طباعة

السماء ليست فراغا خاويا

السماء ليست فراغا خاويا

السماء أسم مشتق من الفعل سما , يسمو , والسمو : الارتفاع والعلو , ومنه سموت وسميت مثل علوت وعليت . وسما الشئ سمواً فهو سام : ارتفع . وسما به وأسماه : أعلاه . وعند رفع البصر إلي شئ يقال : سما إليه البصر . ويقال فلان لا يسامي وقد علا من ساماه .
والسماء : سقف كل شي وكل بيت .  والسموات السبع سماء , والسموات السبع : أطباق الأرضين وتجمع سماء وسماواتٍ .
وقال الزجاج : السماء في اللغلة يقال لكل ما ارتفع وعلا قد سما يسمو . وكل سقف فهو سماء . ومن هذا قيل للسحاب السماء لأنها عالية . والسماء : كل ما علاك فأظلك , ومنه قيل لسقف البيت سماء .
والسماء التي تظل الأرض مؤنث عند العرب لأنها جمع سماءةٍ , وسبق الجمع الوحدان فيها . والسماءة : أصلها سماوة :وإذا ذكرت السماء عنوا به السقف . ويقول تبارك وتعالي : ( السماء منفطر به ) , ولم يقل منفطرة .
وقال الجوهيري : السماء تذكر وتؤنث , وأنشد أبن بري في التذكير :
فلو رفع السماء إلية قوما
لحقنا بالسماء مع السحاب
وقال آخر :
وقالت سماء البيت فوقك مخلق
ولما تيسر اجتلاء الركائب
والجمع أسمية وسمي وسماوات وسماء .
وقول أمية بن أبي الصلت :
له ما رأت عين البصير وفوقه
سماء الإله فوق سبع سمائيا
       
