الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي
يري أكثر المؤرخين ان اُمّ الاءمام علي بن الحسين(ع) هي ابنة يزدجرالثالث (آخر الملوك الاكاسرة الفرس)، ولكنهم يختلفون في اسمهاوكيفية زواجها من الاءمام الحسين(ع)، فيذكرون لها اسماءً اخري غير«شهربانويه».
وحين نتبع هذه القضية بدقة، وننظر لها نظرة تحقيقية، لوجدنا ان كثرتلك الا´راء والاقوال بعيدة عن الحقيقة. فاذن.. ما اسم اُمّ الاءمام علي زينالعابدين (ع)؟ ومن ابوها؟ ومتي وكيف تزوجها الاءمام الحسين(ع)؟ هيالاسئلة التي نحاول ان نجيب عليها من خلال هذا التحقيق.
ان قصة «شهربانويه» من المواضيع التأريخية المهمة الجديرةبالدراسة والتحقيق، لما يكتنفها من غموض وابهام. وكانت نتيجةالتحقيق والبحث الذي قمت به حول هذه الشخصية، هي انها خرجت عنكونها شخصية حقيقة، لتصبح في عداد الشخصيات الاسطورية!.
وينقسم التحقيق حول «شهربانويه» اءلي' ثلاثة اقسام:
الاول ـ حول أسم اُمّ الاءمام علي بن الحسين(ع).
الثاني ـ حول أبويها واسرتها.
الثالث ـ حول حياتها ووفاتها.
اسم اُمّ الاءمام زين العابدين:
لم يتفق المؤرخون علي' اسم اُمّ الاءمام السجاد(ع)، رغم اتفاق معظمهمعلي انها ابنة «يزدجر».
وهذه هي الاسماء التي ذكروها لها:
«شهربانو»، «شهربانويه»، «شاه زنان»،
«شه زنان»، «جهان شاه»، «شهرناز»، «جهان
بانو»، «خولة»، «برة»، «سلافة»، «غزالة»،
«سلامة»، «حرار»، «مريم»، «فاطمة»،
«شهربان».
«شهربانو» ابنة مَن؟
المشهور بين المؤرخين هو ان ام الاءمام السجاد(ع) هي ابنة يزدجرالثالث (آخر أكاسرة الفرس).
ونسجل هنا اقوال بعضهم:
1 ـ اءن اقدم المؤرخين الذين يرون أن أم الاءمام السجاد(ع) هي ابنةيزدجر الثالث هو «اليعقوبي» الذي ألّف كتابه في حدود النصف الثانيمن القرن الثالث الهجري، واثبت الحوادث حتّي عام 299 ه. وقد كتبفي ترجمة الاءمام الحسين بن علي(ع) يقول:
«وكان للحسين(ع) من الولد علي الاكبر.. وعلي الاصغر وامه حراربنت يزدجرد وكان الحسين سمّاها غزالة».
2 ـ كتاب «فرق الشيعة» لذي الّف مقارناً لتاريخ اليعقوبي أو بعدهبقليل، ونُسب اءلي' الحسن بن موسي النوبختي وسعد بن عبد الله بن ابيخلف الاشعري القمي، وكلاهما توفيافي اوائل المائة الرابعة، وقد جاء فيهذا الكتاب: «ولد ـ علي بن الحسين(ع) ـ في سنة 38 من الهجرة، وامهامولد تسمي سلافة وكانت قبل أن يأسرها المسلمون العرب تسميجهانشاه، وهي ابنة يزدگرد آخر ملوك اءيران ابن خسرو برويز بنهرمز».
3 ـ روي ثقة الاءسلام محمد بن يعقوب الكليني من كبار المحدثينمن علماء الشيعة المتوفي سنة 329 هجرية، في كتابه «الكافي» الذي كتبهمقارناً لفرق الشيعة او بعده بقليل، روي عن عمرو بن شمر عن جابر عنأبي جعفر(ع) قال: لما أُقدمت بنت يزدجر علي' عمر، أشرف لها عذاريالمدينة وأشرق المسجد بضوئها لما دخلته. فلما نظر اءليها عمر غطّتوجهها وقالت: «أبيروج بادا هرمز» فقال عمر: اتشتمني هذه؟! وهمّبها! فقال له أمير المؤمنين(ع): ليس ذلك لك، خَيّرها رجلاً من المسلمينواحسبها بفيئه. فخَيّرها، فجاءت حتّي وضعت يدها علي' رأسالحسين(ع)، فقال لها أمير المؤمنين(ع): ما اسمك؟ فقالت: جهانشاه، فقاللها أمير المؤمنين(ع): بل شهربانويه. ثم قال للحسين(ع): يا أبا عبد اللهليولدنّ لك منها خير اهل الارض. فولدت علي بن الحسين(ع). وكان يقاللعلي بن الحسين(ع): ابن الخِيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومنالعجم فارس.
