المثقف الحقيقي
4ـ السلوك الحسن
من الخصوصيات المهمة التي يجب أن يتحلى بها المثقف الحقيقي خصوصية الاصلاح ، فهنالك الكثير ممن يدّعون الانتماء إلى صنف المثقفين ، ولكن يقتصر نشاطهم على الثرثرة والكذب ، فهم يفكرون جيداً ويتكلمون جميلاً لكنهم حينما يحين الجد وتدق ساعة العمل الحقيقي يبتعدون عن الميدان بمختلف الحجج والذرائع ، فالمثقف الحقيقي يقارع الظلم ويتمرد على الجور ، حتى اطلق البعض على المثقف لقب المتمرد الواعي ، كما يجب على المثقف أن يقف موقف الطليعي في القضايا الاجتماعية ، ويواصل معركته في الميدان السياسي دون خوف ، لا أن يلتجئ إلى العزلة ـ كما هو حال بعض السياسيين ـ للحفاظ على سمعته وماء وجهه . والمثقف الحقيقي يجب أن يواجه السنن والتقاليد الخاطئة ، ويكافح الجهل والخرافات ، ويرشد الناس إلى العقل ، ويبعدهم عن التقليد سواء القديم أو الجديد ، فلا يحكم على كل ماهو قديم بالقبح أو الحسن دون العودة إلى العقل ، وإنما عليه أن يقرر موقفه من القديم والجديد حسب ما يمليه عليه العقل ، وكذا على المثقف أن يطلب تقدم المجتمع نحو الاهداف الانسانية السامية ، وإذا كان مؤمناً باللّه فعليه أن يدعو إلى اللّه ، وتقدم المجتمع نحو المزيد من العبودية له ، واكتساب القوة للدفاع عن الدين الحق . كما أن المثقف الحقيقي يجب أن يكون شعبياً بما للكلمة من معنىً ، فيضع يده في يد ابناء جلدته ، ويحزن لحزنهم ، ويعمل من أجلهم ، ويعيش كأحدهم ، ولا ينطلق في تعامله معهم من منطلق الفوقية ، ويعتبر نفسه مُنزلاً من السماء . ومن اسباب انقطاع المثقف عن شعبه ظاهرة التقليد للمثقف الغربي ، وكذلك الترف والبذخ ، فإنه يعتبر من آفات المثقفين ; لان اخلاق القصور لا تترك في ذهن صاحبها مكاناً للتفكير بعامة الناس ، والاستئناس بهم ، والالفة لهم ، وتمنع المثقف من معاشرة المجتمع بمختلف طبقاته ، حتى يبتعد رويداً رويداً عن قضاياه ، ويصبح غريباً عليها; فظاهرة الترف يتبعها الغرور والتملق ، والمداهنة والتطفل ، والاستغراق في الذات ، وانعدام الغيرة ونحو ذلك .