• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تأملات في خطبة الزهراء عليها السلام

تأملات في خطبة الزهراء عليها السلام

خطبة الزهراء عليها السلام التي ألقتها على مسامع الناس بعيد وفاة أبيها وفي مسجده صلى الله عليه وآله تعد من أهمّ ما صدر عن لسان أهل البيت عليهم الصلاة والسلام. فهي تعتبر منشوراً متكاملاً وميثاقاً مهماً للحق والعدل والحرية عبر التأريخ، وقد ضمّنت الزهراء خطبتها الحكم المثلى ابتداءً من حكمة الخلق ومروراً بحكمة القيم الشرعية، وانتهاء بحكمة الوفود على الله تبارك وتعالى في يوم المحشر، فضلاً عن تبيينها لفلسفة الرسالة ومقام الرسول والولاية لأهل البيت عليهم السلام، واتباع نهجهم المنبثق أساساً عن القرآن الكريم لا غير..
ونحن إذ نفتخر بالانتماء إلى مذهب آل البيت، لابد لنا من التعرف على أن هذا المذهب يعرج بجناحين -وهي الفكرة التي تمثل الروح في خطبة السيدة الزهراء- فالجناح الأول فيه العلم والحكمة والقيم المثلى والعقلانية والفهم الصحيح والمنطقي للدين. والجناح الآخر فيه الحماسة والولاية والعواطف والتضحية..
الجناح الأول يتمثل في كلمات الوحي وكلمات الرسول الأكرم وآل بيته الطيبين الطاهرين، بدءاً بعليِّ أمير المؤمنين، وانتهاءً بالإمام الثاني عشــر المهدي المنتظر عجل الله فرجه الشريف.
بينما الجناح الآخر يتمثل في الفهم والتعاطف والدفاع عن حقوقهم وعمّا بذلوه -آل البيت- للدين من الطاقات الجبّارة والدماء الزكية، حيث لم يدعوا طاقة في أنفسهم ولا شيئاً أو إمكانية لديهم إلاّ بذلوها في سبيل وجه الله الكريم.
وإذا كانت الزهراء قد خطبت خطبتها المعروفة بالخطبة الفدكية في أجواء من الظلم واغتصاب الحقوق وانتهاك المحرمات والكرامات والمنازل المخصوصة لآل البيت ولها سلام الله عليها ولزوجها عليه السلام بالذات، فإنها لم تنسَ -وحاشى لها- أن تبين للأمة المنقلبة على عقبها ضرورة فهم الدين بالصورة الصحيحة، وضرورة العودة إلى جادة الحق التي اختطها الله في قرآنه الكريم وعلى لسان نبيّه المصطفى صلى الله عليه وآله.
إذن؛ فالاكتفاء بواحد من الجناحين لايعدّ تمسّكاً بمذهب أهل البيت، وإنما المفروض فهم أسسه بالعقل والتفاعل معه عاطفياً. وإذا رأيت من يعلن التمسك بأهل البيت متخلفاً مستضعفاً، فاعلم أن ثمَّ خللاً في أدّعائه هذا، قد يكون في شكل وطريقة اتباعه لحكمتهم وفي طريقة التعبير عن التعاطف معهم.
ونحن إذا أردنا التمسك بكلا الجانبين فأمامنا خطبة السيدة الزهراء التي بيّنت فيها الأوامر والنواهي، كما حددت فيها معالم العدل والظلم إلى يوم القيامة، ولو أن مؤلفاً أو مفسّراً دوّن عشر مجلدات في تفسير هذه الخطبة العصماء وبيان أبعادها وآفاقها ، ما بلغ حق هذه الخطبة، وهكذا الأمر بالنسبة لخطب وأحاديث أهل البيت الأخرى، إذ هي صادرة عن أناس يستلهمون من الله مباشرة من دون معلّم، والله أعلم حيث يجعل رسالته.
وإليك خطبة الزهراء عليها السلام، بنصها الكامل ، حيث قالت عليها السلام:
الحمد لله على ما أنعم، وله الشكرُ على ما ألهم، والثناء بما قدّم، من عموم نعمٍ ابتدأها، وسبوغ آلاءٍ أسداها ، وتمام مننٍ والاها، جمَّ عن الاحصاء عددها، ونأى عن الجزاء أمدها، وتفاوتَ عن الإدراك أبدها، وندبهم لاستزادتها بالشكر لاتّصالها، واستحمد إلى الخلائق باجزالها، وثنّى بالندب إلى أمثالها.
وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك لـه، كلمةٌ جعل الإخلاص تأويلها، وضمّن القلوب موصولها، وأنار في الفكر معقولها. الممتنع من الأبصار رؤيته، ومن الألسن صفته، ومن الأوهام كيفيته، ابتدع الاشياء لا من شيء كان قبلها، وأنشأها بلا احتذاء امثلة امتثلها، كوّنها بقدرته، وذرأها بمشيئته، من غير حاجة منه إلى تكوينها، ولا فائدة له في تصويرها، إلاّ تثبيتاً لحكمته، وتنبيهاً على طاعته، وإظهاراً لقدرته، وتعبّداً لبريّته، وإعزازاً لدعوته. ثم جعل الثواب على طاعته، ووضع العقاب على معصيته، ذيادةً لعباده عن نقمته، وحياشة منه إلى جنّته.
وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله اختاره وانتجبه قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتبله، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بمآيل الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بمواقع المقدور ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة على إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقاً في أديانها، عكّفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرةً لله مع عرفانها، فأنار الله بمحمد صلى الله عليه وآله ظُلمها، وكشف عن القلوب بُهَمَها، وجلّى عن الأبصار غُمَمَها، وقام في الناس بالهداية ، وانقذهم من الغواية، وبصّرهم من العماية، وهداهم إلى الدين القويم، ودعاهم إلى الطريق المستقيم، ثم قبضه الله إليه قبض رأفةٍ واختيارٍ ورغبةٍ وإيثار، محمد عن تعب هذه الدار في راحة، قد حُفَّ بالملائكة الأبرار ورضوان الربَ الغفّار ومجاورةِ الملك الجبّار، صلّى الله على أبي نبيه وأمينه على الوحي وصفيّه وخيرته من الخلق ورضيَّه، والسلام عليه ورحمة الله وبركاته .
وقالت مخاطبة الأنصار والمهاجرين: أنتم عبادَ الله نُصْبُ أمره ونهيه، وحَمَلةُ دينه ووحيه، وأمناءُ الله على أنفسكم، وبُلَغاؤه إلى الأمم، وزعمتم حقُّ لكم، لله فيكم عهد قدّمه إليكم، وبقيةٌ استخلفها عليكم، كتابُ الله الناطق والقرآن الصادق والنور الساطع والضياء اللاّمع، بيّنةٌ بصائره، منكشفةٌ سرائره، متجليةٌ ظواهره، مغتبطٌ به أشياعه، قائدٌ إلى الرضوان أتباعه، مؤدٍّ إلى النجاة إسماعه، به تُنال حجج اللهِ المنوّرة وعزائمه المفسَّرة ومحارمه المخدَّرة وبيّناته الجالية وبراهينه الكافية وفضائله المندوبة ورخصه الموهوبة وشرائعه المكتوبة.
فجعل الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنـزيهاً لكم عن الكبر، والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق والصيام تثبيتاً للإخلاص، والحجَّ تشديداً للدين ، والعدل تنسيقاً للقلوب، وطاعتنا نظاماً للملّة وإمامتنا أماناً من الفرقة، والجهاد عزّاً للإسلام، والصبر معونة على استيعاب الأجر، والأمر بالمعروف مصلحة للعامة، وبرَّ الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منماة للعدد، والقصاص حقناً للدماء، والوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، والمكائيل والموازين تغييراً للبخس، والنهي عن شرب الخمر تنـزيهاً عن الرجس، واجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، وترك السرقة إيجاباً للعفّة، وحرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتّقوا الله حقّ تقاته، ولا تموتُنَّ إلاّ وأنتم مسلمون، وأطيعوا الله فيما أمركم به ونهاكم عنه، فإنه إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء .
ثم قالت: أيها الناس ! اعلموا أني فاطمة، وأبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أقول عوداً وبدواً، ولا أقول ما أقول غلطاً، ولا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تَعزُوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخ ابن عمي دون رجالكم، ولنعمَ المعزيُّ إليه صلى الله عليه وآله وسلم، فبلّغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثَبجَهم، آخذاً بإكظامهم، داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، يكسر الأصنام وينكب الهامَ، حتى انهزم الجمع وولوا الدبر، حتى تفرَّ الليلُ عن صبحه، وأسفر الحقُّ عن مَحضِه، ونطق زعيم الدين، وخرست شقاشق الشياطين، وطاح وشيظ النفاق، وانحلّت عُقدُ الكفر والشقاق، وفُهتم بكلمة الإخلاص في نفرٍ من البيض الخماص، وكنتم على شفا حفرةٍ من النار، مُذْقةَ الشارب، ونُهزةَ الطامع، وقُبسةَ العِجلان، وموطأَ الأقدام، تشربون الطرُقَ، وتقتاتون الورق، أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ بعد اللتياّ والّتي، وبعد أن مُنِيَ ببُهمِ الرجال وذؤبان العرب ومردةِ أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نَجَمَ قرنٌ للشيطان، وفغرتْ فاغرةٌ من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه، ويُخمدَ لهبَها بسيفه، مكدوداً في ذات الله؛ مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيد أولياء الله ؛ مشمّراً ناصحاً مجدّاً كادحاً، وأنتم في بُلْهَنِيَةٍ من العيش، وادعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، وتتوكّفون الأخبار، وتنكصُون عند النـزال، وتفرّون عند القتال .
فلمّا اختار الله لنبيّه دار أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حسيكةُ النفاق، وسمل جلباب الدين، ونطق كاظم الغاوين، ونبغ خامل الأقلّين ، وهدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، وأطلع الشيطان رأسه من مِغرَزِه هاتفاً بكم، فألفاكم لدعوته مستجيبين، وللعزّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خفافاً، وأحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتُم غير إبلكم، وأوردتم غير مشربكم، هذا والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لمّا يندمل، والرسول لما يقبر، ابتذاراً زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنم لمحيطة بالكافرين. فهيهات منكم، وكيف بكم ، وأنّى تؤفكون؛ وكتاب الله بين أظهرِكم، أموره زاهرة، وأعلامه باهرة، وزواجره لائحة، وأوامره واضحة، قد خلّفتموه وراء ظهوركم، أرغبةً عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس الظالمين بدلاً، ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، ثم لم تلبثوا إلاّ ريث أن تسكن نفرتُها ويسلس قيادها، ثم اخذتم تورون وقدتَها وتهيّجون جمرتَها وتستجيبون هتافَ الشيطانِ الغويِّ وإطفاء نور الدين الجليِّ، وإهمادِ سننِ النبيِّ الصفيِّ، تُسرّون حسواً في ارتغاء، وتمشون لأهله وولدهِ في الخمرِ والضرّاء، ونصبر منكم على مثل حزِّ المدى ووخزِ السنان في الحشا، وأنتم تزعمون أن لا إرثَ لنا، أفحكم الجاهلية تبغون، ومَن أحسن من الله حكماً لقومٍ يوقنون أفلا تعلمون؟ بلى تجلّى لكم كالشمس الضاحية.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page