• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تزكية النفس؛هدف الرسالات الأسمى

تزكية النفس؛هدف الرسالات الأسمى

من هو الإنسان، وما هو هدفه في الحياة، ولماذا يعمل؟ هذه الأسئلة وغيرها لابدّ للإنسان أن يطرحها على نفسه قبل فوات الأوان؛ فهو ما يلبث أن يطوي عمره سريعاً فلا تسنح له فرصة العودة، وكم يكون ندم الإنسان شديداً عندما تمرّ سنوّ حياته بعد أن يمضيها في طريق مغلوط؛ فلا هو يستطيع أن يسترجعها ليعمل فيها صالحاً، ولا هو بقادر على أن يعتذر الى ربّه وقد تواترت النذر، وتمّت الحجّة، ولله الحجة البالغة على خلقه.

إنّنا لو طرحنا تلك التساؤلات المصيريّة على أنفسنا في وقت مبكّر، لأغنتـنا عن مشاكل كثيرة، ولكن للاسف فانّ هناك البعض من الناس لو وجّهت إليه تلك الاسئلة لا نصرف فكره مباشرة الى بيته وسيّارته وشهرته التي يحبها، وثروته التي يبتغيها، فتراه يجتهد في حياته من أجل أن يحصل على المال، ومن أجل أن يبني بيتاً واسعاً، أو يحصال على شهرة في المجتمع.

ولكنّ هذا الإنسان عندما يتعمّق في نفسه سيكتشف أنّ المال ليس هو هدفه. فالمال إمّا أن يزول عنه، أو يزول هو عن المال، فما سيحمله الإنسان الى قبره ليس إلاّ الكفن الذي هو زاد الميت، سواء كان غنياً أم فقيراً، على أنّ هذا الكفن لن ينفعه هو الآخر مادام سيتحوّل الى تراب؛ فكأنّ المال يقول للإنسان: أنا معك الى أن تبلغ الروح التراقي، وبعدها يودّع هذا المال الإنسان ليصبح للآخرين الذين ربّما لا يترحّمون على الميّت الذي ترك هذا المال.

وعلى هذا؛ فان تصوّر الإنسان أنّ هدفه في الحياة هو جمع المال، ونيل الشهرة وما إلى ذلك من الأمور المادّية يعتبر خطأً كبيراً، وهؤلاء النـاس عادة ما تدركهم منيتهم قبل أن يتحوّلوا الى البيوت الجديدة التي بنوها. فكم من إنسان وإنسان بنوا البيوت وعمّروها ولكنّهم لم يوفّقوا لأن يعيشوا فيها، وحتى لو وفّقوا الى ذلك فانّهم سوف لا يخلدون في هذه البيوت كما يقول سبحانه: «أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ» (النساء/78).

فلنعمل لأنفسنا كما يشير الى ذلك ربنا عز وجل في قوله: «عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ» (المائدة/105).

فنفس الإنسان هي التي تبقى معه، وهي التي تنتقل الى القبر ثم الى المحشر، فكلّما كانت هذه النفس طاهرة نقيّة، كان الإنسان بخير، ولن يذهب عمله سدىً، وإلاّ فان عمله سوف يذهب أدراج الرياح.

ولذلك؛ فان الناس لا يعملون في الحقيقة لأنفسهم رغم أنّهم يتصوّرون ذلك، بل نراهم يعملون لبيوت يشيّدونها، أو لشهرة يحصلون عليها... إنّنا نفكّر في أجسامنا، ولكنّ المشكلة هي أنّ هذه الأجسام مجرّد ثوب نلبسه ثم نخلعه لنرتدي ثوباً آخر. هذا في حين أنّ القرآن الكريم يأمرنا أن نعمل لأنفسنا أولاً؛ فالنفس البشريّة هي كالحجر الكريم المغروس في حجر عاديّ، والإنسان بامكانه أن يصقل هذا الحجر لكي يستخرج ذلك الحجر النفيس. فاذا ما زكى الإنسان نفسه سوف يكون بالتأكيد من المفلحين، بينما إذا دساهــا لا يكون إلاّ من الخائنين، كما يقول تعالـى: «قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا» (الشمس/9-10) فيجـدر بالإنسان أن يهذّب هذه النفس ويزكّيها، لكي لا يذهب عمره سدىً.

تزكية النفس تزيد الصفات الحسنة

إنّك لو عملت من أجل تزكية نفسك، فانّك تستطيع أن تضيف بين آونة وأخرى صفة حسنة إليها، لتنقص في المقابل صفة سيئة، وحينئذ ستكون من الناجحين، والإنسان الناجح هو الذي يصل الى درجة الفلاح.

ولا يغيب عنا أن رسالة الأنبياء في هذه الحياة هي أن يذكّروا الإنسان بهذه الحقيقة، وهي أن المال والأولاد وسائر مظاهر الحياة الدنيا لا تنفعه، وأنّ تزكية النفس هي الشيء الوحيد الذي من الممكن أن ينفعه.

وعندما يقول نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله: "إنما بعثت لاتمّم مكارم الأخلاق" ([21]) فانّ هذا يعني أنّ بعثته صلى الله عليه وآله لم تكن من أجل فتح البلدان، بل الهدف الحقيقي هو أن يذكّر الناس بضرورة بناء أنفسهم. وقد نجح صلى الله عليه وآله بالفعل في بناء وتربية شخضيات عظيمة خالدة من مثل الإمام علي عليه السلام، وفاطمة الزهراء عليها السلام....

وهذا هو مضمون ما دعا به النبي ابراهيم عليه السلام ربه عز وجل بعدما شيد ذلك البناء الشامخ المتمثل في الكعبة المشرفة، إذ قال: «رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (البقرة/129).

