• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فضل الزهراء (عليها السلام)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة على أعدائهم أجمعين، إلى قيام يوم الدين.
أما بعد: فهذا مختصر في فضل سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين، فاطمة الزهراء (عليها السلام).
فهي (صلوات الله عليها) الصديقة الكبرى التي دارت على معرفتها القرون الأولى، وهي (سلام الله عليها) حجة الله على خلقه بل على حججه المكرمين كما قال الإمام العسكري (عليه السلام): (نحن حجج الله على خلقه وجدتنا فاطمة حجة علينا).
وهي (عليها السلام) خير أسوة للمرأة المسلمة، فعليها أن تتأسى بها (صلوات الله عليها) لكي تنال سعادة الدنيا والآخرة..
نسأل الله سبحانه أن يوفقنا للاهتداء بنورها، إنه سميع مجيب.
شوال 1403هـ / محمد الشيرازي

فضل الزهراء (عليها السلام)
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) هو أفضل رجل في العالم، حيث إن الله سبحانه وتعالى لم يخلق كالرسول إنساناً، بل هو (صلى الله عليه وآله) أفضل مخلوق في الكون، لأن الله لم يخلق أفضل منه إطلاقاً، كما تواترت بذلك الروايات(1).
والسيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل امرأة في العالم، بل لم يخلق الله عزوجل امرأة أفضل من الزهراء (سلام الله عليها)، ولا مخلوقاً أفضل منها بالنسبة إلى جنس النساء بما فيهنّ الحور، وهذا مما تواترت به الروايات أيضاً (2).
ولا عجب فان الله سبحانه وتعالى فياض مطلق، يعطي الفيض لكل شيء قابل، ولسنا نريد بالقابل المهيّة التي لها مكانة في الذهن أو ما أشبهها، بل نريد أن الله سبحانه وتعالى يخلق الشيء صاحب المائة، والشيء صاحب الخمسين، والشيء صاحب الواحد وهكذا.
وفي القرآن الحكيم: (أَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا)(3)، وتفصيل الموضوع مرتبط بالحكمة مما لا يسعه المقام..
وإنما الكلام في أن الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السلام) موجودة عالية رفيعة المقام جداً، فوق ما يمكن أن نتصوره، وذلك لما ثبت من أن المحدود الضيق لا يمكن أن يستوعب ما هو أكبر منه، حتى إن بعض العلماء قالوا: إن فاطمة الزهراء وأمير المؤمنين علياً (عليهما السلام) حسب بعض الروايات في كفّتي ميزان، فهما بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على حدّ سواء في الفضل، وان كانا الأفضل من سائر الأئمة (عليهم السلام)، وذلك لروايات الكفوية وغيرها.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (لولا أن أمير المؤمنين تزوجها لما كان لها كفو على وجه الأرض إلى يوم القيامة آدم فمن دونه)(4).
وفي الحديث القدسي عن جبرئيل قال: (يا محمد إن الله جل جلاله يقول لو لم أخلق علياً لما كان لفاطمة ابنتك كفو على وجه الأرض، آدم فمن دونه)(5).
ولا شك أن فاطمة (عليها الصلاة والسلام) أفضل من أولادها (عليهم السلام)، فقد قال الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء لأخته زينب (عليها السلام): (أبي خير منّي، وأمي خير منّي، وأخي خير مني) الحديث(6).
فالإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) خير من الإمامين الحسن والحسين (عليهما الصلاة والسلام).
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الحسن والحسين فاضلان في الدنيا والآخرة وأبوهما أفضل منهما)(7).
ثم إن الإمام الحسن (عليه السلام) أفضل من الإمام الحسين(عليه السلام)، والإمام الحسين (عليه السلام) أفضل من سائر الأئمة (عليهم السلام) حتى من الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
وفي بعض الروايات ان الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) أفضل من الأئمة بعد الإمام الحسين (عليه السلام) يعني: الإمام السجاد(عليه السلام)، والباقر(عليه السلام)، والصادق(عليه السلام)... إلى الإمام العسكري(عليهم السلام).
وكيف كان فالمعصومون الأربعة عشر (عليهم السلام) أفضل خلق الله، وسلسلة المراتب بينهم ـ حسب المستفاد من الروايات ـ هكذا:
الرسول(صلى الله عليه وآله) أولاً.
ثم أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام).
ثم الإمام الحسن (عليه السلام).
ثم الإمام الحسين (عليه السلام).
ثم الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).
ثم بقية الأئمة (عليهم السلام).
نعم في الروايات (حسب اطلاعنا) لم يرد شيء على أفضليّة بعض هؤلاء الأئمة (عليهم السلام) على بعض، يعني الإمام السجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا إلى العسكري (عليهم أفضل الصلاة والسلام).
طينة الزهراء (عليها السلام)
إن الله تعالى قد شرف فاطمة الزهراء (عليها السلام) منذ خلقتها، حيث فضل ذاتها على غيرها من النساء، فطينتها أرفع من طينة سائر الناس بعد الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) كما يستفاد من حديث التفاحة وغيرها..
ولا مانع من ذلك حيث إن الله سبحانه وتعالى يخلق الأفضل والفاضل والأقل فضلاً، كما في المياه حيث خلق العذب والمالح، وكما في الأرض حيث خلق التربة الجيّدة والتربة غير الجيدة، وكما في المعادن حيث خلق الأثمن كالذهب، والأقل قيمة كالفضّة.
وفي الحديث: (الناس معادن، كمعادن الذهب والفضّة)(8).
ففطرة الزهراء (عليها السلام) وطينتها لا يمكن أن تتسامى إليها امرأة في العالم، حتى إن مريم وآسية وخديجة وحوّاء ومن أشبه من سيدات النساء (عليهن الصلاة والسلام) لا يصلن إلى فضيلة فاطمة الزهراء الذاتيّة والتي ترتبط بطينتها وخلقتها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (لما أسري بي دخلت الجنة فناولني جبرئيل تفاحة فأكلتها فصارت نطفة وفاطمة منها وكلما اشتقت إلى ريح الجنة قبلتها)(9).
وعن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: (كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يكثر من تقبيل فاطمة (عليها السلام) فأنكر عليه بعض نسائه ذلك، فقال (صلى الله عليه وآله): إنه لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة فأدناني جبرئيل من شجرة طوبى وناولني تفاحة فأكلتها، فحول الله ذلك في ظهري ماءً، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة، فكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها، وما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى منها فهي حوراء إنسية)(10).
وفي حديث آخر: (إن هذه التفاحة خلقها الله بيده وادخرها لنبيه وأعطاه في ليلة المعراج)(11).
هذا بالنسبة إلى خلقتها حسب ما ورد في الروايات وتفسير الآيات المباركة..
آيات في الزهراء (عليها السلام)
وهناك آيات كثيرة في القرآن الكريم نزلت في حق فاطمة الزهراء(عليها السلام) وهي تدل على عظم شأنها وكبر شخصيّتها وارتفاع مقامها نشير إلى بعضها(12):

سورة هل أتى
منها: سورة (هل أتى)(13) وقد نزلت في أمير المؤمنين علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم الصلاة والسلام) لمّا منحوا طعام فطورهم للفقير واليتيم والأسير، في قصّة مشهورة، رواها الفريقان، فأنزل الله:(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً* إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً)(14).
روى الشيخ الصدوق (رحمة الله عليه) في أماليه عن الإمام الصادق عن أبيه (عليهما السلام) في قوله عزَّ وجلّ: (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ).
قال: مرض الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما صبيّان صغيران، فعادهما رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع بعض أصحابه، فقيل: يا أبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن الله عافاهما.
فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عزَّ وجلّ، وكذلك قالت فاطمة (عليها السلام)، وقال الصبيّان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضّة.
فألبسهما الله عافيته، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام، فانطلق عليٌّ (عليه السلام) إلى جار له من اليهود يقال له: شمعون، يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزّة من صوف تغزلها لك ابنة محمّد بثلاثة أصوع(15) من شعير؟.
قال: نعم، فأعطاه، فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة(عليها السلام) فقبلت وأطاعت.
ثمّ عمدت فغزلت ثلث الصوف، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمس أقراص، لكلّ واحد قرصاً.
وصلّى عليّ (عليه السلام) مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) (صلى الله عليه وآله) المغرب، ثم أتى منزله فوضع الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليٌّ (عليه السلام) إذا مسكين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني ممّا تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.
فوضع (عليه السلام) اللقمة من يده ثمّ قال:
فاطم ذات المجد واليقين***يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين***جاء إلى الباب له حنين
يشكو إلى الله ويستكين***يشكو إلينا جائعاً حزين
كلّ امرئ بكسبه رهين***من يفعل الخير يقف سمين
موعده في جنّة رهين***حرّمها الله على الضنين
وصاحب البخل يقف حزين***تهوي به النار إلى سجّين
شرابـه الحميـم والغسليـن
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) تقول:
أمرك سمعٌ يا بن عم وطاعة ***ما بيَ من لؤم ولا وضاعة(16)
غذيت باللبّ وبالبراعة***أرجو إذا أشبعت من مجاعة
أن ألحق الأخيار والجماعة***وأدخل الجنّة في شفاعة
وعمدت إلى ما كان على الخوان فدفعته إلى المسكين، وباتوا جياعاً وأصبحوا صياماً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.
ثمّ عمدت (عليها السلام) إلى الثلث الثاني من الصوف فغزلته، ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته وخبزت منه خمسة أقرصة لكلّ واحد قرصاً..
وصلّى عليّ (عليه السلام) المغرب مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) .. ثم أتى منزله، فلمّا وضع الخوان بين يديه وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ(عليه السلام) إذا يتيم من يتامى المسلمين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، أنا يتيم من يتامى المسلمين أطعموني ممّا تأكلون، أطعمكم الله على موائد الجنّة.
فوضع عليٌّ (عليه السلام) اللّقمة من يده ثمّ قال:
فاطم بنت السيّد الكريم***بنت نبيّ ليس بالزنيم
قد جاءنا الله بذا اليتيم***من يرحم اليوم هو الرحيم
موعده في جنّة النعيم***حرّمها الله على اللّئيم
وصاحب البخل يقف ذميم***تهوي به النار إلى الجحيم
شرابها الصديـد والحميـم
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:
فسوف أعطيه ولا أبالي***وأؤثر الله على عيالي
أمسوا جياعاً وهم أشبالي***أصغرهم يقتل في القتال
بكربلا يقتل باغتيال***لقاتليه الويل مع وبال
يهوي به النار إلى سفال***كبوله زادت على الأكبال
ثمّ عمدت (عليها السلام) فأعطته جميع ما على الخوان، وباتوا جياعاً لم يذوقوا إلاّ الماء القراح(17)، وأصبحوا صياماً.
وعمدت فاطمة (عليها السلام) فغزلت الثلث الباقي من الصوف، وطحنت الصاع الباقي وعجنته وخبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد قرصاً، وصلّى علي (عليه السلام) المغرب مع النبيّ (صلى الله عليه وآله) .. ثمّ أتى منزله، فقرّب إليه الخوان وجلسوا خمستهم، فأوّل لقمة كسرها عليّ (عليه السلام) إذا أسير من أسراء المشركين قد وقف بالباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمّد، تأسروننا وتشدّوننا ولا تطعموننا؟.
فوضع عليِّ (عليه السلام) اللقمة من يده ثمّ قال:
فاطم يا بنت النبيّ أحمد***بنت النبيّ سيّد مسوّد
قد جاءكِ الأسير ليس يهتدي***مكبّلاُ في غلّه مقيّد
يشكو إلينا الجوع قد تقدّد***من يطعم اليوم يجده في غد
عند العليّ الواحد الموحَّد***ما يزرع الزارع سوف يحصد
فاعطني(18) لا تجعليه ينكد
فأقبلت فاطمة (عليها السلام) وهي تقول:
لم يبق ممّا كان غير صاع***قد دبّرت كفي مع الذراع
شبلاي والله هما جياع ***يا ربّ لا تتركهما ضياع (19)
أبوهما للخير ذو اصطناع ***عبل الذراعين طويل الباع (20)
وما على رأسي من قناع***إلاّ عباً نسجتها بصاع
وعمدوا إلى ما كان على الخوان فآتوه (21) وباتوا جياعاً، وأصبحوا مفطرين وليس عندهم شيء.
قال شعيب في حديثه: وأقبل عليٌّ بالحسن والحسين (عليهما السلام) نحو رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهما يرتعشان كالفراخ من شدّة الجوع، فلمّا بصر بهم النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: يا أبا الحسن شدّ ما يسوؤني ما أرى بكم، انطلق إلى ابنتي فاطمة.
فانطلقوا إليها (عليها السلام) وهي في محرابها، قد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع وغارت عيناها(22)، فلمّا رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ضمّها إليه وقال: واغوثاه بالله، أنتم منذ ثلاث فيما أرى.
فهبط جبرائيل فقال: يا محمّد خذ ما هيأ الله لك في أهل بيتك.
قال: وما آخذ يا جبرائيل؟.
قال: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ) حتّى إذا بلغ (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً) (23).
فوثب النبيّ (صلى الله عليه وآله) حتّى دخل منزل فاطمة (عليها السلام) فرأى ما بهم فجمعهم ثمّ انكب عليهم يبكي ويقول: أنتم منذ ثلاث فيما أرى..
فهبط عليه جبرائيل بهذه الآيات:
(إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأَسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً* عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفجِيراً). قال: هي عين في دار النبيّ(صلى الله عليه وآله) يفجّر إلى دور الأنبياء والمؤمنين.
(يُوفُون بِالنَّذْرِ) يعني عليّاً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وجاريتهم.
(وَيَخَافُونَ يَوْمَاً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) يقولون عابساً كلوحاً (24).
(وَيُطْعِمُونَ الطْعَامَ عَلَى حُبِّهِ) يقول: على شهوتهم للطعام وإيثارهم له.
(مِسْكِيناً) من مساكين المسلمين،(وَيَتِيماً) من يتامى المسلمين،(وَأَسِيراً) من أسارى المشركين.
ويقولون إذا أطعموهم: (إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءٌ وَلاَ شُكُوراً) قال: والله ما قالوا هذا لهم ولكنّهم أضمروه في أنفسهم فأخبر الله بإضمارهم، يقولون: لا نريد جزاءً تكلِّفوننا(25) به ولا شكوراً تثنون علينا به، ولكنا إنّما أطعمناكم لوجه الله وطلب ثوابه.
قال الله (تعالى ذكره): (فَوَقَاهُمُ اللهُ شَرَّ ذَلِكَ اليَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً) في الوجوه (وَسُرُوراً) في القلوب (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً) يسكنونها (وَحَرِيراً) يفرشونه ويلبسونه(مُتَّكِئينَ فِيهَا عَلَى الآرَائِكِ) والأريكة: السرير عليه الحجلة (لاَيَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَزَمْهَرِيراً) (26).
قال ابن عبّاس: فبينا أهل الجنّة في الجنّة إذ رأوا مثل الشمس قد أشرقت لها الجنان، فيقول أهل الجنّة: يا ربّ إنّك قلت في كتابك: (لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً)؟
فيرسل الله جلّ اسمه إليهم جبرئيل فيقول: ليس هذه بشمس ولكنّ علياً وفاطمة ضحكا فأشرقت الجنان من نور ضحكهما، ونزلت (هَلْ أَتَى) فيهم إلى قوله تعالى: (وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَّشْكُوراً) (27).

