• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) في مواجهة التيارات الفكرية الزائغة(تردّي الوضع العقيدي في مطلع القرن الثاني)

ففي مطلع القرن الثاني الهجري على وجه التحديد شهدت الساحة الاسلامية ظهوراً قوياً، وتنامياً متزايداً لاتجاهات فكرية وعقيدية غريبة عن روح وطبيعة النظام الفكري والعقيدي الذي جاء به الإسلام الحنيف، تردّي الوضع العقيدي في مطلع القرن الثاني
وبالأحرى شهدت الساحة الإسلامية في هذه البرهة من الزمان عودة الى الجاهلية في أخطر أبعادها ومجالاتها وهو المجال الفكري والعقيدي، ولكن هذه المرّة في ثوب جديد، وفي صورة آراء ونظريات مدعومة ببعض البراهين، ومكسوة بثوب فلسفي قشيب.
ولم تكن هذه الظاهرة على ماهي عليه من النكارة لتشكّل خطراً على المجتمع الإسلامي بالغ الشدّة، لولا وقوعها وسيلة بأيدي السلطات الجائرة، التي كانت تستخدم تلك الآراء المنحرفة والعقائد الزائغة لتبرير مواقفها، وإضفاء طابع الشريعة على سياساتها الهدّامة، ونواياها الشريرة.
أجل، لقد اتسم مطلع القرن الثاني الهجري بظاهرة ظهور وتنامي معتقدات زائغة كانت تشكلّ خطراً جدّياً، وعظيماً على عقيدة الاُمة التي اكتسبتها وأخذتها من العقل، ومن آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول الأكرم محمد المصطفى(صلى الله عليه وآله) ومن كلمات أئمة أهل البيت(عليهم السلام)، وترسّخت قواعدها وتجذّرت جذورها في أعماق الاُمة بفضل الجهود الجبّارة التي بذلها الرسول الأكرم والأخيار من أصحابه وطلائع الاُمة من الأئمة الأبرار.
على أن هذه الظاهرة لم تأت بالصدفة، وبين عشيّة وضحاها طبعاً، ولا من دون أسباب خاصة.
فقد نشأت عوامل وأرضية ظهور الاتجاهات المنحرفة ـ في الحقيقة ـ في أعقاب الفتوحات المتلاحقة التي تمّت من دون تحسّب لمخاطر وآثار هذه الفتوحات التي كانت تتمثّل في دخول العقائد والاتجاهات الفكرية الغريبة عن طريق الأسرى والسبايا الى الساحة الاسلامية، وفرض نفسها على ذهنية الاُمة، في غياب مراجع الاُمة الفكريّين وقادتها الحقيقيين الذين اختيروا من قبل الله بعناية بالغة، وزوّدوا بالمعارف العميقة والواسعة[1].
على أنّا لا ننكر مزايا الفتوحات وثمارها الطيّبة، إلاّ أننا ومعنا كل متتبع منصف، لا يستطيع تجاهل آثارها السيئة المتمثلة فيما ذكرناه سلفاً، خاصة أن بعض هذه الفتوحات اقترنت بالقهر والعنف الذي أورث حقداً، واستتبع كيداً من الاُمم المقهورة المغلوب على أمرها، وبخاصة لدى أرباب أديانها، وقادتها الروحيين والدينيين، ونعني أحبارها ورهبانها.
ولقد تسبّب هذا ـ كما يتضح لمن يتتبع التاريخ ـ في حدوث خلط وتخبّط في مجال العقيدة بدأت وظهرت بوادره بصورة خفيفة من أواخر المنتصف الأوّل، وتفاقم أمرها قليلاً قليلاً مع إشراف القرن الأول على الانتهاء، وتنامى ـ الى جانب آراء اُخرى حديثة الظهور ـ في المنتصف الأوّل من القرن الثاني الهجري.
