• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التمرّد على حكومة الإمام

التمرّد على حكومة الإمام

وثارت القوى المنحرفة عن الحقّ والمعادية للإصلاح الاجتماعي على حكومة الإمام رائد الحق والعدالة في دنيا الإسلام، وقد أرادوا منه أن يعدل عن منهجه، ويسير وفق مخططاتهم الهادفة إلى ضمان مصالحهم، ومنحهم الامتيازات الخاصة، فأبى(عليه السّلام) إلاّ أن يسير بسيرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ويطبّق قانون الإسلام وتعاليم القرآن، ونشير إلى بعض هؤلاء المتمرّدين الذين شقّوا صفوف المسلمين، وأغرقوا البلد في المحن والاضطراب، وأشاعوا بين المسلمين الحزن والحداد، وهم:
 
طلحة والزبير
  
وبايع طلحة والزبير الإمام أمير المؤمنين، وانعقدت بيعته في أعناقهما، ولكن الأطماع السياسية والشورى العمرية التي نفخت فيهما روح الطموح، وساوت بينهما وبين بطل الإسلام وأخي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وهي التي دفعتهما إلى إعلان التمرّد، وقد خفّا إلى الإمام(عليه السّلام) وقد أترعت نفوسهما بالأطماع والكيد للإسلام فقالا للإمام:

هل تدري على ما بايعناك يا أمير المؤمنين؟

فأسرع الإمام قائلاً:

(نعم على السمع والطاعة، وعلى ما بايعتم عليه أبا بكر وعمر وعثمان..).

فرفضا ذلك، وقالا: لا، ولكن بايعناك على أنّا شريكاك في الأمر.

فرمقهما الإمام بطرفه، وأوضح لهما ما ينبغي أن يكونا شريكين له قائلاً:

(لا، ولكنّكما شريكان في القول والاستقامة، والعون على العجز والأولاد).

لقد أعربا عن أطماعهما وأنّ بيعتهما للإمام لم تكن من أجل صالح المسلمين وجمع كلمتهم، وقاما مغضبين، فقال الزبير في ملأ من قريش: هذا جزاؤنا من عليّ، قمنا له في أمر عثمان حتى أثبتنا عليه الذنب، وسبّبنا له القتل، وهو جالس في بيته، وكفي الأمر، فلمّا نال بنا ما أراد جعل دوننا غيرنا…

وقال طلحة: ما اللوم إلّا أنّا كنّا ثلاثة من أهل الشورى كرهه أحدنا(1) وبايعناه، وأعطيناه ما في أيدينا ومنعنا ما في يده، فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا..

والشيء المؤكّد أنّهما لم يعرفا عليّاً، ولم يعيا أهدافه في عالم الحكم، ولو عرفاه ما نازعاه، أو أنّهما عرفاه وحالت أطماعهما وجشعهما على منازعته، وانتهى حديثهما إلى الإمام فاستدعى مستشاره عبد الله بن عباس فقال له: (بلغك قول الرجلين..).

نعم.

(أرى أنّهما أحبّا الولاية فولِّ البصرة الزبير، وولِّ طلحة الكوفة..).

ولم يرتض الإمام رأي ابن عباس، فقال مفنّداً لرأيه:

(ويحك إنّ العراقين - البصرة والكوفة- بهما الرجال والأموال، ومتى تملّكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقويا على القوي بالسلطان، ولو كنت مستعملاً أحداً لضره ونفعه لاستعملت معاوية على الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية لكان لي فيهما رأي..).

لقد كان الإمام عالماً بأطماعهما، وما انطوت عليه نفوسهما من التهالك على الامرة والسلطان، ولو كان يعلم نزاهتهما واستقامتهما لولاّهما البصرة والكوفة.

ولمّا علم طلحة والزبير أنّ الإمام لا يولّيهما على قطر من أقطار المسلمين خفّا إليه طالبين منه الإذن بالخروج قائلين: ائذن لنا يا أمير المؤمنين...

(إلى أين؟).

نريد العمرة.

فرمقهما الإمام بطرفه، وعرّفهما ما يريدان قائلاً لهما: (والله ما العمرة تريدان، بل الغدرة ونكث البيعة..).

فأقسما له بالإيمان المغلظة أنّهما لا يخلعان بيعته، وأنّهما يريدان أن يعتمران بالبيت الحرام، وطلب منهما الإمام أن يعيدا له البيعة ثانياً، ففعلا دون تردد، ومضيا منهزمين إلى مكة يثيرا الفتنة، ويلحقا بعائشة ليتّخذوها واجهة لتمرّدها على الحق وشقّ كلمة المسلمين.
 
تمرّد عائشة
 
 
ويجمع المؤرخون على أنّ عائشة في طليعة من أشعل نار الثورة على عثمان، فقد أفتت بقتله ومروقه من الدين، وكانت تسمّية نعثلاً، ولمّا أحاط به الثوار خرجت إلى مكة، وبعد أدائهما لمناسك الحج قفلت راجعة إلى يثرب، وهي تجدّ في السير لتنظر ما آل إليه أمر عثمان، فلمّا انتهت إلى ســـرف لقيها رجل من أخـــوالها كان قادمــــاً من المدينة، فأسرعت قائلة: مهيم..(2).

قتلوا عثمان..

وأسرعت قائلة: ثم صنعوا ماذا؟

واجتمعوا على بيعة عليّ فجازت بهم إلى خير مجاز.

ولمّا سمعت أنّ الخلافة قد آلت إلى الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) انهارت أعصابها وتحطّمت قواها، وهتفت وهي حانقة، وبصرها يشير إلى السماء ثم ينخفض فيشير إلى الأرض قائلة:

والله ليت هذه انطبقت على هذه، إن تمّ الأمر لابن أبي طالب، قتل عثمان مظلوماً، والله لأطلبنّ بدمه..

وبهر عبيد من منطقها، فقال لها باستهزاء وسخرية:

ولِمَ؟ فوالله إنّ أول من أمال حرفه لأنت، ولقد كنت تقولين: اقتلوا نعثلاً فقد كفر!!

وانبرت عائشة تبرّر هذا التناقض في كلامها وسلوكها، فقالت له:

إنّهم استتابوه ثمّ قتلوه، وقد قلت وقالوا، وقولي الأخير خير من قولي الأوّل.وهي حجّة واهية لا واقع لها، فهل أنّها كانت حاضرة حينما أحاط الثوار بعثمان فأعلن لهم توبته فلم يحفلوا بها، وعدوا عليه فقتلوه، كما تقول ولم يخف على ابن خالها هذا التناقض الصريح في قولها، فراح يرد عليها:

مِنــــــكِ البَـــــداءُ وَمِــنــــكِ الغـَيـَرْ          وَمِنْـــــكِ الـــــريَاحُ وَمِـــنْكِ المَطر

وأنــــــتِ أمــــــرْتِ بِـــقَـتْلِ الإمــام          وقُــــــلـْتِ لنـــــــا إِنّــــــه قـــد كَفَر

فَـــــهَبْنا(3) أطَـــعْنَاكِ فـي قَتلِــــــهِ          وقــــــاتِلُهُ عِـــــنْدَنَا مَــــن أمـــــــَر

وَلــــــمْ يســــقُطِ السـقْفُ من فـَوْقِنا          ولَمْ يَـــــنْكَسِفْ شَــــــمْسُنَا وَالـقَمرَ

وقــــد بايعَ النـــــاسُ ذو تـُدْرؤ(4)          يُزيلُ الشَّـــــبَا ويُــــــقيمُ الصَّــــعـرَ

وَيَلْبـَــــــسُ للـــــحرَبِ أثـــــــوابـَها          ومـــــا مَــــنْ وفى مِثْلُ مَنْ قدغَدَر

وغاظها قوله فأعرضت عنه، وقفلت راجعة إلى مكة(5) وهي كئيبة حزينة؛ لأن الخلافة آلت إلى باب مدينة علم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأبي سبطيه.

وراحت تندب عثمان، فقد اتّخذت قتله ورقة رابحة للإطاحة بحكم الإمام، يقول شوقي:

أثـــــأر عـــــثمان الـــذي شــــجاها          أم غـــــصّة لـــــم يـــنتزع شجاها

ذلـــــك فـــــتق لـــــم يــــكن بالـبال          كيـــــد النـــسـاء مــــــوهن الجبال

إنّ دم عثمان لا يصلح بأي حال من الأحوال أن يكون من بواعث ثورتها على حكومة الإمام، فقد كانت هناك أسباب وثيقة دعتها إلى هذا الموقف الذي لا تحمد عليه، وقد ذكرناها بالتفصيل في كتابنا (حياة الإمام الحسن).
 
الزحف إلى البصرة
 
 
وانضمّ طلحة والزبير إلى عائشة، ومعهما جميع رجال الحكم المباد من ولاة عثمان وغيرهم من المعادين لحكومة الإمام، وقد قرّر زعماء الفتنة الزحف إلى البصرة لاحتلالها، ونادى المنادي في مكة:

أيّها الناس، إنّ اُمّ المؤمنين وطلحة والزبير شاخصون إلى البصرة، فمن كان يريد إعزاز الإسلام، وقتال المحلين والطلب بدم عثمان، ولم يكن عنده مركب ولا جهاز فهذا جهازه، وهذه نفقته..

وزوّدوا الجند بالسلاح والعتاد والأموال، وقد كان قسم من النفقات من يعلي ابن اُمية والي عثمان، فقد أعان بأربعمائة ألف وحمل سبعين رجلاً(6).

