• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الدوافع السياسية وراء نشوء المذاهب والفرق(الضد النوعي)

يعتبر العامل السياسي من أهم العوامل التي ساهمت في نشوء فكرة الإرجاء وخصوصاً في عهد معاوية بن أبي سفيان الذي تبنّى عقيدة المرجئة لأنه وجد فيها ضالته التي تبرّر سلوكه السياسي وتعامله في تطبيق المشروع الاُموي الذي يستهدف هدم الإسلام وتقويضه كما ذكرنا سابقاً.
وفي هذا المضمار يقول الأشعري القمي: «وأما المرجئة فكانوا عوناً وسنداً لحكم معاوية، جاءت آراؤهم ومعتقداتهم تبريراً لخلافته وإقناعاً للمسلمين بوجوب طاعته، ويرى المرجئة في مرتكب الكبيرة التوقف في الحكم وإرجاء الأمر له سبحانه»(1).
وفي عملية تبادل للأدوار بين معاوية وأهل الارجاء يقول صاحب كتاب الحركات السرية في الإسلام: «وكان موقف المرجئة السابق من معاوية عندما انتهى الصراع السياسي بغلبته في اسناد حكمه وتجنيد الطاقات لتبرير خلافته واقناع المسلمين بطاعته الأثر الفعال في استمرار المرجئة، إذ الاُمويين بطشوا بكافة الفِرق الإسلامية باستثناء المرجئة وعاش شيوخهم مرفّهين برعاية بني اُمية في الشام والبصرة لذلك كانت الفرصة أمامهم كبيرة لنشر المذاهب بين أهليها»(2).
وفي هذا الخصوص يقول الدكتور محمد جواد مشكور: «نشأت المرجئة بمناسبة الحملات التي حملها الشيعة والخوارج على بني اُمية وعملت على أنه يجب على الاُمة الرضوخ لسلطة الاُمويين وتأجيل الحكم عليهم بالشرك والتكفير الى يوم الدين»(3).
وهذه النصوص تؤكد لنا أن المرجئة نشأت بدوافع سياسية خبيثة وأن رجالات المرجئة وعلماءهم عملوا وعّاظاً للسلاطين وفقهاءً في قصور الاُمويين يبررون الجرائم والكبائر الاُموية التي جرّت على الإسلام والمسلمين الويلات والدمار، يقول أبو الفرج الاصفهاني: «ومن هنا لم نرَ أن الاُمويين اضطهدوا مرجئاً لارجائه كما كانوا يضطهدون المعتزلة لاعتزالهم والخوارج لخارجيتهم والشيعة لتشيّعهم، بل كانوا يستعملون من عُرف بالارجاء في أعمالهم كما فعل القائد الاُموي المعروف يزيد بن المهلّب مع ثابت بن قطنة وهو أحد شعراء المرجئة فقد ولاّه أعمالاً من أعمال الثغور»(4).
أما الدكتور محمد عمارة فيستدل على أن مذهب الارجاء نشأ بدوافع سياسيه ليبرر أعمال السلطات الاُموية قائلاً: «تيار الارجاء نشأ نشأةً سياسية وعاش في خضمّ الأحداث التي ولّدتها الصراعات على السلطة في ذلك التاريخ»(5).
ويقول: «أمّا القول بأن هذا لمذهب لم يكن ينظر الى أحداث السياسة الجارية في عصره ولم يكن يقصد أن يبرر سياسة الحكومة القائمة فهو قولٌ بعيدٌ عن الصواب».
ويضيف قائلاً: «فالارجاء كان دائماً موقفاً سياسياً وهو عند البعض تبرير لسياسة الحكومة القائمة وعند البعض كان موقفاً فكرياً وعملياً ضد مظالم هذه الحكومة»(36).
أما العميد عبدالرزاق محمد أسود فقد ذكر ما نصّه:
«يتبيّن أن المرجئة حزب سياسي من أحزاب الوسط تعاطف من اليمين دون أن ينضمّ إليه صراحة، ولما انتصر اليمين إنحاز له ولم يشارك اليسار معارضته»(7).
إذن نستنتج من كل هذه المقالات والدراسات في أسباب نشوء المرجئة أن العامل السياسي هو أبرز العوامل التي دعت الى تأسيس ونشوء المرجئة، وليقود الاُمويون صراعهم ضد خصومهم وبالخصوص أهل البيت: مستندين الى مذهب المرجئة حيث ساهموا مساهمة فعالة في ابرازه وايجاده واحتضانه وإن كانت هناك جذور وظروف مساعدة على تشكيل النواة الاُولى لمذهب الارجاء في الفترة التي سبقت تسلّم معاوية الحكم.
كذلك يتضح لدينا أن مذهب المرجئة كان في خدمة السلطة الاُموية لتبرير ما تقترفه من جرائم ونهب وسلب وتخريب واعتداء على المقدسات الإسلامية واستهتار بالقيم الإسلامية.
بالإضافة الى ذلك فقد نقل الدكتور محمد عمارة قولاً للمأمون العباسي في تقييمه لمذهب المرجئة قال: «إنّ الارجاء دين الملوك».
