طباعة

مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام)

الفصل الثالث
مظاهر من شخصيّة الإمام زين العابدين(عليه السلام)


الحـلـم

كان الإمام من أعظم الناس حلماً، وأكظمهم للغيظ، فمن صور حلمه التي رواها المؤرّخون :
1 ـ كانت له جارية تسكب على يديه الماء إذا أراد الوضوء للصلاة، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله عزّوجلّ يقول: (والكاظمين الغيظ) وأسرع الإمام قائلاً : «كظمت غيظي»، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة: (والعافين عن الناس) فقال الإمام(عليه السلام): «عفا الله عنك»، ثمّ قالت: (والله يحبّ المحسنين) فقال (عليه السلام) لها: «إذهبي فأنت حرّة»[1].
2 ـ سبّه لئيمٌ فأشاح(عليه السلام) بوجهه عنه، فقال له اللئيم: إيّاك أعني... وأسرع الإمام قائلاً: «وعنك اُغضي...» وتركه الإمام ولم يقابله بالمثل[2].
3 ـ ومن عظيم حلمه (عليه السلام): أنّ رجلاً افترى عليه وبالغ في سبّه، فقال(عليه السلام) له: «إن كُنّا كما قلت فنستغفر الله، وإن لم نكن كما قلت فغفر الله لك...»[3].
السخاء
أجمع المؤرِّخون على أنّه كان من أسخى الناس وأنداهم كفّاً، وأبرَّهم بالفقراء والضعفاء، وقد نقلوا نوادر كثيرة من فيض جوده، منها:
1 ـ مرض محمّد بن اُسامة فعاده الإمام (عليه السلام) ، ولمّا استقرّ به المجلس أجهش محمّد بالبكاء، فقال له الإمام(عليه السلام): ما يبكيك؟ فقال: عليّ دين، فقال له الإمام: كم هو؟ فأجاب: خمسة عشر ألف دينار، فقال له الإمام(عليه السلام): هي عليّ، ولم يقم الإمام من مجلسه حتى دفعها له[4].
2 ـ ومن كرمه وسخائه أنّه كان يطعم الناس إطعاماً عامّاً في كلّ يوم، وذلك في وقت الظهر في داره[5].
3 ـ وكان يعول مائة بيت في السرّ، وكان في كلّ بيت جماعة من الناس[6].
تعامله مع الفقراء
أ ـ تكريمه للفقراء : كان(عليه السلام) يحتفي بالفقراء ويرعى عواطفهم ومشاعرهم، فكان إذا أعطى سائلاً قبّله، حتى لا يُرى عليه أثر الذلّ والحاجة[7]، وكان إذا قصده سائل رحّب به وقال له: «مرحباً بمن يحمل زادي إلى دار الآخرة»[8].
ب ـ عطفه على الفقراء: كان(عليه السلام) كثير العطف والحنان على الفقراء والمساكين، وكان يعجبه أن يحضر على مائدة طعامه اليتامى والأضراء والزمنى والمساكين الذين لا حيلة لهم، وكان يناولهم بيده، كما كان يحمل لهم الطعام أو الحطب على ظهره حتى يأتي باباً من أبوابهم فيناولهم إيّاه[9]. وبلغ من مراعاته لجانب الفقراء والعطف عليهم أنّه كره اجتذاذ النخل في الليل; وذلك لعدم حضور الفقراء في هذا الوقت فيحرمون من العطاء، فقد قال(عليه السلام) لقهرمانه وقد جذّ نخلاً له من آخر الليل: «لا تفعل، ألا تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحصاد والجذاذ بالليل؟!». وكان يقول: «الضغث تعطيه من يسأل فذلك حقه يوم حصاده»[10].
ج ـ نهيه عن ردّ السائل: ونهى الإمام(عليه السلام) عن ردّ السائل; وذلك لما له من المضاعفات السيّئة التي منها زوال النعمة وفجأة النقمة.
وأكد الإمام(عليه السلام) على ضرورة ذلك في كثير من أحاديثه، فقد روى أبو حمزة الثمالي، قال: صلّيت مع عليّ بن الحسين الفجر بالمدينة يوم جمعة، فلمّا فرغ من صلاته نهض إلى منزله وأنا معه، فدعا مولاةً له تسمّى سكينة، فقال لها: «لا يعبر على بابي سائل إلاّ أطعمتموه فإنّ اليوم جمعة»،فقال له أبو حمزة: ليس من يسأل مستحقاً، فقال(عليه السلام): «أخاف أن يكون بعض من يسألنا مستحقاً فلا نطعمه، ونردّه فينزل بنا أهل البيت ما نزل بيعقوب وآله، أطعموهم، أطعموهم، إنّ يعقوب كان يذبح كلّ يوم كبشاً فيتصدّق منه، ويأكل منه هو وعياله، وإنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً مستحقّاً، له عند الله منزلة اجتاز على باب يعقوب يوم جمعة عند أوان إفطاره، فجعل يهتف على بابه: أطعموا السائل الغريب الجائع من فضل طعامكم، وهم يسمعونه، قد جهلوا حقّه، ولم يصدّقوا قوله، فلمّا يئس منهم وغشيه الليل مضى على وجهه، وبات طاوياً يشكو جوعه إلى الله، وبات يعقوب وآل يعقوب شباعاً بطاناً وعندهم فضلة من طعامهم، فأوحى الله إلى يعقوب في صبيحة تلك الليلة: لقد أذللت عبدي ذلة استجررت بها غضبي، واستوجبت بها أدبي ونزول عقوبتي، وبلواي عليك وعلى ولدك، يا يعقوب أحبّ أنبيائي إليّ وأكرمهم عليّ من رحم مساكين عبادي وقرّبهم إليه وأطعمهم وكان لهم مأوى وملجأ، أما رحمت عبدي المجتهد في عبادته، القانع باليسير من ظاهر الدنيا؟! أما وعزّتي لأنزلنّ بك بلواي، ولأجعلنّك وولدك غرضاً للمصائب. فقال أبو حمزة: جعلت فداك متى رأى يوسف الرؤيا؟ قال(عليه السلام): في تلك الليلة التي بات فيها يعقوب وآله شباعاً وبات السائل الفقير طاوياً جائعاً»[11]. 
__________________________________