سورة الكوثر
كما نزلت فيها (عليها السلام) سورة (الكوثر):
قال تعالى: ( بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) (28).
فقد صرح العديد من المفسرين بأن (الكوثر) يراد به فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام)(29).
وهناك تفاسير أخرى ولا مانع من الجمع، فان الآيات القرآنية كالشمس ـ حسب المروي عن الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) ـ تنطبق في كل يوم منذ نزولها إلى يوم القيامة على مختلف الأفراد بحسب أعمالهم، نعم هناك من تنطبق عليه الآيات انطباقاً كفرد أفضل، وهناك من تنطبق عليه كفرد متوسط أو كفرد في أول الطريق..
مثلاً: (المؤمن) الوارد في القرآن الحكيم ينطبق على سلمان(رحمة الله عليه) كفرد ثان، وينطبق على المعصومين (عليهم السلام) كفرد أول، وينطبق على المؤمن العادي كفرد ثالث، إلى غير ذلك من الأمثلة.

آية التطهير
وكذلك نزلت في شأن فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وأبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) آية التطهير، قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (30).
فهم (عليهم السلام) أطهار ذاتاً، لا لأنهم لا يقتربون المعاصي أو لا يفكرون فيها فحسب، بل لأن طينتهم طاهرة، فلا يقترفون معصية كبيرة ولاصغيرة، ولا يفعلون مكروها، بل كل ما يفعلونه أو يتركونه من قول أو فعل أو تقرير يكون برضاية الله سبحانه، وفي سبيله عزوجل، وفي سبيل أفضل طاعاته تعالى.
وقد صرح الفريقان بنزول آية التطهير فيهم (عليهم السلام) ، قال الفيروز آبادي: عن الطحاوي الحنفي في كتاب (مشكل الآثار) بسنده عن أم سلمة قالت: نزلت هذه الآية في رسول الله وعلي وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام): (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (31).
وأورد أيضاً عن (أبي داود الطيالسي) في مسنده بإسناده عن أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه (صلى الله عليه وآله) كان يمرّ على باب فاطمة شهراً قبل صلاة الصبح فيقول: الصلاة يا أهل البيت (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) (32).

آية المباهلة
ونزلت فيها (عليها السلام) وفي أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفي أمير المؤمنين علي والحسن والحسين (عليهم السلام) آية المباهلة، قال تعالى: (فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (33).
فقد اجمع المؤرخون والمفسرون وأصحاب الحديث(34) ـ إلا من شذّ ـ وتواترت الروايات على أن المراد من (نسائنا) فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام)..
فان الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يذهب مع امرأة إلى المباهلة إلا مع ابنته فاطمة (عليها الصلاة والسلام)، مع العلم انه كانت هنالك نساء مؤمنات من زوجات الرسول (صلى الله عليه وآله) مضافاً إلى أقربائه وصحابياته وسائر النساء المؤمنات، ومن الواضح أن المباهلة جهاد معنوي كبير.
وقد ورد في تفسير هذه الآية:
عن أبي عبد الله (عليه السلام): إنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيد، وحضرت صلاتهم فاقبلوا يضربون بالناقوس وصلّوا.
فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا في مسجدك؟.
فقال(صلى الله عليه وآله): دعوهم.
فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالوا: إلى ما تدعون؟.
فقال(صلى الله عليه وآله): إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنّ عيسى (عليه السلام) عبد مخلوق يأكل ويشرب ويُحدث.
قالوا: فمن أبوه؟.
فنزل الوحي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقال: قل لهم: ما تقول في آدم؟. أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب وينكح؟.
فسألهم النبي (صلى الله عليه وآله) فقالوا: نعم.
فقال: فمن أبوه؟.
فبهتوا.. فبقوا ساكتين.
فأنزل الله: (إنّ مَثَلَ عيسى عندَ الله كَمَثَلِ آَدَمَ) الآية إلى قوله: (فَنَجعَل لَّعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبينَ) (35).
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): فباهلوني، فإن كنت صادقاً أُنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً نزلت عليَّ.
فقالوا: أنصفت..
فتواعدوا للمباهلة، فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم: السيّد والعاقب والأهتم، إن باهَلَنا بقومه باهلناه، فإنّه ليس بنبيّ، وإن باهلنا بأهل بيته خاصّة فلا نباهله فإنّه لا يقدم على أهل بيته إلاّ وهو صادق.
فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومعه أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين(عليهما السلام) فقال النصارى: من هؤلاء؟.
فقيل لهم: هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب، وهذه بنته فاطمة، وهذان ابناه الحسن والحسين.
فعرفوا وقالوا لرسول الله (صلى الله عليه وآله): نعطيك الرضا فاعفنا عن المباهلة..
فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الجزية وانصرفوا (36).

اعتراف عائشة بفضلها (عليها السلام)
وقد اعترفت عائشة على أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) هي أفضل نساء البشر، كما ورد في شعر لها، حيث قالت:
فاطمة خير نساء البشر***ومن لها وجه كوجه القمر
فضلك الله على كل الورى***بفضل من خص بآي الزمر
زوجك الله فتى فاضلاً***أعني علياً خير من في الحضر
فسرت جاراتي بها انها ***ريمة بنت عظيم الخطر(37)

افضل امرأة
كانت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) هي الفضلى من بين نساء العالم بأجمعهن من الأولين والآخرين، وذلك في كل المراحل الحياتية وغيرها، وفي جميع ما يرتبط بها بنتاً، وزوجة، وأمّا.

أم أبيها
كانت (عليها السلام) تساعد أباها الرسول (صلى الله عليه وآله) في أيام المحنة ـ ولا يخفى أن كل أيام الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد البعثة محن ـ في مكة وفي المدينة وفي الشعب وإلى أن التحق (صلى الله عليه وآله) بالرفيق الأعلى، وقد قال (صلى الله عليه وآله): (ما أوذي نبي مثل ما أوذيت)(38).
فكانت فاطمة (عليها الصلاة والسلام) أم أبيها، يعني كانت له كالأم الحنون لأولادها حيث إنّها تقوم بشؤون الأولاد خير قيام، فإن والدة الرسول آمنة (عليها السلام) توفّيت منذ صغره (صلى الله عليه وآله)، فكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) بمنزلة الأم له (صلى الله عليه وآله)، ولذا كنيت (بأم أبيها).

خير زوجة
وكذلك كانت (عليها السلام) خير زوجة لأمير المؤمنين علي (عليه السلام)، فقد قالت (عليها السلام) في كلمة لها وهي الصادقة المصدقة ـ وقد صدقها أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) ـ :
(يا بن عم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني، فقال علي (عليه السلام): معاذ الله أنتِ اعلم بالله وأبرّ واتقى وأكرم وأشد خوفاً من الله أن أوبخك غداً بمخالفتي)(39).
نعم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ربّى فاطمة الزهراء (عليها السلام) أفضل تربية صالحة حتى لم تكذب في حياتها ولا مرّة واحدة، قبل زواجها أو بعده، لأن فاطمة الزهراء (عليها السلام) معصومة، ولا يحصر عدم كذبها وعدم خيانتها بحال الزواج ولم تحصرها في ذلك، بل قالت: (فما عهدتني) يعني منذ ان أدركت أنت يا علي وعرفتني، ما عهدت مني كذبة واحدة، ولا خيانة واحدة، حتى خيانة في شيء قليل من المال، أو في نظرة إلى من هو غير محرم أو ما أشبه، مما يشمله لفظ الخيانة، وحاشا لبنت رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذلك.