وقال الدكتور محمد عمارة أيضاً: «لقد كان المأمون على مذهب أهل العدل والتوحيد ولم يكن يقول بالارجاء وكان يعلم أنه كان
مذهب معاوية وبني اُمية، ومن ثم فلا يُستساغ أن يمدح مذهب خصومه الفكريين والسياسيين»(8).
خلاصة القول: إنّ مذهب الارجاء كان «ضدّاً نوعياً» أسسه الاُمويون. ومفاد مصطلح الضد النوعي: أن الصراع يفترض أحياناً للتغلّب على الخصم إنشاء أحزاب وتكتلات تحمل نفس الفكر الايديولوجي الذي يحمله الخصم وينادي به وربّما يحمل نفس الشعار في خطابه السياسي والعقائدي، ولكن تكون هذه الأحزاب تحت رعاية ونظر الطرف الذي يتربّص بخصمه الدوائر ويخطط لاحتوائه والانتصار عليه .
ومن المعلوم أن مذهب الارجاء توسع بعد عهد معاوية تحت الرعاية الاُموية حتى بلغ الذروة في زمن العباسيين الذي عاصره الإمام الصادق(عليه السلام) فتوسع حتى تورط بعض أئمة المذاهب الإسلامية في الارجاء.
وفي هذا الخصوص يقول السيد هاشم معروف الحسني: «ومن الطبيعي أن تجد لهذه العقائد أنصاراً ومؤيدين من الحكّام الظلمة وأهل الجور والفسق لأنهم لا يجدون فرقة من فِرق الإسلام تمنحهم هذه الصفات وهذه الصلاحيات التي تضعهم في صفوف القديسين وتؤكد لهم شرعية ملكهم وتسلطهم على رقاب المسلمين مهما أسرفوا في المعاصي واستهتروا بتعاليم الإسلام ومقدساته»(9).
الإمام الصادق(عليه السلام) في المواجهة مع مذهب الارجاء
تصدّى الإمام الصادق(عليه السلام) للمذاهب المنحرفة والدخيلة على الشريعة الإسلامية بوصفه إماماً معصوماً من وظيفته أن يحافظ على رسالة جدّه المصطفى محمد(صلّى الله عليه وآله) فقام بتفنيد مدّعيات الارجاء بحزم من خلال مواقفه ومحاججاته معهم ومن هذه المواقف ما يلي:
روى القاضي النعمان قال: «روينا عن جعفر بن محمد(عليه السلام) أنه قال: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وهذا الذي لا يصحّ غيره لا كما زعمت المرجئة: أنّه قولٌ بلا عمل، ولا كالذي قالت الجماعة من العامة: أنّ الايمان قولٌ وعمل فقط،وكيف يكون ما قالت المرجئة: إنّه قولٌ بلا عمل وهم والاُمة مجمعون على أن من ترك العمل بفريضة من فرائض الله عزّ وجل التي افترضها على عباده مُنكراً لها أنه كافر حلال الدم ما كان مُصرّاً على ذلك وإن أقرّ بالله ووحّده وصدّق رسوله بلسانه، إلاّ أنه يقول: هذه الفريضة ليست ممّا جاء به وقد قال الله عزّ وجل: (وويلٌ للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة) وبذلك استحلّ القوم أجمعون بعد رسول الله(صلّى الله عليه وآله) دماء بني حنيفة وسبي ذراريهم وسمّوهم أهل الردّة إذ منعوهم الزكاة»(10) انتهى.
وهذا الكلام للإمام الصادق(عليه السلام) فيه عملية إبطال وتفنيد لما تقوله المرجئة: «الإيمان قولٌ بلا عمل» وأوضح (عليه السلام) حيقيقة الإيمان والإسلام ودور العمل وأداء الفرائض والقصد إليها وأدلّة القرآن على ذلك والسنّة والعقل والمواقف والتاريخ، لأن المرجئة على هذه الأفكار التي ابتدعتها تعمل على تعطيل كل الحدود وتتجاوز كل القيم وتنسف الأساس المعنوي والانضباطي الذي يقوم عليه الإسلام في جزاء الأعمال وإقامة الحد وتنظيم المجتمع .
فعقيدة المرجئة تقوم بتعويم قانون العقوبة الإلهي وتقول إن الإيمان قولٌ وقصدٌ من دون عمل لكي تبرر فسق واستهتار الظلمة وأهل الجور وعدم اقامتهم للفرائض.
-----------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1) مقالات الإسلاميين، الأشعري القمي: 141.
(2) الحركات السرية في الإسلام: 40.
(3) العقيدة والشريعة، د. محمد جواد مشكور: 123.
(4) الأغاني، لأبي الفرج الاصفهاني 13: 90 .
(5) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية الدكتور محمد عمارة: 175، طبعة 77.
(6) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية الدكتور محمد عمارة: 175، طبعة 77.
(7) المدخل الى دراسة الأديان والمذاهب، العميد عبدالرزاق محمد أسود 3: 146.
(8) الخلافة ونشأة الأحزاب الإسلامية، الدكتور محمد عمارة.
(9) الشيعة بين الأشاعرة والمعتزلة، هاشم معروف الحسيني: 104.
(10) دعائم الإسلام، القاضي النعمان 1: 3.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page