واعتلت عائشة على جملها، ولم ترغب فيه، وصادفوا في الطريق العرني، وكان عنده جمل اُعجب به أتباع عائشة، فقالوا للعرني:يا صاحب الجمل تبيع جملك؟

نعم.

بِكَم؟

بألف درهم.

مجنون أنت، جمل يباع بألف درهم!!

نعم، جملي هذا.

وممّ ذلك؟

ما طلبت عليه أحداً إلاّ أدركته، ولا طلبني وأنا عليه قطّ إلاّ فتّه.

لو تعلم لمن نريده لأحسنت بيعنا.

لمن تريده؟

لاُمّك.

قد تركت اُمّي في بيتها قاعدة ما تريد براحاً.

إنّما نريده لاُمّ المؤمنين عائشة.

هو لكم، خذوه بغير ثمن.

لا.

ارجع معنا إلى الرحل نعطيك ناقة ونزيدك دراهم.

ورجع معهم فأعطوه ناقة مهرية وزادوه أربعمائة أو ستمائة درهم(7).

واعتلت عليه عائشة، وقد احتفى بها أنصارها من الاُمويين وغيرهم من الطامعين في الحكم.
 
ماء الحوأب
 
 
وسارت قافلة عائشة تجدّ في السير لا تلوي على شيء، فاجتازت على مكان يقال له الحوأب، قتلقّت كلاب الحيّ القافلة بهرير وعواء، فذعرت عائشة من شدّة ذلك النباح، فقالت لمحمّد بن طلحة:

أيّ ماء هذا؟

ماء الحوأب.

فذعرت عائشة، وقالت: ما أراني إلاّ راجعة.

لِمَ يا اُمّ المؤمنين؟

سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول لنسائه: (كأنّي بإحداكن قد نبحتها كلاب الحوأب(8)، وإيّاك أن تكوني يا حميراء..) فرد عليها محمّد وقال لها:

تقدمي رحمك الله، ودعي هذا القول..

ولم تقتنع عائشة وذاب قلبها أسى على ما فرّطت في أمرها. وعلم طلحة والزبير بإصرارها على الرجوع إلى يثرب فأقبلا يلهثان؛ لأنّها متى انفصلت عن الجيش تفرّق وذهبت آمالهما أدراج الرياح، فتكلّما معها في الأمر فامتنعت من إجابتهما، فجاءوا لها بشهود اشتروا ضمائرهم فشهدوا عندها أنّه ليس بماء الحوأب، وهي أوّل شهادة زور تقام في الإسلام(9)، وبهذه الشهادة الكاذبة استطاعوا أن يحرفوها عمّا صمّمت عليه.
 
في ربوع البصرة
 
 
وأشرفت قافلة عائشة على البصرة، فلمّا علم ذلك عثمان بن حنيف والي البصرة أرسل إلى عائشة أبا الأسود الدؤلي ليسألها عن قدومها، ولمّا التقى بها قال:

ما أقدمك يا اُمّ المؤمنين؟

أطلب بدم عثمان.

فردّ عليها من منطقه الفياض قائلاً:

ليس في البصرة من قتلة عثمان أحد.

صدقت ولكنّهم مع عليّ بن أبي طالب بالمدينة، وجئت أستنهض أهل البصرة لقتاله، أنغضب لكم من سوط عثمان ولا نغضب لعثمان من سيوفكم.

فردّ عليها أبو الأسود ببالغ الحجّة قائلاً:

ما أنت من السوط والسيف، إنّما أنت حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، أمرك أن تقرّي في بيتك وتتلي كتاب ربّك، وليس على النساء قتال، ولا لهنّ الطلب بالدماء، وأنّ عليّاً لأوْلى منك وأمسّ رحماً، فإنّهما إبنا عبد مناف.

ولم تقنع عائشة وأصرّت على محاربة الإمام، وقالت لأبي الأسود:

لست بمنصرفة حتى أمضي لما قدمت إليه، أفتظنّ أبا الأسود أنّ أحداً يقدم على قتالي.

فأجابها أبو الأسود:

أما والله لتقاتلن قتالاً أهونه الشديد.

ثمّ تركها وانصرف صوب الزبير فقابله، وذكّره بماضي جهاده وولائه للإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) قائلاً له:

يا أبا عبد الله، عهد الناس بك وأنت يوم بويع أبو بكر آخذ بقائم سيفك تقول: لا أحد أوْلى بهذا الأمر من ابن أبي طالب، وأين هذا المقام من ذاك؟

فأجابه الزبير: نطلب بدم عثمان.

ونظر إليه أبو الأسود فأجابه بسخرية:

أنت وصاحبك ولّيتماه فيما بلغنا.

ورأى الزبير في كلام أبي الأسود النصح والسداد فانصاع لقوله، إلاّ أنّه طلب منه مواجهة طلحة وعرض الأمر عليه، فمضى أبو الأسود مسرعاً نحو طلحة وكلّمه في الأمر فلم يجد منه أيّة استجابة، وقفل أبو الأسود راجعاً إلى ابن حنيف فأخبره بنيّة القوم وإصرارهم على الحرب.

وعقد الفريقان هدنة مؤقتة، وكتبا في ذلك وثيقة وقّعها كلا الطرفين على أن يفتح أحدهما على الآخر باب الحرب، حتى يستبين في ذلك رأي الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام.
 
مظاهرة نسوية لتأييد عائشة
 
 
وقامت بعض السيّدات من النساء بمظاهرة لتأييد عائشة وهن يجبن في شوارع يثرب ويضربن بالدفوف، وقد رفعن أصواتهن بهذا النشيد:

ما الخبر، ما الخبر، إن عليّاً كالأشقر، إن تقدم عقر، وإن تأخر نحر..

ولمّا سمعت ذلك اُمّ المؤمنين السيّدة اُمّ سلمة، خرجت هي وحفيدة الرسول العقيلة زينب (عليها السّلام) تحفّ بها إماؤها فجعلت توبخهنّ، وقالت لهنّ: إن تظاهرتن على أبي، فقد تظاهرتن من قبل على جدّي رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فاستحيت النساء وتفرّقن، وعادت السيّدة زينب (عليها السّلام) إلى بيتها(10).
 
نقض الاتفاق
  
وعمل حزب عائشة إلى نقض الهدنة، فقد هجموا على والي البصرة ابن حنيف، وكان مقيماً في دار الإمارة، فاعتقلوه ونكّلوا به، فنتفوا شعر رأسه ولحيته وحاجبيه، ونهبوا ما في بيت المال، وثارت الفتنة في البصرة، فقد قتلوا خزّان بيت المال وبعض الشرطة، ووقعت معركة رهيبة بين أنصار الإمام وحزب عائشة، وقد حملوها على جمل، وسمّيت تلك الوقعة بيوم الجمل الأصغر، وقد استشهد فيها جمع من المسلمين(11).
 
زحف الإمام للبصرة
  وزحف الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) بجيوشه إلى البصرة للقضاء على هذا الجيب المتمرّد الذي ينذر بانتشار التمرّد وسقوط الحكم، وحينما انتهى إلى البصرة بعث عبد الله بن عباس وزيد بن صوحان إلى عائشة وطلحة والزبير يدعوهم إلى السلم وعدم إراقة الدماء، فلم يستجيبوا لدعوته وأصرّوا على التمرّد والبغي ومناجزة الإمام، وأرسل الإمام فتىً نبيلاً وأمره أن يحمل كتاب الله تعالى ويدعوهم إلى تحكيمه، فأخذ الفتى الكتاب العزيز وجعل يلوّح به أمام عسكر عائشة وهو يدعوهم إلى العمل بما فيه ويدعوهم إلى السلم والوئام، فحملوا عليه فقطعوا يمينه فأخذ المصحف بيساره، وجعل يدعوهم إلى السلم والعمل بما في الكتاب، فحملوا عليه فقطعوا يساره، فأخذ المصحف بأسنانه وجعل يناديهم: الله في دمائنا ودمائكم.

فانثالوا عليه يرشقونه بسهامهم حتى سقط إلى الأرض جثة هامدة، ولم تجد معهم هذه الدعوة الكريمة وأصرّوا على الحرب.
 
إعلان الحرب
 ولم تُجب مع عائشة وحزبها دعوة الإمام إلى السلم وعدم إراقة الدماء، فقد أصرّوا على الحرب والتمرّد على الحق، فاضطرّ الإمام إلى مناجزتهم، فعبّأ جنوده، ونظرت إليه عائشة وهو يجول بين الصفوف فقالت: انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يوم بدر، أما والله ما ينتظر بكم إلاّ زوال الشمس.

ومع علمها بأنّ فعله كفعل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كيف ساغ لها أن تحاربه، وخاطبها الإمام فقال لها: (يا عائشة، عمّا قليل ليصبحن نادمين)(12).

وأعطى الإمام خطته العسكرية لجنوده، فقال لهم:

(أيها الناس.. إذا هزمتموهم فلا تجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيراً، ولا تتّبعوا مولّياً، ولا تطلبوا مدبراً، ولا تكشفوا عورة، ولا تمثّلوا بقتيل، ولا تهتكوا ستراً، ولا تقربوا من أموالهم إلاّ ما تجدونه في معسكرهم من سلاح أو كراع أو عبد أو أمة، وما سوى ذلك فهو ميراث لورثتهم على كتاب الله..).