خير أم
وكذلك كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) لأطفالها: الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام) خير أم، فكانت تقوم بشؤونهم، وتغذيهم بالفضيلة والتقوى، وتربيهم بأحسن ما يكون، وقد ورد: إنها كانت تحثهم على إحيائهم ليالي الجُمع من أول الليل إلى الصباح، وكذلك ليالي القدر، فكانت (عليها الصلاة والسلام) تأمرهم بالنوم نهاراً حتى يتمكنوا من إحياء الليل، وبمثل هذه التربية الرفيعة ربت الزهراء (عليها السلام) أولادها، فكانت خير أم عرفتها البشرية جمعاء.
وقد ورد: إن الإمام الحسن (عليه الصلاة والسلام) عندما كان يرجع من مسجد جده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان طفلاً صغيراً، كانت فاطمة الزهراء(عليها السلام) تستفسره عن كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) وخطبته في المسجد.
وكانت تربي ابنتها العقيلة زينب خير تربية وتعلمها على الصبر، وتبين لها مواقفها المستقبلية، وقد قالت لزينب (عليها الصلاة والسلام) : إذا أدركت يوم كربلاء فقبّلي عنّي نحر الحسين (عليه الصلاة والسلام) ساعة يأتي للوداع الأخير..
فكانت تهيأ هؤلاء الأولاد الميامين (عليهم السلام) لمختلف ميادين العبادة والجهاد والفضيلة والتقوى، إلى جنب تهيئتها لهم ما يحتاجه كل طفل جسمياً وعاطفياً وغير ذلك.
وكانت (عليها السلام) تقوي روحهم المباركة، كما تعتني بخدمتهم الجسدية من غسل وكنس وطبخ ونسج وغير ذلك.

المرأة المثالية
وهكذا كانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) امرأة مثالية تفوق جميع نساء العالم من الأولين والآخرين وهي أسوة لجميع النساء، وهل هنالك امرأة تتمكن ان تدعي مثل هذا الادعاء؟
فهي (عليها السلام) السباقة إلى كل الفضائل وجميع الحسنات، فعلى النساء ان يقتدين بها ان أردن الله ورسوله واليوم الآخر.

جهاد الزهراء (عليها السلام)
وقد اشتركت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) في الجهاد في سبيل الله بالمعنى الأعم، أي الجهاد الذي كان عليها، مثل الجهاد في الشعب، حيث حصر المشركون الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهله في شعب أبي طالب (رضي الله عنه) ثلاث سنوات، وكان ذلك من أعظم الجهاد، وكانت تلفحهم الشمس نهاراً ويؤذيهم البرد ليلاً.

الهجرة المباركة
واشتركت فاطمة الزهراء (عليها السلام) أيضاً في الهجرة بأتعابها المعروفة، فقد هاجرت من مكّة المكرمة إلى المدينة المنوّرة.
وقد ورد في قصة الهجرة النبوية: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال لعلي أمير المؤمنين (عليه السلام): (ثم إني استخلفك على فاطمة ابنتي ومستخلف ربي عليكما، وأمره أن يبتاع رواحل له وللفواطم ومن يهاجر معه من بني هاشم، وقال لعلي: إذا أبرمت ما أمرتك به فكن على أهبة الهجرة إلى الله ورسوله وسر إليّ لقدوم كتابي عليك..
وانطلق رسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤم المدينة... فنزل بقبا وأرادوه على الدخول إلى المدينة فقال: ما أنا بداخلها حتى يقدم ابن عمي وابنتي يعني علياً وفاطمة..
وكتب النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي (عليه السلام) يأمره بالتوجه إليه، فلما وصله الكتاب تهيأ للخروج والهجرة وخرج بالفواطم: فاطمة بنت محمد(صلى الله عليه وآله)، وفاطمة بنت أسد أمه، وفاطمة بنت الزبير بن عبد المطلب، وخرج معه ايمن بن أم ايمن مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجماعة من ضعفاء المؤمنين، ولحقهم جماعة من قريش فقتل (عليه السلام) منهم فارساً وعادوا عنه...) القصة (40).
حجة الوداع
وشاركت فاطمة الزهراء(عليها السلام) مع أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجة الوداع، وكانت معه، في تلك السفرة (41).
غزوة أحد
وساهمت (عليها السلام) أيضاً في قصة أحد، كما هو معروف، حينما جاءت إلى جسد عمّها حمزة (عليه السلام) الذي قتل في أحد(42).
يوم الغدير
وكذلك ساهمت (عليها السلام) في قصّة الغدير، حيث كانت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في غدير خم.
وكلما ذكرناه جهاد بالمعنى الأعم كما لا يخفى.
خطبة المسجد
وهكذا خطبت (عليها السلام) في المسجد، وكانت الخطابة أمام الظالمين جهاداً كبيراً، حيث دافعت عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وتحملت ما تحملت حتى اُسقط جنينها واُنبت المسمار في صدرها، وكسر جنبها، وسوّد وجهها من اللطم، وصار في عضدها كمثل الدملج من اثر السياط، وبقيت الآثار إلى يوم شهادتها (صلوات الله عليها)(43).
خطبة الدار
وخطبت (عليها السلام) في رجال المهاجرين والأنصار الذين زاروها بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) في قصة مشهورة، وكانت الخطبة جهادية، وكذلك خطبت في نساء المهاجرين والأنصار لما زاروها في مرضها الذي توفّيت فيه شهيدة مظلومة.
الجهاد بالبكاء
وكذلك جاهدت في بكائها (عليها السلام) ليل نهار في فراق رسول الله(صلى الله عليه وآله)، وكان قصدها من هذا الجهاد ان تفضح الذين آذوها، وغصبوا حقّ بعلها، وارتقوا منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) بغير حق.
المسيرة الجهادية
وجاهدت (عليها السلام) أيضاً حينما كانت تذهب في بعض الأيام إلى قبر عمها حمزة (عليه السلام) مع كسر ضلعها ومرضها حتى تعلن للناس أنها ساخطة.
وجاهدت (عليها السلام) أيضاً في ذهابها إلى أقصى البقيع تحت ظلّ شجرة تندب أباها (صلى الله عليه وآله) ، ثم في بيت الأحزان المشهور الذي بناه أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) ظلاً لها عن الشمس..
لكن الذين آذوها أرسلوا من قطع الشجرة وهدم ذلك البيت في قصّة معروفة.
إخفاء قبرها
ثم إنها (عليها السلام) استخدمت الجهاد السلبي مع أعدائها أيضاً ، حيث وصت بإخفاء قبرها بعد موتها، وقد بقي قبرها مخفياً إلى هذا اليوم، حتّى يظهر صاحب الزمان (عليه الصلاة والسلام) ويكشف عن هذه الحقيقة..
لكن من الواضح أن بعد ظهور الإمام المهدي (عليه السلام) تعود الزهراء(عليها السلام) إلى الحياة، كما يعود الرسول وعلي والحسن والحسين وسائر الأئمة (عليهم السلام) على ما دلّت على ذلك روايات الرجعة، وانّما يعرف الناس أن قبرها (عليها الصلاة والسلام) كان في مكان كذا قبل ابتعاثها في أيام الرجعة.
وقد ورد في تفسير علي بن إبراهيم القمي: (سئل الإمام الصادق (عليه السلام) عن قوله (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً)(44) فقال: ما يقول الناس فيها؟
قلت يقولون: إنها في القيامة.
فقال أبو عبد الله: يحشر الله في يوم القيامة من كل أمة فوجاً ويذر الباقين؟ إن ذلك في الرجعة، فأما آية القيامة فهذه: (وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفّاً) إلى قوله (مَوْعِداً ) (45))(46).
وفي حديث آخر عنه (عليه السلام) قال: (وقوله (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا))(47) وهو في الرجعة إذا رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام))(48).

مدرسة الزهراء (عليها السلام)
ان الدين الإسلامي يتضمن سعادة الدنيا والآخرة، كما في القرآن الحكيم: (فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ * أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا)(49) .
وفي آية أخرى: (وابتغ فيما آتاك الله الدّار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إن الله لا يحب المفسدين)(50).
وفي رواية عن الإمام الحسن (عليه السلام) ـ وربما نسبت إلى الرسول(صلى الله عليه وآله)، ولعلها كلام الرسول (صلى الله عليه وآله) ذكرها الإمام الحسن (عليه السلام) ـ (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)(51).
وفي رواية أخرى عن الأئمة الطاهرين (عليهم الصلاة والسلام): (ليس منا من ترك آخرته لدنياه، وليس منّا من ترك دنياه لآخرته)(52).
خدمتها (عليها السلام) في البيت
ومن هذا المنطلق كانت (عليها الصلاة والسلام) تعمل في دارها وتتحمل صعوبة العمل مساعدة لزوجها أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولأبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض الأحيان.
قال سلمان (رحمه الله): (كانت فاطمة جالسة وقدامها رحى تطحن بها الشعير، وعلى عمود الرحى دم سائل، والحسين في ناحية الدار يبكي، فقلت: يا بنت رسول الله دبرت كفاك وهذه فضة.
فقالت: أوصاني رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن تكون الخدمة لها يوماً ولي يوماً، فكان أمس يوم خدمتها.
قال سلمان: أما أن أطحن الشعير أو أسكت لك الحسين.
فقالت: أنا بتسكيته أرفق..
قال سلمان: فطحنت شيئاً من الشعير فإذا أنا بالاقامة فمضيت وصليت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فلما فرغت قلت لعلي (عليه السلام) ما رأيت فبكى وخرج، ثم عاد يبتسم، فسأله عن ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال: دخلت على فاطمة وهي مستلقية لقفاها والحسين نائم على صدرها وقدامها الرحى تدور من غير يد!.
فتبسم رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: يا علي أما علمت أن لله ملائكة سيارة في الأرض يخدمون محمداً وآل محمد إلى أن تقوم الساعة)(53).
وورد في شأن نزول سورة الدهر: (إن أمير المؤمنين (عليه السلام) جاء إلى يهودي وقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك بنت محمداً بثلاثة أصوع من الشعير؟
قال: نعم.
فأعطاه، فجاء (عليه السلام) بالصوف والشعير، فأخبر فاطمة (عليها السلام) بذلك، فقبلت وأطاعت، فقامت فاطمة (عليها السلام) إلى صاع فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص ... إلى آخر الحديث)(54).
وكانت (صلوات الله عليها) تعين أباها وزوجها حتّى في بعض الشؤون الحربية، حيث ورد انه لما رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد غزوة أحد إلى المدينة استقبلته فاطمة (عليها السلام) ومعها إناء فيه ماء، فغسل (صلى الله عليه وآله) به وجهه، ولحقه أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد خضب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار فناوله فاطمة (عليها السلام) وقال: خذي هذا السيف وقد صدقني اليوم، وانشأ يقول:
أفاطم هاكي السيف غير ذميم ***فلست برعديد ولا بمليم
لعمري لقد اعذرت في نصر أحمد***وطاعة رب العباد عليم
ميطي دماء القوم عنه فانه ***اسقى آل عبد الدار كأس حميم
وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): خذيه يا فاطمة فقد أدى بعلك ما عليه وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش، فأخذته فاطمة (عليها السلام) وغسلت الدم عن السيف.
الرسول (صلى الله عليه وآله) يسليها
وفي التاريخ: إن الرسول (صلى الله عليه وآله) دخل ذات يوم بيت فاطمة الزهراء (عليها السلام) فرآها متعبة مرهقة من كثرة العمل، فكانت تطحن بالرحى وعليها كساء من اجلة الابل.. فلما نظر إليها بكى وقال(صلى الله عليه وآله): (يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة) ـ
وفي بعض الروايات (لحلاوة الآخرة)(55) ـ
فأنزل الله تعالى: (وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)(56).
وهذه الكلمة، درس لكلّ من يريد الآخرة حيث يلزم عليه أن يتعجّل مرارة الدنيا في الطاعة والعبادة ـ وحتى في بناء الدنيا أيضاً ـ لكي يكسب حلاوة الآخرة.
بيتها (عليها السلام) مدرسة
ثم إن بيت فاطمة الزهراء (صلوات الله عليها) كان مدرسة لتعليم نساء المؤمنين وتربيتهم بالمعارف الإسلامية، بل أحياناً حتى الرجال كما في قصة سلمان الفارسي (رضوان الله تعالى عليه).
وكانت (عليها السلام) رحبة الصدر حسنة الخلق، وقد ورد في (منية المريد) لشيخنا الشهيد(57)(رحمه الله):
ان امرأة سألت عنها (عليها السلام) مسألة فأجابت فلم تفهم السائلة، فثنت فلم تفهم الجواب ثانياً، وثلثت فلم تفهم الجواب ثالثاً، وربعت وخمست وسدست وسبعت وثمنت وتسعت وعشرت ولم تفهم (والظاهر أن المسألة كانت غامضة جداً ولهذا ما كانت تفهم الجواب، فان انساناً عادياً إذا سأل من عالم كبير مسألة إرثية فيها حسابات متعددة كمسألة الأجداد الثمانية، فان العالم وان أجاب عشر مرات قد لا يفهم ذلك الشخص جواب المسألة).
وفي المرة العاشرة لما لم تفهم الجواب سكتت وقالت: لا اشق عليك يا بنت رسول الله، فأجابت فاطمة (عليها السلام): اسألي ولي بذلك الأجر، ثم ذكرت (عليها السلام) لأجرها مثلاً، كما هو مذكور في كتاب (المنية)(58).
وربما كان المقصود أن السائلة سألت عن عدة مسائل مختلفة وأجابتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) فخجلت عن كثرة السؤال.
قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام):
(حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء (عليها السلام) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة (عليها السلام) عن ذلك، ثم ثنت فأجابت، ثم ثلثت فأجابت إلى أن عشرت فأجابت، ثم خجلت من الكثرة، فقالت: لا أشق عليك يا بنت رسول الله.
قالت فاطمة (عليها السلام): هاتي وسلي عما بدا لك، أرأيت من أكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل مائة ألف دينار أيثقل عليه؟
فقالت: لا.
فقالت: اكتريت أنا لكل مسألة بأكثر من ملئ ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أن لا يثقل علي، سمعت أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: إن علماء شيعتنا يحشرون فيخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجدهم في إرشاد عباد الله، حتى يخلع على الواحد منهم ألف ألف خلعة من نور، ثم ينادي منادي ربنا عزوجل: أيها الكافلون لأيتام آل محمد الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم، فاخلعوا عليهم كما خلعتموهم خلع العلوم في الدنيا..
فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما اخذوا عنهم من العلوم.. حتى أن فيهم يعني في الأيتام لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة.. وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلم منهم..
ثم إن الله تعالى يقول: أعيدوا على هؤلاء العلماء الكافلين للأيتام حتى تتموا لهم خلعهم وتضعفوها، فيتم لهم ما كان لهم قبل أن يخلعوا عليهم ويضاعف لهم، وكذلك من بمرتبتهم ممن يخلع عليه على مرتبتهم.
وقالت فاطمة (عليها السلام): يا أمة الله إن سلكاً من تلك الخلع لأفضل مما طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة وما فضل فانه مشوب بالتنغيص والكدر(59).

