طباعة

إِعلامه عمّا في النفس

إِعلامه عمّا في النفس

إِن نفس المؤمن اذا زكت من درن الرذائل عادت كالمرآة الصافية، ينطبع فيها كلّ ما يكون أمامها، ولذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور اللّه، هذا شأن المؤمن فكيف بإمام المؤمنين ؟
وهذا الخضر عليه السلام أعاب السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام، وما كان ذلك منه إِلا علماً منحه به العليم سبحانه.
فلا عجب إِذن لو أعلم الامام الصادق عليه السلام عن أشياء تتلجلج في النفوس عند إِظهار الكرامة.
دخل عمر بن يزيد(1) على الصادق وهو وجع وقد ولاه ظهره ووجهه للحائط، وقد قال عمر في نفسه: ما أدري ما يصيبه في مرضه لو سألته عن الامام بعده، فبينا يفكّر في ذلك إِذ حوَّل الصادق اليه وجهه، فقال: الأمر ليس كما تظنّ ليس عليَّ من وجعي هذا بأس(2).
ودخل عليه الحسن بن موسى الحنّاط(3) وجميل بن درّاج(4) وعائذ الأحمسي(5) وكان عائذ يقول: إِن لي حاجة اُريد أن أسأله عنها، فلمّا سلّموا وجلسوا أقبل بوجهه على عائذ فقال عليه السلام: من أتى اللّه بما افترض عليه لم يسأله عمّا سوى ذلك، فغمزهم فقاموا، فلمّا خرجوا قالوا له: ما كانت حاجتك ؟ قال: الذي سمعتم، لأني رجل لا اُطيق القيام بالليل فخفت أن اكون مأخوذاً به فأهلك(6).
ودخل عليه شهاب بن عبد ربّه(7) وهو يريد أن يسأله عن الجنب يغرف الماء من الحِبّ فلمّا صار عنده اُنسي المسألة، فنظر اليه أبو عبد اللّه عليه السلام فقال: يا شهاب لا بأس أن يغرف الجنب من الحِبّ(8).
وكان جعفر بن هارون الزيّات(9) يطوف بالكعبة وأبو عبد اللّه عليه السلام في الطواف، فنظر اليه الزيّات وحدّثته نفسه فقال: هذا حجّة اللّه، وهذا الذي لا يقبل اللّه شيئاً إِلا بمعرفته، فبينا هو في هذا التفكير إِذ جاءه الصادق من خلفه فضرب بيده على منكبه ثمّ قال: «أبشراً واحداً منّا نتبعه إِنّا إِذن لفي ضلال وسعر»(10) ثمّ جازه(11).
ودخل عليه خالد بن نجيح الجواز(12) وعنده ناس فقنّع رأسه وجلس ناحية وقال في نفسه: ويحَكم ما أغفلكم عند مَن تتكلّمون، عند ربّ العالمين، فناداه الصادق عليه السلام: ويحَك يا خالد إِني واللّه عبد مخلوق ولي ربّ أعبده، إِن لم أعبده واللّه عذبني بالنار، فقال خالد: لا واللّه لا أقول فيك أبداً إِلا قولك في نفسك(13).
وهذا قليل من كثير ممّا روته الكتب الجليلة من الكرامات والمناقب لأبي عبد اللّه الصادق عليه السّلام، ولا غرابة لو ذكرت له الكتب أضعاف ما استطردناه بعد أن أوضحنا في صدر البحث أمر الكرامة.
أجل بعد أن فاتتنا المشاهدة فلا طريق لنا لإثبات الكرامة غير النقل وإِن المشاهدة لا تكون إِلا لأفراد من معاصري النبي أو الامام، فكيف حال الناس مع الكرامة من أهل الأجيال المتأخّرة، هذا سوى الناس من أهل زمانه ممّن لم يحضر الكرامة، فهل طريق إِذن لإثباتها غير النقل، فالنقل إِن صحَّ لاعتبار المؤلّف والراوي فذلك المطلوب، وإِلا فاعتباره اذا بلغ التواتر لقضيّة خاصّة أو لقضايا يحصل من جميعها الاعتقاد بصدور الكرامة من النبي أو الوصي وإِن لم يحصل الاعتقاد بواحدة منها خاصّة.

______________________________
(1) هل هما اثنان بيّاع السابري والصيقل أو واحد ؟ وعلى كلّ حال فهما من أصحاب الصادق وثقات رواته.
(2) بصائر الدرجات: 5/259.
(3) بالحاء المهملة والنون المضاعفة، وقيل بالخاء المعجمة والياء التحتانيّة المضاعفة، هو من أصحاب الصادق، روى عنه بعض الثقات وأصحاب الاُصول ومن لا يروي إِلا عن ثقة كابن أبي عمير.
(4) النخعي وسنذكره في مشاهير الثقات من رواته.
(5) بالذال المعجمة في آخره، روى عنه الثقات مثل جميل بن درّاج، وأن للصدوق طرقاً اليه.
(6) الشيخ في التهذيب والأمالي، والكليني في الكافي، والصدوق في الفقيه، ذكروه في كتاب الصلاة في القيام بالليل، المناقب: 3/226.
(7) الكوفي من أصحاب الصادق ورواته الثقات.
(8) بصائر الدرجات: 5/63، بحار الأنوار: 47/68/13.
(9) لم ينصّوا على توثيقه ولكنهم استظهروا أنه من الحسان.
(10) القمر: 24.
(11) بصائر الدرجات: 5/65، بحار الأنوار: 47/70/25.
(12) نجيح بالجيم المعجمة والحاء المهملة، وأمّا الجواز فقيل بالمعجمتين الجيم والزاء مع تضعيف الواو، وقيل بإهمالها، وقيل بإعجام الاولى وإِهمال الثانية، وقيل: الجوان بالجيم والنون، وعلى كلّ حال فقد حسنت عقيدته بعد هذا الردع، وعدّوه في أصحاب الكاظم عليه السلام وهو المشير الى الرضا عليه السلام من بعده.
(13) بصائر الدرجات: 5/261.