يلقيها في مواسم الحج وغيرها ، فيملك ناحية الأمة ويستأثر بقيادتها الثقافية . ومن ذلك أيضاً ، نستطيع أن ندرك سر اختياره المدينة المنورة كوطن دائم له ، حيث كان فيها من الأنصار وغيرهم ممن يقدر على إرشادهم وتوجيههم ، وبذلك يستطع أن يشقّ طريقه إلى إرشاد الأمة وتوجيهها ، حيث كان الأنصار وأولادهم هم القدوة الفكرية للأمة ، فمَن ملك قيادة الأنصار ملك قيادة الأمة فعلاً .
الشهادة : العاقبة الحسنى
لقــد دعت سياسة الإمام الرشيدة ومكانته المتنامية في الأمة معاوية إلى أن يشك في قدرته على مناوأته، واستئثاره - من ثم - بقيادة الأمة ، حيث إنه ما خطى خطوة تُالف قِيَمَ الحق أو مصالح الأمة ، إلاّ وعارضه الإمام واتَّبعته الأمة في ذلك ، ففشلت مساعي معاوية وخابت آماله ، فدبَّر حيلة كانت ناجحة إلى أبعد الحدود ، تلك هي الفتك بحياة الإمام (ع) عن طريق سمٍّ بعثه إلى زوجته . وقد سبق القول : في أن منطق معاوية كان يبرّر له كلّ جريمة ، وكان له جنود من عسل على حدّ تعبيره ، فإذا كره من فرد شيئاً بعث إليه عسلاً ممزوجاً بالسمّ فيقتله بذلك .
وقد جعل مثل ذلك بالإمام الحسن (ع) مرات عديدة ، فلم يؤثر فيه ، وباءت مساعيه بالفشل . إلا أنه ذات مرة بعث إلى عاهل الروم يطلب منه سمّاً فتَّاكاً ، فقال ملك الروم : إنه لا يصلح لنا في ديننا أن نعين على قتال من لا يقاتلنا ، فراسله معاوية يقول : إن هذا الرجل هو ابن الذي خرج بأرض تهامة - يعني رسول اللـه (ص) - خرج يطلب ملك أبيك ، وأنا أُريد أن أدس إليه السمّ ، فأريح منه العباد والبلاد .
فبعث ملك الروم إلى معاوية بالسمّ الفتاك الذي دسه إلى الإمام (ع) عن طريق جعدة الزوجة الخائنة التي كانت تنتمي إلى أسرة فاجرة ، حيث اشترك أبوها في قتل أمير المؤمنين وأخوها في قتل الإمام الحسين ( عليهما السلام ) فيما بعد .
وفي ذلك النهار حيث كان قد مضى أربعون يوماً أو ستون على سقيه السمّ ، وقد أتمَّ وصاياه التي أوصى بها إلى أخيه الإمام الحسين (ع) ، وعلم باقتراب أجله ، فكان يبتهل إلى اللـه تعالى قائلاً :
اللـهمّ إني أحتسب عندك نفسي ، فإنها أعز الأنفس عليّ لم أُصَب بمثلها . اللـهمَّ آنس صرعتي ، وآنس في القبر وحدتي ، ولقد حاقت شربته ( أيّ معاوية ) . واللـه ما وفيَ بما وعد ، ولا صدق فيما قال .
وكان يتلو آياتٍ من الذِّكْرِ الحيكم حين التحق بالرفيق الأعلى سلام اللـه عليه .