ومثّلت هذه الوصية الشرف والرأفة والرحمة، كما وضعت الاُصول الفقهية في حرب المسلمين بعضهم مع بعض، كما أعلن ذلك بعض الفقهاء.

واعتلت عائشة جملها المسمّى بعسكر وأخذت كفّاً من حصباء فرمت به أصحاب الإمام(عليه السّلام) وقالت: شاهت الوجوه، فأجابها رجل من شيعة الإمام: يا عائشة وما رميت ولكن الشيطان رمى.

وتولّت عائشة القيادة العامة للقوات المسلحة، فكانت هي التي تصدر الأوامر للجيش.

وبدأ القتال كأشدّه، وقد حمل الإمام على معسكر عائشة وقد رفع العلم بيسراه، وشهر بيمينه ذا الفقار الذي طالما كشف به الكرب عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

واشتدّ القتال، وقد بان الانكسار في جيش عائشة وقد قتل طلحة والزبير والكثيرون من قادة عسكر عائشة، وأخذت عائشة تبثّ في نفوس عسكرها روح التضحية والنضال، وقد دافعوا عنها بحماس بالغ، وقد شاعت القتلى بين الفريقين.
 
عقر الجمل
 وأحاط أصحاب عائشة بجمل اُمّهم، فدعا الإمام عمّار بن ياسر ومالك الأشتر، وأمرهما بعقر الجمل قائلاً: (اذهبا فاعقرا هذا الجمل، فإن الحرب لا يخمد ضرامها ما دام حياً، فإنّهم قد اتّخذوه قبلة لهم..).

وانطلق الأشتر وعمار ومعهما فتية من مراد، فوثب فتى يعرف بمعمر بن عبد الله إلى الجمل فضربه على عرقوبه فهوى إلى الأرض وله صوت منكر لم يُسمع مثله، وتفرّق أصحاب عائشة حينما هوى الصنم الذي قدّموا له آلاف القتلى، وأمر الإمام (عليه السّلام) بحرقه وذرّ رماده في الهواء لئلا تبقى منه بقية يفتتن بها الغوغاء، وبعدما فرغ من ذلك قال: (لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل..).

ثم مدّ بصره نحو الرماد الذي تناهبته الريح وتلا قوله تعالى: (وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً)(13).

وانتهت بذلك حرب الجمل التي أثارتها الأحقاد والأطماع، وقد أشاعت بين المسلمين الضغائن والفتن، وألقتهم في شرّ عظيم.
 
العفو العام
وأصدر الإمام أوامره بالعفو العام عن جميع أعدائه وخصومه، وطلبت عائشة من الإمام أن يعفو عن ابن أختها عبد الله بن لزبير وهو ألد أعدائه فعفا عنه، وكذلك عفا عن مروان بن الحكم، وقد توسط في أمره الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وآمن الأسود والأحمر - على حد تعبير اليعقوبي- ولم ينكّل بأيّ أحد من خصومه وأعدائه.
 
تسريح عائشة
وسرّح الإمام(عليه السّلام) عائشة، وردّها إلى يثرب، ولم يعرض لها بأي مكروه أو أذى، وقد غادرت البصرة ونشرت في ربوعها الحزن والحداد والثكل، وتصدّعت الوحدة بين المسلمين، وشاعت بينهم الكراهية والبغضاء.

وعلى أي حال فقد وعت سيدة النساء زينب (عليها السّلام) هذه الأحداث وعرفت ما تحمله الاُسر القرشية من العداء العارم والبغض الشديد لأبيها عليه السّلام، وأنّها قد شنّت الحرب عليه كما شنّته على أخيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من قبل.
 
تمرّد معاوية
ومهّدت عائشة الطريق إلى معاوية، وفتحت له أبواب المعارضة لحكومة الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فلولاها لما تمكّن ابن هند من مناجزة الإمام ورفضه لبيعته.

وقد اتّخذ معاوية دم عثمان ورقة رابحة للمطالبة بدمه، ومن المؤكّد زيف هذه الدعوى وعدم واقعيتها، فقد استنجد به عثمان حينما حوصر وطلب منه أن يسعفه بقوة عسكرية لرفع الحصار عنه فلم يستجب له حتى أجهز عليه الثوار..إنّ الذي دعا معاوية إلى التمرّد على حكومة الإمام هو ما يعلمه من سيرة الإمام وسياسته الهادفة إلى إقامة الحق وتدمير الباطل، فالإمام لا يُبقي معاوية في جهاز الحكم لحظة واحدة، ويجرّده من جميع أمواله التي اختلسها من بيت مال المسلمين، ويحاسبه حساباً عسيراً على جميع تصرّفاته المجافية لروح الإسلام من لبس الحرير والديباج واستعمال أواني الذهب والفضة والإسراف الفظيع في بناء القصور، ولا يقرّ شرعية دعم عمر له وثنائه عليه ومبالغته في تأييده، فهو الذي لم يحاسبه على أعماله التي تصادمت مع تعاليم الإسلام وقال فيه: إنّه كسرى العرب، واعتبر الإمام ذلك تعدٍّ على سياسة العدل تبنّاها في جميع مراحل حكمه وحياته.

وعلى أيّ حال، فقد بعث الإمام إلى معاوية جرير بن عبد الله البجلي، وزوّده برسالة يدعوه فيها إلى مبايعته والدخول في طاعته، إلاّ أن معاوية أصرّ على غيّه ورفض الاستجابة لدعوة الحقّ والوئام، فقد توفّرت عنده القوة العسكرية التي يستطيع بها على محاربة الإمام.
 
زحف معاوية لصفين
وبعدما توفّرت لمعاوية الإمكانيات العسكرية والقوى المكثفة زحف بها إلى صفين وأقام فيها، وكان أوّل عمل قام به احتلال الفرات واعتبر ذلك أوّل الفتح؛ لأنّه حبس الماء على عدوّه، وظلّت جيوشه مقيمة هناك تصلح أمرها وتنظّم قواها لتستعدّ إلى حرب وصيّ رسول (صلّى الله عليه وآله) وباب مدينة علمه.
 
مسير الإمام إلى صفين
وتهيّأ الإمام(عليه السّلام) للخروج إلى صفين، وأمر الحارث بن الأعور أن ينادي في الناس بالخروج إلى معسكرهم في النخيلة فعجّت الكوفة بالنفار، وخرج الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) تحفّ به البقية الخيرة من صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفي طليعتهم الصحابي العظيم عمّار بن ياسر.

ولزمت جيوش الإمام في زحفها السريع الفرات حتى انتهت إلى صفين، فلم يجدوا شريعة يستقون منها الماء إلاّ وعليها الحرس الكثير وهم يمانعونهم أشد الممانعة من الوصول إليه، فأخبروا الإمام(عليه السّلام) فدعا صعصعة بن صوحان وأمره بمقابلة معاوية ليسمح لجنوده بورود الماء، وسار إليه صعصعة وعرض عليه مقالة الإمام، فامتنع من إجابته واعتبر ذلك أوّل الفتح.

وحملت جيوش الإمام حتى احتلت الفرات وانهزمت جيوش معاوية، وطلب أصحاب الإمام منه أن يمنع الماء عن عسكر معاوية فأبى عليه السّلام، وأبى أن يكيل لهم الصاع بالصاع، وقابلهم مقابلة المحسن الكريم إلى أعدائه وخصومه.
 
الحرب
وأوفد الإمام إلى معاوية رسل السلام رجاءً في الصلح وحقن الدماء، فردّهم بعنف وأعلمهم أنّه مصمّم على الحرب، ورجعت كتائب السلام إلى الإمام، وعرّفته برفض معاوية لدعوته وإصراره على الحرب.ولم يجد الإمام بدّاً من الحرب، فأصدر تعاليمه لعموم جيشه بعدم قتل المدبر، وعدم الإجهاز على الجريح، وعدم المُثلة بأي قتيل منهم، وعدم أخذ أموالهم إلاّ ما وجد في معسكرهم، وغير ذلك من صنوف الشرف والرحمة التي لم يعهد لها نظير في عالم الحروب.

وبدت الحرب بين جيش الإمام وجيش معاوية فكانت كتائب من عسكر الإمام تخرج إلى فرق من أهل الشام فيقتتل الفريقان نهاراً كاملاً أو طرفاً منه، ولم يرغب الإمام أن تقع حرب عامة بين الفريقين رجاء أن يجيب معاوية إلى الصلح.

وخرج الزعيم الكبير مالك الأشتر يتأمّل في رايات أهل الشام فإذا هي رايات المشركين التي خرجت لحرب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فراح يقول لأصحابه:

أكثر ما معكم رايات كانت مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومع معاوية رايات كانت مع المشركين على عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فما يشكّ في قتال هؤلاء إلاّ ميّت القلب.

وخطب الصحابي العظيم عمّار بن ياسر فجعل يبيّن للمسلمين واقع معاوية وأنّه جاهلي لا إيمان له، وأنّه معاد لله ورسوله.

وعلى أي حال فلم تقع حرب عامة بين الفريقين، وقد سئم الجيش العراقي هذه الحرب وآثر العافية، كما سئم ذلك جيش أهل الشام.
 