مباهات الله بفاطمة (عليها السلام)
وفي الحديث عن جابر بن عبد الله الأنصاري (رحمه الله) قال:
(كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) جالساً في المسجد إذ أقبل علي (عليه السلام)، والحسن(عليه السلام) عن يمينه والحسين (عليه السلام) عن شماله، فقام النبي (صلى الله عليه وآله) وقبّل علياً وألزمه إلى صدره، وقبل الحسن (عليه السلام) وأجلسه إلى فخذه الأيمن، وقبّل الحسين (عليه السلام) وأجلسه إلى فخذه الأيسر، ثم جعل يقبّلهما ويرشف شفتيهما ويقول: بأبي أبوكما وبأبي أمكما.
ثم قال (صلى الله عليه وآله): أيها الناس إن الله سبحانه وتعالى باهى بهما وبأبيهما وبأمهما وبالأبرار من ولدهما الملائكة جميعاً)(60).


طاعة المعصومين (عليهم السلام) نظام للأمة
وأما بالنسبة إلى الحقل السياسي فقد أشارت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) إلى نقطة جوهرية في الحكم، وذلك في خطبتها الشريفة وضمن بيانها لفلسفة الأحكام حيث قالت:
(وطاعتنا نظاماً للملة)(61).
فاذا أراد الناس النظام والسعادة الدنيوية أيضاً، فعليهم بطاعة أهل البيت (عليهم السلام).
وإنما كانت الطاعة لأهل البيت (عليهم السلام) نظاماً للأمة في أحكامها وعقائدها وأخلاقها ومعاملاتها وسائر شؤونها، لأن الإسلام الذي يطبقه المعصوم كالرسول وأمير المؤمنين علي وغيرهما (عليهم الصلاة والسلام) يوفر للأمة الإيمان والرخاء والسعادة ويظهر الكفاءات وينميها، ويكون أسلوب الحكم فيه حكماً بالتساوي بين الناس دون مراعاة طبقية أو قومية أو عرقية أو ما أشبه، ويكون حكماً بالاستشارة دون استبداد وإلجاء وإكراه، كما ورد في القرآن الحكيم: (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (62).
وكما قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): (لكم عليّ حق المشورة) يعني ان من حق الأمة أن يعطوا المشورة لقياداتها.
وهذا لا يختص بالإمام (عليه السلام) فحسب، بل يشمل كل حاكم إسلامي بطريق أولى كما لا يخفى، فان المعصوم (عليه السلام) الذي لا يخطأ إذا كان للناس عليه حق المشورة فكيف بغيره وان ارتفعت مكانته ما ارتفع.
ولا بأس هنا ببيان بعض التوضيح لسياسة الرسول (صلى الله عليه وآله) والإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) ليعلم مدى صحة قول فاطمة الزهراء (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة).
الحكم الإسلامي يوفر الحريات
ان الحكم الإسلامي الذي كان يتمثل في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علي (عليه السلام) والتي أكدت عليه فاطمة الزهراء (عليها السلام) في خطبتها الشريفة، يضمن للأمة الحرية والسعادة، فان الحريات الإسلامية في مختلف ميادين الحياة، أمثال حرية التجارة، حرية الزراعة، حرية الصناعة، حرية السفر، حرية الإقامة، حرية العمران، حرية التجمّع، حرية إبداء الرأي، حرية الكتابة، حرية الانتخابات، وسائر الحريّات الأخرى، هي من أهم ما توجب تقدم الإنسان إلى الأمام وتضمن له السعادة الدنيوية والأخروية.
الانحراف يوجب التأخر
بخلاف الانحراف، فان الانحراف عن سياسة الرسول (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) هو انحراف الإيمان والأخوة الإسلامية والحريات المشروعة، بل هو ضرب للكفاءات، وتعميم للاستبداد بعدم الاستشارة وعدم التساوي وما أشبه ذلك، وهذا يوجب تأخر الإنسان وتشتّت الأمة، فان نتيجة الانحراف ترجع أولاً إلى صاحبه ثم غيره، فالانحراف يوجب عدم التمكن من التقدم في مختلف ميادين الحياة.
والتاريخ خير شاهد على ذلك، حيث نرى أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين علياً (عليه السلام) حكما، وأن بني أمية حكموا أيضاً، وكم فرق بين الحكمين!.
انحراف الأمويين
فلم تكن حصيلة حكم بني أمية إلا الدمار للمسلمين في أيامهم، والا الدمار لبني أمية أنفسهم أيضاً، وقد طارد المسلمون بني أميّة تحت كل حجر ومدر فقتلوهم، ومثلوا بجثثهم، ونبشوا قبورهم، وأخرجوهم منها وأحرقوا أجسادهم، وضربوهم بالسياط وهم أموات، كما ضربوهم بها وهم أحياء، وشردوهم في البراري والقفار، وكان الجيش الذي وجّهه (أبو مسلم) عليهم إذا استولى على نساء بني أمية يفجر بهن، لاعتقادهم بأنهن كفار حرب، وهكذا عادت نتيجة الانحراف الأموي إلى الأمويّين أنفسهم.
كما انهم يلعنون على المنابر وسائر الكتب ووسائل الإعلام منذ ذلك الحين إلى هذا اليوم، بل وسيبقى اللعن إلى الأبد.
فالانحراف يسبب دمار المنحرف أولاً وقبل كل أحد.
حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله) العادلة
وبالعكس نرى حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) العادلة التي وفرت للمسلمين والأمة بأجمعها الخير والرفاه والاحسان.. بقيت وستبقى معززة مكرمة..
ولا يخفى أن هكذا حكومة ترجع بالخير إلى قائدها أيضاً، فرسول الله (صلى الله عليه وآله) يذكر الآن وسيذكر إلى يوم القيامة على المنابر والمآذن وفي الكتب وسائر الوسائل بكل احترام، لأنه (صلى الله عليه وآله) طبّق الموازين الإسلامية التي ذكرناها..
فكانت في عهده (صلى الله عليه وآله) أموال المسلمين وأعراضهم وأرواحهم في أمن وأمان، بل وغير المسلمين أيضاً كذلك إلا المحاربين وذلك في ميدان الحرب وبشروط مذكورة في باب الجهاد.
عدم مصادرة الأموال
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على شدة حاجته وحاجة أصحابه إلى المال لم يتناول حتّى درهماً واحداً من أحد في غير الاطار الإسلامي العام، فكان (صلى الله عليه وآله) يشدّ حجر المجاعة على بطنه(63) وكان أحياناً يجوع ثلاثة أيام من دون أن يتناول شيئاً، وقد رهن درعه الحربية عند يهودي لأجل الطعام في قصة مشهورة(64).
وفي الحديث إن فاطمة الزهراء (عليها السلام) جاءت بكسرة خبز لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، فقال (صلى الله عليه وآله): ما هذه الكسرة؟
قالت: قرص خبزته ولم تطب نفسي حتى أتيتك بهذه الكسرة.
فقال (صلى الله عليه وآله): اما انه أول طعام دخل فم أبيك منذ ثلاثة أيام.
وقال (صلى الله عليه وآله): ان أهل الجوع في الدنيا هم أهل الشبع في الآخرة، وان أبغض الناس إلى الله المتخمون الملأ، وما ترك العبد أكلة يشتهيها إلا كانت له درجة في الجنة(65).

فاطمة (عليها السلام) تقتدي بأبيها
وكذلك كانت فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) فقد رهنت بعض ألبستها عند يهودي لأجل أصوع من الشعير..
وفي المناقب: أنها (عليها السلام) رهنت كسوة لها عند امرأة زيد اليهودي في المدينة واستقرضت الشعير فلما دخل زيد داره قال: ما هذه الأنوار في دارنا، قالت: لكسوة فاطمة، فأسلم في الحال وأسلمت امرأته وجيرانه حتى أسلم ثمانون نفساً(66).
وكانت (عليها الصلاة والسلام) يصفّر لونها ويلصق بطنها بظهرها وتغور عيناها من الجوع، وكان أولادها يرتعشون كما يرتعش الفرخ(67).
وقد سبق في تفسير سورة (هل أتى) (68) أنهم (عليهم السلام) أطعموا الفقير والأسير واليتيم، وصاموا ثلاثة أيام بالماء، ومع ذلك لم يأخذوا حتى درهما من أغنياء المسلمين، مع العلم أن في ذلك الوقت كان للمسلمين أغنياء.
وهكذا بالنسبة إلى أصحاب الصفة من أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله) حيث كانوا ثلاثمائة أو أكثر وكانوا في أشد الفقر، ولكن الرسول(صلى الله عليه وآله) لم يأخذ لهم حتى درهماً واحداً من أصحابه الأغنياء بعنوان أو بآخر، وكان بعض أصحاب الصفة من الفقر بحيث يغمى عليه من الجوع أحياناً، وبحيث إن ساتر بعضهم لم يكن يكفي لستر عورته في حالة السجود.
ولا يخفى انه لما استطاع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) من تطبيق معظم قوانين الإسلام انتزع الفقر من البلاد الإسلامية.
ولكن قبل ذلك حيث جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأمر من الله عزوجل الحقوق الشرعية: الخمس والزكاة والجزية والخراج، وطبق قوانين المالية الإسلامية، لم يتناول حتى درهماً واحداً من المسلمين بالقوة.
وهذا كان نموذجاً من صيانة الأموال في عهده (صلى الله عليه وآله).
صيانة الأرواح في حكومته (صلى الله عليه وآله)
وبالنسبة إلى صيانة الأرواح والأمن الجسدي والروحي في الحكومة الإسلامية، فكان المجتمع يعيش بسلام وأمان، والنبي (صلى الله عليه وآله) لم يزهق روحاً واحداً من غير حق، وكانت حروبه حروباً مثالية وكانت جميعها دفاعية، فحين كان الاعتداء من جانب الكفار كان(صلى الله عليه وآله) يكتفي بأقل قدر من الضرورة في الحرب، ثم يعفو(69).

