في قم
ورحلت السيدة المعصومة (عليها السلام) من ساوة وهي مثقلة بالهموم والآلام والأحزان ميمّمة نحو قم، وكانت على موعد مع هذه البلدة الطيبة، والتي ستزداد مكانتها رفعة وشأناً وشرفاً يوم تطأ أرضها قدما السيدة فاطمة (عليها السلام)، ولنا حديث حول قم وتاريخها سيأتي في موضعه.
لقد علمت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) بأنّها المعنية في ما ورد عن جدّها الإمام الصادق (عليه السلام) يوم قال.. وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنة.
وذكر الرواة أن الإمام (عليه السلام) قد حدّث بذلك قبل ولادة الإمام الكاظم (عليه السلام).(165)
وعلمت السيدة فاطمة (عليها السلام) بقرب رحيلها عن الدنيا، وأنّها لن تلبث إلا أيّاماً قليلة، كما علمت أن مواصلة المسير إلى طوس أصبح عسيراً بعد أن فقدت أخوتها وأبناءهم قتلاً وتشريداً، ولم تكن أرض ساوة ولا أهلها آنذاك أهلاً لاستضافتها، ومن أجل ذلك كان لابدّ أن رحلت عن ساوة إلى قم، فأمرت خادمها أن يحملها إليها.
ولما بلغ أهل قم نبأ قرب وصولها خرج الأشراف لاستقبالها، ولعلّهم كانوا يعلمون بما حدّث به الإمام الصادق (عليه السلام)، وأنّ هذه المرأة الجليلة هي التي وعدوا بها، وكان في طليعة مستقبليها موسى بن خزرج بن سعد الأشعري، فلمّا وصل إليها أخذ بزمام ناقتها، وجرّها إلى منزله وكانت في داره سبعة عشر يوماً.(166)
ولا زال موضع المنزل مائلاً إلى اليوم، حيث أصبح مدرسة علميّة ومسكناً لطلاب العلوم الدينية في قم، وقد اتخذت من بيته موضعاً جعلته محراباً لها تصلّي فيه.
يقول الشيخ المحدّث القمّي: والمحراب الذي كانت فاطمة رضي الله عنها تصلّي فيه موجود إلى الآن في دار موسى ويزوره الناس.
وما يزال هذا المحراب المبارك موجوداً إلى يومنا هذا ويقع في محلّة (ميدان مير) ومعروف بـ(ستية) والتي بمعنى السيّدة.(167)
لقد كانت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) تأمل في أن تحظى بلقاء شقيقها الرضا (عليه السلام)، لتطفئ لواعج الشوق والحنين، وتروي ظمأ الفؤاد، وكانت تغذّ السير نحو طوس لا تلوي على شيء.. ولكنّها الأقدار الإلهية ومشيئة الخالق الحكيم، وليس إلا التسليم والرضا بما شاء وأراد.