4 ـ وجاء في كتاب «تاريخ قم».
«عدد اولاده: علي الاكبر الذي هو من بطن شهربانويه ابنة يزدجردبن شهريار بن شيرويه بن كسري أبرويز وعلي الاصغر الذي قتل فيكربلاء».
ويقول أيضاً:
«وكني الاءمام زين العابدين بأبي محمد وابي بكر وأبي القاسم أيضاً،وقد ولد سنة سبع وثلاثين من الهجرة، واُمه شهربانويه بنت يزدجرد بنالملك، وهي توفّيت في داء مخاضها بالامام زين العابدين(ع). وتوفيالاءمام زين العابدين في سنة خمس وتسعين، وكان عمره سبع وخمسونعاماً واربعة عشر يوماً، وبرواية اخري كانت وفاته في شهر محرم سنةاربع وتسعين، ومدة عمره خمس وخمسون سنةً، وكانت امه ام ولدتدعي سلامة واسمها جهانشاه بنت يزدجرد».
5 ـ وحدّث الشيخ الصدوق بن بابويه المتوفي 381 هـ في كتابه عيوناخبار الرضا(ع) بسنده عن سهل بن القاسم النوشجاني قال:
«قال لي الرضا(ع) بخراسان: اءنّ بيننا وبينكم نسباً، قلت: وما هو أيهاالامير؟ قال: ان عبد الله بن عامر بن كريز لما افتتح خراسان اصاب ابنتينليزدجرد ابن شهريار ملك الاعاجم فبعث بهما اءلي' عثمان بن عفان،فوهب احداهما للحسن والاخري للحسين(ع) فماتنا عندهما نُفَساوين،وكانت صاحبة الحسين نفست بعلي بن الحسين، فكفل عليا بعض امهاتولد ابيه، فنشأ وهو لا يعرف اُمّاً غيرها، ثم علم أنها مولاته، فكان الناسيسمّونها امه وزعموا أنه زوّج امه! ومعاذ الله! انما زوّج هذه علي' ماذكرناه».
6 ـ وقال الزمخشري (467 ـ 538) في كتابه «ربيع الابرار»:
«اِن قريشاً لم يكونوا يعبأون باولاد الاءمام حتّي ولد ثلاثة من خيرأهل الارض في زمانهم من امهاتهم وهن امهات اولاد: علي بن الحسينوالقاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم بن عبد الله بن عمر. وكانت قصةهؤلاء انه: لما اُتي بسبي فارس في خلافة عمر بن الخطاب كان فيهمثلاث بنات ليزدجرد، فباعوا السبايا، وأمر عمر ببيع بنات يزدجرد، فقالله علي(ع): اءنّ بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن! فقال عمر: وكيفالطريق اءلي' العمل معهن؟ فقال علي(ع): تقوّمهن، فمهما بلغ ثمنهنّ قام بهمن يختارهن. فقوّمن فأخذهنّ علي(ع)، فدفع واحدة لولده الحسين(ع)فولدت له علياً زين العابدين(ع)، وواحدة لعبدالله بن عمر فولدت لهسالماً، وواحدة لمحمد بن أبي بكر فولدت له القاسم، فهؤلاء الثلاثة بنوخالة.
7 ـ وجاء في كتاب «مجمل التواريخ والقصص»:
«وكان اسم امّه: شهرناز بنت يزدجرد الملك. وبرواية اخري قالوا:هي ابنة الملك سنجان ملك فارس. وقيل ملك هراة والرواية الاولياصح».
