• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ميراث الشهادة

ميراث الشهادة


انطبعت ملحمة كربلاء في فؤاد فاطمة بنت الحسين سلام الله عليه ، التي شاركت في كل فصول ملحمة الشهادة . وكانت منذ خروجهـا من المدينة المنـورة الى ان دخلـت مكة المكرمة برفقة أبيها ، ثم الى أن وردت أرض الملاحم البطولية ، ارض كربلاء المطهرة ، كانت رقيبة ومساهمة في كل الحوادث . كانت الى جنب عمتها زينب عليها السلام عندما وقعت الواقعة في يوم عاشــوراء ، وكانت تراقب وتلاحــق وكذلك تتعاون في ختلف مجالات الصراع .
كانت تتفـاعل نفسياً مع كل الحوادث ؛ شهادة اصحاب أبيها وبتـلك الصـورة الفجيعة ، ثم شهادة سبعـة عشـرة من اخوتها واعمامها وبني اعمامها ، ثم واخيراً شهادة أبي عبد الله الحسين ومعه الطفل الرضيع وبتلك الصورة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً . كل ذلك انطبع في ضمير هذه العلوية التي ورثت ايمان وصبر واستقامة الذرية الطيبة ، ذرية الرسول الاكرم صلى الله عليه وآله ، ثم أضحـت كربلاء بالنسبة إليهـا رسالة لا بد أن تحملها إلى الاجيال الصاعدة .
فكيف حملت هذه الرسالة ؟
اننا نعرف ان زينب الكبرى عمة فاطمة حملت الرسالة بطريقتها الخاصة ، حيث نشرت ظلامة أبي عبد الله الحسين في كل افق ، في كل عصر وفي كل مصر ، ولكن فاطمة أدت هذه الرسالة بطريقة اخرى . لكي نعرف ذلك دعنا نتحدث قليلاً عن الجانب الاخر من الصورة ، حيث نجد الشاب الرشيد العلوي الهاشمي الحسن ابن الحسن والذي يلقب بالحسن المثنى يقبل على عمه الحسين عليه السلام ذات يوم ويخطب منه احدى ابنتيه . لعل الحسن كان يعلم في قرارة نفسه ان فاطمة هي الفتاة التي يجدر به ان يخطبها من عمه ، ولكنه استحى ان يحددها بالذات . بينما الامام الحسين سلام الله عليه كان يعرف ماذا يجري في نفس ابـن اخيـه ، لذا اختار له فاطمة ابنته . وهكذا اقترن الحسن المثنى أي ابن الحسن المجتبى سلام الله عليه ، اقترن بعقد قران مع ابنة عمه فاطمة بنت الحسين عليه السلام . وكان الحسن كسائر الهاشمين والعلويين وابناء فاطمة الزهراء قد خرج من المدينة المنورة برفقة عمه الحسين سلام الله عليه الى كربلاء المطهرة ، حيث شارك في ملحمة كربلاء وابلى بلاءاً حسناً وسقط على الارض جريحاً . لعل الحسن المثنى كان من اواخر من شارك في المعركة ، بعد ان استشهد أبو عبد الله وكل أصحابه وفتيان بني هاشم ، وظل الحسن المثنى في جانب من المعركة ينزف دماً ويئن من جراحاته . ولما انتشر جيش يزيد لقطع رؤوس اولاد رسول الله ، ووصلوا إلى مطرح الحسن المثنى وجدوا به رمقاً من الحياة ، فأراد أحدهم ان يجهـز عليه ، الا ان ابناء أخواله كانوا حاضرين فطلبـوا من القائد أن يسمح لهم بأخذ الحسن المثنى لتضميد جراحاته . وهكذا أُخذ الحسن اسيراً ، ثم أعيد الى المدينـة المنـورة ، حيث عادت إليه زوجته فاطمة بنت الحسين .