ولقد ساعدت على ذلك عناصر من الذين ضُربت مصالحهم، وفنّدت أفكارهم، ممن كانت لهم الكلمة الاُولى في الجزيرة العربية وما حولها من اليهود والنصارى، خاصة، وأقطاب المشركين الذين تلفعوا برداء النفاق.
كما ساهمت في إذكاء هذه الفتنة العقائدية والتعجيل في ظهور هذا الإنحراف العقيدي والحكومات الجائرة وغير الشرعية التي كانتترى من مصلحتها تقوية ما يُبرر تصرفاتها الشخصية وسياساتها العامّة، من العقائد الزائغة كالاُمويين الذين كانوا يؤيدون الجبرية، ويكافحون القدرية بمعنى نفي الجبر، أو يؤيدون المرجئة الذين كانوا يبيحون للناسـ بحكم عقيدتهم في مرتكب الكبيرة ـ ارتكاب الفساد في مأمن من العقاب أو التشنيع في الدنيا، أوكان من مصلحتها اشغال الاُمة بالأبحاث الساخنة، وضرب بعضها بالآخر في تنازع عقائدي عقيم في أكثر الأحيان، لتبقى السلطات والحكام الجائرون المتغلّبون في مأمن ومنأىً من اعتراضات الناس وانتقاداتهم، وثوراتهم!!
ولربما كان تنامي هذه الآراء والأكفار وما تبعه من التنازع والتصارع، والجدل الساخن بدافع من هوس بعض الحكام الذين رأوا في هذه الحوارات الساخنة والحادّة متعة ولذّة، كما تدلّنا على ذلك شواهد من التاريخ .
ونؤكد على أنه كان لإقصاء وتغييب المرجعيات العلمية والفكرية الأصيلة المتمثلة في سادة أهل البيت عن الساحة الاجتماعية، وضرب الطوق عليهم، أكبر الأثر في تواجد وتنامي هذه الاتجاهات الغريبة، وهذه الآراء المضادة للنظام العقيدي الإسلامي، وهذا الأمر يحتاج طبعاً الى دراسة واسعة وبحث طويل للوقوف على حقيقة ما قلناه.
وللمثال نقول: ربّما كان لأئمة أهل البيت(عليهم السلام) اُسلوب آخر، غير الفتوحات العسكرية والدموية لنشر الإسلام وبثّ تعاليمه في شعوب العالم آنذاك.. اُسلوب لا يقترن بذكريات وخواطر مرّة، بل يقترن بذكريات جميلة، اُسلوب ليس هدفه إلاّ نشر العقيدة لا بسط النفوذ، الأمر الذي يورث عادة الاحقاد والضغائن.. اُسلوب كان أثره عميقاً ونقياً وخالداً في النفوس والضمائر لأنه يقوم على الحجة والدليل، لا على السيف والقهر الذي من شأنه أن لا يقترن بالقناعة، والذي يكون بدوره متزلزلاً لا مستقراً، لأنّ العقيدة ما لم تنشأ عن قناعة نفسية وقبول وجداني، لا تنفذ الى الأعماق، ولا يكتب لها البقاء والدوام، لأنه لا ترتاح اليها الأفئدة، ولا تستريح اليها النفوس.
لقد كان اُسلوب الأئمة من أهل بيت النبوة في نشر العقيدة، ومعالجة مسائلها، يعتمد على الحوار الحُرّ، والمناقشة العلمية المصحوبة بالاحترام المتقابل، والاقناع العقليّ، وإلزام الطرف الآخر بما التزم به، بعيداً عن السباب والشتائم، والاحتقاد والازدراء بأحد أو بمعتقد.
وفي هذه الحالة فقط يقترن الاعتناق بالصدق، والاعتقاد بالجدّ، والقبول بالإخلاص، وإلاّ لاقترن بالنفاق والتظاهر والمراوغة والتزوير والتربّص لتوجيه ضربة انتقام.
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
[1] راجع حديث في كل اُمة عدول من أهل بيتي ينفون عن الدين تحريف الغالين. 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page