الحياة السياسية في عصر الإمام الكاظم (عليه السلام)
عاصر الإمام الكاظم (عليه السلام) أثناء مدّة إمامته أربعة من الخلفاء العباسيين، وهم:
1ـ أبو جعفر المنصور (من سنة 148هـ إلى سنة 158هـ).
2ـ محمد المهدي (من سنة 158هـ إلى سنة 169هـ).
3ـ موسى الهادي (من سنة 169هـ إلى سنة 170هـ).
4ـ هارون الرشيد (من سنة 170هـ إلى سنة 183هـ حيث شهادة الإمام (عليه السلام)).
لقد كانت السِّمة الغالبة على موقف السلطة العباسية من الإمام خاصّة وآل أبي طالب والشيعة عامة هو الإرهاب الشديد والتقتيل، فكان سبباً في هجرة العلويين في اقطار العالم الإسلامي وانتشارهم في القصبات والقرى البعيدة والنائية أو التخفّي والتستر على انتمائه العلوي أو على تشيّعه. ومن الشواهد على هذه الحالة هو ما يحكيه حميد بن قحطبة أحد القادة السياسيين والعسكريين في الحكومة العباسية عندما استدعاه هارون الرشيد في طوس وناوله سيفاً وأرسله مع خادم له إلى إحدى الدور وفي وسطها بئر وحولها ثلاثة غرف مغلقة ، ففتح باباً منها فإذا فيها عشرون نفساً عليهم الشعور والذوائب شيوخ وكهول وشبّان مقيّدون، فقال له: إنّ أمير المؤمنين يأمرك بقتل هؤلاء، وكانوا كلّهم علوية من ولد علي وفاطمة (عليهما السلام)، فجعل يخرج له واحداً واحداً فيضرب عنقه حتى أتى على آخرهم ثم رمى بأجسادهم ورؤوسهم في تلك البئر. ثم فتح باباً آخر فإذا فيه عشرون نفساً من العلوية أيضاً ففعل بهم كما فعل بالسابقين، ثم فتح باباً ثالثاً فإذا فيه عشرون نفساً من العلوية أيضاً فقتلهم واحداً واحداً وكان آخرهم شيخاً عليه شعر فقال له: تبّاً لك يامشؤوم أي عذر لك يوم القيامة إذا قدمت على جدّنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد قتلت من اولاده ستّين نفساً قد ولدهم علي وفاطمة (عليهما السلام)، فارتعشت يده وارتعدت فرائصه ثم قتل الشيخ أيضاً، فكان لا يصلّي ولا يصوم رمضان بعد جريمته هذه ويرى أن لا فائدة في ذلك [1].
وكان من نتائج هذا الضغط والإرهاب هو لجوء المظلومين إلى الثورات المسلّحة، لجأ الإمام الكاظم (عليه السلام) في هذه الظروف القاهرة إلى إخفاء إمامته وكتمان دعوته إلاّ للخواصّ من شيعته الذين يطمئن إليهم ويأمرهم بكتمان السرّ وعدم إفشاء اسمه في الملأ العام حذراً من أعوان السلطة وجواسيسها. فكان الشيعة يشيرون إلى الإمام (عليه السلام) بألقاب خاصة كالعبد الصالح والعالم وغيرها أو يذكرونه بالكنية كأبي الحسن وأبي إبراهيم. وكان الإمام الكاظم (عليه السلام) في بداية أمره يجلس في بيت مهجور غير البيت الذي يسكن فيه ويدلّ أحد خدّامه خواص شيعته على هذه الدار لزيارة الإمام والسؤال منه.
ولكن مع ذلك أخذت الأنظار تتوجّه إلى الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) شيئاً فشيئاً وأخذ الخلفاء والولاة يحاولون شراء من ينفذون بواسطته إلى الإمام (عليه السلام) من أقاربه للتعرّف على أخباره وعلاقاته وأفكاره ، ومن شواهد ذلك ما حكاه النوفلي قال: حدّثني علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي، وذلك في حجّة الرشيد قبل هذه الحجّة، قال: لقيني علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد فقال لي: مالك قد أخملت نفسك؟ مالك لا تدبّر أمر الوزير؟ فقد أرسل إليَّ فعادلته وطلبت الحوائج إليه.
وكان سبب ذلك أنّ يحيى بن خالد قال ليحيى بن أبي مريم: ألا تدلني على رجل من آل أبي طالب له رغبة في الدنيا فأوسع له منها؟ قال: بلى أدلّك على رجل بهذه الصفة وهو علي ابن إسماعيل. فأرسل إليه يحيى فقال: أخبرني عن عمّك وعن شيعته والمال الذي يُحمل إليه. فقال له: عندي الخبر. فسعى بعمّه[2] .
ومن شواهد ذلك أيضاً مارواه علي بن جعفر قال: جاءني محمد بن إسماعيل بن جعفر ابن محمد وذكر لي أنّ محمد بن جعفر دخل على هارون الرشيد فسلّم عليه بالخلافة ثم قال له: ما ظننت أنّ في الأرض خليفتين حتى رأيت أخي موسى بن جعفر يُسلّم عليه بالخلافة. وكان ممّن سعى بموسى بن جعفر (عليه السلام) يعقوب بن داود وكان يرى رأي الزيدية [3].