الحرب العامة
ولمّا رأى الإمام أنّه لا أمل في الإصلاح وجمع الكلمة عبّأ أصحابه وتهيّأ للحرب العامة، وفعل معاوية مثل ذلك، وبدأ الهجوم العام، وبذلك فقد استعرت نار الحرب واشتدّ أوارها، وقد خيّم الذعر والفزع على كلا الجيشين، وقد انكشفت ميمنة الإمام وتضعضع قلب جيشه إلاّ أنصار ربيعة قد ثبتت في الميدان، وأخذت على عاتقها أن تقوم بحماية الإمام ونصرة الحقّ.

وقد استشهد في المعركة بطل الإسلام المجاهد العظيم عمّار بن ياسر، وقد حزن عليه الإمام كأشد ما يكون الحزن، وكذلك استشهد غيره من أعلام الإسلام وكان لفقدهم أثر كبير في انهيار الجيش العراقي.
 
هزيمة معاوية
وبدا الانكسار في جيش ابن هند وكاد أصحابه يبلغون فسطاطه، وهمّ بالفرار إلاّ أنّه تذكر قول ابن الإطنابة:

أبـــــت لــــــي عفتي وحياء نفسي          وإقـــــدامي عـــــلى البطل المشيح

وإعطــــائي عـــلى المــكروه مالي          وأخذي الحـــــمد بـــــالثمن الربيح

وقـــــولي كلّمـــــا جشأت وجاشت          مـــكانــــــك تحـمدي أو تستريحي

فردّه هذا الشعر إلى الثبات وعدم الهزيمة كما كان يتحدّث بذلك أيام العافية.
 
مكيدة رفع المصاحف
ولم تكن مكيدة رفع المصاحف وليدة الساعة ولم تأت عفواً، وإنّما كانت نتيجة مؤامرة سرّية بين عمرو بن العاص وبعض قادة الجيش العراقي وعلى رأسهم الخائن العميل الأشعث بن قيس.

لقد رفع أهل الشام المصاحف على أطراف الرماح وهم يدعون الجيش العراقي إلى تحكيم كتاب الله، فاندفعت كتائب من عسكر الإمام وهم يهتفون:

لقد أعطاك معاوية الحقّ، دعاك إلى كتاب الله فاقبل منه.

لقد استجاب لهذه الدعوة الكاذبة السذّج والسائمون من الحرب والطامعون في الحكم وعملاء الحكم الاُموي، وجعل الأشعث بن قيس يشتدّ كالكلب رافعاً صوته ليسمع الجيش:

ما أرى الناس إلاّ قد رضوا، وسرّهم أن يجيبوا القوم إلى ما دعوهم إليه من حكم القرآن، فإن شئت أتيت معاوية فسألته ما يريد.

وأخذ الأشعث يلحّ على الإمام وهو يمتنع من إجابته وكثرة إلحاحه، وقد استجابت له فرق من الجيش فلم يجد الإمام بُداً من إجابته، فمضى مسرعاً نحو معاوية فقال له:

(لأيّ شيء رفعتم هذه المصاحف؟..).

والأشعث يعلم لِمَ رفعوا المصاحف ولاذوا بها فأجابه معاوية:

لنرجع نحن وأنتم إلى أمر الله عزّ وجلّ في كتابه، تبعثون منكم رجلاً ترضون به ونبعث منّا رجلاً، ثم نأخذ عليهما أن يعملا بما في كتاب الله لا يعدوانه، ثم نتّبع ما اتّفقنا عليه.

وهل ابن هند يؤمن بكتاب الله ويتّبع ما حكم به؟! أو ليس خروجه على السلطة الشرعية مجافية لتعاليم القرآن.

وعلى أي حال فقد انبرى الخائن الأشعث يصدّق مقالة معاوية قائلاً: هذا هو الحقّ.

وانبرى الإمام فزيّف دعوة التحكيم، وعرّف الجماهير أنّها خدعة ومكيدة، وأنّ معاوية وحزبه لا يؤمنون بالقرآن، وأنّهم على ضلالهم القديم، وأصرّ جيش الإمام على الاستجابة لدعوة معاوية وهدّدوه بالقتل إن رفض ما أرادوه، فاستجاب(عليه السّلام) مرغماً مكرهاً على ذلك، وقد أشرفت بعض قطعات جيشه بقيادة الزعيم الكبير مالك الأشتر على الفتح، ولم يبق بينها وبين القبض على معاوية إلاّ مقدار حلبة شاة، فطلب منه الإمام في تلك الساعة الحرجة أن يسحب الجيش ويوقف القتال، فلم يستجب أوّلاً إلى ذلك، فأمره الإمام ثانياً بالانسحاب؛ لأنّ جيشه قد أحاط به وأعلنوا العصيان وهدّدوه بالقتل، فاستجاب الأشتر وانسحب عن ميدان القتال.

وعلى أي حال فقد أوقف القتال، وكان ذلك فوزاً ساحقاً لمعاوية، فقد سلم من الخطر المحدق به، ومُني جيش الإمام بالتمرّد والعصيان، وشاعت في جميع قطعاته التفرقة والخلاف.
 
انتخاب الأشعري
وأصرّ المتمرّدون على انتخاب الأشعري ليكون ممثلاً للجيش العراقي، فرفض الإمام ذلك ورشّح عبد الله بن عباس أو مالك الأشتر، فلم يستجيبوا له وأرغموه ثانياً على انتخابه، فخلّى بينهم وبين رغباتهم، وقد ذابت نفسه أسى وحسرات على ذلك: فقد أيقن بانتهاء حكومته وفوز معاوية بالحكم.

وانتخب الشاميون عمرو بن العاص ممثّلاً لهم، وهو أدهى سياسي في ذلك العصر، وبذلك فقد عقدت هدنة مؤقتة راح فيها معاوية يبني جيشه ويصلح شؤونه، وأمّا جيش الإمام فقد مُني بالتفكّك والانحلال والتخاذل، وانتشرت في جميع قطعاته الفكرة الهدامة وهي فكرة الخوارج كما سنتحدّث عن ذلك.
 
اجتماع الحكمين
وأوفد معاوية إلى الإمام رسله يستنجزه الوفاء بالتحكيم، وإنّما طلب منه ذلك لعلمه بما اُصيب به جيش الإمام من التخاذل والفتن والانحلال، وأجابه الإمام إلى ذلك فأوفد أربعمائة رجل عليهم شريح بن هانئ الحارثي وهو من أجلّ أصحاب الإمام، كما كان معهم عبد الله بن عباس حبر الاُمّة، ومعهم قاضي التحكيم الخامل الغبي أبو موسى الأشعري، فأرشاه ابن العاص بالولائم وقابله بمزيد من الحفاوة والتكريم ليجعله طوع إرادته، وقد اتّفق معه على أن يعزل كلاً صاحبه، ويرشّحا عبد الله بن عمر، وقدّم ابن العاص الأشعري فاعتلى المنبر، فخلع عليّاً عن منصبه وكذلك خلع معاوية ورشّح ابن عمر، وقام بعده ابن العاص فأقرّ صاحبه وخلع عليّاً.

ولمّا أعلن ابن العاص خلعه لعليّ وإقامته لمعاوية انطلق صوبه الأشعري فقال له:

ما لك عليك لعنة الله ما أنت إلاّ كمثل الكلب تلهث.

فصاح ابن العاص: لكنّك مثل الحمار يحمل أسفاراّ.

نعم هما كلب وحمار، وهرب الأشعري إلى مكة يصحب معه الخزي والعار بعدما أحدث الفتنة والانشقاق بين جيش الإمام، وقد أكثر شعراء ذلك العصر في ذمّه يقول فيه أيمن بن خزيم الأسدي:

لــــــو كان للقوم رأي يعصمون به          من الضــــلال رموكـم بابن عباس

لله درّ أبـــــــــيـه أيــــــمـا رجـــــل          مامثله لفصـــال الـخطب في الناس

لكــــن رموكم بشيخ من ذوي يمن          لم يدر ما ضــرب أخماس بأسداس

إن يخـــــل عمروبه يقذفه في لجج          يهـوي بــه الـنجم تيساً بين أتياس

أبلغ لــــــديك عـــــلياً غير عـاتـبـه          قول امرئ لا يرى بالحق من باس

مــــا الأشـــعري بمأمون أبا حسـن          فاعلم هديت وليس العجـز كالراس

فـــــاصدم بصـاحبك الأدنىزعيمهم          إن ابـن عـــمك عبـاس هـو الآسى

لقد امتحن الإمام كأشدّ وأقسى ما يكون الامتحان بهؤلاء الأوغاد الذين وقفوا أمام الإصلاح الاجتماعي، ومكّنوا الظالمين والمنحرفين من الاستبداد باُمور المسلمين.
 
فتنة الخوارج
وتمرّد الخوارج على الإمام وألزموه بأمر التحكيم، وهم الذين أرغموه على ذلك وهدّدوه بالقتل إن لم يوقف القتال مع معاوية، وأخذوا يعيثون في الأرض فساداً، فقد رحلوا عن الكوفة وعسكروا في النهروان، فاجتاز عليهم الصحابي الجليل عبد الله بن خبّاب بن الأرت فأحاطوا به قائلين:

من أنت؟

رجل مؤمن.

ما تقول في عليّ بن أبي طالب.

إنّه أمير المؤمنين، وأوّل المسلمين إيماناً بالله ورسوله.

ما اسمك؟

عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله.

أفزعناك؟

نعم.

لا روع عليك.

حدّثنا عن أبيك بحديث سمعه عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لعلّ الله أن ينفعنا به؟

نعم، حدّثني عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال: (ستكون فتنة بعدي يموت فيها قلب الرجل كما يموت بدنه، يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً).

