• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

هدى القرآن بشأن الإنفاق

هدى القرآن بشأن الإنفاق

القرآن الكريم يبين مجموعة من التعاليم تدفع بالمرء الى الخروج والتحرر من الأنانية وتحويله الى كائن أعلى من كل الكائنات، وبالتالــي ليسهل عليه أمر الإنفاق. ففي سورة الحديد المباركة تنمي تعاليم الرسالـة الإلهية خصال الكرم والجود والعطاء والنهضة بـدلاً من الانكمـاش والانطواء والأنانية.

1- فأول حديث الله فيما يخص هذا الموضوع في السورة المشار إليها آنفاً، هو أن الله عز وجل يريد أن يخرج الإنسان من الظلمات الى النور، وأن على الانسان التأكد بأن الله يريد أن يعطيه المعرفة والحياة بمصداقها الأصيل، نظراً الى أن الوجود كلّه قد خلق من أجل الإنسان. وعليه فإن من المؤسف حقّاً أن يحوّل ويبدل هذا الكائن نفسه من مسؤول أول عن هذا الوجود، الى مجرد وسيلة حقيرة لتحرّك هذا الوجود الرحب. فالله عز وجل لا يريد تحطيم الإنسان، بل هدفه إخراجه من ظلمات الأنانية الى نور الحق والحرية والأمل.

2- إن برنامج القرآن في الإنفاق إنما هو رحمة بالإنسان، لأن من ينفق يحصل على ثواب الله الأعظم وعلى نوره في يوم القيامة؛ ولأن الإنسان إذا ما أنفق نزل في موقع الاطمئنان والارتياح من قبل الآخرين.