عفو الرسول (صلى الله عليه وآله)
وقد عفى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن أشد المعاندين له وهو أبو سفيان ومن أشبه، حينما استولى عليهم، فقال لهم: (ألا بئس جيران النبي كنتم، لقد كذبتم وطردتم وأخرجتم وفللتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلوني.. فاذهبوا فأنتم الطلقاء)(70).
وعفى (صلى الله عليه وآله) عن وحشي الذي قتل حمزة عم النبي (صلى الله عليه وآله) سيد الشهداء .. وهكذا(71).
وعفى (صلى الله عليه وآله) عن هبّار الذي قتل ابنته زينب (عليها السلام) وقتل جنينها..
فإن هبار بن الأسود بعد أن جنى ما جنى وأهدر النبي (صلى الله عليه وآله) دمه، جاء إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله..
فقبل النبي (صلى الله عليه وآله) إسلامه..
فخرجت سلمى مولاة النبي (صلى الله عليه وآله) فقالت لهبار: لا أنعم الله بك عينا، أنت الذي فعلت وفعلت..
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): إن الإسلام محا ذلك.. ونهى عن التعرض له.
وعن ابن عباس قال: حينما كان هبار يعتذر إليه (صلى الله عليه وآله)، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يطأطأ رأسه استحياءً مما يعتذر هبار! ويقول له: قد عفوت عنك(72).

قبول الشفاعة
ثم إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا أمر بقتل شخصٍ لجرمه، كان (صلى الله عليه وآله) يبدي عطفاً وحناناً، فإذا قيل له: هلا عفوت عنه، عفى عنه..
وفي التاريخ: إن النضر بن الحارث بن كلدة كان رجلاً من الكفار ومفسداً ، فقتله المسلمون بأمره (صلى الله عليه وآله) ، فجاءت أخته إلى الرسول (صلى الله عليه وآله) وقالت:
في قومها والفحل فحل معرق***أمحمد ولأنت صنو بخيبه
منّ الفتى وهو المغيظ المخنق***ما كان ضرّك لو مننت وربما
فكانت (الأخت) كافرة والمقتول كان كافراً مفسداً مستحقاً للقتل، لكن لما أنشدت الأبيات للرسول (صلى الله عليه وآله) رقّ لها الرسول (صلى الله عليه وآله)، وقال: لو كنت شفعت فيه قبل أن يقتل لكنت عفوت عنه(73).
إلى غير ذلك من الأمثلة.
عفوه (صلى الله عليه وآله) عن المتآمرين
وكذلك لم يعاقب الرسول (صلى الله عليه وآله) المنافقين الذين أرادوا قتله في ليلة العقبة (في قصة مشهورة)(74)...
كما عفى (صلى الله عليه وآله) عن غيرهم ممن همّوا بقتله(75)، مع العلم بأنهم كانوا من أشد المجرمين، ومن أخسّ الذين يستحقّون القتل، ولكن الرسول (صلى الله عليه وآله) بسياسته الرشيدة كان يعفو مهما وجد إلى العفو سبيلاً.


احترام الأعراض
وهكذا كانت جميع الأعراض في حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أمن وسلام، وان استحقّ بعضها الهتك..
فلما فتح الرسول (صلى الله عليه وآله) مكة المكرمة، أخذ (سعد بن عبادة) ينادي في أهل مكة:
اليوم يوم الملحمة***اليوم تسبى حرمة(76)
يعني: اليوم هو اليوم الذي نقتلكم ونجعلكم لحوماً، فهو يوم ملحمة ولحم، واليوم تسبى حرمكم ونساؤكم.
فقال الرسول (صلى الله عليه وآله) للإمام عليّ (عليه السلام): اذهب وخذ الراية من سعد، وناد عكس ندائه..
فجاء علي (عليه السلام) وأخذ الراية وقال منادياً:
اليوم يوم المرحمة***اليوم تحفظ حرمة
يعني: إنّا نكرمكم ونرحمكم في هذا اليوم، ونحفظ حرمكم.
وهكذا كان الرسول (صلى الله عليه وآله) في حكومته الإلهية، فكان يعفو ويصفح.. ويعمل ما يمكن في سبيل ترسيخ دعائم الايمان والفضيلة، والصبر والاستقامة، والتقدم والوحدة، مما لم ير العالم مثل حكومته الرشيدة إلا في زمان أمير المؤمنين علي(عليه السلام)، حيث رأى الناس في تلك الحكومة أيضاً ما رأوه في حكومة الرسول (صلى الله عليه وآله).
وفاء الرسول (صلى الله عليه وآله)
وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) أوفى الناس بالنسبة إلى الناس، فأصدقاؤه وأصحابه الذين كانوا معه في مكة بقوا معه إلى حين مات في فراشه في المدينة المنورة، مع العلم أن بعضهم كانوا من المنافقين ولم يؤمنوا إلا ظاهراً، وأن بعضهم تجاسروا عليه بجسارات كبيرة، ولكنه (صلى الله عليه وآله) لم يتركهم ولم يستبدلهم بآخرين، فنفس الصديق الذي كان معه في مكة بقي معه في المدينة المنورة، وقد كان (صلى الله عليه وآله) قادراً على طرد بعضهم والانتقام من البعض الآخر.
شعبية الرسول (صلى الله عليه وآله)
وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) شعبياً إلى أبعد حد، كان مع الناس ومن الناس وإلى الناس وفي الناس، وكان يعطف على الكبير والصغير، فلم يكن يجلس في البروج العاجية ثم يأمر وينهى، ويزوّر ويمكر، ويظلم ويستبدد، وينفذ أوامره بسبب المال والحيلة والمكر والسيف ونحوها، مما اعتاده كثير من الحكّام.
عدم تغير الرسول (صلى الله عليه وآله) بعد الحكم
والرسول (صلى الله عليه وآله) لم يتغيّر في المدينة المنورة عما كان عليه في مكة المكرمة، فلما جاء إلى المدينة المنورة، بنى غرفاً لزوجاته وغرفاً لأصحابه على شكل سواء، وكانوا في ذلك اليوم فقراء مطاردين مشرّدين، وكانت تلك الغرف مبنية من اللبن والطين وما أشبه، وكانت صغيرة جداً، حتى ان الغرفة ما كانت تستوعب حتى عشرين انساناً واقفين متلاصقين، كما يحدثنا بذلك التاريخ.
ثم إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) استولى على كثير من البلاد وأثرى وملك وتمكن أن يبني لنفسه قصوراً وأن يجعل لنفسه حرساً وحجابا، فقد صار رئيس الحكومة على الحجاز، وعلى اليمن الجنوبي، وعلى اليمن الشمالي، وعلى البحرين، وعلى أراضي الكويت، وعلى بعض الخليج، فكانت حكومته أكبر من خمس حكومات في خريطة عالمنا الحاضر، ومع ذلك لم يتغير لباسه، ولم يتغير فراشه، ولم يتغير بيته الطيني، ولم يتغير أثاثه، وتوفي (صلى الله عليه وآله) في نفس تلك الغرفة التي بناها بيديه الكريمتين من الطين واللبن أول ما هاجر إلى المدينة المنورة.
الرسول (صلى الله عليه وآله) المحبوب
إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبهذه الأخلاق الطيبة والسياسة الرشيدة كان محبوباً عند المسلمين إلى أبعد الحد ـ بل كان يحبه غير المسلمين أيضاً ـ .
وهذا الحب الناشئ عن الإيمان هو الذي جمع المسلمين حوله من يومه ذلك إلى يومنا هذا وإلى يوم القيامة.
فتراه (صلى الله عليه وآله) محبوباً عندما كان في مكة المكرمة، وعندما كان في المدينة المنورة، وفي القرون المتطاولة من بعده، ويزداد الناس حباً له(صلى الله عليه وآله) يوماً بعد يوم.
قصة جويرية
وقصة (جويرية) خير مثال على ذلك، حيث يعرف منها مدى حب الناس للرسول (صلى الله عليه وآله) واحترامهم له وإطاعتهم إياه.
فإن جويرية كانت أمة مملوكة، وقد كاتبت سيدها على أن تعطيه مبلغاً من المال في قبال تحريرها وفكّه لها، لكنها عجزت عن ذلك، فجاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وطلبت منه (صلى الله عليه وآله) أن يساعدها في فكها، فأعطاها رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما عليها من أقساط المكاتبة، فذهبت وفكت نفسها من سيّدها.
وقبل التطرق إلى تمام القصة وبيان موضع الشاهد منها لا بأس بالاشارة إلى ما يستفاد من هذه القطعة.. حيث إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على عظمته كان في متناول جميع الناس حتى الإماء، وذلك حينما كان (صلى الله عليه وآله) رئيس دولة ورئيس دين.
مضافاً إلى انه (صلى الله عليه وآله) كان يقضي حاجة الناس حتى الأمة، ويعني ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وآله) لم يكن دكتاتوراً، ولا مستبداً، ولا متعالياً بحيث لا تصل إليه يد، وانما كان في متناول حتى يد الاماء والأطفال، يطلبون منه حاجاتهم ويقضيها لهم بكل تواضع.
ثم بعد ذلك لما تحررت جويرية من العبودية، تزوجها رسول الله(صلى الله عليه وآله) شفقة بها، حيث إنها أصبحت خلية ولم يكن هناك من ينفق عليها، ومن فلسفة زواجه (صلى الله عليه وآله) منها كان ترسيخ قانون (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) (77)..
فلا فرق بين العبد والحر في ذلك، ولا الأسود والأبيض، والرسول (صلى الله عليه وآله) كان مسؤولاً عن المجتمع بأسره، نساءً ورجالاً، فكان يزوج النساء، ويزوج الشباب..
وهكذا تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان ذلك أكبر تواضع من الرسول (صلى الله عليه وآله) بالنسبة إلى امرأة بسيطة عتيقة لا أهمية لها حسب منطق ذلك اليوم، ولما تزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله) أصبحت من أمهات المؤمنين بفضل الرسول (صلى الله عليه وآله).
وكان في قبيلة (جويرية) مائة عبد وأمة في المدينة المنورة عند المسلمين، فلما عرفوا إن الرسول (صلى الله عليه وآله) تزوج من قبيلة أولئك العبيد والاماء، قالوا لعبيدهم وإمائهم: أنتم أحرار في سبيل الله كرامة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث تزوج من قبيلتكم.
وهذا نموذج من حب المسلمين الكثير للرسول(صلى الله عليه وآله)، فانهم وبملأ إرادتهم كانوا يحترمون الرسول (صلى الله عليه وآله) أشد الاحترام، حتى انهم لم يرضوا بأن يبقى أحد من قبيلة زوجة من زوجاته (صلى الله عليه وآله) رقّا في دارهم.
أبو رافع يفدي الرسول (صلى الله عليه وآله)
وهناك قصة أخرى تكشف عن حب المسلمين الشديد تجاه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وهي قصة أبي رافع (والقصة طويلة نشير إلى ما يهمنا):
إن أبا رافع جاء يوماً إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فرآه (صلى الله عليه وآله) نائماً في ظنه، ورأى إلى جنب الرسول (صلى الله عليه وآله) حيّة، فخاف أن يترك الحية فتلدغ الرسول (صلى الله عليه وآله)، وإذا أراد قتل الحية استيقظ الرسول (صلى الله عليه وآله) من منامه، وهو خلاف راحة الرسول (صلى الله عليه وآله) .. فلم يرض أبو رافع بذلك، فقرر أن يفدي بنفسه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فجاء ونام بين الرسول(صلى الله عليه وآله) وبين الحية، بحيث كان قريباً من الرسول (صلى الله عليه وآله)..
ولما قام رسول الله (صلى الله عليه وآله) (مما ظنه نوماً، ولم يكن نوماً، وإنما كانت حالة تشبه السبات تعترض الرسول (صلى الله عليه وآله)، إبان نزول الوحي عليه) رأى (صلى الله عليه وآله) أبا رافع نائماً إلى جنبه، فقال (صلى الله عليه وآله) له: يا أبا رافع ما سبب نومك هنا، وفي هذا المكان؟
قال: يا رسول الله الحية.
فنظر الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الحية.
قال أبو رافع: يا رسول الله إني خفت إن تركت الحية أن تلدغك، وما اردت أن اوقظك عن نومتك، فقررت في نفسي ان أنام إلى جنبك (صلى الله عليه وآله) حتى إذا أرادت الحية أن تلدغ، تلدغني ولاتلدغك.
والقصة طويلة حيث أخبر الرسول (صلى الله عليه وآله) ابا رافع: إن آية قرآنية نزلت عليه في شأن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وقرأ (صلى الله عليه وآله) الآية على أبي رافع..
وكان ذلك من أسباب ان أبا رافع أصبح بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه وآله) ملازماً لأمير المؤمنين علي (عليه السلام) وحضر معه الجمل وصفّين والنهروان، وبعد ان قتل علي (عليه الصلاة والسلام) في الكوفة رجع إلى المدينة المنورة.
فهذا الحب الغريب من أبي رافع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان سبباً لأن يعرض نفسه إلى التهلكة لتلدغه الحية ولا تلدغ الرسول (صلى الله عليه وآله) ولا يرضى ان يستيقظ الرسول (صلى الله عليه وآله)..
إلى غير ذلك من القصص والشواهد التاريخية مما يدل على أهمية مقولة فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) في خطبتها:
(وطاعتنا نظاماً للملّة) ..
حيث إن الملة كانت منتظمة في عهد الرسول (صلى الله عليه وآله)، مما سبب تقدم الإسلام والمسلمين.
وهكذا لو بقيت الأمة مطيعة لأهل البيت (عليهم السلام) لسادهم النظم والرفاه والسلام، كما تحقق ذلك في عهد أمير المؤمنين علي (عليه السلام).
الحكومة المثالية لأمير المؤمنين(عليه السلام)
وهكذا كانت حكومة أمير المؤمنين عليّ (عليه الصلاة والسلام) حيث طبق منهاج الإسلام الصحيح الذي أنزله الله تعالى إلى الأرض، لأجل راحة العباد وعمران البلاد..
فترى في هذا الحكم النموذجي أشياء لعلّ البشر يستغربها في عصرنا الحاضر، ومن هنا يعلم السر في قول سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام): (وطاعتنا نظاماً للملة).
توفير المسكن والرزق لكل الناس
فقد وفر الإمام أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) في حكومته لجميع شعبه: المسكن والرزق والماء، وقال في كلمة له مضمونها: إني وفرت المسكن والرزق والماء لجميع شعبي.
مع العلم بأن حكومة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كانت واسعة جداً، تشمل ما يقارب خمسين دولة حسب خارطة اليوم، منها مصر والحجاز واليمن وإيران والخليج والعراق وغيرها، فهي أكبر دولة في عالم ذلك اليوم، ومع ذلك وفر الإمام (عليه السلام) بسياسته الحكيمة كل ذلك لكل شعبه.
فكيف أعطاهم (عليه السلام) المسكن؟
من الطبيعي أن الإمام (عليه السلام) طبق قانون الإسلام بكامله، فالقانون الشرعي يقول: (الأرض لله ولمن عمّرها)(78) فكان (عليه السلام) يعطي الأرض للناس مجاناً، ثم يساعدهم من بيت المال لأجل إحياء الأراضي وعمرانها.
مضافاً إلى أن التجارة والزراعة والصناعة وغيرها كانت في حكومته (عليه السلام) حرة، وكان الناس ينتفعون بمختلف المكاسب ويحصلون على الأرزاق المحللة، بالإضافة إلى ما كان يقسم عليهم الإمام (عليه السلام) من بيت المال.
وكان الناس يحصلون على الماء بحفر الأنهر والآبار، وذلك بملأ حرّيتهم، ومن دون أية ضريبة أو إجازة أو ما أشبه.
وبذلك كله تمكن الإمام (عليه السلام) أن يهيأ لعموم شعبه المسكن والرزق والماء، وهذا ما لم تتمكن منه حتى البلاد الغربية التي تدعي أنها وصلت إلى قمة الحضارة في يومنا هذا.
لا فقير في بلاد الإمام (عليه السلام)
وقد انتفت البطالة أيضاً في ظل حكومة أمير المؤمنين (عليه السلام) لوجود الكسب الحلال لكل إنسان.
ولم يكن يوجد في بلاد الإمام (عليه السلام) الواسعة حتى فقير واحد، فقد قال (عليه السلام) في كلمة له: (لعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع)(79) فان في استعماله (عليه السلام) كلمة (لعل) إشارة إلى نفي الفقر عن البلاد بحيث لم يكن القائد متيقناً بوجود فقير واحد.
قصة النصراني المكفوف
وقصة الإمام (عليه السلام) مع النصراني المكفوف مما يؤيد هذا المطلب أيضاً: حيث كان الإمام (عليه السلام) في شوارع الكوفة.. فمر بشخص يتكفف وهو شيخ كبير السن، فوقف (عليه السلام) متعجباً وقال (عليه الصلاة والسلام): ما هذا؟ ولم يقل من هذا، و(ما) لما لا يعقل، و(من) لمن يعقل، أي انه (عليه السلام) رأى شيئاً عجيباً يستحق أن يتعجب منه، فقال أي شيء هذا؟
قالوا: يا أمير المؤمنين إنه نصراني قد كبر وعجز ويتكفّف.
فقال الإمام (عليه السلام): ما أنصفتموه.. استعملتموه حتى إذا كبر وعجز تركتموه، اجروا له من بيت المال راتباً (80).

