• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في مواجهة التيارات الفكرية الزائغة(أبرز الاتجاهات الفكرية الزائغة..)

لعلّ الجبرية كانت هي أبرز ما تنامى في مطلع القرن الثاني الهجري، واشتدّ دورها، وتفاهم خطرها لشدّة الدواعي اليها، وان كان بروزها يرجع الى ما قبل هذه الفترة بأعوام أو بعض العقود.
فالجبر الذي من شأنه أن يُبرّر عمل الخاطئين والعصاة، ويلقي بالمسؤولية واللائمة على الله سبحانه لا على مرتكبي الذنوب ومقترفي المعاصي يعتبر أفضل وسيلة بأيدي السلطات الجائرة لتبرير ممارساتها الظالمة بحق الرعايا والشعوب.
على أن تاريخ الجبر يعود ـ على الأقل ـ الى ما قبل مجيء الإسلام أي الى «العهد الجاهلي» .
فقد كان الجاهليّون الذين تعرّفوا على هذه الفكرة يبرّرون كفرهم ، وإشراكهم للأصنام في الاُلوهية والربوبية والعبودية مع الله بادّعائهم أنهم مجبولون ومجبورون على الشرك من جانب الله، وانّه لا خيار لهم في ذلك كما قال الله تعالى حاكياً عنهم: (سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا)[1].
واستمرت هذه الفكرة ورواسبها في نفوس البعض حتى من كبار الصحابة والصحابيات[2].
رغم أن القرآن الكريم كافحها ضمن آيات عديدة فنّدت فكرة الجبر، ونفت أن يكون الله قد جبل أحداً على الكفر أو أجبره على المعصية والإثم، وأكدت على أن الإنسان حرّ في أفعاله، ومختارٌ في تصرفاته، ولذلك يتحمل المسؤولية الكاملة عن أعماله، فيُثاب أو يعاقب بموجبها.
ثم اتخذت عقيدة الجبر وأن الإنسان مسيّر وليس بمخيّر كوسيلة لتبرير بعض السياسات التي كانت السلطات الاُموية تمارسها، فكان معاوية أول من اتخذ ذلك عقيدة بصورة رسمية حيث زعم أن الله يريد أفعال العباد كلها[3]. ولما سُئل عن سبب تنصيب ولده «يزيد» خليفة على رقاب المسلمين قال: أن أمر يزيد قضاءٌ من القضاء وليس للعباد الخيرة في أمرهم[4]!! وبهذا نفسه أجاب عبدالله بن عمر لمّا استفسر من معاوية عن تنصيبه يزيد خليفة، إذ قال: إنّي اُحذّرك أن تشقّ عصا المسلمين وتسعى في تفريق ملأهم وأن تُسفك دماءهم، وأنّ أمر يزيد قد كان قضاءً من القضاء وليس للعباد خيرة من أمرهم[5]!!
والى هذه القضية التاريخية أشار الدكتور أحمد محمود صبحي في كتابه «نظرية الإمامة» حيث قال إنّ معاوية لم يكن يدعم ملكه بالقوة فحسب، ولكن بأيديولوجيّة تمسّ العقيدة في الصميم، ولقد كان يعلن في الناس أن الخلافة بينه وبين علي(عليه السلام) قد احتكما فيها الى الله فقضى الله له على «عليّ»، وكذلك حين أراد أن يطلب البيعة لابنه يزيد من أهل الحجاز أعلن أن اختيار يزيد للخلافة كان قضاءً من القضاء ليس للعباد خيرة في أمرهم، وهكذا كاد أن يستقر في أذهان المسلمين، أن كل ما يأمر به الخليفة حتى ولو كانت طاعة الله في خلافه فهو قضاء من الله قد قدّر على العباد[6]!!!
بل ونسبوا مصرع الإمام الحسين في كربلاء الى ذلك أيضاً[7].
