طباعة

سلوكه (ع) مع نفسه

سلوكه (ع) مع نفسه

إن الكثير من الناس يسير في حياته نحو الإفراط أو التفريط فتختل الموازين الاجتماعية والنفسية بذلك.
فهناك عابد جاهل، وآخر متعلم لا دين له..
وهناك غني بخيل، وفقير لا يملك شيئاً ولكنه كريم النفس..
وهناك جبان خائف وهناك متهور يضر بنفسه والآخرين..
وهكذا في سائر الأمور التي لم يراع فيها قانون الإسلام وهو رعاية حد الوسط في الأمور.
قال تعالى: ] وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً[ (1).
وقال (ع) : «خير الأمور أوسطها»(2).
وقال أبو عبد الله (ع) : في باب الجبر والتفويض: «لا جبر
ولا تفويض بل أمر بين الأمرين»(3).
إن الإسلام قد حدد جميع الموازين الدقيقة للموضوعات والأحكام في حياة الإنسان مع نفسه والآخرين، بحيث لا يكون إفراط ولا تفريط.
والميزان لمعرفة ذلك هو رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار (ع) بأقوالهم وأفعالهم وسيرتهم العطرة.
فقد تجلت كافة الجوانب الأخلاقية والآداب الإسلامية وموازين الشرع المقدس في شخصية نبي الإسلام محمد بن عبد الله (ص) وابنته سيدة نساء العالمين الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء (ع) والأئمة الطاهرين من أبنائها (ع) .
كما ورد في الزيارات: «السلام على ميزان الأعمال»(4).
فمثلاً كان الإمام زين العابدين (ع) زاهداً في الدنيا، بل كان في قمة الزهد والتقوى، فكان لا يهتم باللذائذ الحسية والحاجات البدنية، ولكن مع ذلك كله لم يكن ينسى احتياجات الجسم في صحته وعافيته، لأن الإسلام يعتبر سلامة الجسم من عوامل التقوى والورع.
قال أمير المؤمنين (ع) : «ألا وإنّ من صحة البدن تقوى القلب»(5).
فكان الإمام زين العابدين (ع) يتمتع بصحة كاملة(6) ويهتم بآداب النظافة وسننها..
فقد كان يخرج إلى المسجد وقد استاك أسنانه(7) وعطّر نفسه بأفضل عطر مما يسمى بالمسك والغالية(8)، كما كانت ملابسه نظيفة ومرتبة(9) وكان سرج فرسه قطيفة حمراء(10).
إن الإمام زين العابدين (ع) عندما كان يسافر إلى مكة للحج كان يأخذ معه أفضل الزاد مما يحتاجه المسافرون(11)، كي يجد القدرة على العبادة وأداء مناسك الحج.
نعم إن الإمام السجاد (ع) كان باستطاعته أن يسافر من دون أخذ زاد وما أشبه، فينجز كافة أعماله عن طريق المعجزة والكرامة، ولكنهم باعتبارهم أسوة حسنة لكل الناس فإنهم (ع) كانوا يعيشون كبقية الناس العاديين ليبقوا أسوة.
 ___________________
(1) سورة الإسراء: 29.
(2) غوالي اللآلي: ج1 ص296 فصل 10 ح199.
(3) الكافي: ج1 ص160 باب الجبر والقدر والأمر بين الأمرين ح13.
(4) بحار الأنوار: ج97 ص287 ب4.
(5) نهج البلاغة، قصار الحكم: 388.
(6) كان الإمام السجاد (ع) يملك بدناً سالماً وقوياً، وقصة مرضه في يوم عاشوراء كانت معجزة من الله لحفظ وليه من القتل وحتى لا تخلو الأرض من الحجة، وقيل: إن سبب مرض الإمام (ع) كان إصابته بالعين لما مزق الدرع بيده، قال أحمد بن حنبل: كان سبب مرض زين العابدين (ع) في كربلاء أنه لبس درعاً ففضل عنه فأخذ الفضلة بيده ومزقه. بحار الأنوار: ج46 ص41 ب3 ح36.
(7) بحار الأنوار: ج46 ص98 ب5 ضمن حديث 86.
(8) الكافي: ج6 ص515 باب المسك ح6، والكافي: ج6 ص517 باب الغالية ح5.
(9) الكافي: ج6 ص517 باب الغالية ح5.
(10) الكافي: ج6 ص541-542 باب آلات الدواب ح5.
(11) بحار الأنوار: ج46 ص71 ب5 ح52.