وهكـذا اشتـرك الحسن المثنى في ملحمة كربلاء وابلى بلاءاً حسناً ، وكان قد شاهد كل فصول المعركة ، وانطبعت ملحمة الرسالة بكل ما فيها من قيم البطولة والشهامـة والشهـادة ، انطبعت فـي قلبه الشريف وصاغته شخصيـة جديـدة .
تلك فاطمة وهذا الحسن اشتركا في المعركة ، اشتركا في الملحمة وساهما فيها ، ووجدا ما وجدا فيها . الآن عليهما ان ينقلا إلى العصور القادمة ، الى الاجيال الصاعدة قيم الملحمة ، ماذا فعلا ؟ انما انجبا ذرية طيبة حملت كربلاء في عمقها ، حملت القيم التي ناضل من اجلها اولئك الابطال في ضمائرها .. فكانت هذه الذرية الطيبة منشأ العديد من الحركات الثورية الجهادية الملتزمة بالخط الرسالي ، والمتمسكة باهداف القيم الايمانية . واليك بعض التفصيل عن ذرية هذين الزوجين الكريمين :
جاء في مقاتل الطالبين ؛ ان الحسن ابن الحسن خطب الى عمه الحسين ، وسأله ان يزوجه احدى ابنتيه . فقال له الحسين : اختر يا بني احبهم إليك . فاستحى الحسن ولم يحر جواباً . فقال له الحسين : فاني قد اخترت لك ابنتي فاطمـة ، فهي الاكثر شبهاً بامي فاطـمة بنت رسول
الله ( صلى الله عليه وآلـه ) .
وجاء فيه ايضاً : كان اهل الشرف وذووا القدر لا ينوطون [1] بعبد الله ابن الحسن احداً . وكان عبد الله ابن الحسن قد استشهد في محبسه في الهاشمية ، وهو ابن خمس وسبعين ، وذلك عام 145 بعد الهجرة النبوية الشريفة . وكان عبد الله هذا هو الذي حرَّض ابنيه محمد وابراهيم الذين خرجا على الحكم العباسي واستشهدا ، وسمى ابنه محمد ذو النفس الزكية . واما الابن الاخر لهذه الذرية الطيبة فهو الحسن ابن الحسن ابن الحسن السبط الامام ( عليه السلام ) ، وكان متألها فاضلاً ورعاً يذهب بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى مذهب الزيدية - كما يدعيه كتاب مقاتل الطالبين - . وينقل عن الحرث قال : كان الحسن ابن الحسن ابن الحسن ينزل منزلاً بذي الاثل فحضر المدينة وعبد الله ابن الحسن محبوس فلم يبرحها ، ولبس خشن الثياب وغليظ الكرابيس . وكان ابو جعفر يسميه الحاد ، وكان عبد الله ربما استبطأ رسل اخيه الحسن فيرسل إليه ؛ انك وولدك آمنون فـي بيوتكم ، وانا وولدي بين اسير وهارب . لقد مللت معونتـي فآنسني برسلك . وكان ذلك اذ أتى حسن بكى ، وقال : بنفس ابو محمد ؛ انه لم يزل يحشد الناس بالائمة . [2]
وأما الأخو الاخر لهذين الشبلين ، فهو ابراهيم ابن الحسن ابن الحسن . وكان ابراهيم اشبه الناس برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وقد توفي في الحبس في الهاشمية في شهر ربيع الاول سنة 145 ، وهو اول من توفي منهم في الحبس عن عمر يناهز السبعة وستين . توفي هو وابنه محمد وكان هؤلاء الاخوة الثلاثة الذين اعتبروا رموز الثورة الرسالية في عصرهم هم اولاد السبطين الشهيدين . فهم أحفاد الامام الحسن المجتبى من ابنه الحسن المثنى وأحفاد الامام الحسين من ابنته فاطمة سلام الله عليهم جميعاً .
