أزمة المسلمين الاولى
إن الأزمة التاريخية الحقيقية في حياة المسلمين هي هذه الازدواجية في السلوك ؛ الأزمة التي رفضها القرآن الكريم رفضاً قاطعاً، معتبراً ظهور بوادرها أول ظهور الانكسار والردة والتخلّف. وها هي الآن الملايين تبكي الحسين عليه السلام في أيام عاشوراء ذكرى استشهاده المقدس ، بل ويلطمون ويجرحون أنفسهم للدلالة على حزنهم وتضامنهم معه ، غير أن المنصف إذا مـا اعتبر أعمـالهم مقياساً لإيمانهم فسيعرف أنّ الكثير منهم لاينتمي الى جبهة الحسين عليه السلام. فالعين تدمع من أجل الحسين ، واليد تصفق ليزيد ولكل من كان معه وخطه في هذا العصر.
والأئمة عليهم السلام كانوا قد شخصوا ذلك من قبل ، حتى أنهم وضعوا نصوص الزيارات الشريفة لسيد الشهداء التي جاء فيها : اللهم العن أول ظالم ظلم حقّ محمد وآل محمد وآخر تابع لـه على ذلك... اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين وشايعت وبايعت وتابعت على قتله ([38])
ونقـرأ في زيارة الوارث ، وهي من الزيارات المعتبرة فنقول : بأبي أنت وأمي يا أبا عبدالله ، بأبي أنت وأمي يا ابن رسول الله ، لقد عظمت الرزّية وجلت وعظمت المصيبة بك علينا وعلى جميع أهل السماوات والأرض ، فلعن الله أمة أسرجت وألجمت وتهيّأت لقتالك ... ([39]) .
فأولئك الذين ظلموا آل الرسول وأولئك الذين خالفوا الرسول في أهل بيته قد ماتوا، ولكنهم أورثوا حقدهم وظلمهم وبغضهم لأبنائهم وتابعيهـم، ولذلك نجد الكثير من هم في خط يزيد بن معاوية . فحكام العــراق الآن - دون أدنى شك - هم التابعون والوارثون الحقيقيون لظلم الأمويين والعباسيين . وإني إذ أبكي الحسين وأتابع أعدائه عملاً، إنما أكون مشايعاً لقتلة الحسين وورثتهم؛ بمعنى أن دمعتي وبكائي الطويل لن ينفعني بمقدار أنملة، ولن يغير من الواقع والحقيقة شيئاً أبداً .
إن المشكلة ليست في تلك الأقلية التي تبغض أهل البيت عليهم السلام قلباً وقالباً ، فهذه الأقلية كالكفرة الذين يعلنون كفرهم، وبالتالي فإن من الممكن التحسب لهم وأخذ الحيطة منهم. ولم تكن المشكلة في يوم من الأيام في الأقلية التي تعلن ولاءها لأهل البيت وتقلدهم في كل صغيرة وكبيرة، ولو أدى ذلك الى خوض المصاعب والمحن كما أثبت التاريخ. فهذه الأقلية تحتل قمّة الإيمان، وهي قلب الدين النابض، لكن المشكلة في هذه الأكثرية المصابة بمرض الازدواجية ، حيث تؤمن بأهل البيت كأئمة حق وتعمل ضد ما يأمرون به وينهون عنه .
ولقد صدق القائل حينما وصف للإمام الحسين عليه السلام واقع أهل الكوفة حيث التقاه في طريقه اليها بقوله : يا ابن رسول الله؛ قلوب القوم معك وسيوفهم عليك.
_____________
([38]) مفاتيح الجنان للشيخ القمي.
([39]) المصدر