طباعة

الأصل الكريم (ولادته ونشأته )

الامــام الحســن ( عليه السلام ) قدوة وأسوة
الفصل الأول : الأصل الكريم
ولادته ونشأته :

 

 

1- النبي في رحلة :
في ليلة النصف من رمضان . كان بيت الرسالة يستقبل وليده الحبيب ، وقد كان ينتظره طويلا .. واستقبله كما تستقبل الزهرة النضرة قطرة شفافة من الندى بعد العطش الطويل .
والوليـــد يتشابه كثيراً وجدَّه الرسول العظيم ، ولكنّ جدَّه لم يكن شاهَد ميلاده حتى تُحمل إليه البشرى . فقد كان في رحلة سوف يرجع منها قريباً .
وكان أفراد الأسرة ينتظرون باشتياق ، ولا يتحفون الوليد بسنن الولادة ، حتى إذا جاء الرسول (ص) أسرع إلى بيت فاطمة (ع) على عادته في كل مرة عندما كان يدخل المدينة بعد رحلة . وعندما أتاه نبأ الوليد غَمَره الْبُشر ، ثم استدعاه . حتى إذا تناوله أخذ يشمّه ويقبّله ويؤذِّن له ويُقيم ، ويأمر بخرقة بيضاء يلف بها الوليد ، بعدما ينهى عن الثوب الأصفر .
ثم ينتظر السماء هل فيها للوليد شيء جديد ، فينزل الوحي ، يقول : إن اسم ابن هارون - خليفة موسى (ع) كان شبَّراً .. وعلي منك بمنزلة هارون من موسى فسمِّه حَسَناً ، ذلك أن شُبَّراً يرادف الحسن في العربية .
وسار في المدينة اسم الحسن ، كما يسير عبق الورد . وجاء المبشرون يزفون أحر آيات التهاني إلى النبي (ص) ، ذلك أن الحسـن (ع) كان الولد البكر لبيت الرسالة ، يتعلق به أمل الرسول وأصحابه الكرام . فهو مجدد أمر النبي الذي سوف يكون القدوة والأسوة للصالحين من المسلمين .. إنه امتداد رسالة النبي من بعده . وفي الغد يأمر الرسول (ص) بكبش ، يعق عنه ، فلما يأتون به يجيء بنفسه ليقرأ الدعاء بالمناسبة فيقول :
بسم اللـه الرحمن الرحيم
عقيقة عن الحسن :
اللـهم عظمُها بعظمــــــه ، ولحمُها بلحمه ، ودمُها بدمه ، وشعرُها بشعره ، اللـهمَّ اجعلها وقاءً لمحمد وآلـــه .
ثم يأمر بأن يوزع اللحم على الفقراء والمساكين ، لتكون سنّة جارية من بعده ، تَذبح كلّ أسرة ثريَّة كبشاً بكل مناسبة متاحة ، لتكون الثروة موزعة بين الناس ، لا دَولة بين الأغنياء منهم .
ثم يأخذه الرسول ذات يوم وقد حضرت عنده لبابة - أم الفضل - زوجة العباس بن عبد المطلب عمِّ النبيِّ (ص) فيقول لها : رأيتِ رؤيا ، في أمري ..
فتقول : نعم يا رسول اللـه ..
فيقول (ص) : قُصِّيها .
فتقول : رأيت كأن قطعة من جسمك وقع في حضني .
فناولها الرسول (ص) الرضيع الكريم ، وهو يبتسم ويقول : نعم هذا تأويل رؤياك . إنه بضعة مني . وهكذا أصبحت أم الفضل مرضعة الحسن (ع) .
.. ويشب الوليد في كنف الرسول الأعظم (ص) ، وتحت ظلال الوصي (ع) ، وفي رعاية الزهراء (ع) ، ليأخذ من نبع الرسالة كلّ معانيها ، ومن ظلال الولاية كلّ قِيَمِها ومن رعاية العصمة كلّ فضائلها ومكارمها . ولايزال النبي والوصي والزهراء عليهم جميعاً صلوا ت اللـه يُوْلُون العناية البالغة التي تنمي مؤهلاته .
الوراثة :
وليس هناك من شك بأن للوراثة أثرها الكبير في صياغة الفرد صياغة مكيّفة بالبيئة التي انبعث منها وخلق فيها . وبيتُ أبناء أبي طالب ، كان خير البيوت لإنشاء الإنسان الكامل ، فكيف وقد وُلد الحسن (ع) من عبد المطلب مرتين ، مرة من علي بن أبي طالب وأخرى من فاطمة بنت محمد بن عبد اللـه بن عبد المطلب ( صلى اللـه عليهم وآلهم ) ؟. كما كان علي (ع) مولوداً عن هاشم مرتين . ولا نريد أن نشرح مآثر بيت هاشم ، وبالخصوص أسرة عبد المطلب فيهم ، فإنها ملأت السهل والجبل ، بل أقول : ناهيك عن بيت بزغ منه الرسول الأكرم ، محمد (ص) ، والوصي العظيم علي (ع) ، وحسب علمِ حساب الوراثة أن التأثير قد يكون من جهة الأب فيستصحب كلّ سماته وصفاته . وقد يكون من جانب الأم ، وقد تحقق في الحسن (ع) هذا الأخير . فقد برزت فيه سمات أمه الطاهرة لتعكس صفات والدها العظيم محمد النبي (ص) ، فكان أشبه ما يكون بالنبي منه بالإمام ، وطالما كان يطلق النبي قوله الكريم :
الحسن مني والحسين من علي .
وقد يمكن أن نجد تفسيراً لهذه الكلمة في الأحداث التي جرت بعد الرسول (ص) وطبيعة الظروف التي قضت عند الحسن (ع) أن يتخذ منهج الرسول أُسوةً له دقيقة التطبيق شاملة التوفيق ، فيعطي الناس من عفوه وصفحه ، ويعطي أعداءه من صُلحه ورِفقه ، مثلما كان يعطي الرسول تماماً .. كما اقتضت عند الحسين (ع) أن يبالــــغ في شدّته في الدِّين ، وغيرته عليه ، ويبدي من منعته ورفعته في أمـوره ، ما جعـل تشابهاً كبيراً بينه وبين عهد علي (ع) مع المشركين والكافرين والضالين .