8 ـ كتب كيكاووس بن اسكندر بن قابوس بن وشمگير ابو المعاليفي كتابه «قابوسنامه» الذي كتبه سنة 547 هـ يقول:
«سمعت ان شهربانو كانت بنتاً صغيرة ذهبوا بها اسيرة من العجمللعرب، فلما أُقدم بها علي' أمير المؤمنين(ع) عمر أمر أن يبيعوها، فلماذهبوا بها ليبيعوها جاء أمير المؤمنين علي(ع) وأخبر بهذا الخبر عنرسول الله(ص): ليس البيع علي' أبناء الملوك. فلما أخبر بهذا الخبر ارتفعالبيع عن شهربانو وذهبوا بها اءلي' بيت سلمان الفارسي ليزوجوها، فلماعرضوا عليها التزويج قالت: لا أتزوجه ما لم أره، فاجلسوها في منظرومرّوا بسادات العرب واليمن عليها لتكون زوجة من تختاره هي،وجلس عندها سلمان يعرّفها بالقوم: أن هذا فلان وذاك بهمان، وهيتنتقصهم، حتّي مرّ عمر، فقالت: من هذا؟ قال سلمان: هو عمر، قالت:رجل جليل اءلاّ أنه شيخ كبير. ولما مرّ علي قالت: من هذا؟ قال سلمان: هوعلي2: فقالت: رجل جليل، الاّ أني لا أستطيع النظر في غد يوم القيامةاءلي' وجه فاطمة الزهراء بن محمد وأستحي منها ولذلك فلا اريده، فلما مرّالحسن بن علي وعلمت بحاله قالت: هو كُفُؤلي ويليق بي اءلاّ أنّه نكّاحالنساء فلا اُريده، ولما مرّ الحسين بن علي(ع) سألت عنه فعرفته وقالت:هو كُفُؤلي ويليق بي وينبغي أن يكون هو زوجي، فان البنت العذراءالباكر لا بد لها من زوج باكر، وأنا لم اتزوّج وهو بعد لم يتزوّج».
9 ـ يقول بن شهر آشوب المتوفي 588 هـ:
«وامه شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بن كسري ويسمّونهاأيضاً: شه زنان، وجهان بانويه، وسلافة، وخولة، وقالوا: شاه زنان بنتشيرويه بن كسري ابرويز. ويقال: هي برة بنت النوشجان، والصحيح هوالاوّل. وكان أمير المؤمنين سماها: مريم ويقال: سمّاها فاطمة، وكانتتدعي: سيدة النساء».
10 ـ يقول ابن البلخي مولف كتاب «فارسنامه» الذي كان يعيش فيالقرن السادس معاصراً لمحمد بن ملكشاه السلجوقي:
«وقد قال الرسول(ع): انّ لله خيرتين من خلقه: من العرب قريشومن العجم فارس. فيقال للفرس: قريش العجم بمعني أن شرفهم فيالعجم كشرف قريش في العرب. وكان يقال لعلي بن الحسين كرم اللهوجهه المعروف بزين العابدين: ابن الخيرتين، لانّ أباه الحسين بن عليرضوان الله عليهما، وأُمّه شهربانويه بنت يزدجرد الفارسي. وانّما يفخرالحسينيون علي' الحسنيون لانّ جدّتهم كانت شهربانويه فهم كرام منالطرفين».
11 ـ كتب ابن خلكان في «وفيات الاعيان» يقول:
«اُمّه سلافة بنت يزدجرد آخر ملوك الفرس، وهي عمّة اُمّ يزيد بنالوليد الاُموي المعروف بيزيد الناقص. فان قتيبة بن مسلم الباهلي الواليعلي' خراسان حيث كان يتابع ويعقّب أُمراء الفرس حتّي قتل فيروز بنيزدجرد، وبعث بابنتيه اءلي' الحجاج بن يوسف الثقفي، الذي كان آنذاكأميراً علي' العراق وخراسان، أمسك الحجاج باحدي البنتين لنفسه، وبعثبالاخري اءلي' الوليد بن عبد الملك فولدت له يزيد الناقص. واسمها: شاهآفريد» ثم يذكر عبارة ربيع الابرار للزمخشري باختلاف يسير فيالالفاظ ثم يقول: فان علي بن الحسين وسالم بن عبد الله وقاسم بن محمدبن أبي بكر أبناء خالة.
12 ـ نقل فخر الدين الطريحي في «مجمع البحرين» في مادة: زجر،يقول: «ويزدجرد احد ملوك الفرس ومنه سلامة بنت يزدجرد ام زينالعابدين(ع). وأسمها: شاه زنان» ثم نقل قول الزمخشري.
ومن العجب أن صاحب «روضة الصفا» كتب قصة زواج شهربانوعن الزمخشري هكذا:
«واسم امه: شهربان، وقيل: شهربانويه بنت يزدجرد بن شهريار بنخسرو ابن برويز بن نوشيروان العادل! وجاء في ربيع الابرار: أن أميرالمؤمنين بعث حريث ابن جابر الجعفي للحكم في بعض بلاد المشرقفاصاب بنتين ليزدجرد فبعث بهما اءلي' أمير المؤمنين، فوهب شهربانولقرّة عينه الحسين، والاخري المسماة بكيهان بانو لمحمد بن أبي بكر،فوهب الله لاحدي الاختين الاءمام زين العابدين والاخري قاسم بنمحمد».
