الهجرة إلى المدينة
لقد رأت قريش تعاظم الدعوة الإسلاميّة، وانتشار الإسلام في المجتمع المكـّي، بل وغير المكـّي، وقد ظهر الضعف والانهيار في بنية المجتمع المكـّي المشرك، فاجتمع قادة قريش وكبار المشركين في دار الندوة، وبحثوا أمر النبي (ص) ودار أمرهم بين قتله أو حبسه أو نفيه، فاختاروا الأوّل، وقرّروا أن يختاروا عددا ً من غلمانهم يمثـّل كلّ واحد منهم عشيرة، لكي يصعب على بني هاشم الطلب بدمه.
فأعدوا العدّة وقرّروا موعدا ً للتنفيذ، فأخبر الله نبيّه وأوحى إليه كاشفا ً للمؤامرة، { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الـّذينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }[1] .
فأجمع النبي على الخروج من مكـّة بعد ثلاثة عشر عاما ً من بعثته في بداية شهر ربيع الأوّل، وأرسل خلف الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) أن ينام في فراشه ليوهم قريشا ً انـّه (ص) لمّا يزل في فراشه، فنام الامام علي (ع) على فراش الرسول (ص) وخرج الرسول تلقاء يثرب والمشركون محيطون ببيته، فقرأ بعض آيات سورة "يس" ورماهم بقبضة من التراب، فحفظه الله وأعمى أبصارهم.
وعند الصباح هجموا على فراش النبيّ (ص) فنهض عليّ (ع) من فراشه، فسألوه عنه، فقال: «قلتم له أخرج عنّا فخرج عنكم»[2] .
فطلبه فرسان قريش، ولكنّه (ص) كَمَنَ في غار جبل ثـَور على مقربة من مكـّة، وبقي هناك ثلاثة أيام، وبعدها خرج يواصل طريق الهجرة، وهو حامل مشعل النور، وأخذ يقطع القفار والفيافي لكي ينزل المدينة المنوّرة، ويقيم بها دولة الإسلام، ويحقـّق الأهداف الرساليّة العالية.