الإمام (عليه السلام) مع يهودي أمام القاضي
وتتجلّى العدالة الإسلامية بما لا مثيل لها في جميع المبادئ والأديان في قصة أخرى، وهي (قصة الدرع) حيث نازع الإمام (عليه السلام) في درعه الخاص يهودي، فاستعد الإمام للتحاكم إلى القاضي، وفي بعض التواريخ: ان القاضي حكم ضد الإمام، فطلب من الإمام البيّنة، حيث ان الإمام (عليه السلام) كان حسب الموازين القضائية (مدعياً) واليهودي (منكراً) إذ اليهودي كان ذا يد على الدرع، وحيث لم يكن للإمام بينة، حكم القاضي بأن الدرع لليهودي، والقصة مذكورة في كتب الحديث والفقه.

دلالات قصة المحاكمة
وهناك دلالات كبيرة جداً في هذه القصة القصيرة: فأصل تحاكم الإمام (عليه السلام) وكان هو الحاكم على أكبر دولة في العالم مع يهودي من رعيته في درع مرتبطة ببيت المال، وحكم القاضي على الإمام (عليه السلام) بنفع اليهودي كم لها من دلالة؟
وهذا يدل على أن الإمام (عليه السلام) كان لا يفرط حتى بدرع واحد مرتبطة ببيت المال، وان الإمام يستعد أن يترافع إلى القاضي وإن كان طرفه يهودياً، مع أنه (عليه السلام) هو الخليفة والرئيس لأكبر دولة، ويدل أيضا على أن القضاء مستقلة، والقاضي في أمن حتى إذا حكم ضد الحاكم الأعلى للبلاد، إذا لم تكن له البيّنة.
وهكذا في سائر قصص الإمام (عليه الصلاة والسلام) القضائية وما أشبه.
قلة القتلى في حكومة الإمام (عليه السلام)
ويظهر من بعض التواريخ والكتب إن الإمام (عليه السلام) في مدة حكمه، وهو ما يقارب خمس سنوات، وفي جميع بلاده التي كان يحكمها، حيث كانت تحت نفوذ الإمام (عليه السلام) مملكة كبيرة واسعة جداً وهي أكبر الدول في عالم ذلك اليوم، من أواسط أفريقيا إلى أواسط آسيا، وقد سبق أنها كانت تشتمل على ما يقارب خمسين دولة حسب خارطة اليوم، ولكنه (عليه السلام) بسياسته الحكيمة لم يُقتل في بلاده قتل صبر، أي لم يصدر فتوى بالقتل، على أكثر من مائة شخص في كل تلك الدولة الطويلة العريضة الواسعة الأرجاء.
نعم، بعض التواريخ زادوا على ذلك، لكن التاريخ الصحيح لا يدل عليه.
وهؤلاء المقتولين كان بين من أجرم فحق عليه القتل، وبين من اعتقد في الإمام بالألوهية، إما تخطيطاً ومكراً، وإما اعتقاداً وحقيقة، ولو لم يكن الإمام (عليه السلام) يأمر بقتل مثل هؤلاء كان يتهم بالتواطؤ معهم.
الإمام (عليه السلام) لا يريد القتل حتى آخر لحظة
وقد قتلهم الإمام (عليه السلام) بقتل رؤوف إلى أبعد حد، فقد ورد أن الإمام (عليه السلام) حفر حفيرتين، حفيرة ملأها بالتبن وما أشبه، وحفيرة جعل فيها هؤلاء الذين قالوا بأن (علياً هو الله).. ثم أمر بأن يشعل في الحفيرة التي فيها التبن النار بحيث لا يحترق التبن، وإنما يبث الدخان، وجعل بين الحفيرتين ثقبة، وأدخل هؤلاء المعتقدين كذبا بألوهية الإمام في الحفيرة الثانية، ثم قال لهم: إذا تبتم فاخرجوا من الحفيرة، والا تموتون خنقاً بالدخان، لكن هؤلاء من جهلهم أو من تخطيطهم بقوا في الحفيرة وماتوا تدريجاً بسبب الدخان، وكان الإمام (عليه السلام) واقفاً على رأسهم ويقول لهم: توبوا واخرجوا من الحفيرة.. توبوا واخرجوا، فلم يتوبوا ولم يخرجوا.
أفضل الحروب
أما حروبه (عليه السلام) في صفين والنهروان والجمل، فكانت كلها دفاعية ولم يبتدأ الإمام فيها بالحرب، وكانت أفضل حروب عرفها العالم بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فان الإمام (عليه السلام) كان يقتصر على أقل قدر ممكن من القتل، وبمقدار الضرورة فقط، علماً بأن أولئك القوم هم الذين أشعلوا نار الحرب ضد الإمام (عليه السلام) سواء في الجمل، أو صفّين، أو النهروان، ومع ذلك نصحهم الإمام (عليه السلام) ووعظهم، وميدانياً أيضاً لم يبدأ الإمام (عليه السلام) بالحرب، بل هم بدؤوا والإمام انتظر قليلاً ثم أذن لأصحابه بالدفاع، والتفاصيل مذكورة في كتب التاريخ(81).

عفو الإمام (عليه السلام) عن مشعلي الحرب
ولما انتهت حرب الجمل أصدر الإمام (عليه السلام) العفو عن جميع الذين اشتركوا في الحرب حتى رؤوس المؤامرة كعائشة وعبد الله بن الزبير وموسى بن طلحة ومروان ومن أشبه، فعفى عنهم بأجمعهم.
بل فوق ذلك، أرجع (عليه السلام) عائشة إلى بيتها في المدينة المنورة مع جماعة من النساء في قصة معروفة(82)، وكذلك أمر بإرجاع كل ما أخذه عسكره من عسكر أهل الجمل(83).