وهذه فرية علي' كتاب ربيع الابرار وهو غير قليل النسخة، فلاغرو أنتشيع هذه القصص في طول ثلاثة عشر قرنا.
ووردت هذه القصة في «فرهنك آنندراج» ذيل كلمة: شهربانووشهربانويه علي' صورة اخري اءليك ترجمة عباراته:
«شهربانو وشهربانويه: هي بنت يزدگرد بن شهريار بن خسروبرويز ملك العجم، التي أُسرت هي واختها كيهان بانو بعد انقراض دولتهموقتل يزدگرد في مرو خراسان، وقعت أسيرة بيد الحريث بن جابرالجعفي، فحافظ عليهما وجاء بهما اءلي' حضرة الاءمام أمير المؤمنين عليابن أبي طالب سلام الله عليه وعلي' اولاده الطاهرين المعصومين. فامر أنيعرضوا عليهما اشراف العرب واعيانهم من بعيد لتقبلا بمن ترضيان به،وبعد ان رأت الشبان والاعيان من السادات والاشراف ارتضتالحسين(ع)، وقالوا: انها كانت قد عاينت الحسين سابقاً في الرؤيا فعشقته!وهي الوالدة الماجدة لجناب الاءمام نجيب الطرفين علي بن الحسين(ع)،ووهب الامير اختها لمحمد بن أبي بكر فولد منها قاسم بن محمد ابنخالة الاءمام. وقيل لها أيضاً شهربانويه».
13 ـ وفي اقوال المستشرقين المعاصرين، كتب ادوارد براون يقول:
«يقول المعتمد من المؤرخين كاليعقوبي: ان احدي بنات آخرالملوك الساسانيين وهو يزدجرد الثالث زوجت بالامام الحسين فولد لهمنها الاءمام زين العابدين الذي يصل نسبه من طرف فاطمة اءلي' نبيالاءسلام ومن طرف آخر اءلي' الاسرة الايرانية المالكة قديماً، فلا عجبأن يبدي الايرانيون بالنسبة اءلي' علي وأولاده هكذا اخلاص وعبادة»علي' حد تعبير هذا المستشرق فاللفظة الاخيرة تبدو مغرضة.
14 ـ ونقل المستشرق الجنرال السيربرسي سايكس في كتابه «تاريخاءيران» بترجمة السيد محمد تقي فخر داعي يقول:
«كتب المؤرخون العرب وفي مقدمتهم اليعقوبي الذي كان يعيش فيالقرن التاسع الميلادي: أن شهربانو بنت يزدجرد زوّجت بالحسين بنعلي والايرانيون يبدونها في تمثيليات العزاء وكأنها امرأة ذاتشهامةوشجاعة».
ثم ينقل عن براون: أنه في بعض كتبه ترجم شعراً لشهربانويه وفيه:أنها دخلت المدينة مع سبايا الحرب باشراف الحسن بن علي، وأنه كانيخصها بفتوّته ورجولته!.
وحكم عمر أن يعرضوها في سوق النخاسة للبيع، وكان علي حاضراًفتغيّر ولامه علي عمله هذا وقال: لا ينبغي هذا العمل بالنسبة اءلي' بناتالملوك. فالايرانيون كما يرون الاسكندر من قبل امه من نسل الملوكالهخامنشيين كذلك يرون ان اولاد واحفاد الحسين(ع) يصلون من طرفامهم اءلي' سلالة الملوك الساسانيين الممتازين! فان الايرانيين كانوا يقولونللملوك الساسانيين بالحق الالهي ويرونهم ظلالاً من يزدان الاءل'ه. وليسمجالاً للجدل أن هذه العقيدة: أي امتزاج دم اولاد الحسين بدم الملوكالساسانيين بعث الايرانيين اءلي' أن يعتقدوا بالنسبة اءلي' آل علي عقيدةفدائية كما نشاهدهم اليوم علي' ما هم عليه».
هذا ما رأيته حول شهربانو، وبناء علي' هذه المصادر فان المؤرخينيرون أن ام الاءمام السجاد(ع) هي «شهربانويه» والاختلاف هو حولوالدها، حيث لا يري بعضهم أن أباها يزدجرد. والذي يمكن الاعتمادعليه هنا هو ما يلي:
اولاً: ان أقدم مصدر لهذه القصة لا يرجع اءلي' ابعد من منتصف القرنالثالث للهجرة.
ثانياً: ان شهرة شهربانويه بدأت منذ بداية القرن الرابع الهجري.
