• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عشّ آل محمد (صلّى الله عليه وآله)

عشّ آل محمد (صلّى الله عليه وآله)

تتميّز مدينة قم المقدسة اليوم عن سائر المدن الإيرانيّة بأنّها الحاضرة العلمية الكبرى للشّيعة، وقد ازدهرت الحركة العلميّة فيها بعد هجرة أكثر العلماء إليها من النجف الأشرف خلال الثلاثين عاماً الماضية.
وعلى الرغم من أن لمدينة مشهد قدسيّة خاصّة في نفوس الشيعة تتجاوز ما لمدينة قم من القداسة والمكانة لأنّها تتضمّن المرقد الشريف للإمام الثامن من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلا أن الحركة العلميّة في مدينة قم أكثر نشاطاً وازدهاراً. فإنّها تضمّ عشرات الآلاف من طلاب العلوم الدينية في مختلف المراحل العلميّة، ومن مختلف أنحاء العالم، كما استوطنها كثير من الإيرانيين وانتقلوا إليها من مدنهم وقراهم المختلفة.
ويعود تأسيس الحوزة العلمية إلى أكثر من سبعين عاماً على يد المرحوم آية الله الشيخ عبد الكريم الحائري المتوفى عام 1355هـ، وكانت الحوزات العلمية آنذاك تتوزّع بين طهران وأصفهان وشيراز ومشهد وبعض مدن المنطقة الجنوبية وبعض المدن الأخرى.
ومنذ تأسيس الحوزة في قم أخذت الحركة العلميّة تضعف في غيرها حتى أصبحت هي الكبرى، واتجه إليها الأنظار وصارت تالية للحوزة الأم النّجف الأشرف.
أمّا اليوم فهي المهجر العلمي الكبير للدراسات الدينية العليا لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ولا سيّما بعد أن انحسر أكثر العلماء عن النجف الأشرف واضطرتهم الظروف للرّحيل عنها، وغادرها أكثرهم إلى قم.
ولكن تبقى للنجف الأشرف خصوصيّاتها وآثارها فهي الحوزة الأم حتى أن الكوفة الكبيرة أصبحت إحدى نواحيها، وأمّا قم فهي الكوفة الصغيرة.
وتعود شهرة النجف الأشرف العلميّة إلى اليوم الذي استوطنها شيخ الطائفة الطوسي (قدس سره)، وأسّس فيها حوزته العلميّة الكبرى فأصبحت منطلق الفكر الشيعي، ومركز المرجعية الشيعية عبر القرون، وقد تخرّج منها مئات الآلاف من العلماء، وإلى يوم الناس هذا، فإنّ القائمين على الدروس العليا في حوزة قم إنّما هو خرّيجوا مدرسة النجف الأشرف، حتى أنّ مؤسس الحوزة في قم هو أحد خريجي مدينة النجف الأشرف.
ولو أن النجف الأشرف تعود إلى سالف عهدها لما بقي في قم وغيرها من المدن الأخرى من أهل العلم وطلاّبه إلا القليل ممّن يقعده العجز، أو ينقصه العزم، أو لا يجد في نفسه الطموح.
وكم سمعنا آهات الحسرة والاشتياق إلى النجف ومرابعها ممّن قهرته الظّروف وأرغمته على مغادرتها.
وحسبك أنّ في النجف باب مدينة العلم، ومنبع الفيض والعطاء، وإمام المتقين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وإنّ في جوار المرتضى معنى لا يحوم حوله البيان.
وأمّا اختصاص مدينة قم عمّا عداها من سائر المدن باحتضان العلم والعلماء فيعود إلى خصوصيّة في أرض قم كما كشفت عنها الروايات الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) ـ كما سيأتي ـ إضافة إلى ما تتمتّع به هذه المدينة المقدسة من الأصالة والعراقة في ولاء أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّه كانت إحدى قلاع التشيع عبر القرون.
ويرجع الوجود الشيعي في هذه المدينة إلى الربع الأخير من القرن الهجري الأول يوم استوطنها الأشعريون فراراً من ظلم بني أميّة في الكوفة ونواحيها.
جاء في دائرة المعارف الإسلامية الشيعية: وقصّة ذلك أنّه بعد أن قتل الحجّاج بن يوسف الثقفي في العراق، محمد بن سائب الأشعري، وكان عميداً لقبيلة الأشاعرة، أخذت النكبات (تنزل) تترى على هذه القبيلة من قبل الحجّاج وسائر عمّال الدولة الأموية، فاعتزم رؤساؤها ورجال الفكر فيها على ترك أرض العراق بأفراد قبيلتهم قاصدين ناحية أصفهان من إيران.