3- إن المال الذي ينفقه الإنسان أو غير المال- إذا لم ينفقه فانـه يعجز عن اصطحابه الى القبر، بل هو يرجع لله تبارك وتعالى، في وقت كان الله قد خوّله في التصرف الخيّر فيه، ولكنه أحجم عن التصرف وعكف عليه مكتنـزاً لـه دونما فائدة. ولذلك فإن ربّنا العلي العظيم يسأل المؤمنين بهذا الصدد بقوله الكريم: «وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَـاوَاتِ وَالأَرْضِ...» (الحديد/10) فالله أعطـى المـال وأعطى معه فرصة إنفاقه حسب ما يرتئيه هو، فلماذا هذا الإحجام مع العلم المسبق بزوال الحياة وانتهائها في يوم من الأيام؟ ومثل الإنسان في ذلك مثل راكب القطار، فهو إن نام أو استيقظ؛ قعد أو وقف، محكوم بالحركة على أيّة حالةٍ، فالقطار لا وجه لإيقافه بمجرد نـوم المسافر أو يقظته، وكذلك المال لا يمكن تجميده بمجرد رغبة أنانية من الإنسان. 4- إن على الانسان - حسب الآية القرآنية- أن يبادر الى الانفاق، ليثبت جدارته بامتلاك المال أو سائر الإمكانات والطاقات منذ البداية، دون انتظار الآخرين وما يفعلون. إذ المسألة ليست مسألة مباهاة أو رياء أو حسد، حيث يريد البعض من المنفقين التأكّد من مقدار أو نوعية ما أنفقه الآخرون؛ فالخير لا يستوعب مثل هذه الألاعيب التي تتنافى ونية الخير والإحسان والنظر الى الأفـق الأعلى، وقد قال سبحانه وتعالى بهذا الصدد: «لاَ يَسْتَوِي مِنكُم مَنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ اُوْلَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ» (الحديد/10). فحقيقة هذا التقسيم تعكس بصورة مباشرة حقيقة النوايا والأعمال. 5- قبل أن ينفق المرء شيئاً معيناً في سبيل الله، عليه أن يعرف بأن ما ينفقه لن يذهب عبثاً؛ فسبيل الله يختلف عن السبل الأخرى، بل وأبعد من ذلك بكثير، ففوق أن يحفظ الله للانسان ما أنفق، فهو ينميه وينميه على حد كرمه اللامتناهي، وقد قال الله تعالى: «مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ» (الحديد/11) والأجر الكريم هنا قد يكون كما تشتري البضاعة فتعطي بائعها الثمن، فتراه يعطيك زيادة ويشكرك فوق ذلك، فالله هو المعطي وهو الشاكر. وثمة ملاحظة أخرى في هذا المجال، وهي أن الفقهاء وبعض المفسرين إذا كانوا قد استفادوا من هذه الآية بالذات واستنبطوا منها أحكاماً وآراءً في موضوع القرض، فان هذا لا يعني حصر البحث فيه فقط، بل إنني على قناعة تامة بأن القضية المهمة التي تريد الآية الكريمة معالجتها هي قضية الإنفاق في سبيل الله، وقد يكون أحد وجوه هذا الإنفاق هو مساعدة الآخرين ومنحهم القرض، دون أن يكون موضوع منح القرض هو المفهوم المطلق للآية الكريمة، لا سيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار قول الله تعالى: «يُقْرِضُ اللَّهَ» أي أن الإنفاق بمفهومه الكلي بمثابة قرضٍ يقرضه الانسان لله تعالى. وعلى أيّة حال، فان من يريد أن ينفق شيئاً ما، عليه أن يعرف لمن ينفق وفي سبيل من ينفق، فإذا عرف أنه ينفق لله وفي سبيل الله، فعليه الاطمئنان بأن الحسابات الإلهية تختلف عن المحاسبات الأخرى بما لا عدَّ ولا حصرَ له. 6- إن الله سبحانه وتعالى يؤكد -عبر الآية التالية- بأن الانسان في يوم القيامة بحاجة الى النور، تبعاً للظلمات التي تغلّف حركته منذ البعث الى الوقوف في ساحة المحاسبة والعدل الإلهي؛ فترى الناس يتساقطـون لأنهم لا نـور لهم، ولكـنّ أحد ضمانات عدم السقوط في الظلمات الأخرويـة، وأحد ضمانات التمتّع بالنور الإلهي هو الانفاق في الدنيا؛ بمعنـى إن إنفاقك في الدنيا هو نورك في يـوم القيامة، حيث يقول تبارك وتعالى في وصف حال ومعيشة المنفقين في الدار الآخرة: «يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِاَيْمَانِهِم بُشْرَاكُـمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَنْهَـارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَـوْزُ الْعَظِيمُ» (الحديد/12). إذن؛ فإن جزاء الانفاق هو الأجر الكريم، ونور الله، وجنات تجري من تحتها الأنهار، والخلود في تلكم الجنان، بالإضافة الى البشرى والرضوان الأبديين. ولكن الذين لم ينفقوا في سبيل الله وخرجوا عن أوامره، حيث أبطنوا الأنانية وحب الذات وأظهروا في وجوههم وعلى ألسنتهم فقط حب مجتمعهم، وهم الذين يسميهم الله عز وجل بالمنافقين، تراهم في ذلك يلتمسون بذلٍّ قاهر النور من المؤمنين ليروا مواقعهم، غافلين عن أنهم قد حكموا من قبل الله تعالى بحصار العذاب الدائم، إذ يقول سبحانه بهذا الخصوص: «يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَآءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ» (الحديد/13) فهم لا يرون إلاّ الظلمات؛ أي طبقات الظلام، وذلك لأنهم اختاروا لأنفسهم في الحياة الدنيا ظلمات البخل والحرص والطمع والأنانية وحب الذات، فيأتيهم نداء المؤمنين إذ ذاك أن ارجعوا إلى دنياكم فلعلكم ترون نوراً ما في أنانيتكم، ولكن ما من نور يرجى أو يذكر!! إن هذه وغيرها من تعاليم القرآن الكريم إنما تشير الى حقيقة وضرورة أن يأخذ الانسان نوره وزاده الأوفى من دنياه الى آخرته، وإن من الخطأ التسويف، حيث يحرص البعض منّا الى الانكماش على أمواله وامكاناته والنعم التي أنعم الله بها عليه، ومن ثم يوصي بأن يفعل عنه الخير بعد مماته، متجاهلاً ضرورة حب الخير والمبادرة الى الصالحات وعدم التنعّم والإحساس بلذة القيام بالعمل الصالح. 7- والله سبحانه يدفعنا الى سبر أعماق الهوى، حيث يتبين لنا بذلك كيف يدفع هذا الهوى بالإنسان الى اختلاق المعاذير والبحث عن التبرير حتى ينتهي به الأمر الى النفاق، فيقول عز وجل: « يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَآءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ» (الحديد/14). فأن يصيب الإنسان نفسه بالمهالك، وأن يتربّص بها الدوائر ويخطط لتدميرها بجهل أو تجاهل وغباء، وأن يرتاب بالحقائق الناصعة وبالتجارب التاريخية والاجتماعية الثابتة، وأن يتملّكه الغرور فيتشبث بالأوهام، كل ذلك يحوله الى كائن تافه، وتلك جريمة لا تغتفر، وليس لها من جزاءٍ سوى العذاب. وبعد كل ذلك؛ لابد من الإشارة مرة أخرى الى ضرورة أن يعي الواحد منّا حكمة وأهمية الإنفاق -الإنفاق الذي يصلح أن يكون قسيماً لأنعم الله- حيث يعني تقاسم الثروة والإمكانات بالعدل والإنصاف، ويعني أن تحترم الآخرين فتعطيهم حقّهم وتنصفهم من نفسك، ويعني أن تدلّل على أنك أقوى من قيود الأنانية، وأنك موجود تعي مسؤوليتك العظمى في الحياة الدنيا.

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page