اُسرة شهربانو:
انّ تراجم الملوك الساسانيين ولا سيما خسرو برويز ومن أعقبه،وبالاخص يزدجرد الثالث ليست واضحة، فانّ احوال هؤلاء وحوادثأيامهم، ولا سيما ما يرتبط منها بأشخاصهم مبهمة ومجملة ومبعثرة، كماهو حال دولتهم في نهاية دور ملوك هذه الاسرة المالكة. ولا مصدر لديناسوي هذه المصادر الموجودة التي أبدي كتابها ا´راءً بهذا الشأن فلا بدّ لنامن نتبيّن حال أولاد يزدجرد من نفس هذه المصادر:
يقول المسعودي في «مروج الذهب»:
«وقتل يزدجرد الا´خر من ملوكهم علي' حسب ما ذكرناه وله خمسوثلاثون سنه. وخلّف من الولد: بهرام وفيروز، ومن النساء: آدركوشاهين ومردآوند».
ويقول المستشرق «كريستن سن»:
«اءنّ معلوماتنا عن مصير اسرة يزدجرد قليلة» ثم نقل كلامالمسعودي كما سبق.
وكذلك ينقل كلام المسعودي السيد سعيد نفيسي في مقالتة التحقيقيةالتي نشرتها مجلة «مهر».
فكما نري لم يرد في التواريخ القديمه والمعتبره والمعتمد علي'صحتها عن شهربانو او احدي المسمّيات الاُخري لاُمّ الاءمام علي بنالحسين(ع) ايّ ذكر في عداد بنات يزدجرد. ولهذا اخذ المحققونالمعاصرون الذين سلّموا بان قصة شهربانو انماهي اسطورة، أخذواينقلون قصتها وهم يشككون في صحتها.
فالمستشرق كريستن سن يقول:
«أما شهربانو فانها بناءً علي' رواية الشيعة ـ غير المقطوع بصحتها ـتزوجت بالامام الحسين، ولذلك فهم يعدّون اولاد الحسين ورثة قصرالخورنق (بالحيرة) او بالاحري الجلال الالهي للملوك السابقين لايران،وأنهم كرام الطرفين».
ويقول العلامة المحقق تقي زاده:
«وكانوا يزعمون أن الاءمام الحسين(ع) صهر يزدجرد آخر ملوكالساسانيين، وأن أولاده من سلالة الملوك الايرانيين».
والاستاذ المحقق سعيد نفيسي بعد أن ينقل أسماء أولاد يزدجردعن المسعودي يقول:
«وقد ذكرت في بعض الكتب بنت اخري من بنات يزدجرد باسمشهربانون أو شاه زنان وقيل: اءنها كانت زوجة الحسين بن علي(ع) وامزين العابدين علي ابن الحسين الاءمام السجاد».
هل شخصية «شهربانو» حقيقية؟
هل بالامكان أن نقول بأن ليزدجرد الساساني ابنة باسم شهربانو أواي اسم آخر بالاستناد اءلي' هذه المصادر السالفة، حتّي نعتقد بأنها هي امالاءمام السجاد(ع)؟ وهل يكفي للمحقق الذي هو بصدد كشف الحقيقةوالذي لا يريد أن يتبع الشايع بين الناس العاديين: أن يعتمد علي' هذاالقدر من نقول المؤرخين ويري أن شهربانو هي شخصية حقيقية كان لهاوجود خارج الذهن أو لا؟
اءنّ اول وأقدم مصدر تاريخي لقصة شهربانو هو ما كتبه اليعقوبييقول:
«وكان للحسين(ع) من الولد: علي الاكبر.. وعلي الاصغر وامه حراربنت يزدجرد، وكان الحسين سماها غزالة».
وفي ذيل وقائع أيام عمر بن عبد العزيز يقول:
«كانت امه ]اُم الاءمام السجاد[ حرار بنت يزدجرد كسري، وذلك أنعمر بن الخطاب لما أُتي بابنتي يزدجرد وهب احداهما للحسين بنعلي(ع) فسمّاها: غزالة. وقيل: ان امه كانت من سبي كابل».
واليعقوبي كما ترون لم يسند نقله هذا اءلي' رواية، ثم لم يسلّم به، بلشكّك فيه بنقل القول الثاني بانها من سبي كابل. هذا عدا عن أن اسم حرارلا يشبه الاسماء الفارسية، وأن هناك قرائن قوية تبيّن لنا عدم وقوع هذهالقصة في زمان عمر، بل لم يعثر المسلمون لا علي' عهده ولا في اي زمانآخر علي' ابنة ليزدجرد باسم شهربانو او أي اسم آخر.
