كما ظهر في عصر الإمام الصادق (عليه السلام) تيار الزندقة الذي كان يهدف إلى تشكيك المسلمين في وجود الله سبحانه وتعالى وبالتالي تشكيكهم في صحّة النبوّات والكتب السماوية والشرائع والأحكام. وقد تصدّى الإمام الصادق (عليه السلام) لمواجهة هذا التيار مواجهة ضارية فكان يجيب مع تلامذته على جميع شبهات وتشكيكات هذه الحركة الإلحادية. وكان أبرز زعماء هذا التيار هم: الجعد بن درهم وأبو شاكر الديصاني وعبد الكريم بن أبي العوجاء. وكان للإمام الصادق (عليه السلام) مناظرة ساخنة مع كل واحد من هؤلاء انتهت بالهزيمة الساحقة للزندقة والإلحاد والتضليل.
وكان من الأساليب التي لجأ إليها الجعد هي أنّه جعل في قارورة تراباً وماءً فاستحال دوداً وهواماً، فقال لأصحابه: إنّي خلقتُ ذلك لأنّي كنت سبب كونه.
فقال الإمام الصادق (عليه السلام): «إن كان خلقه فليقل كم هو؟ وكم الذكران منه والإناث؟ وكم وزن كل واحدة منهن؟ وليأمر الذي يسعى إلى هذا الوجه أن يرجع إلى غيره» [1].
وأمّا الديصاني فقد وجّه السؤال التالي للإمام الصادق (عليه السلام): ما الدليل على أنّ لك صانعاً؟ فأجابه (عليه السلام): «وجدت نفسي لا تخلو من إحدى جهتين: إمّا أن أكون صنعتها أو صنعها غيري. فإن كنت صنعتها فلا أخلو من أحد معنيين: إمّا أن اكون صنعتها وكانت موجودة فقد استغنيت بوجودها عن صنعتها ، وإن كانت معدومة فإنّك تعلم أنّ المعدوم لا يحدث شيئاً، فقد ثبت المعنى الثالث أنّ لي صانعاً وهو ربّ العالمين» [2].
وأمّا ابن أبي العوجاء فقد سأل الإمام (عليه السلام) في حوار دام ثلاثة أيام في موسم الحج وأمام أنظار المسلمين: ما الدليل على حدوث الأجسام؟ فأجابه (عليه السلام): «إنّي ما وجدتُ صغيراً ولا كبيراً إذا ضمّ إليه مثله ـ وذلك بأن يمتزجاً ـ صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الاُولى ـ أي الصغر ـ ولو كان قديماً مازال ولا حال؛ لأنّ الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث، وفي كونه في الأزل دخوله في العدم، ولن تجتمع صفة الأزل والعدم والحدوث والقدم في شيء واحد» [3].
وممّا جاء من أجوبة الصادق (عليه السلام) على اسئلة الزنادقة ماروي أنّ زنديقاً سأل الإمام الصادق (عليه السلام) فقال: ما علّة الغسل من الجنابة وإنّما أتى حلالاً، وليس في الحلال تدنيس؟ فقال (عليه السلام): «لأنّ الجنابة بمنزلة الحيض، وذلك أنّ النطفة دمٌ لم يستحكم، ولا يكون الجماع إلاّ بحركة غالبة، فإذا فرغ تنفّس البدن ووجد الرجل من نفسه رائحة كريهة، فوجب الغسل لذلك، غسل الجنابة أمانة ائتمن الله عليها عبيده ليختبرهم بها» [4].
[1] ـ أمالي المرتضى 1: 284.
[2] ـ انظر حياة الامام الصادق للقرشي 1: 162، 169.
[3] ـ انظر حياة الامام الصادق للقرشي 1: 162، 169.
[4] ـ بحار الأنوار 47: 220 ح6.
 |