فهتفوا جميعاً: لهذا الحديث سألناك والله لنقتلنّك قتلة ما قتلنا بمثلها أحداً.

وعمدوا مصرّين على الغيّ والعدوان فأوثقوه كتافاً وأقبلوا به وبامرأته، وكانت حبلى قد أشرفت على الولادة، فأنزلوهما تحت نخل فسقطت رطبة منها فبادر بعضهم إليها فوضعها فيما، فأقبل إليه بعضهم منكراً عليه قائلاً: بغير حلّ أكلتها.

فألقاها بالوقت من فيه، واخترط بعضهم سيفه فضرب به خنزيراً لأهل الذمّة فقتله، فصاح به بعضهم:

إنّ هذا من الفساد في الأرض.

فبادر الرجل إلى الذمّي فأرضاه، ولمّا نظر عبد الله بن خباب احتياط هؤلاء في هذه الاُمور سكن روعه وقال لهم:

لئن كنتم صادقين فيما أرى، ما عليَّ منكم بأس، ووالله ما أحدثت حدثاً في الإسلام، وإنّي لمؤمن وقد آمنتموني وقلتم لا روع عليك.

فلم يعن هؤلاء الأخباث الذين هم صفحة خزي وعار على البشرية، فجاءوا به وبامرأته فأضجعوه على شفير النهر ووضعوه على ذلك الخنزير الذي قتلوه، ثم ذبحوه، واقبلوا على امرأته، وهي ترتعد من الخوف فقالت لهم مسترحمة: إنما أنا امرأة، أما تتّقون الله.

فلم يعنوا باسترحامها وأقبلوا عليها كالكلاب فقتلوها، وبقروا بطنها، وانعطفوا على ثلاث نسوة فقتلوهنّ، وفيهنّ أمّ سنان الصيداوية، وكانت قد صحبت النبي (صلّى الله عليه وآله)، ولم يقف شرّ هؤلاء الأرجاس عند هذا الحدّ، وإنّما أخذوا يذيعون الذعر وينشرون القتل والفساد في الأرض.
 
واقعة النهروان
وبعدما أعلن الخوارج تمرّدهم على حكومة الإمام، ورفعوا شعارهم (لا حكم إلّا لله) ولكنّه لم يَعد في جميع تصرفاتهم وشؤونهم ظلاً وواقعاً لهذا الشعار، فقد كان شعارهم الحقيقي لا حكم إلّا للسيف والفساد.

ولمّا أراد الإمام الخروج إلى محاربة معاوية، وعبّأ أصحابه وجنوده لذلك، أشار عليه بعض أصحابه بمناجزة الخوارج، فإنّ خطرهم أعظم من خطر معاوية، وإنّهم إذا نزحوا من الكوفة سوف يُحدثون القتل والدمار فيها، فاستصوب الإمام رأيهم، وتحرّكت قوات الإمام لقتالهم، وقبل أن تندلع نار الحرب، وجّه الإمام إليهم الحارث بن مرّة يطلب منهم قتلة عبد الله بن خباب ليقتصّ منهم فأجابوا جميعاً:

إنّا كلّنا قتلناهم، وكلّنا مستحل لدمائكم ودمائهم.

وأقبل الإمام(عليه السّلام) بنفسه، فوجّه لهم خطاباً رائعاً يدعوهم فيه إلى الطاعة ورفض التمرّد، فلم يفهموا خطاب الإمام ونصيحته وطلبوا منه أن يشهد على نفسه بالكفر ويتوب إلى الله تعالى على قبوله للتحكيم، فامتنع الإمام من إجابتهم، فإنّه لم يقترف أي ذنب في أمرالتحكيم وإنّما هم أرغموه على ذلك.

ولمّا يئس الإمام من إرجاعهم إلى الحق عبّأ جنوده لحربهم، وفعل الخوارج مثل ذلك، وهتف بعضهم:

(هل من رائح إلى الجنة..).

فأجابوه جميعاً الرواح إلى الجنة، وهم يهتفون بشعارهم (لا حكم إلّا لله)، وحملوا حملة منكرة على جيش الإمام، وما هي إلّا ساعة حتى قتلوا عن آخرهم ولم يفلت منهم إلّا تسعة، وبذلك فقد انتهت حرب النهروان، وقد أعقبت هي وحرب صفين تمرّد الجيش العراقي، فقد مُني بالتمرّد والانحلال والسئم من الحرب، وأصبح الإمام يدعوهم فلا يستجيبون له، كما فقد الإمام في هذين الحربين أعلام أصحابه وخيارهم الذين يعتمد على إخلاصهم وتفانيهم في الولاء له.

وعلى أي حال فقد رجع الجيش من النهروان إلى الكوفة، وجبن عن ملقاة معاوية، وأخذ الإمام يدعوهم إلى حربه فامتنعوا من إجابته.
 
اُفول دولة الحق
وأفلت دولة الحقّ التي تبنّت حقوق الإنسان وقضاياه المصيرية، وواكبت العدل الاجتماعي والعدل السياسي، وأقامت صروح الحق ومعاقل الشرف والفضيلة لكل إنسان.

ولم يعهد الشرق في جميع مراحل تأريخه حكماً نزيهاً وعادلاً كحكم الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) الذي لم يخضع في جميع فتراته لأية عاطفة لا تتّصل بالحقّ، فقد تجرّد حكمه عن كل نزعة يؤول أمرها إلى التراب.. وقد نقمت عليه كأشدّ ما يكون الانتقام الرأسمالية القرشية، فقد خافت على مصالحها وخافت على أموالها التي استولت عليها بغير حقّ، فوضعت الحواجز والسدود أمام مخططاته السياسية الهادفة إلى الإصلاح الشامل، واتّهمته بالتآمر على قتل عثمان عميد الاُسرة الاُموية، واتّخذت من قتله ورقة رابحة لفتح أبواب الحرب عليه، فكانت حرب الجمل وصفين والنهروان، وقد انهارت حكومة الإمام، وبقي(عليه السّلام) في أرض الكوفة يصعّد زفراته وآهاته، وقد استفحل شرّ معاوية وقوي سلطانه واتّسع نفوذه، وزادت قواته العسكرية وتسلّحت بجميع المعدّات الحربية في ذلك العصر، واخذ معاوية يشنّ الغارات على معظم الأقاليم الإسلامية الخاضعة لحكم الإمام، فكانت جيوشه تقتل وتنهب الأموال، وذلك لإسقاط هيبة حكومة الإمام وأنّا لا تقدر على حماية الأمن العام للمواطنين وقد انتهت الغارات إلى الكوفة، والإمام يدعو جيشه لحماية البلاد وصدّ العدوان الغادر على الناس فلم يستجيبوا له، فقد خلدوا إلى الراحة وسئموا الحرب وشاعت في أوساطهم أوبئة الخوف من معاوية، وأخذ الإمام الممتحن يناجي ربّه ويدعوه أن ينقذه من ذلك المجتمع الذي لم يعِ مبادئه وسياسته الهادفة إلى نشر العدل وإشاعة المساواة بين الناس.

وتوالت المحن الشاقة يتبع بعضها بعضاً على الإمام، وكان من أشقّها عليه الغارات المتّصلة التي تشنّها قوات معاوية على أطراف البلاد الإسلامية، وترويعها للنساء والأطفال والعُجّز، والإمام مسؤول عن توفير الأمن لهم وحمايتهم من كلّ أذى أو مكروه، ولكنّه لم يجد سبيلاً لذلك لأنّ جيشه قد تمرّد عليه، وسرت فيه أوبئة الخوف وأفكار الخوارج ممّا جعلته أعصاباً رخوة لا حراك فيها ولا حياة، وكان من بين الذين اعتنقوا مبادئ الخوارج الأثيم المجرم عبد الرحمن بن ملجم، فنزح مع عصابة من الخوارج إلى مكة وعقدوا فيها مؤتمراً عرضوا فيه ما لاقاه حزبهم من القتل والتنكيل، وما مُني به العالم الإسلامي من الفتن والخطوب، وعزوا ذلك إلى الإمام ومعاوية وابن العاص فصمّموا على اغتيالهم فقال ابن ملجم: أنا أكفيكم عليّ ابن أبي طالب، وقال عمرو بن بكير التميمي: أنا أكفيكم عمرو بن العاص، وضمن الحجاج بن عبد الله الصريمي اغتيال معاوية، واتّفقوا على يوم معيّن وهو يوم الثامن عشر من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة، كما عيّنوا ساعة الاغتيال وهي ساعة خروجهم إلى صلاة الصبح، وقفل ابن ملجم إلى الكوفة، وهو يحمل معه الشرّ والشقاء لجميع سكان الأرض، والتقى بقطام وكان هائماً في حبّها، وكانت تعتنق فكرة الخوارج فقد قُتل أبوها وأخوها في واقعة النهروان، وعرض عليها الزواج، فشرطت عليه مهراً وهو ثلاثة آلاف درهم، وعبد وقينة، وقتل الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، واتّفقا على هذا المهر المشؤوم وفيه يقول الفرزدق:

ولــــــم أر مــــــــهراً ساقه ذو سماحة          كمـــهر قــــــطام مـــن فصـيح وأعجم

ثـــــــلاثة آلاف وعـــــــبد وقيـــــــــنـة          وضــــرب عـــــليّ بـــالـحسام المسمّم

فـــــلامهرأغلى مــــــن عليّ وإن غـلى          ولا فــــتك إلاّ دون فـــــتك ابـــن ملجم(14)

ولمّا أطلّت ليلة الثامن عشر من شهر رمضان المبارك اضطرب الإمام، وجعل يمشي في صحن الدار وهو محزون النفس خائر القوى، وهو ينظر إلى الكواكب ويتأمّل فيها يزداد قلقه وهو يقول:

(ما كذبتُ ولا كُذُبت، إنّها الليلة التي وعدت فيها).وصادفت تلك الليلة ليلة الجمعة، وقد أحياها بالصلاة وتلاوة كتاب الله، ولمّا عزم على الخروج إلى الجامع ليؤدي الصلاة صاحت في وجهه وزّ اُهديت إلى الإمام الحسن، فتنبّأ عن وقوع الحادث العظيم قائلاً:

(لا حول ولا قوة إلاّ بالله، صوائح تتبعها نوائح)(15).