أما كتاب «فرق الشيعة» الذي هو أيضاً من المصادر القديمة لهذهالقصة، فهناك قرائن عديدة من نفس الكتاب لا نستطيع معها أن ننسبه الي'اي واحد من هذين العلمين العالمين من الشيعة: ابي محمد النوبختي اوسعد بن عبد الله الاشعري القمي، بل لا نستطيع أن نعدّ كاتبه من الشيعةأصلاً. وعلي' هذا فكيف نتمكن أن نجعل هذا الكتاب المجهول المؤلفوحتّي تاريخ التأليف مصدراً لهذه القصة؟! ثم انه ليس باقوي حالاً مناليعقوبي، بل هماسيّان في الوهن والضعف، فهما مما كتب علي' الاكثر فياواخر القرن الثالث الهجري، ولا شك في أن هذه القصة كانت قد راجتفي ذلك العهد. ولا يخفي أن المذكور في عبارة هذ الكتاب انما هو: أنجهانشاه أُسرت بيد المسلمين العرب، ولا يقول متي، ولا يتكلم عناحضارها اءلي' المدينة بمحضر عمر.
والا´ن لننظر في حديث عمرو بن شمر: وهذا الحديث لا يترجح منحيث الدراية علي' نقل اليعقوبي ولا يسلم من حيث السند والمتن، فانراويه الاخير هو عمرو بن شمر الذي يقول فيه النجاشي: «ضعيف جداً،زيد احاديث في كتب جابر الجعفي ينسب بعضها اءليه، والامر ملتبس»وضعفه ابن الغضائري والشيخ البهائي في الوجيزة والمجلسي في مرآةالعقول فلا يعتمد علي' روايته.
وأما من حيث المتن: فقد جاء في هذا الحديث هذه العبارة:
«وكان يقال لعليّ بن الحسين(ع): ابن الخيرتين: فخيرة الله من العربهاشم ومن العجم فارس».
وهذه الجملة تشير اءلي' حديث يروي أن الرسول(ص) قاله: «لله تعاليمن عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، ومن العجم فارس».
او: «اءنّ لله من عبادة خيرتين: فخيرته من العرب قريش، ومن العجمفارس».
او: «اءنّ لله خيرتين من خلقه: من العرب قريش، ومن العجمفارس».
او: «اءنّ الله خَيّر من خلقه صنفين: من العرب قريشاً، ومن العجمفارساً».
ولم يُرو هذا الحديث من طرق الشيعة، وانما رواه من طرق السنة:الديلمي وابن شاهبن وابن مندة وابو نعيم عن معن بن عيسي المتوفي198 هـ من اصحاب الاءمام مالك، عمّن حدّثه، عن عمران بن ابي أنسالقرشي عن عبد الله بن رزق المخزومي عن الرسول(ص).
في حين أنّ عبد الله بن رزق لم ير الرسول(ص) وكأنّه يرويه عن أنسبن مالك. وقد قال فيه الازدي: حديثه ليس بصحيح.
وقد قال الله سبحانه: (اءنّ اكرمكم عند الله اتقاكم) وقال الرسول(ص):(لا فضل لعربي علي' أعجمي ولا لاعجمي علي' عربي اءلاّ بالتقوي).
وعلي' فرض صحة الحديث وتخصيص الا´ية والحديث به، فلو كانفضل لقريس علي' العرب فانما هو لاشتمالهم علي' مزايا وصفات حميدةممتازة وكون الرسول منهم، أما الفخر بناس مخالفين في الدين معالرسول(ص) بل محاربين لدينه ومغلوبين علي' أمرهم أمام المسلمين فانماهو هزء وسخرية!
بل لاشك في أن هذا الحديث كعشرات الاحاديث الاخري من قبيلما رُوي انه قال: «ولدت في زمن الملك العادل» او «السلطان ظل الله فيأرضه» انما هو من صنائع الشعوبيين واءشاعاتهم.
وهناك قرائن توجب ـ من حيث الدراسة ـ التشكيك في صحة هذهالقصة، بل تثبت كذبها، وبالنتجية سقوط هذه الرواية وسائر ونقولالمؤرخين عن درجة الاعتبار لسببين:
الاوّل: ما يشتمل عليه هذا الحديث من المبالغات التي تقوّي كونهموضوعاً مصنوعاً، كما في قوله: «اشرف لها عذاري المدينة واشرقالمسجد بضوئها لما دخلته، فلما نظر اءليها عمر غطّت وجهها». فلو كانتأُدخلت المسجد بوجه سافر مكشوف حتّي أن المسجد اشرق بضوئها،ولم تكن تستحي من الرجال الاجانب فكيف غطّت وجهها لما نظر اءليهاعمر؟! فهل كان سائر الناس من محارمها وانما كان عمر اجنبيّاً عليها؟!أليس هذا الكلام الجزاف دليلا علي' وضع هذه القصة؟!.
