صباه
ظهرت على الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) آيات الإمامة منذ صباه، وقد نقل لنا التأريخ حواراً مدهشاً بين فقيه مدرسة القياس أبي حنيفة مع الإمام الكاظم (عليه السلام) وهو مازال غلاماً لم يبلغ الحلم في مسألة كانت محور الصراع العقائدي بين تيارات فكرية مختلفة انذاك، واليك نصّ الحوار:
قال أبو حنيفة: حججت في أيام أبي عبد الله الصادق (عليه السلام)، فلمّا أتيت المدينة دخلت داره وجلستُ في الدهليز انتظر إذنه، إذ خرج صبيّ فقلت أين يحدث الغريب إذا أراد ذلك؟ فنظر إليَّ ثم قال: يتوارى خلف الجدار، ويتوقّى أعين الجار، وشطوط الأنهار، ومساقط الثمار، وأفنية الدور، والطرق النافذة، والمساجد، ولا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها، ويرفع ثوبه ويضع بعد ذلك حيث شاء.
قال أبو حنيفة: فلمّا سمعتُ منه ذلك نبل في عيني وعظم في قلبي، فقلت له: جعلت فداك ممّن المعصية؟ فنظر إليّ وقال: اجلس حتى اُخبرك.
فجلستُ مصغياً إليه، فقال: إنّ المعصية لابدّ ان تكون إمّا من العبد أو من ربّه أو منهما جميعاً. فإن كانت من الله فهو أعدل وأنصف من أن يظلم عبده ويأخذه بما لم يفعله، وإمّا أن تكون منه ومن العبد وهو أقوى الشريكين، والقويّ أولى بانصاف عبده الضعيف والعفو عنه، وإن كانت من العبد وحده، وهو كذلك، فعليه وقع الأمر وإليه توجّه النهي ، فإن عفا عنه فبكرمه وجوده، وإن عاقبه فبذنبه وجريرته.
قال أبو حنيفة: فاستغنيت بما سمعت من الغلام وانصرفت بدون أن ألقى أبا عبد الله الصادق وقلت: ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [1].