وكان للحسن ابن الحسن المعروف بالمثنى اولاد آخرون من امهات اخريات ، وكان من أحفاده علي ابن الحسن ابن الحسن الذي كان يعتبر من أعبد وأزهد اهل زمانه ، وكان يقال له علي الخير وعلـي الأغر وعلي العابد ، وكان يقال له ولزوجته زينب بنت عبد الله ابن الحسن الزوج الصالح . وقد حدّث بعضهم انه رأى علي ابن الحسن قائماً يصلي في طريق مكة فدخلت افعى في ثيابـه من تحت ذيله حتى خرجـت من ذيقته ، فصاح به الناس : الافعى في ثيابك ، وهو مقبل على صلاته . ثم انسابت فمرت فما قطع صلاته ولا تحرك ولا رأى اثر ذلك في وجهه .
بلــى ؛ ان الرجـل الذي يتربى في حضن الحسن المثنى
ابن كربلاء ، ابن الشهادة ، ابن الملحمة وابن الرسالة ينبغي ان يكون في هذا المستوى من العبادة والتواصل مع رب العباد . ولما وقعت ثورة أولاد الحسن وما سمي بحركة محمد ذي النفس الزكية ، واقدم العباسيون على اعتقال كل اولاد الحسن ، كان قد افلت منهم علي ابن الحسن ، فيقول الرواة :
ان السجان الذي كان يسمى برياح كان اذا صلى الصبح ارسل الى ندمائه ليحدثهم ساعة .. يقول بعض ندمائه وهو عيسى ابن عبد الله ، يقول : وإنا لعنده يوماً فلمـا اسحرنا فاذا برجل ملتقف وشاحاً له ، فقال له ريـاح : مرحباً بك واهلاً ، ماحاجتك ؟
قال : جئتك لتحبسني مع قومي . فاذا هو علي ابن الحسن .
فقال له ريـاح : اما والله ليعرفنها لك امير المؤمنين ، فحبسه معهم .
هكـذا كانوا يتنافسون على المكـرمات ، وكان السجن بالنسبه إليهم قضية طبيعية ، والسجن الذي سجن اولاد الحسن ، سجناً عجيباً .
يقول موسى ابن عبد الله ، وهو احد احفاد هؤلاء الاخـوة الرساليين ، يقول : حبسنا في المطبخ ، فما كنا نعرف اوقات الصلاة الا بأجزاء ( من القرآن ) يقرأها علينا علي ابن الحسن ابن الحسن ، وقد توفي علي ابن الحسن وهو ساجد في سجن ابي جعفر . فقال عبد الله ايقظوا ابن اخي فاني أراه قد نام في سجوده . قال : فحركوه فإذا هو قد فارق الدنيا . فقال : رضي الله عنك .
وكانوا في السجن مقيدين بقيود ، فضجر عبد الله ضجرة ، فقال : يا علي ؛ اما ترى ما نحن فيه من البلاء ، ألا تطلب الى ربك عزوجل انه يخرجنا من هذا الضيق والبلاء . فسكت عنه طويلاً ثـم قال له : يا عم ان لنا في الجنـة درجة لم نكـن نبلغها الا بهذه البلية او بما هو اعظم منها ، وان لأبي جعفر ( يقصد المنصور الدوانيقي الطاغية الذي سجنهم ) في النار موضعاً لم يكن ليبلغه حتى يبلغ منا هذه البليــة او اعظم منها . فإن تشأ أن تصبر فما أوشك فيما اصبنا ان نموت فنستريح من هذا الغم كأن لم يكن شيء ، وان تشأ ان ندعوا ربنا ان يخرجك من هذا الهم وان يقصر بأبي جعفر نهايته التي له في النار فعلنا . قال : لا ؛ بل أصبر . فما مكثوا إلاّ ثلاثة حتى قبضهم الله إليه ، وهكذا توفي علي ابن الحسن وهو ابن خمسة واربعين سنة لسبع بقين من المحرم سنه 146 هـ .

 

__________________________
[1] أي لا يستبدلون بعبد الله بن الحسن احداً .
[2] مقاتل الطالبين / ص 126 ( بالائمة : يعني يقلب الناس ضد الحكام ) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page