الثاني: أن الطبري وابن الاثير والبلاذري والمؤرخين الا´خرين حتّياليعقوبي، من الذين سجّلوا حروب المسلمين مع الفرس بالتفصيل، لميأتوا خلال تفاصيلهم بأيّ حديث عن أسر بنات يزدجرد او اية امرأة مننساء بلاطه، بل نري أن يزدجرد «هرب في من بقي معه فلحق باصبهانثم سار اءلي' ناحية الري واتاه صاحب طبرستان فأعلمه حصانة بلادهوامتنع عليه ومضي اءلي' مرو، وكان معه الف أسوار من أساورته والفخبّاز، والف صناجه».
ومن المسلم به ان خراسان انّما فُتحت في خلافة عثمان بن عفان،وعلي' هذا يظهر أن قصة أسر شهربانو في عهد عمر لا أساس لها منالصحة اصلاً.
ونفهم مما كتبه المؤرخون بشأن فرار يزدجرد: أن يزدجرد وحرمهمنذ بداية حرب القادسية وحتّي نهاية فتح نهاوند (فتح الفتوح) لم يكونوافي جبهات الحروب أبداً، وأنهم كانوا في كل حرب قبل أن يصل جيشعدوّهم يصلون بانفسهم اءلي' مأمن من البلاد البعيدة، بل ان يزدجرداستطاع أن يصل اءلي' خراسان بأهله ومعهم الف طبّاخ وغيرهم بسلام!وعلي' هذا فكيف اُسرت ابنته شهربانو واين؟ ومتي وقعت بيدالمسلمين؟! ومتي سميت شهربانو ولم نر هذا الاسم في عداد اولادهوبناته؟!.
بالنظر في هذه القرائن التي تنفي أن تكون ابنة يزدجرد قد أُسرتفي عهد عمر، نعرف قيمة ما كتبه الزمخشري في «ربيع الابرار» وكذلكما كتبه الا´خرون بالاعتماد علي' ما نقله واضافوا عليه، فبلغوا بعدد السبايامن بناته ثلاثاً، فزوجوا اءحداهنّ لعبد الله بن عمر والثانية لمحمد بن أبيبكر، ولا دليل علي' أسر شهربانوا فضلاً عن أخواتها.
ولا أساس ـ أيضاً ـ لما كتبه صاحب «روضة الصفا» الذي روي أنأسر هذه البنات الثلاث كان علي' يد الحريث بن جابر الجُعفي في عهدعلي(ع) وقال: انه أخذ هذا عن «ربيع الابرار» للزمخشري، وقد اسلفناعبارة «ربيع الابرار» ورأينا أن الزمخشري يقول بوقوعه علي' عهدعمر!.
وأما خبر «عيون أخبار الرضا» المروي عن سهل بن قاسمالنوشجاني؛ فبالاضافة علي' جهالة حال هذا الرجل، نراه يقول:«فوهباحداهما للحسن والاخري للحسين فماتتا عندهما نفساوين فكانتصاحبة الحسين نفست بعلي بن الحسين، فكفل علياً بعض امهات ولدابيه، فنشأ وهو لا يعرف امّاً غيرها، ثم علم أنها مولاته، فكان الناسيسمّونها امّه»!. ونسجل علي' هذا الخبر الملاحظات التالية:
أولاً: يخالف سائر الاخبار في منحهما للحسنين(ع)!.
ثانياً ـ من الغريب انهما تموتان نُفساوين! فتموت ام الاءمام السجادبعد ولادته وتموت اختها قبل الولادة دون ولد.
ثالثاً ـ يكفل علياً (ع) بعض امهات ابيه! ولا نري لابيه الحسين(ع) ايّام ولد في عداد ازواجه واولاده.
رابعاً ـ كون الاءمام السجاد ينشأ وهو لا يعرف امّاً غيرها، ثم يعلم أنهامولاته، وهذا مما لا يناسب مقام الامام ولا يقوله الامام الرضا(ع).