[1] أمالي الصدوق : 168 ح 12 والارشاد : 2/146 ، ومناقب آل أبي طالب : 4/157، تاريخ دمشق : 36/155 وابن منظور في مختصره: 17/240 ، وسير أعلام النبلاء : 4/397 ، ونهاية الارب : 21/326 .
[2] مناقب آل أبي طالب : 4/171 ، والبداية والنهاية : 9 / 105.
[3] الإرشاد : 1/146 عن نسب آل أبي طالب للعبيدلي النسّابة م 270 هـ .
[4] الإرشاد : 2/149، ومناقب آل أبي طالب : 4/163 وراجع: البداية والنهاية : 9 / 105، وسير أعلام النبلاء: 4 / 239.
[5] تأريخ اليعقوبي : 2 / 259 ط بيروت.
[6] مناقب آل أبي طالب: 4/166 عن الباقر(عليه السلام) وعن أحمد بن حنبل، وكشف الغمة: 2/289 عن مطالب السؤول عن حلية الأولياء ، وفي الكشف : 2/312، عن الجنابذي، ولكن فيه: 2/304 عنه أيضاً عن الصادق(عليه السلام) قال: كان يعول سبعين بيتاً .
[7] حلية الأولياء : 3 / 137، وعنه في مناقب آل أبي طالب: 4/167.
[8] كشف الغمة : 3/288 عن مطالب السؤول للشافعي عن حلية الأولياء للاصفهاني.
[9] مناقب آل أبي طالب : 4/166 و 167 عن الباقر (عليه السلام) .
[10] بحار الأنوار : 46 / 62.
[11] علل الشرائع : 1/61 ب 42 ح 1 ط بيروت.