وأقبل الإمام على الباب ليفتحه فعسر عليه، لأنّها كانت من جذوع النخل لا من الساج فاقتلعها فانحلّ إزاره فشدّه وهو يقول:

اشــــــدد حــــــيازمك لــــلموت          فــــــــــإن المـــــوت لاقــــــيكا

ولا تــــجزع مـــــن المــــــوت          إذا حــــــــــــلّ بـــــــــناديـــــكـا(16)

وخرج الإمام فلمّا انتهى إلى بيت الله جعل على عادته يوقظ الناس لصلاة الصبح، وشرع الإمام في أداء الصلاة، فلمّا استوى من السجدة الاُولى هوى عليه السّلام الوغد الأثيم ابن ملجم بسيفه وهو يهتف بشعار الخوارج: (الحكم لله لا لك).

وضرب الإمام على رأسه فقدّ جبهته الشريفة، وانتهت الضربة القاسية إلى دماغه المقدّس الذي ما فكّر إلّا في إقامة العدل وتدمير الظلم وإسعاد البؤساء والفقراء.

ولمّا أحسّ الإمام بلذع السيف رفع صوته قائلاً: (فزتُ وربّ الكعبة..).

لقد فزت يا أمام المتقين ويعسوب الدين، فأيّ فوز أعظم من فوزك، لقد أقمت الإسلام بسيفك، وجاهدت في سبيل الله كأعظم ما يكون الجهاد، وحطّمت الشرك وأفكار الجاهلية وتقاليدها، ورفعت كلمة الله مع ابن عمّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عالية في الأرض.

لقد فزت أيّها الإمام العظيم، فأنت أوّل حاكم في دنيا الإسلام طلّقت الدنيا ثلاثاً فلم تغرّك مباهجها، ولم تخدعك السلطة، فلم تبن لك بيتاً، ولم تدّخر لعيالك وأبنائك شيئاً من حطام الدنيا.

لقد فزت فقد كانت نهايتك المشرّفة في أقدس بيت من بيوت الله، وفي أعظم شهر من شهور الله، فبداية حياتك في الكعبة ونهايتها في هذا الجامع العظيم، ولسانك يلهج بذكر الله.

ولمّا وقع الإمام صريعاً في محرابه هتف معرّفاً بقاتله قائلاً:

(قتلني ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم فلا يفوتنّكم..).

وهرع الناس من كل جانب قد أذهلهم الخطب وأضناهم المصاب، وبلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق، فوجدوا الإمام صريعاً في محرابه فأخذوا يندبونه بذوب أرواحهم ولم يستطع الإمام الصلاة بالناس، فصلّى وهو جالس والدم ينزف منه، وأمر ولده الإمام الحسن فصلّى بالناس، وحُمل الإمام إلى منزله، واُلقي القبض على الوغد ابن ملجم فجيء به مخفوراً إلى الإمام عليه السلام فقال له بصوت خافت:

(لقد جئت شيئاً إدّاً، وأمراً عظيماً، ألم أشفق عليك واُقدّمك على غيرك في العطاء فلماذا تجازيني بهذا الجزاء؟).

والتفت الإمام إلى ولده الحسن فأوصاه بالبرّ والإحسان بابن ملجم قائلاً:

(يا بني، ارفق بأسيرك وارحمه، واشفق عليه..).

فبهر الحسن وقال:

(يا أبتاه، قتلك هذا اللعين، وفجعنا بك، وأنت تأمرنا بالرفق به!).

فأجابه الإمام بما انطوت عليه نفسه من المُثل العليا قائلاً:

(يا بني، نحن أهل بيت الرحمة والمغفرة، وأطعمه ممّا تأكل، واسقه ممّا تشرب، فإن أنا مت فاقتصّ منه بأن تقتله، ولا تمثّل بالرجل فإنّي سمعت جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إيّاكم والمُثلة، ولو بالكلب العقور، وإن أنا عشت فأعلم ما أفعله به، وأنا أوْلى بالعفو، فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً..).

أي نفس ملائكية هذه النفس التي توصي بالبرّ والإحسان لقاتلها.
 
السيّدة اُمّ كلثوم مع ابن ملجم
وبكت السيّدة اُمّ كلثوم وأخذت تندب أباها بأشجى ما تكون الندبة، وأكبر الظنّ أنّها العقيلة زينب فقالت للباغي الأثيم ابن ملجم:

(يا عدو الله قتلت أمير المؤمنين..).

فردّ عليها الباغي الزينم: لم أقتل أمير المؤمنين ولكن قتلت أباك.

فردّت عليه: (والله إنّي لأرجو أن لا يكون عليه بأس..).

فأجابها ابن ملجم بصلف وشماتة:

فلِمَ تبكين إذاً عليَّ تبكين، والله لقد أرهقت السيف، ونفيت الخوف، وخسئت الأجل، وقطعت الأمل، وضربته ضربة لو كانت بأهل عكاظ - وقيل: بربيعة أو مضر- لأتت عليهم، والله لقد سممته شهراً فإن أخلفني فأبعده سيفاً وأسحقه(17).

لك الويل أيّها الأثيم فقد عمدت لاغتيال أقدس إنسان بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله)، أراد أن يقيم الحقّ ويوزّع خيرات الله في الأرض على المحرومين والمضطهدين، لقد خسرت صفقتك وبئت بغضب الله وعذابه الدائم.
 
العقيلة مع أبيها
وهرعت عقيلة بني هاشم السيّدة زينب (عليها السّلام) إلى أبيها وهي تبكيه وتندبه، وقد ذابت نفسها حزناً وألماً، وطلبت منه أن يحدّثها بالحديث الذي سمعته من المرأة الصالحة أمّ أيمن عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عمّا يجري عليها من الكوارث والخطوب، ولم يكن عند الإمام (عليه السّلام) قوّة على الكلام فقال لها: (الحديث كما حدّثتك اُمّ أيمن، وكأنّي بك وبنساء أهلك سبايا بهذا البلد، أذلاّء خاشعين تخافون أن يتخطفكم الناس، فصبراً صبراً، فوالذي فلق الحبة وبراً النسمة، ما لله على ظهر الأرض يومئذ وليّ غيركم وغير محبّيكم وشيعتكم، ولقد قال لنا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حين أخبرنا بهذا الخبر: إن إبليس لعنه الله في ذلك اليوم - أي يوم قتل الحسين- يطير فرحاً فيجول الأرض كلّها بشياطينه وعفاريته، فيقول: يا معاشر الشياطين، قد أدركنا من ذرية آدم الطلبة، وبلغنا في هلاكهم الغاية، وأورثناهم النار، ألا من اعتصم بهذه العصابة فاجعلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم وحملهم على عدواتهم، وإغرائهم بهم وأوليائهم، حتى تستحكم ضلالة الخلق وكفرهم، ولا ينجو منهم ناج، ولقد صدق عليهم إبليس وهو كذوب، أنّه لا ينفع مع عداوتكم عمل صالح، ولا يضرّ مع محبتكم وموالاتكم ذنب غير الكبائر)(18).
 
وصاياه
وجعل الإمام(عليه السّلام) وهو في الساعات الأخيرة من حياته يوصي أبناءه وفي طليعتهم سيّدا شباب أهل الجنة الإمام الحسن والإمام الحسين (عليهما السّلام) بمكارم الأخلاق والزهد في الدنيا، ومن بنود وصيّته هذه الوصايا الخالدة، قال عليه السّلام:

(اُوصيكما بتقوى الله، وأن لا تبغيا الدنيا وأن بغتكما، ولا تأسفا على شيء زوي عنكما، وقولا للحقّ، واعملا للأجر، وكونا للظالم خصماً وللمظلوم عوناً.

أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم، وصلاح ذات بينكم، فإنّي سمعت جدكما (صلّى الله عليه وآله) يقول: صلاح ذات البين أفضل من عامة الصلاة والصيام، الله الله في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم(19)، ولا يضيعوا بحضرتكم، الله الله في جيرانكم فإنّهم وصيّة نبيّكم، ما زال يوصي بهم حتى ظننا أنّه سيورثهم، والله الله في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم، الله الله في الصلاة فإنّها عمود دينكم، الله الله في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لـــم تناظروا - أي لم ينظر بالكرامة -، الله الله في الجهاد بــــأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله، وعليكـــم بالتواصل والتباذل(20)، وإيّاكم والتدابر والتقاطع، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيتولّى عليكم شراركم، ثمّ تدعون فلا يستجاب لكم).

ثم وجّه وصيته إلى آله وذويه قائلاً:

(يا بني عبد المطلب، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون: قتل أمير المؤمنين، قتل أمير المؤمنين(21).