خامساً ـ الرواية تقول عن لسان الامام الرضا أنه قال للراويالنوشجاني: «ان بيننا وبينكم نسباً»، ثم لا نري النسبة في الرواية الاّ أننأخذ بما رواه ابن شهر اشوب في عداد الاقوال بأن اسمها برة بنتالنوشجان، فتكون ابنة الجدّ الاعلي' لهذا الراوي، ولا تكون ابنة يزدجردولا اسمها «شهربانويه».
ونري هنا أن الراوي أراد أن يثبت لنفسه فخراً، فغفل خبره عننسبة النوشجاني فحرّفوا خبره اءلي' الشائع من نسبة السببيّة اءلي' يزدجرد لاالنوشجاني جدّ الراوي. ونري تأكيد الراوي علي' الرواية فيقول في آخرخبره: ما بقي طالبي عندنا اءلاّ كتب عني هذا الحديث عن الرضا(ع)،فكيف غفل عن هذه النسبة الشريفة كل الطالبيين فلم يكن فيهم رجليعرفها؟!.
هذا وقد اضاف ابن البلخي في «فارسنامه» حديثاً عن عُلوّ رتبةالحسينيين علي' الحسنيين، لا لشيء الاّ لانّ امهم كانت مجوسية الاصل!.
وحسب صاحب «قابوسنامه» أنها كانت تعيش في المدينة عدةسنين، فوقفت واطلعت خلالها علي' الحياة الداخلية لاهلها، فلم ترضبالزواج مع علي (ع)، لان فاطمة (عليها السلام) كانت زوجته، وهي لاتريد أن تغضبها! وهي تعلم أن الحسن(ع) نكّاح النساء فلم ترضَ به بعلاً!.
النتيجة:
ونستنتج من كل ما سبق ما يلي:
1 ـ ذكروا لهذه السيّدة اكثر من خمسة عشر اسماً، وان كان بعضها منالاختلاف في ضبط الاسم.
2 ـ اختلفوا في أبيها علي' خمسة أسماء هي: يزدجرد
سنجان نوشجان شيرويه بن كسري.
3 ـ اختلفوا في زمن أسرها: علي' عهد عمر، وعثمان،وعلي(ع).
4 ـ دلّت القرائن علي' عدم أسر اُسرة يزدجرد، بل الذهاب بها سالمةًاءلي' خراسان.
5 ـ نقل اليعقوبي وابن قتيبة وابن سعد: أن ام الاءمام السجّاد اسمهاغزالة، وهي من سبي كابل او السند، وكذلك جاء في «صفة الصفوة».وانما بدأ الحديث عن شهربانويه منذ اواخر القرن الثالث واوائل القرنالرابع الهجري، وقبل هذا كانوا يرونها من سبي السِند أو كابل كما نقل.
وان كان المرحوم السيد المقرّم في كتابه عن «الاءمام زين العابدين»يقول:
«ان الرواية الثانية ]يعني راوية الصدوق في عيون اخبار الرضا[تقرب من الصحة، لكون فتح خراسان سنة ثلاثين من الهجرة وهي السنةالسادسة من خلافة عثمان وفي هذه السنة قتل يزدجرد بن شهريار في(مرو) كما في فتوح البلدان للبلاذري، والاخبار الطوال للدينوري.
فنحن أيضاً نقول باقربية هذه الرواية اءلي' الصحة بالنسبة اءلي' سائرالروايات البعيدة جدّاً، لكن مع الاخذ بنظر الاعتبار ما اوردناه علي'الرواية من أن النسبة التي ينسبها الاءمام الرضا(ع) للراوي «النوشجاني»تقتضي ترجيح القول بأنهما لم تكونا ابنتي يزدجرد الساساني، بل ابنتيالنوشجان ابن اخر الهرمزان القائد الساساني المعروف، كما سبق نقله عنمناقب ابن شهر اشوب وغيره.
وحيث ينص الطبري ـ وغيره ـ يقول: «غزا سعيد بن العاص منالكوفة سنة ثلاثين يريد خراسان ومعه حذيفة بن اليمان وناس مناصحاب رسول الله(ص) معه الحسن والحسين وعبد الله بن عباس وعبدالله بن عمر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعبد الله بن الزبير، وخرج عبدالله بن عامر من البصرة يريد خراسان فسبق سعيداً».
فالراجح: أن عثمان اءنما وهب هاتين البنتين للامامين الحسنين(ع)علي' أنهما من حصتهما من غنائم الحرب التي اشتركا فيها في فتحخراسان، وانما نسبت رواية الفتح اءلي' عبد الله بن عامر بن كريز لانه سبقسعيداً اءليها فنسب فتحها اءليه.
المجمع العالمي لاهل البيت: قم المقدسة
حول السيّدة «شهربانو»
- الزيارات: 11431