الصلاة؛ أهم أساليب التزكية

ومن أهم أساليب تزكية النفس الصلاة، وهي التي يقول عنها الله تعالى: «إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ» (العنكبوت/45)، وفي موضع آخر يقول تعالى: «وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي» (طه/14)؛ أي إنّ الهدف من الصلاة أن يرتفع الإنسان الى مستوى ذكر الله، فينـوّر قلبه بنور الله؛ لأن الصلاة بدون ذكر، هي صلاة غيـر حقيقيـة كما يقول القرآن الكريم: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ» (المؤمنون/1-2).

فلنحاول أن نصلح صلاتنا، وأن نجعلها صلاة حقيقية لكي نضمن بذلك أن تكون سائر أعمالنا صالحة أيضاً، فالانسان لا يستطيع أن يكمل صلاتـه إلاّ بعد أن يكمـل جميـع أبعـاد حياتـه؛ فلو كانت حياته مستقيمـة

لخشع قلبه، ولو أكل من الحلال لم يبق بينه وبين الله أي حجاب.

ترى لماذا نحن مستعدّون لأن نلهو ونلعب ولكنّنا غير مستعدين لأن نصلّي ولو لمدّة قصيرة؟ السبب في ذلك أنّنا قد ارتكبنا ذنوباً حجبتنا عن ذكر الله، وهذا كلّه من شأنه أن يؤثّر على صلاة الإنسان. وفي مقابل ذلك نرى أنّ الإنسان المهذّب الكامل الذي بني حياته على أساس صحيح، هذا الإنسان يتقبل الله جل وعلا صلاته، ويحبّبها إليه، فتراه لا ينتقل من صلاة إلاّ ليؤدّي أخرى.

وبالإضافة إلى الصلاة، هناك الصوم الذي يقول عنه ربنا تعالى: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» (البقرة/183). فالهدف من الصوم هو أيضاً أن يصل الإنسان الى مستوى التقوى، وهكذا الحال بالنسبة الى العبادات الأخرى.

والتقوى هي ملكة في قلب الإنسان، فهو مكلّف أن يتخذ من عباداته معراجاً الى التقـوى، وعلينا أن نفهم في هذا المجال هذا الهدف المقدّس مــن بعثة الأنبياء المتمثّل في إيصال الإنسان الى مكارم الأخلاق. فإذا كان - على سبيل المثال - الهدف من بنائك للمسجد، أو تأليفك للكتب، أو صعودك للمنبر، أو دراستك هدفاً دنيوياً فانّك سوف تزداد بعداً عن الله. فكلّ هذه الممارسات يجب أن تتحوّل الى غذاء لروح الإنسان؛ أي أن يصلح هذه النفس التي بين جنبيه والتي هي أعدى أعدائه.

وعندما ندعو ربنا، يجب أن لا يكـون دعاؤنا مجرّد لقلقة لسان، فالدعاء من شأنه أن يرفع الإنسان الى علّيين، فيحوّله الى رجل لا يفصله عن الله تعالى شيء، ولا يعاني من أيّ مرض في قلبه. أما إذا قرأ الدعاء في حين أنّ الكبر، والحسد، والأنانيّة وسائر الصفات السيّئة ما تزال رانية على قلبه، فما فائدة دعائه؟

إنّ من علامات الإنسان المؤمن الخشوع، فلننظر الى أنفسنا، ولنحـاول

أن نعرف هل فيها شيء من علامات الإنسان المؤمن. وفي هذا المجال يروى إنّ رجلاً قال لأبي ذر رحمه الله: ما لنا نكره الموت؟ قال: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فتكرهون أن تنتقلوا من عمران إلى خراب. قيل له: فكيف ترى قدومنا على الله؟ قال: أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله، وأما المسيئ فكالآبق يقدم على مولاه. قيل: فكيف ترى حالنا عند الله؟ قال: أعرضوا أعمالكم على كتاب الله تبارك وتعالى: «إنَّ الأبْرَارَ لَفِي نَعيْم وَإن الفجّارَ لَفي جَحيْم».قال الرجل: فأين رحمة الله؟ قال: إنّ رحمة الله قريب من المحسنين.([22]) فالقرآن هو مقياس، وميزان، وفرقان؛ ومن صفات المؤمنين أنّ قلوبهم تخشع إذا ذكر الله وإذا تليت عليهم آياتـه.

فلننظر؛ هل هذه الصفات موجودة فينا أم لا، ولنحاول أن نحصل ولو على صفة واحدة منها، ونكون ممّن قال عنهم ربنا عز وجل: «وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الاَرضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَماً» (الفرقان/63)، فان لم نستطع فلماذا الادعاء، ولماذا نجعل سعينـا هباءً منثوراً، وعملنا بدون هدف؟!.

إنَّ هذه الأيّام التي نعيشها ما هي إلاّ فرصة ومهلة، ونحن لا نعرف متى سيحلّ أجلنا؛ فكثير هم الذين ذهبوا ولم يرجعوا، ونحن سنلحق بهم في يوم من الأيّام. فلنعمل لأنفسنا ولو لساعة واحدة من خلال تجسيد حقيقة الصلاة، والصيام، والأعمال العباديّة الأخرى.

وبناءً على كلّ ما مضى؛ فانّ تزكية النفس هي الهدف الأول والأساسيّ لرسالات الله جل وعلا، لتتحوّل النفس بذلك إلى جوهرة ثمينة نقية، وتغدو قريبة من الله، وحينئذ يأتيها النداء: «يَآ أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي» (الفجر/27-30)

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page