قال الجوهري : جمعه علي فعائل كما تجمع سحابة علي سحائب . ويقول عز وجل : ( ثم استوي إلي السماء . . . ) .
وقال أبو إسحاق : لفظه لفظ الواحد ومعناه معني الجمع .قال والدليل علي ذلك قوله تعالي : (. . . فسواهن سبع سمواتٍ ) , فيجب أن تكون السماء جمعا كالسموات , كأن الواحد سماءة وسماوه , وزعم الأخفش أن السماء جائز أن يكون واحدا كما تقول  كثر الدينار والدرهم بأيدي الناس .
والسماء : السحاب وأيضا المطر . وقال معاوية بن مالك :
إذا سقط السماء بأرض قوم
رعيناه وإن كانوا غضابا
وقد ذكرت كلمة ( السماوات ) في القرآن في 310 موضع , وكثيراص ما تجمع السماء والأرض في آية واحدة , وذكرت كلمة الأرض في 451 موضعاً وكلمة الشمس في 33 موضعا وكلمة القمر في 26 موضعا , وفي معظمها يذكر القمر بعد الشمس .
والسماء والأرض صورتان متلازمتان , وليس ذلك لأنهما متناقضتان , بل لأنهما متكاملتان . فالسماء بالنسبة للإنسان الذي يعيش علي سطح الأرض هي كل هذا الوجود , والتي تقع الأرض . والناظر إلي السماء يري فيها في كل ساعة شيئا جديداً غير الذي رآه في ساعة سابقة , وغير ماسوف يراه في ساعة لاحقة . فكما أن الأقمار تدور حول كواكبها , والكواكب تدور نجومها , والنجوم تدور حول مجراتها , فإن المجرات والسماء وكل الكون في حركة دائمة حول مركز الكون الذي يقع في علم الله عز وجل , والذي يعجز العلم الوضعي عن تحديده .
والناظر إلي أعلي من الأرض إلي عنان السماء يشاهد القبة السماوية وهي تدور في حركة مستمرة من مشرق إلي مغرب حول الكرة الأرضية . فالنجوم والشمس التي تغرب عن جزء آخر . وللقبة السماوية محور تدور حوله . وقد عرف الفلكيون ذلك من مشاهدة النجم القطبي الشماليCelestial North Pole الذي يكاد يكون موقعه ثابتا , وتدور جميع النجوم حوله . وللسماء كذلك نجم قطبي جنوبيCelestial South Pole يقع في مركزها ويشاهد الناس في نصف الكرة الجنوبي . أي أن امتداد محور الأرض يقطع الكرة السماوية في نقطتين هما القطب الشمالي السماوي والقطب الجنوبي السماوي .
ولما كانت الأجرام والنجوم السماوية تقع علي مسافات طويلة جداً من السنين الضوئية بالنسبة لموقع الأرض . فإنها تبدو للناظر إليها من الأرض وكأنها مثبتة في مواقعها , وعلي مسافات متساوية فيما بينها بالنسبة لرؤيتها بالعين المجردة , أي تظهر كما لو كانت علي سطح كرة
( مركزها الأرض ) تسمي بالكرة السماوية . ويطلق الفلكيون علي نصف الكرة التي تشاهد للناظر إليها في نصف الكرة الشمالي تعبير القبة السماوية .
وحدد علماء الفلك حطوطاً وهمية للكرة السماويةCelestial Sphere بالنسبة لمكان الراصد من سطح الأرض , ومن بينها دائرة الزوال للمكان وهي التي تقطع خط الطول المار بمكان ما علي سطح الأرض والكرة السماوية في دائرة عظمي لذلك المكان , وتمر بالقطبين السماويين والسمت .
أما السمتZenith, فهو عبارة عن النقطة التي تقع فوق رأس الراصد مباشرة في الكرة السماوية . وحيث إن الأرض كروية , فإن اتجاه السمت لا يخرج عن كونه امتدادا للخط الواصل من مركز الأرض المكان . وتقسم النجوم في السماء إلي مجاميع مختلفة , وذلك لتيسير الاستدلال عليها . ويزيد عدد تلك المجاميع النجمية عن تسعين مجموعة , ومن أظهرها مجموعات : الدب الأكبر والدب الأصفر وكاسيوبيا _ ذات الكرسي _ وتبعا للبعد الهائل بين كل من مجموعات النجوم المختلفة في السماء وبين الأرض تقاس المسافة بما يعرف باسم ( السنين الضوئية ) .
السماء ليست كما يظن البعض فراغا خاوياً أو حيزاً هاوياً , بل هي بناء هندسي إلهي معجز مقدر تقديراً محكماً , وتحيط السماء سطح كوكب الأرض من جميع الجهات . وكل مايوجد علي سطح الأرض ويتأثر بالجاذبية الأرضية ومثبت علي سطحها تعلوه السماء وتسمو فوقه . فالسماء للأرض كلاسقف للبيت ومهما سما إليها عبر المناظر الفلكية المطورة فإن الإنسان يعجز تماما عن تحديد حقيقة أبعادها . وما في السماء الدنيا ( أو ما يسمي بجو السماء ) من طبقات غازية ( الغلاف الجوي حول الأرض ) يعمل علي حماية سطح الأرض وحفظه من أضرار تساقط بقايا الشهب والنيازك عليه . ويقول عز وجل : ( وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتها معرضون ) الأنبياء (32) .
وإذا كانت السماء هي الحيز الذي يبدأ من فوق سطح الأرض مباشرة . فمعني ذلك أن الغلاف الغازي أو الجوي _ كما سنري فيما بعد _ رأسيا من عدة طبقات غازية تقل كثافتها من أسفل إلي أعلي , ويطلق علي الطبقة السفلي منه أسم التروبوسفيرTroposphere , وفيها تتكون السحب , والطبقة الوسطي اسم الميزوسفيرMesosphere والطبقة العليا اسم الأيونوسفيرIonosphere أو الثرموسفيرThermosphere . ويبلغ سمك طبقات الغلاف الغازي نحو 300كم , ومايقع فيما وراء هذا الغلاف هو بناء محكم من فضاء لا نهائي أو محيط لا حد لاتساعه يتألف من الأتربة الكونية الدقيقة الحجم , وتسبح فيه أعداد لا حصر لها من المجرات والنجوم والكواكب كل في مدارة الذي اقتضاه المولي عز وجل له , يقول تبارك وتعالي :
( الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء . . . ) البقرة (22)
( أفلم ينظرون إلي السماء فوقهم كيف بنيناها وزيناها وما لها من فروج ) ق (6)
وتعبر هاتان الأياتان الكريمتان عن اليسر في حياة الإنسان علي الأرض التي جعل الله عز وجل سطحها سكنا مريحاً وملجاً واقياً كالفراش . وينسي الناس قيمة هذا الفراش المنبسط الذي مهده الله عز وجل لهم لطول ماألفوه . وتمثل السماء متانة البناء وتنسيقه , وما تتزين به من كوكبات ونجوم وكواكب وأقمار لتبدو للناظرين إليها في أبهي صورة  .