طباعة

جوانب من علومه وثقافته(علم الهيئة والنجوم)

 جوانب من علومه وثقافته
4 - علم الهيئة والنجوم

كان الإمام الصادق (عليه السلام) (من علماء الفلك والنجوم(31)، وله آراء ونظريات في دوران الكرة الأرضية وحركتها، وفي مقدار اشعة النجوم، وحركة الضوء. وكان يلقي دروسه وإفاداته في هذا العلم على تلاميذه وطلاب العلم، ويناقش محترفي علم النجوم، ويصحح آرائهم، ويوضح لهم اخطاءهم.
دخل على الصادق (عليه السلام) (منجم يماني.
فسأله الإمام: ما صناعتك يا سعد؟
قال: أن من أهل بين ننظر في النجوم.
فقال: كم ضوء الشمس على ضوء القمر درجة؟
قال: لا أدري.
قال: فكم ضوء القمر على ضوء الزهرة درجة؟
قال: لا ادري.
قال: فكم للمشتري من ضوء عطارد؟
قال لا أدري.
قال: فما أسم النجوم التي إذا طلعت هاجت البقر؟
قال: لا أدري.
قال: يا أخا أهل اليمن، عندكم علماء؟
قال:نعم. إن عالمهم ليزجر الطير ويقفو الأثر في الساعة الواحدة مسير سير الراكب المجد.
فقال (عليه السلام): إن عالم المدينة(32) أعلم من عالم اليمن، لأن عالم المدينة ينتهي إلى حيث لا يقفو الأثر ويزجر الطير، ويعلم ما في اللحظة الواحدة مسيرة الشمس.
قال: ما ظننت أن أحداً يعلم هذا ويدري(33).
كان هذا الفلكي من اليمن التي كانت من مراكز الاهتمام بالنجوم وعلم الفلك بين النهرين وواسط. وقد جاء فلكي من (واسط) ودخل على الإمام الصادق (عليه السلام)، فسأله الصادق (عليه السلام) (عن المنظومة الشمسية وحركة الكرة الأرضية، وجرى بينهما حوار مفصل ورد في (الكافي) نجترئ منه بما يهمنا في هذا المقام.
قال: الفلكي: قلت ا خلفت بالعراق ابصر بالنجوم مني.
فقال الإمام (عليه السلام): كيف دوران الفلك عندكم؟
قال: فاخذت قلنسوتي عن رأسي فأدرتها.
فقال الإمام (عليه السلام): إن كان الأمر على ما تقول، فما بال بنات النعش والجدي والفرقدين لا يرون يدورون يوماً من الدهر في القبلة؟
قال: قلت: والله هذا شيء لا أعرفه، ولا سمعت أحداً من أهل الحساب يذكره.
فقال لي: كم السكينة من الزهرة جزءا في ضوئها؟
قال قلت: هذا والله نجم ما سمعت به، ولا سمعت أحداً من الناس يذكره.
قال: سبحان الله، فأسقطتم نجماً بأسره، فعلى ما تحسبون؟
إلى أن قال (عليه السلام): صدقت، أهل الحساب حق، ولكن لا يعمل ذلك إلا من علم مواليد الخلق كلهم(34).
وكان من تأثير توجيهات الإمام وارشاداته في علوم الهيئة والفلك أن اهتم تلامذته بهذه العلوم، واشتغلوا بالأرصاد والأزياج والتقاويم والتنجيم والاختبارات وغير ذلك من فروع علم الفلك من أقدم الأزمنة.
كان ابو اسحاق ابراهيم حبيب الفزاري المتوفي عام (161 هـ ـ 777 م)، وهو من أصحاب الإمامين الصادق وموسى بن جعفر (عليه السلام)، أول من عمل الاصطرلاب في الاسلام(35). وأول من ألف فيه. وله في ذلك (كتاب العمل بالاصطرلابات ذوات الحلق)، وكتاب (العمل بالاصطرلاب السطح)(36).
والاصطرلاب لفظة يونانية مأخوذة من كلمة (الاصطرلابون)، ومعناها مرآة النجم (اصطر: النجم، لابون: مرآة). وقيل أنها لفظة فارسية أصلها (ستارة باب) أي كاشف النجم.
وهذا أحمد بن الحسن بن أبي الحسن الفلكي الطوسي،تخصص في علم الفلك حتى اشتهر به، ووضع كتاب (المنار) وكتاب (شرح التهذيب في الامامة) وله في النجوم والفلك كتاب (ريحان المجالس وتحفة المؤانس)، وقد نقل عنه السيد ابن طاووس. وقال عنه في كتابه (فرج المهموم) إن الكتاب عندي، وفيه أحاديث الكواكب وأسرارها واختيارها(37).
وهذا محمد بن مسعود العياشي التميمي، وصفه ابن النديم بقوله: من فقهاء الشيعة الامامية. أوحد أهل دهره وزمانه في غزارة العلم، له كتاب (النجوم والفأر)، و (القيافة والزجر) و(كتاب الطب)(38).
وهذا أبــــو علي الحسن بــن فضال من اصحـــاب الإمام علي بـــن موسى الرضا (عليه السلام)، وله كتاب (النجوم) و(كتاب الطب)(39).
 
____________________________________________
31 - قولنا إن الإمام عالم بالفلك والنجوم لا يعني أنه فلكي أو منجم.
32 - يقصد الإمام بعالم المدينة نفسه.
33 - بحار الأنوار: 47: 318.
34 - الكافي 8: 351.
35 - فلاسفة الشيعة: ص 74.
36 - الاصطرلاب أنواع منها المسطح والمبطح والتام والهلالي، ومن أجهزة الرصد الأخرى التي صنعها علماء الشيعة اللنبة، والحلقة الاعتدالية ذات الأوتار، وذات الحلق، وذات الشعبتين، وذات الجيب، وذات السمت والارتفاع.
37 - انظر الذريعة إلى تصانيف الشيعة.
38 - الفهرست: 274 ـ 275.
39 - المصدر السابق.