• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

وقفة بين الرؤيتين

وقفة بين الرؤيتين:

على الرغم من اتحاد الرؤيتين بين الإمام الحسين (عليه السلام) والإعلان العالمي لحقوق الإنسان من حيث تناول الاثنين لهذه المسألة الهامة، إلا أن هناك فارق بين الرؤيتين من جهة طبيعة ذلك التناول، وسعته وضيقه.
فالرؤية التي ساقها لنا الإعلان العالمي لم تكن قد تميزت بتلك الدقة، والإحاطة التي ساقها لنا الإمام الحسين (عليه السلام).
ففي مسألة الحرية وانتهاكها، ميز الإمام الحسين (عليه السلام) بين نوعين من الانتهاك بما يدل على وجود نوعين من الانتهاك هما:
1ـ الانتهاك الخارجي لحقوق الإنسان: وهذا النوع من الانتهاك يأتي من قبل قوة خارجة عن الإنسان، وهذه القوة قد تكون دولة، أو جهة، أو إنسان آخر.
2ـ الانتهاك الداخلي: وهذا النوع من الانتهاك يأتي من قبل الإنسان نفسه على نفسه فيصادر حقوقه، أو يتنازل عنها بنفسه، وهذا النوع من الانتهاك يفوق بخطورته بكثير النوع الأول لصعوبة زوال آثاره فيما لو تمكن من الإنسان، ونظرا لتلك الخطورة لم تجد الإمام الحسين (عليه السلام) قد أغفل جانبه وإنما أشار إليه، وأكد عليه في أشد المواقف وأخطرها ليوجه الناس إلى مدى خطورته على الإنسان.
فحول الظلم الخارجي وظلم الحاكم تحديدا باعتباره أظهر مصاديق الانتهاك الخارجي، وأبرزها شيوعا ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) قوله: "بأبي أنت وأمي يا رسول الله ـ ويخاطب بذلك جده رسول الله حين وقف على قبره الشريف ـ لقد خرجت من جوارك كرها، وفرق بيني وبينك حيث إني لم أبايع ليزيد بن معاوية، شارب الخمور، وراكب الفجور، وها أنا خارج من جوارك على الكراهة فعليك مني السلام"(9).
وقال في ذلك: "أني لا أبايع له أبدا... ويزيد رجل فاسق، معلن الفسق ويشرب الخمر ويلعب بالكلاب والفهود .."(10).
هذا بالنسبة للانتهاكات الخارجية فقد ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) نقد شديد لهذه الحالة الخطيرة التي تغزو النفس الإنسانية، وقد بدأ الإمام الحسين (عليه السلام) بتناول هذه الظاهرة مبتدئا بنفسه ليكون تأثير ذلك أبلغ في نفوس الآخرين، فقد قال: "والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد" (11). ثم قال: "الناس عبيد الدنيا، والدين لعق على ألسنتهم، فإن محصوا بالبلاء قل الديانون"(12).
لقد كان الإمام الحسين (عليه السلام) ينادي بعدم انتهاك الإنسان لحق نفسه بالحرية حتى أواخر لحظات حياته حين كان واقعا على الأرض في كربلاء، ولم يفصل بينه وبين الموت سوى لحظات، حيث خاطب قتلته حينها قائلا: "ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحرارا في دنياكم هذه.."(13).
وقال أيضا: "رحلي لكم عن ساعة مباح، فامنعوه جهالكم وطغاتكم وكونوا في الدنيا أحرارا إن لم يكن لكم دين "(14).
لقد حذر الإمام الحسين (عليه السلام) من انتهاك الإنسان لحريته لما سوف يجر إليه ذلك الانتهاك من مآسي على الإنسان، وعلى المجتمع على حد سواء، إذ ليس الفرد سوى لبنة في بناء مجتمعه. فمن التحذيرات لتلك النتائج نورد شاهدا على ذلك من أقوال الإمام الحسين حيث يقول في ذلك: "ولكنكم مكنتم الظلمة في منزلتكم، وأسلمتم أمور الله في أيديهم يعملون بالشبهات، ويسيرون في الشهوات، سلطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم، فأسلمتم الضعفاء في أيديهم، فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب، يتقلبون في الملك بآرائهم ويستشعرون الخزي بأهوائهم، إقتداءً بالأشرار، وجرأة على الجبار، في كل بلد منهم على منبره خطيب يصقع، فالأرض لهم شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة، والناس لهم خول لا يدفعون يد لامس..."(15).
خلاصة القول يعد انتهاك الإنسان لحرية نفسه، وحقوقه أشد خطورة عليه من انتهاك الآخرين لحقوقه، إذ في الحالة الأولى سوف ينسى الإنسان نفسه بما يسلط عليه الطغاة دون أن يلتفت إلى ما يتكون من حقوقه ما دام هو الذي بدأ بذلك، والشواهد من التاريخ المعاصر كثيرة على ذلك، فقد حدث أن بادر الهنود السود في أميركا إلى العودة للعبودية من تلقاء أنفسهم بعدما حررهم الرئيس الأسود ابراهام لنكولن من ذلك لاعتيادهم العبودية، وكذلك بالنسبة للطبقات الاجتماعية المتدنية في الهند ـ حسب تقسيماتهم الطبقية قديما ـ حين حرروا.

___________________________________________
9- فخر الدين الطريحي النجفي، المنتخب، منشورات الشريف الرضي، قم، 1413هـ، ص410.
10- أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم، مقتل الحسين، مكتبة المفيد، قم، ج1، ص182.
11- أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الطبري، دار الكتب الإسلامية، بيروت، 1406هـ، ج3، ص318.
12، 13- أبو الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي، البدابة والنهاية، دار إحياء التراث، بيروت، 1408هـ، ج8، ص203.
14- أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، دار المعرفة، بيروت، ص118.
15- أبو محمد الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، تحف العقول، منشورات الشريف الرضي، قم، 1380هـ، ص168.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page