وفي صفين والنهروان
وكذلك في حرب صفين.. حيث ورد إن الإمام (عليه السلام) إذا ظفر على بعض الذين حاربوه كان يحلّفهم أن لا يساعدوا معاوية بعد ذلك، ثم يطلق سراحهم(84).
وفي النهروان لما انتهت الحرب بانتصار الإمام (عليه السلام)، وانهزام الخوارج، ترك الخوارج وشأنهم، بل وصىّ بهم، وقال: (لا تقتلوا الخوارج بعدي فليس من طلب الحق فأخطئه كمن طلب الباطل فأدركه ـ يعني معاوية وأصحابه ـ )(85).

العفو عن الساب ونحوه
وهكذا كان الإمام (عليه السلام) يعفو ويصفح، وقد عفى (عليه السلام) عن ساب له، كما في نهج البلاغة، حيث سبه رجل من الخوارج في محضره لما تكلم الإمام (عليه السلام) بكلمة حكيمة، فقال الخارجي مشيراً إلى الإمام(عليه السلام): (قاتله الله من كافر ما أفقهه).
فهمّ أصحاب الإمام بالانتقام من ذلك الخارجي، فمنعهم الإمام وقال لهم: (انه سبّ بسب أو عفو عن ذنب)(86) يعني انه يحق لي أن أسبه في مقابل سبه، أو أعفو عن ذنبه، وأنا أولى بالعفو، فعفى عنه.
العفو عن المنافق
وكان أشعث ابن قيس وهو رئيس المنافقين في عسكر الإمام(عليه السلام)، وكان الإمام يعامله أحسن معاملة، مع علمه بنفاقه، وكان أحياناً يسب الإمام (كما ورد في قصة)(87) ومع ذلك لم يتعرض له الإمام بسوء (وقصة نفاقه مشهورة وفي نهج البلاغة مذكورة)(88).
فكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يعفو عن هؤلاء المنافقين .. اقتداءً برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث عفى عن أكبر منافق، وهو:(عبد الله بن أبيّ) الذي نزلت في شأنه سورة المنافقين كما جاء ذلك في التفاسير والتواريخ(89)، فان النبي (صلى الله عليه وآله) عفى عنه ولم يمسه بسوء، ولما أراد ابن عبد الله بن أبيّ أن يقتل أباه، قال له الرسول (صلى الله عليه وآله): لا تقتله(90)، ولما مات عبد الله بن أبيّ المنافق حضر النبي (صلى الله عليه وآله) على جنازته وأهدى ثوبه المبارك كفناً له(91).
وظهرت بعد ذلك الحكمة في عمل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، كما يحدثنا التاريخ.
فلم يكن النبي (صلى الله عليه وآله) أو علي أمير المؤمنين (عليه السلام) يقتل المنافقين، ولم يحدثنا التاريخ بذلك.

التهديد فقط
وانما الوارد في القرآن الحكيم بالنسبة للمنافقين صرف التهديد، كما يفسّره عمل الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) حيث قال الله تعالى: (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)(92).
نعم هذا وعيد بالنار في يوم القيامة، لا في الدنيا. ومن حكمة التهديد: حتى يلتفت المسلمون إلى شرّهم ومكيدتهم، وإلا فان الرسول (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) عاملا المنافقين معاملة حسنة.
لماذا هذه المعاملة الحسنة؟
وبهذه المعاملة الحسنة الحكيمة، التي قام بها رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) تجاه المنافقين والمناوئين تمكّنا من جلب عدد كبير منهم إلى الإسلام ورفض النفاق، وذلك في قصص عديدة مذكورة في التاريخ.
وقد ورد في بعض الأحاديث ان أمير المؤمنين عليّاً (عليه الصلاة والسلام) قبل أن يحاربه الخوارج ويفسدوا في الأرض كان يعطيهم رواتبهم من بيت المال ولم يقطعها على رغم عدائهم له (عليه السلام).
الإمام (عليه السلام) حبذ عدم قتل ابن ملجم
وأعجب من كل ذلك، ان الإمام (عليه السلام) لما ضربه ابن ملجم، حبذ أولاده على العفو عنه وخيرّهم في ذلك، وقال: ان أردتم القصاص فضربة بضربة ولا تمثلوا بالرجل(93)، وقال كما في (نهج البلاغة) محرضاً لهم على العفو: (إن أبق فأنا ولي دمي، وإن أفن فالفناء ميعادي، وإن أعفو فالعفو لي قربة ولكم حسنة، فاعفوا واصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم)(94).
وقصة الإمام (عليه السلام) في إجازة العفو عن ابن ملجم أعجب قصة في مجالها، فان الإمام (عليه السلام) لم يقتنع بذلك وانما حرّض العفو عنه كما تقدم، فجعل العفو سبباً لمغفرة الله سبحانه وتعالى..
ولكن المسلمين بعد شهادة الإمام (عليه السلام) ضغطوا وأصروا حتى يقتل ابن ملجم، حيث كان جزاؤه القتل، والإمام قد عفى عن حقه الشخصي.
المنافقون و الحريات الاسلامية
وقد ورد إن بعض المنافقين كانوا يأتون إلى مسجد الكوفة ولم يصلوا مع الإمام (عليه السلام) الجماعة، بل كانوا يصلّون فرادى في وقت صلاة الإمام (عليه السلام) تعرضاً بالإمام، فقيل للإمام أن يمنع هؤلاء عن هذا العمل.
وكان الإمام (عليه السلام) رئيس أكبر دولة وزعيم أكبر حكومة في عالم ذلك اليوم، وكان بيده كل شيء وله الحق في نهيهم، لكن مع ذلك قال الإمام: اتركوهم وشأنهم، ثم تلا هذه الآية المباركة: (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى* عَبْداً إِذَا صَلَّى)(95).
نعم الإمام (عليه السلام) طبق هذه الآية المباركة حتى على صلاة المنافق، لأنه كان يريد إعطاء الحرية للناس، وهذا هو الأسلوب الصحيح في التعامل حتى مع المناوئين.
حكومة الحرية والاستشارة
وقد كان من سياسة الإمام (عليه السلام) في الحكم أن جعل من الحكومة الإسلامية حكومة استشارية تحترم آراء الشعب، وقد ورد في (نهج البلاغة) ان الإمام (عليه السلام) قال: ان من حقكم علي ــ يعني حق الناس على الإمام ــ أن تعطوني المشورة.
ابن كوا وطعنه بالإمام (عليه السلام)
وفي قصة أخرى، نرى (ابن كوا) وهو من المنافقين، قرأ ـ والإمام (عليه السلام) يصلّي أو يخطب ـ هذه الآية المباركة تعريضاً بالامام: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ )(96) وكرّر هذه الآية.
فلم يرد عليه الإمام (عليه السلام)، إلا ان أجابه بآية أخرى وهي قوله سبحانه وتعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لايُوقِنُونَ)(97) واكتفى (عليه السلام) بهذا الجواب(98).
وعلى هذا النمط كان الإمام (عليه الصلاة والسلام) في حكومته كالرسول (صلى الله عليه وآله) في حكومته (وقد عرفت سعة حكومتيهما) فكانا يعاملان الناس أفضل معاملة عرفتها البشرية.
قال عبد الله بن العباس: فبدأت بالزبير وكان عندي أبقاهما علينا وكلّمته في الرجوع وقلت له: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لك: ألم تبايعني طائعاً فلم تستحل قتالي وهذا المصحف وما فيه بيني وبينك فان شئت تحاكما اليه، فقال: ارجع إلى صاحبك فانا بايعنا كارهين ومالي حاجة في محاكمته.
فانصرفت عنه إلى طلحة والناس يشتدون والمصحف في يدي... فقلت له: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول لك: ما حملك على الخروج وبما استحللت نقض بيعتي والعهد عليك؟ فقال: خرجت أطلب بدم عثمان...
قال (ابن عباس) فانصرفت إلى عائشة وهي في هودج مدفف على جملها عسكر وكعب ابن سور القاضي آخذ بخطامه وحولها الازد وحنبة، فلما رأتني قالت: ما الذي جاء بك يا بن عباس والله لا سمعت منك شيئاً، ارجع إلى صاحبك وقل له: ما بيننا وبينك الا السيف، وصاح من حولها: ارجع يا بن عباس لا يسفك دمك.
فرجعت إلى أمير المؤمنين (عليه السلام).. وقلت ما تنتظر، والله ما يعطيك القوم إلا السيف، فاحمل عليهم قبل أن يحملوا عليك.
فقال (عليه السلام): نستظهر بالله عليهم.
قال ابن عباس: فوالله ما رمت من مكاني حتى طلع عليّ نشابهم كأنه جراد منتشر فقلت: أما ترى يا أمير المؤمنين مرنا ندفعهم.
فقال (عليه السلام): حتى أعذر إليهم ثانية.
ثم قال: من يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له على الله الجنة.
فلم يقم أحذ إلا غلام عليه قباء أبيض.. ونادى ثالثة فلم يقم غير الفتى فدفع إليه المصحف وقال: امض إليهم وأعرضه عليهم وادعوهم إلى ما فيه، فأقبل الغلام حتى وقف بازاء الصفوف ونشر المصحف..
فقالت عائشة: اشجروه بالرماح قبحه الله، فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كل جانب، وكانت أمه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرته من موضعه...
وراجع أيضاً بحار الأنوار: ج32 ص447 ب12 ح394.
وكان في القوم زيد ابن أرقم وكان غلاماً قد راهق وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ظل شجرة في وقت المهاجرة وعنده قوم من أصحابه من المهاجرين والأنصار فجاء زيد فأخبره بما قال عبد الله بن أبي..
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : لعلك وهمت يا غلام؟ فقال: لا والله ما وهمت، فقال: لعلك غضبت عليه؟ قال: لا ما غضبت عليه، قال: فلعله سفه عليك؟ فقال: لا والله، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لشقران مولاه: أخرج فأخرج احدج فاحدج راحلته وركب وتسامع الناس بذلك فقالوا: ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليرحل في مثل هذا الوقت فرحل الناس ولحقه سعد بن عبادة، فقال: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، فقال: وعليك السلام: .. فقال: ما كنت لترحل في هذا الوقت؟ إما قال، أو ما سمعت قولا قال صاحبكم؟ قالوا: وأي صاحب لنا غيرك يا رسول الله؟! قال: عبد الله بن أبي زعم انه إن رجع إلى المدينة يخرجن الأعز منها الأذل. فقال: يا رسول الله فانت وأصحابك الأعز وهو وأصحابه الأذل..
فسار رسول الله (صلى الله عليه وآله) يومه كله لا يكلمه أحد فأقبلت الخزرج على عبد الله بن أبي يعذلونه، فحلف عبد الله أنه لم يقل شيئاً من ذلك فقالوا: فقم بنا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى نعتذر إليه فلوى عنقه، فلما جن الليل سار رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليله كله والنهار، فلم ينزلوا إلا للصلاة فلما كان من الغد نزل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ونزل أصحابه وقد أمهدهم الأرض من السهر الذي أصابهم، فجاء عبد الله بن أبي إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فحلف عبد الله أنه لم يقم ذلك وانه ليشهد انه لا إله إلا الله وأنك لرسول الله، وأن زيدا قد كذب عليّ، فقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) منه، وأقبلت الخزرج على زيد بن أرقم يشتمونه ويقولون له كذبت على سيدنا عبد الله، فلما رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان زيد معه يقول: اللهم إنك لتعلم أني لم أكذب على عبد الله بن أبي، فما سار إلا قليلاً حتى أخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان يأخذه من البرحاء عند نزول الوحي عليه، فثقل حتى كادت ناقته أن تبرك من ثقل الوحي، فسرى عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يسكب العرق عن جبهته ثم أخذ بأذن زيد بن أرقم فرفعه من الرحل ثم قال: يا غلام صدق قولك ووعى قلبك وأنزل الله فيما قلت قرآنا ، فلما نزل جمع أصحابه وقرأ عليهم سورة المنافقين... انتهى.