ولمّا كان من أكبر رؤساء هذه القبيلة الشقيقان عبد الله والأحوص ابنا سعد بن مالك الأشعري، وكانا في سجن الحجّاج الذي اضطر إلى إطلاق سراحهما تحت ظروف سياسة قاهرة، ملزماً إيّاهما البقاء في الكوفة.
ولمّا كان هذان الشقيقان يشعران بأنّ مصيرهما سيكون مصير بقيّة رجال الشيعة، فقد تركا الكوفة تحت جنح الظلام متنكرين، واتّجها نحو أصفهان يرافقهما شطر كبير من رجال قبيلتهما الأشاعرة، ونزلوا على ضفاف نهر قم.
وفي اليوم الثاني من نزولهما هذه الأرض شاهد بعض رجال قبيلة الأشاعرة أنّ سكان هذه المنطقة الأصليين يدخلون مواشيهم في قلاع عالية الجدران ويغلقون عليها أبواب القلاع ومنافذها.
ولما سألوهم عن سبب ذلك أجابوهم خوفاً من غزو عشائر الدّيلم التي تغزوهم كلّ سنة في مثل هذا الموسم فتنهب وتقتل، وقد وصلت هذه العشائر في غزوها الآن إلى بضعة فراسخ من هذه القرية.
وحينما سمع الأحوص ذلك نادى في رجال قبيلته بردّ غزو عشائر ديلم، وأنّ على رجل القبيلة الدفاع عن مواشيهم ونسائهم وأطفالهم الذين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، ولا قلعة لهم يصونون بها أعراضهم وأموالهم، وحينما اقتربت عشائر الديلم من الأحوص وقبيلته بادرها الأشعريون بهجوم عنيف قضى على تلك العشائر وردّها على أعقابها بعد أن تركت عدداً كبيراً من القتلى والجرحى، واستطاع الأحوص بذلك إنقاذ قبيلته وردّ العادية عن المتحصّنين في القلعة من السكّان الأصليين.
أمّا عشائر الديلم فنكصوا على أعقابهم ولم يعودوا بعد ذلك إلى غزو هذه الناحية وقراها.
وقد اتصل رؤساء السكان الأصليين بكلّ من الشقيقين عبد الله والأحوص شاكرين لهما ولأفراد قبيلتهما صنيعهم، ومقدّمين لهم الهدايا، وملتمسين منهم عدم النزوح عن هذه الأرض والاستيطان فيها كمزارعين مستغلّين لها، مستفيدين من مراتعها، فتقبّل الشقيقان هذا الاقتراح واستوطنت قبيلتهما هذه الناحية التي عرفت فيما بعد بقم.
وبمرور الزمان التحق بقية رجال قبيلة الأشاعرة بهؤلاء مهاجرين من العراق، ومستوطنين هذه الناحية.
وهكذا تمّ سكن قبيلة الأشاعرة ضفاف نهر قم، وأخذوا ينشرون فيها التشيع.
وقد تم ذلك كلّه خلال عشر سنوات بدأت سنة 73هـ وانتهت سنة 83هـ.
ثم تفرّق بعض أفخاذ هذه القبيلة في المناطق المتاخمة لقم ككاشان، وآوه، وساوه، والقرى الممتدة بين قم وأصفهان.
وقد دلّت الروايات على أنه كان لطلحة بن الأحوص دور هام في تمصير مدينة قم بعد أن استوطنها رجال قبيلته، وإنّه أول من شرع ببناء العمارة فيها بالآجر بعد الإسلام.
إن مدينة قم التي يعود الفضل لتأسيسها على شكل مدينة شيعية عامرة بمكان قصبة صغيرة لبني سعد الأشعري وخاصّة لابن عبد الله بن سعد الأشعري ابن عم طلحة المذكور، الذي كان من أجلّة فضلاء الشيعة في الكوفة ثم انتقل إليها مع أبيه.
إن هذه المدينة أخذت بعد سنة 83هـ تتسع، وينتشر فيها العمران، وتشاد على أرضها المساجد، والمدارس الدينيّة، والمعاهد العلميّة، وقبور الأولياء والملوك والعظماء والأمراء والعلماء، وأصبحت تدريجاً من المدن الإسلامية الشيعية المقدّسة، وخاصة بعد دفن فاطمة بنت الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) المعروفة (معصومة قم) فيها.(236)
وقد نصّ الحموي في معجمه على أن مدينة قم شيعية إماميّة خالصة فقال: وكان متقدّم هؤلاء الأخوة عبد الله بن سعد، وكان له ولد قد ربّي بالكوفة فانتقل منها إلى قم، وكان إمامياً فهو الذي نقل التشيع إلى أهلها فلا يوجد بها سنّي قط.
ثم نقل حكاية لطيفة تدلّ على صدق تشيّع أهل هذه المدينة فراجع.(237)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page