ألا لا تقتلن بي إلاّ قاتلي، انظروا إذا أنا مت من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة، ولا يُمثل بالرجل، فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور..)(22).

وحفلت هذه الوصية بالقيم الخالدة التي هي من أروع ما خلفه الأنبياء والمصلحون لاُممهم وشعوبهم.
 
إقامة الحسن من بعده
وأقام الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) خليفة على المسلمين من بعده ولده الأكبر سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الإمام الحسن عليه السّلام، وأجمعت الشيعة على ذلك، وذهب بعض أهل السنة إلى أن الإمام(عليه السّلام) لم يستخلف أحداً من بعده، مستدلين على ذلك بما رواه شعيب بن ميمون الواسطي أنّه قيل لعليّ: ألا تستخلف؟ فقال: (إن يرد الله بالاُمّة خيراً يجمعهم على خيرهم)، وهذه الرواية من موضوعات شعيب ومن مناكيره، كما نصّ على ذلك ابن حجر(23).

إنّ الإمام الحسن(عليه السّلام) هو أفضل إنسان في المجتمع الإسلامي، فهو سيّد شباب أهل الجنة، وإمام إن قام أو قعد - على حد تعبير رسول الله (صلّى الله عليه وآله)-، وقد توفرت فيه جميع الصفات الكريمة والنزعات الرفيعة فكيف لا يرشّحه الإمام لهذا المنصب الخطير ومن هو أحق به منه.
 
الوصية الأخيرة للإمام
أمّا الوصية الأخيرة للإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) فقد روتها عقيلة بني هاشم السيّدة زينب (عليها السّلام) قالت: (كان آخر عهد أبي إلى أخوي - الحسن والحسين (عليهما السّلام)- أنّه قال لهما: يا بني، إذا أنا مت فغسلاني، ثم نشّفاني بالبردة التي نُشِّف بها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السّلام)، وحنّطاني وسجّياني على سريري، ثمّ انظروا حتى إذا ارتفع لكما مقدم السرير فاحملا مؤخره)(24).
 
إلى جنة المأوى
ولمّا أدلى الإمام(عليه السّلام) بوصاياه أخذ يعاني آلام الموت وهو يتلو آيات الذكر الحكيم ويكثر من الدعاء والاستغفار، ولمّا دنا منه الأجل المحتوم كان آخر ما نطق به: (لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ)(25)، ثم فاضت روحه الزكية إلى جنة المأوى، لقد ارتفع ذلك اللطف الإلهي الذي أضاء الدنيا بعدله وعمله وكماله، فما أظلت سماء الدنيا قطّ أفضل ولا أسمى منه ما عدا أخاه وابن عمّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

لقد مادت أركان العدل، وانطمست معالم الحق، ومات أبو الغرباء والبؤساء.

سيّدي أبا الحسن:لقد مضيت إلى عالم الخلود، وأنت مكدود مجهود، قد جُهل حقك، واُبعدت عن مقامك الذي أقامك فيه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد تظافرت الاُسر القرشية على حربك، ووضعت الحواجز والسدود أمام مخططاتك الإصلاحية، كما فعلت مثل ذلك مع ابن عمّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإنّا لله إليه راجعون.
 
تجهيزه ودفنه
وقام الإمام الحسن مع بقية إخوانه بتجهيز أبيه، فغسّلوا الجسد الطاهر وأدرجوه في أكفانه، وصلّوا عليه، وفي الهزيع الأخير من الليل حملوا الجثمان المقدّس إلى مقرّه الأخير، وكانت معهم العقيلة زينب(26) وهي تذرف الدموع، وقد نخب الحزن فؤادها، ودفنوا الجثمان المعظّم في النجف الأشرف حيث مقرّه الآن كعبة للوافدين وجامعة من أهم الجامعات في الإسلام.

لقد شاهدت السيّدة زينب الكوارث والخطوب التي أحاطت بأبيها فملئت قلبها الزاكي أسى وحزناً، وعرفتها بما تكنّه قريش من الحقد والحسد لأبيها، وسائر أبناء الاُسرة النبوية.
 
عهد الإمام الحسن
وفي صبيحة اليوم الذي وارى فيه الإمام الحسن(عليه السّلام) جثمان أبيه انبرى جامع الكوفة يحفّ به أخوته وسائر بني هاشم، وقد اكتظّ الجامع بمعظم قطعات الجيش وقادة الفرق والوجوه والأشراف، فاعتلى المنبر فابتدأ خطابه بتأبين أبيه عملاق الفكر الإسلامي، وكان تأبينه منسجماً تمام الانسجام مع سمّو شخصية أبيه، فقد وصفه بأبلغ وأروع ما يكون الوصف وصفه بهذه الكلمات الذهبية:(لقد قبض في هذه الليلة رجل لم يسبقه الأوّلون بعمل ولم يدركه الآخرون بعمل..).

ومعنى ذلك أنّ أباه نسخة فريدة لا مثيل لها في تأريخ الإنسانية في جميع الأزمان والآباد، فإنّ من المحقّق أنّه ليس في ميدان الاصلاح الاجتماعي والسياسي زعيم كالإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) في نزاهته وتجرّده من جميع النزعات المادية، فقد تقلّد زمام الحكم وكان معظم الشرق خاضعاً لحكمه، وكانت الأموال تجبى له كالسيل، فلم يؤثر نفسه وأهله بشيء منها، ولم يخلّف صفراء ولا بيضاء سوى سبعمائة درهم كان قد ادّخرها من راتبه ليشتري بها عبداً يستعين به أهله في حاجاتهم إلاّ أنّه عدل عن ذلك، وأمر ولده الحسن بإرجاعها إلى بيت المال، كما أعلن ذلك الإمام الحسن في خطابه استمعوا له، قال عليه السّلام: (وما خلّف صفراءً ولا بيضاءً إلاّ سبعمائة درهم فضلت من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله، وقد أمرني أن أردّها إلى بيت المال..).

وكان ذلك حقّاً هو منتهى السموّ والعظمة، ومنتهى التجرّد عن الدنيا والزهد في جميع مظاهرها وملاذها.

ولمّا أنهى الإمام الحسن(عليه السّلام) خطابه الرائع بايعه الجمهور وكانوا أصنافاً وهم:

1 - قادة الفرق والزعماء، وهؤلاء كان معظمهم مع معاوية فقد استمالهم بأمواله وذهبه، ووعدهم بالمناصب العالية إن انضموا إليه.

2 - الخوارج، وهم من ألد أعدائه وأعداء أبيه، وكانوا يكيدون له في وضع النهار وغلس الليل.

3 - المؤمنون من شيعته ممّن عرفوا حقّه، ودانوا له بالولاء والطاعة، وهم قلّة قليلة.

وعلى أي حال فقد علم معاوية ما مُني به جيش الإمام الحسن من الضعف والانحلال والتمرّد على قيادته، فكتب إلى الإمام يستنجزه الحرب، وزحف بجيوشه الذين تسودهم الطاعة والإخلاص له، فانتهى إلى المدائن فعسكر فيها، ولمّا اُذيع ذلك سرت أوبئة الرعب والخوف في نفوس جيش الإمام، وقد دعاهم إلى مناجزة معاوية، فلم يستجب له سوى بعض المؤمنين من أصحابه، وجعل يستحثّ الناس على الخروج لحرب معاوية، وبعد جهد شاق خرج معه أخلاط من الناس - على حدّ تعبير الشيخ المفيد- متباينون في أفكارهم وميولهم، وأخذوا يجدّون في السير لا يلون على شيء حتى انتهوا إلى المدائن فعسكروا فيها.
 
حوادث رهيبة
ومُني الإمام الحسن(عليه السّلام) بحوادث مروّعة حينما كان في مسكن كان من أقساها وأفجعها ما يلي:

1 - خيانة القائد العام:

وكان عبيد الله بن العباس قائداً لجميع القوات المسلّحة في جيش الإمام، ولمّا تيقّن أنّ الدنيا قد تنكّرت للإمام انحرف عنه ومال إلى معسكر معاوية بعد أن تسلّم الرشوة منه، وقد اضطرب جيش الإمام وماج بالفتن، وكانت خيانته من أفجع النكبات التي مُني بها الإمام.

2 - تسلل الوجوه إلى معاوية:

وتسلّل الوجوه والأشراف في جيش الإمام إلى معاوية بعد أن تسلّموا منه الأموال.

3 - خيانة ثمانية آلاف:

والتحق بمعسكر معاوية ثماينة آلاف جندي مع قادتهم، وأكبر الظنّ أنّهم من أتباع الخائن العميل الأشعث بن قيس، وقد بان الأنكسار والضعف بجيش الإمام بعد خيانة هذا العدد الكبير منهم.

4 - خيانة ربيعة:

وتعتبر قبائل ربيعة العمود الفقري في جيش الإمام، فقد أقبل زعيمها خالد بن معمر إلى معاوية فقال له: اُبايعك عن ربيعة كلّها، فبايعه على ذلك، وفيه يقول الشاعر مخاطباً معاوية:

مـــــعاوي أكــرم خالد بن معمر          فـــــإنك لــــولا خـــالد لم تؤمر

ولمّا انتهى الخبر إلى الإمام الحسن(عليه السّلام) انهارت قواه واتّجه صوب الجيش

فقال لهم:

(يا أهل العراق، أنتم الذين أكرهتم أبي على القتال والحكومة ثمّ اختلفتم عليه، وقد أتاني أنّ أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية فبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني في نفسي وديني)(27).