ولهذا السبب أيضاً كمّوا أفواه الذين كانوا يُصرحون بأن الناس مخيّرون، وأنه ليست الحكومات الظالمة شيئاً قدّره الله عليهم، وأنه ليس لهم الخيار في رفضها، بل وجلدوا وقتلوا أشخاصاً من كبار الشخصيات والتابعين كالحسن البصري[8]، وابن اسحاق[9] وغيلان الدمشقي[10]ومعبد الجهني[11].
وللأسف اختُلقت أحاديث توفّر الغطاء الشرعيّ لهذا المعتقد على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله)، ورغم كونها تخالف جميع الاُصول العقلية والنقلية التي تصرّح بأن الإنسان مخيّر، وليس بمسيّر، وأنه مختار في أفعاله وليس بمجبور، نقلها كبار المحدثين الأوائل في صحاحهم ومسانيدهم.
فهذه الروايات التي تقول بوضوح لا إبهام فيه أن كل ما يعمله الإنسان شيء قد فُرغ منه، وجرت به الأقلام، أي أنه من المقدّرات التي لامناص منها، وأن الإنسان ـ بحكم ذلك ـ يفعل ما يفعل لا بإرادة منه بل هو شيء جرت به المقادير، وأنه قد كتب عليه عمله كما كتب رزقه وأجله، فهو لا يزاد ولا ينقص، تفيد الجبر الصريح، والمحض والشامل لكل اُمور الإنسان وشؤونه حتى أفعاله وأعماله الحسنة أو القبيحة، وأنه مُيسّر لما خُلق له، فإن كان من أهل السعادة فهو يعمل للسعادة فقط، وإن كان من أهل الشقاء فهو يعمل للشقاء فقط[12].
وهذا لا شك يصبّ في مصلحة السلطات الجائرة التي تسعى لتبرير أعمالها، والإيحاء الى الناس بأنّ الوضع الاجتماعي لا يمكن تغييره أبداً لأنه شيء قد فرغ منه، فالظالم يجب أن يبقى ظالماً والمظلوم يجب أن يبقى مظلوماً، والقاهر الجابر يجب أن يبقى قاهراً جابراً، والمقهور المغلوب على أمره يجب أن يبقى مغلوباً على أمره.
كما أن هذه الأحاديث بمفادها تدفع بالعاصي والمذنب الى مواصلة مسيره المنحرف، لأنه يعلم سلفاً أنه اُريد له ذلك، وأنه غير قادر لا على تغيير مسيره ولا على تغيير مصيره.
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] سورة الأنعام: الآية 148، ومثلها الآية 35 من سورة النحل، والآية 20 من سورة الزخرف.
[2] راجع تاريخ الخلفاء للعلامة جلال الدين السيوطي: 75، ومغازي الواقدي: 3/904، وتاريخ بغداد: 1/160 .
[3] الأوائل لأبي هلال العسكري: 2/125.
[4] المصدر السابق: 1/171.
[5] الطبقات الكبرى لابن سعد الكاتب: 5/148 طبعة بيروت.
[6] نظرية الإمامة: 334 .
[7] الطبقات الكبرى لابن سعد الكاتب: 5/148 طبعة بيروت.
[8] تاريخ بغداد: 1/160 .
[9] تهذيب التهذيب: 9/38 ـ 46 .
[10] لسان الميزان: 4/424.
[11] ميزان الاعتدال للذهبي: 3/141، وتهذيب التهذيب لابن حجر: 10/225.
[12] راجع صحيح مسلم: ج8 كتاب القدر، وجامع الاُصول: 10/516 و 517. وراجع أيضاً كتاب القدر لعبدالله بن وهب بن مسلم القرشي المتوفّى عام 197 بتحقيق الدكتور عبدالعزيز بن عبدالرحمن العثيم مطبوع بمكة المكرمة عام 1406، فقد جاء في الأخير حديث يقول: انّ رجلاً قال للنبي(صلى الله عليه وآله): إنّ الله يُقدّر عليّ الشقاء ثم يعذبني عليه؟ قال: نعم!!


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page