الاُستاذ صادق إبراهيم عرجون من مشيخة الجامع الأزهر يقول: نهد عليّ كرّم الله وجهه مسلماً وترعرع على الإيمان، وشبّ طاهر العقيدة، لم يعبد من دون الله شيئاً منذ نيطت عليه التمايم، ولم يتفتّح عقله وإحساسه للحياة إلاّ ونور النبوّة قد أخذ بمشاعره، وهداية الوحي ملأت قلبه، وجلال الإسلام أيقظ روحه، وتعاليم الشريعة وآدابها كانت نبراساً له، يضيء حوالك الظلمات أمامه، وتفتح أبواب الحكمة لعقله .
وعليّ رضوان الله عليه يشهد هذا النضال الذي سبق فيه اللسان السنان، فصقل الله بذلك رجولته، ونَشّأه على بطولة الإسلام، فكان واحدها غير مدافع، وفارسها غير منازع، حتى فتح الله لنبيّه صلّى الله عليه وسلم باب الهجرة إلى المدينة فخرج متخفّياً، وأمر أخاه وابن عمّه فتى قريش أن يبيت على مضجعه تلك الليلة فبات فيه روح الوفاء والبطولة ملأت قلب فتى الفتيان عليٍّ، فأنامته على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلم في أخطر المواقف، وأحرج الأوقات فداءً لرسول الله صلّى الله عليه وسلم، وقد عهد إليه النبيّ صلّى الله عليه وسلم أن يؤدّي عنه ودائعه ووصاياه ثم يلحق به إلى المدينة([1]).
فكان عليّ في تربيته نسيج وحده، وفريد عصره، تجمّع فيه من الخصال والسوابق ما لم يكن لغيره([2]).
دخل فسلّم على النبيّ عليه الصلاة والسلام، فردّ عليه السلام، وقال: «يا اُمّ سلمة، تعرفين هذا؟» قالت: نعم، هذا عليّ بن أبي طالب، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «نعم، هذا عليّ سِيطَ([3]) لحمه بلحمي، ودمه بدمي، وهو منّي بمنزلة هارون من موسى، إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي».
«يا اُمّ سلمة، هذا عليّ سيّد مبجّل، مؤمّل المسلمين، وأمير المؤمنين، وموضع سرّي وعلمي وبابي الذي يُؤى إليه، وهو الوصيّ على أهل بيتي، وعلى الأخيار من اُمّتي، وهو أخي في الدنيا والآخرة، وهو معي في السناء الأعلى».
هذه خصائص من الفضائل، وفواضل من المزايا لم تكن لأحد من المسلمين، تفرّد بها أبو حسن كرّم الله وجهه، فجعلت منه شخصيّةً إسلاميةً صريحةً تدور مع الحقّ حيث دار، لا تعرف المخاتلة ولا المداهنة في نسج السياسة وحوك الدهاء([4]).
لم تلقَ شخصيّة من شخصيات التاريخ الإسلامي من المحن والابتلاء في حياتها العمليّة الاجتماعية مثل ما لقيته شخصيّة أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه) وقد خرجت من هذا الامتحان المرير أنبل ما يكون علماً وفقهاً ورجولةً، وشجاعةً في الحقّ، واستمساكاً بالدين والتُقى، وإعراضاً عن زخرف الحياة وزبرجها ولو شاءها لزويت بين يديه، وكان له منها أوفر حظٍّ، وأوفى نصيب([5]).
لقد كان عليّ(رضي الله عنه) رأس المسلمين ترمقه الأنظار، وتهفو إليه القلوب، فإذا جدّ الجدّ وحزبت الناس شدائد الأحداث تطلّعوا إليه، وصَغَوا إلى رأيه، فكان من الطبيعيّ أن تجعله الاُمّة قطب الرحى .
إنّ التاريخ ليحمل في ثناياه شواهد الصدق على أنّ علياً كرّم الله وجهه لم يألُ جهداً في النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، وقد بذل نفسه وفلذة كبده في سبيل الذود عن حوزة الإسلام ([6]).
*************
[1] ـ مجلة الأزهر: ج 6، المجلد العاشر 1358.
[2] ـ المصدر السابق : ج 7، المجلد .
[3] ـ سِيطَ اختلط، والسَيط: الخلط، وسِيطَ به: اختلط به. لسان العرب: 6/430 (مادة سَيَط).
[4] ـ مجلة الأزهر: ج7 المجلد 10 .
[5] ـ المصدر السابق: ج8 المجلد 10 .
[6] ـ المصدر السابق : ج8 المجلد 10 .