وكذلك بايع معاوية سرّاً عثمان بن شرحبيل زعيم بني تميم(28).

5 - نهب أمتعة الإمام:

وعمدت تلك العصابة التي انمحت عن نفوسها جميع أفانين الشرف والكرامة إلى نهب أمتعة الإمام وأجهزته، وأكبر الظنّ أنّ للخوارج ضلعاً كبيراً في هذه الجريمة.

6 - محاولة اغتيال الإمام:

ولم تقف محنة الإمام الحسن(عليه السّلام) في جيشه عند حدّ، فقد عظم بلاؤه إلى أكثر من ذلك، فقد قدّم المرتشون والخوارج على اغتياله وذلك في عدّة محاولات وهي:

أ - إنه كان يصلّي فرماه شخص بسهم.

ب - طعنة الجرّاح بن سنان في فخذه.

ج - طعنة بخنجر في أثناء الصلاة.

واتّضحت للإمام(عليه السّلام) بعد هذه الاعتداءات الصارخة على حياته أنّه ليس عنده جيش يركن إليه لمناجزة معاوية.

7 - الحكم عليه بالكفر:

ومن بين المحن الشاقة التي امتحن بها الإمام الحسن(عليه السّلام) أنّ بعض العناصر في جيشه حكموا عليه بالشرك والإلحاد، وأكبر الظنّ أنّهم الخوارج الذين لا نصيب لهم من الإيمان والإسلام.

وعلى أي حال فقد انبرى الجرّاح بن سنان نحو الإمام وهو رافع صوته قائلاً:

أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل.

إنّ مجتمعاً يضمّ أمثال هؤلاء الأوغاد لهو مجتمع غير سليم.
 
ضرورة الصلح
ودرس الإمام الحسن(عليه السّلام) الموقف من جميع جوانبه ووجوهه ورأى أنّه بين محذورين وهما:

الأول: أن يناجز معاوية ويفتح معه باب الحرب، وهذا ما يطلبه ويبغيه لإنقاذ العالم الإسلامي من هذا العدو الظالم الذي يكيد له في الليل إذا يغشى وفي النهار إذا تجلّى، فحربه أمر لازم وضروري، ولكن ذلك لا سبيل له، ولا تساعده الحكمة وعمق النظر وذلك لما يلي:

1 - إنّه ليس عند الإمام قوة عسكرية يستطيع أن يخوض بها الحرب، فإنّ الأكثرية الساحقة من جيشه قد استجابت لمعاوية، وآثرت السلم والعافية.

2 - إنّ معاوية قد أرشى معظم قادة الفرق في جيش الإمام، فصاروا طوع إرادته، وضمنوا إنجاز ما يريد من اغتيال الإمام أو تسليمه له أسيراً.

3 - إنّ من المؤكد أنّ معاوية هو الذي ينجح في الحرب - حسب الفنون العسكرية- فإذا استشهد الإمام فإنّه لا يستشهد وحده، وإنّما يستشهد معه جميع أفراد اُسرته وخلّص شيعته، ولا تستفيد القضية الإسلامية من تضحيتهم شيئاً، فإنّ دهاء معاوية وما يتمتّع به من وسائل المكر والخداع يجعل تبعة ذلك على الإمام وبذلك يخسر العالم الإسلامي أهم رصيد روحي وفكري.

4 - إنّ الإمام إذا لم يستشهد واُخذ أسيراً لمعاوية، فإنّ من المحقّق أنّه يمنّ عليه، ويوصمه مع بقية أهل البيت بالطلقاء، ويسجّل له بذلك يداً على العلويّين ويمحو عنه وعن الاُمويّين وصمة الطلقاء التي أسداها عليهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) حينما فتح مكة.

الثاني: أن يصالح معاوية على ما في الصلح من قذى العين وشجى الحلق، وهذا هو المتعيّن في عرف السياسة وقوانين الحكمة، وله مرجّحاته الواقعية والظاهرية التي أشرنا إليها.

وكان من أعظم فوائد الصلح ومن أهم ثمراته إبراز الواقع الاُموي الذي خفي على المسلمين فقد تظاهر الاُمويون بالإسلام، وأشاعوا أنّهم حماة الدين، وأقرب الناس إلى النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأمسّهم رحماً به، وبعد الصلح انكشف زيفهم، وظهر واقعهم الجاهلي، فقد تفجّرت سياسة معاوية بكل ما خالف كتاب الله وسنّة نبيّه، فقد أعلن بعد الصلح مباشرة أمام الحشود فخاطب أهل العراق قائلاً:

إنّي ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولا لتزكّوا ولا لتحجّوا وإنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك، وإنّي قد أعطيت الحسن بن عليّ شروطاً لا أفي بواحد منها وها هي تحت قدمي.

ولو لم يكن للصلح من فائدة إلاّ إبراز حقيقة معاوية وتجريده من كل إطار ديني لكفى، فقد أبرز معاوية واقعه بهذا الخطاب، فهو لم يقاتل أهل العراق من أجل الطلب بدم عثمان، ولا من ظاهرة إسلامية، وإنّما قاتلهم من أجل الإمرة والسلطان، ولو كان يملك ذرّة من الشرف والكرامة لما فاه بذلك، ولما أعلن نقضه للعهود والمواثيق التي أعطاها للإمام الحسن عليه السّلام.

وعلى أي حال فإنّا قد بسطنا القول بصورة موضوعية وشاملة في بيان ضرورة الصلح، وإنّه هو المتعيّن على الإمام شرعاً وسياسة في كتابنا (حياة الإمام الحسن عليه السّلام)، كما استوفينا البحث من الشروط التي شرطها الإمام على معاوية والتي لم يفِ بشيء منها، فمن أراد الإلمام بهذه البحوث عليه بمراجعة هذا الكتاب.
 
السفر إلى يثرب
وأخذ الإمام الحسن(عليه السّلام) يتهيّأ للسفر إلى يثرب، ويترك البلد الذي خذله وخذل أباه من قبل، ولمّا تمّت وسائل النقل خرج أهل الكوفة إلى توديعه وهم ما بين باك وآسف، يندبون حظّهم التعيس، فقد أصبحت بلدهم مصراً من الأمصار بعد أن كانت عاصمة الدولة الإسلامية، وأصبحت القطع السورية من الجيش تدخل مصرهم وتسيطر عليهم، ويقام في بلدهم حكم إرهابي لا يعرف الرحمة ولا الرأفة.

وعلى أي حال فقد انتهى الإمام إلى يثرب فخفّ أهلها إلى استقباله، فقد أقبل إليهم الخير، وحلّت في ديارهم السعادة.

وعلى أي حال فقد أفلت دولة الحق وقامت على أنقاضها دولة الباطل، وكان ذلك من أعظم النكبات التي عانتها حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وعقيلة بني هاشم السيّدة زينب، فكانت عالمة بمجريات الأحداث ونتائجها التي كان منها ما عانته من الرزايا والخطوب في كربلاء.

___________________________________________________
 
 
1 - يريد به سعد بن أبي وقّاص فإنّه امتنع عن بيعة الإمام(عليه السّلام) والذي دفعه على ذلك حقده له.

2 - مهيم: كلمة استفهام من معانيها ما وراؤك.

3 - في رواية: (ونحن).

4 - ذو تدرؤ: أي ذو عزيمة ومنعة. الشبا: المكروه. الصعر: ميل في الوجه أو في أحد الشفتين، والمراد أنّه يقيم الشيء الملتوي.

5 - تاريخ الطبري 454:3، وغيره.

6 - الطبري 454:3، وغيره.

7 - تاريخ الطبري 475:3.

8 - روى ابن عباس عن النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال يوماً لنسائه وهنّ جميعاً عنده: (أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدْبب تنبحها كلاب الحوأب، يقتل عن يمينها وشمالها قتلى كثيرة كلّهم في النار، وتّنْجُو بعد ما كادت)، جاء ذلك في: شرح النهج 497:2، وهذا الحديث من أعلام النبوّة، ومن إخباره بالمغيبات.

9 - مروج الذهب 342:2. تاريخ اليعقوبي 181:2.

10 - زينب الكبرى: 25.

11 - عرضنا لهذه الأحداث بصورة مفصّلة في كتابنا حياة الإمام الحسن عليه السّلام.

12 - حياة الإمام الحسن(عليه السّلام) 447:1.

13 - سورة طه: الآية 97. 

14 - مستدرك الحاكم 143:3.

15 - مروج الذهب 291:3.

16 - حياة الإمام الحسن(عليه السّلام) 557:1.

17 - أنساب الأشراف 216:1، القسم الأوّل.

18 - كامل الزيارات: 266.

19 - لا تغبوا أفواههم: أي لا تقطعوا صلتكم عنهن، وصلوا أفواههم بالطعام دوماً.

20 - التباذل: العطاء والصلة.

21 - يشير بذلك إلى مصرع عثمان الذي اتّخذ الاُمويّون دمّه ورقة رابحة في سبيل أطماعهم السياسية.

22 - نهج البلاغة 85:3.

23 - تهذيب التهذيب 357:4.

24 - زينب الكبرى: 38.

25 - الصافّات: 61.

26 - زينب الكبرى: 38.

27 - أنساب الأشراف 223:1، القسم الأول.

28 - حياة الإمام الحسن(عليه السّلام) 127:2.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page