المعاجز التي ظهرت على يده (ص)
ظهرت على يده الشريفة معاجز عديدة، بيّن من خلالها نور الحقّ، وسطعت على يده نور الهداية لتدرك من لا تنفعه الحجة والبرهان، ولتشمل عنايته ورحمته جميع الناس، ومن بين تلك المعاجز مجيء الشجرة إليه التي ذكرها أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته القاصعة، قال: لقد كنت معه (ص) لما أتاه الملأ من قريش فقالوا له: يا محمد إنك قد ادعيت عظيماً لم يدعه اباؤك ولا أحد من بيتك ونحن نسألك أمراً ان اجبتنا إليه وأريتناه علمنا انك نبي ورسول، وإن لم تفعل علمنا إنك ساحر كذاب، فقال لهم: وما تسألون ؟ قالوا: تدعو لنا هذه الشجرة حتى تنقلع بعروقها وتقف بين يديك، فقال (ص): إن الله على كل شيء قدير فإن فعل ذلك بكم تؤمنون وتشهدون بالحق ؟ قالوا: نعم، قال: فإني سأريكم ما تطلبون وإني لأعلم أنكم لا تفيئون إلى خير، وان فيكم من يطرح في القليب ومن يحزب الأحزاب، ثم قال: ايتها الشجرة ان كنت تؤمنين بالله واليوم الآخر وتعلمين إني رسول الله فانقلعي بعروقك حتى تقفي بين يدي بإذن الله، والذي بعثه بالحق لانقلعت بعروقها وجاءت ولها دوي شديد وقصف كقصف أجنحة الطير حتى وقفت بين يدي رسول الله (ص) مرفرفة وألقت بغصنها الأعلى على رأس رسول الله (ص) وبعض أغصانها على منكبي وكنت عن يمينه (ص) فلما نظر القوم إلى ذلك قالوا علواً واستكباراً: فمرها فليأتك نصفها ويبقى نصفها فأمرها بذلك فاقبل إليه نصفها كأعجب إقبال وأشده دوياً فكادت تلتف برسول الله (ص) فقالوا كفراً وعتواً: فمر هذا النصف فليرجع إلى نصفه فأمره (ص) فرجع فقلت أنا لا إله إلا الله فإني أوّل مؤمن بك يا رسول الله وأول من أقر بان الشجرة فعلت ما فعلت بأمر الله تصديقاً بنبوتك واجلالاً لكلمتك، فقال القوم: بل ساحر كذاب، عجيب السحر، خفيف فيه وهل يصدقك في أمرك غير هذا ـ يعنوني ـ.
وهذه هي سجية الطامعين وأخلاق العاتين المتكبّرين الذين تأبى نفوسهم أن تقبل الحق وتضاع له، لأنها شربت حب الشيطان وتربت على الطغيان والتمرد، فلا يقدر لها أن تقبل الحق وتتواضع له.
وهذه الطبيعة هي طبيعة المستكبرين على طول التاريخ فكم من معجزة جرت على أيدي الأنبياء عليهم السلام لكن لاقتها أصحاب النفوس الطاغية والعقول السفيهة بالجحود والكفر، لكنها حجة قاطعة وبرهان ساطع ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من يحيا عن بينة.
وها هو القرآن يحدثنا عن تلك الأقوام التي استكبرت وأبت قبول الحق، رغم أن بعض الأقوام هي التي طلبت المعجز من نبيها وعاهدته على الانصياع للحق أن أتى لها بتلك المعجز.
فنجد القرآن الكريم يبيّن لنا ما جرى مع النبي عيسى (ع) ) أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ الله وَأُبْرِىءُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ الله وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ [1]( ... إلى أن يقول: ) وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ الله وَالله خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [2]( .
ومن بين تلك المعاجز التي جاء بها النبي الكريم صلى الله عليه وآله كلام الذراع، وهو أنه أهدت امرأة من اليهود ذراع شاة مسمومة، فدعا (ص) أصحابه ليأكلوا فوضع يده (ص) ليأكل، ثم قال: ارفعوا فإنها تخبرني بأنها مسمومة.
ومن المعاجز أن ظبية كلمته (ص) حين وقعت في شبكة فقالت: يا رسول الله ان لي طفلاً يحتاج إلى لبن وإني قد وقعت في هذه الشبكة فخلني حتى أرضعه فقال (ص): كيف أخليك وصاحب الشبكة غائب ؟ قالت: إني أرجع، فخلاها (ص) وجلس حتى رجعت الظبية وجاء صاحبها فشفع رسول الله (ص) حتى خلى سبيلها. فاتخذ القوم من ذلك الموضع مسجداً.
ومن المعاجز انشقاق القمر له نصفين بمكة في أول مبعثه وقد نطق به القرآن الكريم، وقد صح عن عبد الله بن مسعود أنه قال: انشق القمر حتى صار فرقتين.
ومن المعاجز ما رواه الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس إن ناساً من بني مخزوم تواصوا بالنبي (ص) ليقتلوه منهم أبو جهل والوليد بن المغيرة ونفر من بني مخزوم، فبينا النبي (ص) قائم يصلي إذا أرسلوا إليه الوليد ليقتله، فانطلق حتى انتهى إلى المكان الذي كان يصلي فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فانصرف إليهم فأعلمهم ذلك فاتاه من بعده أبو جهل والوليد ونفر منهم فلما انتهوا إلى المكان الذي يصلي فيه سمعوا قراءته وذهبوا إلى الصوت فإذا الصوت من خلفهم فيذهبون إليه فيسمعونه أيضاً من خلفهم فانصرفوا، ولم يجدوا إليه سبيلا، فذلك قوله سبحانه ) وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ( يس :9 .