تصديق لقول الصديقة (عليها السلام)
ومما ذكر من أسلوب حكومة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ووصيه أمير المؤمنين علي (عليه السلام) يعرف مدى أهمية قول الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام): (وطاعتنا نظاماً للملّة)(99) حيث الحرية والرفاه والسعادة التي كانت تعم الناس في حكمهما (عليهما السلام).
وكذلك يكون الأمر إذا اخذ الإسلام بالزمام في أي بلد من البلدان حيث يستريح الناس تحت حكم الإسلام ويتنعمون بالرفاه والسعادة والسلام.
لا للعنف
وربما يتوهم البعض انه لو كان الرسول (صلى الله عليه وآله) يعامل أبا سفيان والمنافقين بالعنف لم يتمكنوا أن يحدثوا في الإسلام ثغرة بعد الرسول(صلى الله عليه وآله)، وان أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) لو كان يعامل المنافقين من أهل الجمل ومعاوية والخوارج ومن أشبه بالعنف لما تمكنوا من الفساد والإفساد بعد الإمام.
والجواب: ـ مع قطع النظر عن أن الرسول والإمام (صلوات الله عليهما) معصومان عن كل خطأ، وأن كل أعمالهما شرعية، ولا تكون إلا بأمر الله سبحانه وتعالى ـ ان العقل الدقيق، حتى وان لم يكن مسلماً، يدل على أفضلية أسلوب النبي والوصي (عليهما السلام) وأحسنية ما تعاملاه دون معاملة العنف.
فان الرسول (صلى الله عليه وآله) إذا عامل الناس بالعنف ولم يوفّر الحريات للناس، ولم يعف عن مجرميهم، إلى آخر ما قام به من خلقه الكريم وسياسته الحكيمة.. انشقت صفوف المسلمين في الداخل، والدولة الإسلامية بعدُ فتية، وكان ذلك مما يسبب التحارب ثم استيلاء الفرس أو الروم (وهما أعداء المسلمين في ذلك اليوم) على البلاد الإسلامية، وكان ينمحي ذكر الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى الأبد..
وإلى مثل هذا أشار أمير المؤمنين علي (عليه الصلاة والسلام) حيث قال لفاطمة (عليها الصلاة والسلام): إذا وضعت سيفي فيهم لا تسمعين لمحمد (صلى الله عليه وآله) بعد ذلك ذكراً).
وكان ذلك السرّ في تعامل علي أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام) مع الأعداء، فإذا كان يعامل أهل الجمل وأهل النهروان وأهل صفّين والمنافقين بالعنف، كانت الحروب تزداد وتكثر القتلى في صفوف المؤمنين.. وبالنتيجة كان يؤدي إلى محو التشيّع ومحو الإسلام كلياً.
ومع كل ذلك لما قتل الإمام (عليه السلام) واستولى معاوية وأعداء علي(عليه السلام) على الحكم أرادوا أن يمحوا وينفوا أي ذكر للإمام وللإسلام، وأخذوا يقتلون الشيعة والموالين للإمام (عليه السلام) وكانوا يخططون لقتل كل شيعي على وجه الأرض، ولكن (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلاّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ)(100) ..
فترى في هذا اليوم من الشيعة خمسمائة مليون في العالم(101)، ومن ذكر الإمام (عليه السلام) وفضائله وخطبه وسياسته وسائر أموره ما يملأ الخافقين..
ولم يتمكن الأمويون من محو الإسلام وإطفاء نور أهل البيت(عليه السلام) فانهم أرادوا أن لا يبقى من الدين الحنيف الا بقايا كبقايا اليهودية والمسيحية، الم يقل معاوية مغضباً: (وهذا ابن أبي كبشة يذكر اسمه مع اسم الله) يقصد به الرسول (صلى الله عليه وآله)(102)؟
وألم يقل يزيد:
لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل(103)
إلى غير ذلك.
وهذه كلها تدل على مدى أهمية قول فاطمة الزهراء (عليها السلام) خطبتها المشهورة: (وطاعتنا نظاماً للملة)(104).

خير أسوة للمرأة الصالحة
ان فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) كانت وستكون إلى يوم القيامة خير أسوة للمرأة الصالحة، في أعمالها، في عباداتها، في فضائلها، في تقواها، في تربيتها، في حجابها، وفي كل شؤونها.

الرسول (صلى الله عليه وآله) يربي فاطمة (عليها السلام)
وكان الرسول (صلى الله عليه وآله) بنفسه الشريفة يعتني بابنته الطاهرة ويربيها تربية صالحة، حتى ورد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات مرة جاء إلى بيت فاطمة (عليها السلام) فرأى على باب بيتها ستراً.. ورأى بيد الحسن والحسين(عليهما السلام) اسورة من فضة، فلم يدخل البيت، وذهب إلى المسجد..
فعرفت فاطمة (عليها الصلاة والسلام) ان الرسول (صلى الله عليه وآله) يحب أن يكون المسلمون كفاطمة (عليها السلام)، وفاطمة (عليها السلام) كالمسلمين في مستوى واحد من المعيشة، وان هذا الستر لا يليق بالبيت.. وان هذا السوار من الفضة لا يليق بولديها، حيث بعض المسلمين في شدّة من المعيشة..
فنزعت فاطمة (عليها السلام) السوارين من يد الولدين الطاهرين، ولفتهما في الستر المذكور بعد ان أخذت الستر من الباب، وأرسلتها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلما رأى الرسول (صلى الله عليه وآله) السوار والستر فرح وقال: (فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها، فعلت فداها أبوها)(105).
لعل القصة من باب التعليم
ولا يخفى أن القصة لعلها كانت لأجل التعليم، يعني ان فاطمة الزهراء (عليها السلام) كانت تعلم أنه لا ينبغي هذا النوع من الستر، وهذا السوار، وانما أقدمت على ذلك لمصلحة أهم وهو ما صدر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وما عملته فاطمة (عليها السلام) بعد ذلك، ليكونا أسوة لكل حاكم إسلامي وذويه.
كما ان الأمر تعليمي في أشباه ذلك: مثل قصة وضوء الحسنين(عليهما السلام) أمام ذلك الاعرابي الذي لم يكن يعرف الوضوء فتوضئا بقصد تعليمه.
الحجاب ضرورة للمرأة
خير أسوة للمرأة الصالحة في حجابها وتعاملها مع الرجل الأجنبي هي فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) وقد أكدت قولا وفعلاً على ضرورة الحجاب للمرأة المسلمة..
روي انه لما سئل عنها عن قول الرسول (صلى الله عليه وآله): (أي شيء خير للمرأة)؟ قالت: (أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل)(106).
والمقصود بطبيعة الحال الرؤية للجسم، أو الرؤية التي نهى عنها الشرع، وأما الرؤية من وراء الحجاب مع رعاية الموازين الشرعية فلابأس به، ويدل على ذلك ذهاب فاطمة (عليها السلام) إلى أحد، وذهابها إلى الحج مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما أشبه.
خدمة فاطمة (عليها السلام) للفقراء
وكانت فاطمة الزهراء (عليها السلام) تهتم بالفقراء والمساكين وتقوم بمساعدتهم، وفي الحديث: إن أمير المؤمنين علياّ (عليه السلام) كان يمتح الماء من البئر ويملأ القربة.. ثم يخرج بصحبة فاطمة الزهراء (عليها السلام) في الليل، وكانا يأخذان الطعام وما أشبه، وربما أخذت فاطمة الزهراء (عليها السلام) القربة، فيزوران الفقراء والمساكين في بيوتهم، فيوزع الإمام (عليه السلام) عليهم الطعام والماء وما يحتاجونه.
فهي (عليها السلام) خير أسوة للمرأة الصالحة في كل شؤونها، ويجب على النساء أن يتعلمن منها في مختلف الأمور ، وبذلك يفزن بالجنة والمغفرة، كما قال تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ)(107).
وقد ورد في الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (رأيت أكثر أهل الجنة النساء)(108).
وفي حديث آخر: (علم الله ضعفهن فرحمهن)(109).
وفي حديث ثالث أمر الرسول (صلى الله عليه وآله) بالتحنّن على النساء وإكرامهن.
إلى غير ذلك من الأحاديث.
وقد وصلت المرأة بفضل فاطمة الزهراء وأبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) إلى مستوى رفيع جداً حتى أصبح أكثر أهل الجنة من النساء، كما ان المرأة في دنياها بفضلها وفضل أبيها وبعلها وبنيها نالت جميع حقوقها ووصلت إلى قمة كرامتها وشخصيتها اللائقة بها.
الافراط والتفريط في غير الإسلام
فليست المرأة في الإسلام مفرطة أو مفرّطة بها، كما هو الحال في الغرب والشرق، فانهما قد أفرطا في المرأة أو فرّطا فيها..
فمثلاً في الصين كانت تضطهد المرأة أكبر اضطهاد حتى ان بعضهم كان يجعل رجليها في أحذية من الحديد حتى لا تكبر رجليها، ولا تتمكن من المشي إلى حين موتها، استخفافاً بها أو ما أشبه.
وفي الغرب .. قد أفرطوا في حقها من جهة الخلاعة والسفور والاستهتار، وجعلوها إعلانا للبضائع، وجرّوها إلى مواقع الفساد كالمواخير وغيرها.
بينما نرى الإسلام بفضل المعصومين (صلوات الله عليهم أجمعين) سبّب أن تنال المرأة كامل حقوقها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها، فللمرأة أن تتدخل في كل الشؤون التي لاتختلط بالفساد والمحرمات.
نعم يستثني من الشؤون الامارة والقضاء ونحوهما لأدلة خاصة، عقلية ونقلية، على تفصيل مذكور في الكتب الفقهية.
الإسلام وتعميم الأمن والرفاه
وكذلك نرى الناس في أمن ورفاه وسعادة وخير، في كلّ عهد إسلامي طبق الإسلام ولو في أصوله العامة.
وللمثال على ذلك نذكر ما بينه الاستاذ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء (رحمه الله)(110)(استاذ صاحب الجواهر (رحمه الله) والعلماء الذين في طبقته) في أول كتابه الثمين (كشف الغطاء) حيث دخل إيران في أيام بعض الملوك القاجارية الذين كانوا يطبّقون شيئاً من الإسلام في ايران، فبقي الشيخ في إيران مدة، وكان هو المرجع الأعلى للشيعة من الإيرانيين وغيرهم ذلك اليوم، وكان الناس يراجعونه وكان بابه مفتوحاً ومحفله عامراً بالذاهبين والجائين كسائر المراجع المشهورين، وبعد ذلك كتب كتابه (كشف الغطاء)، فيقول في مقدمته: (إني دخلت إيران ولم أر فيها باكياً ولا باكية ولا شاكياً ولا شاكية).
فان التطبيق النسبي لقواعد الإسلام الكلّية ـ وان لم يكن تطبيقاً كاملاً وبالمستوى المطلوب ـ من ذلك الملك القاجاري سبب ان هذا العالم الكبير، العادل الورع، أستاذ الفقهاء .. يعبّر عن وضعيّة ايران في ذلك اليوم بهذا التعبير، حيث كانت الحريات الإسلامية الموجبة للرفاه والسعادة تعم البلاد.
فاطمة الزهراء (عليها السلام) ومكافحة الباطل
وفي المجال السياسي والدفاع عن المظلوم وفضح الظالم.. نرى ان فاطمة الزهراء (عليها الصلاة والسلام) قامت بنهضتها المعروفة المباركة (وان أدت تلك النهضة إلى ظلمها وكسر ضلعها وإسقاط جنينها واستشهادها واختفاء قبرها) وتمكنت من أن تفضح الباطل وتبين الحق لمن أراد أن يتبعه، وقامت هي بنفسها وأقامت أولادها وأتباعها إلى مكافحة الباطل في كل الاعصار والأمصار.
ولذا نرى أن أولادها كافحوا الباطل وبينوا الإسلام الصحيح وفضحوا الظلم والطغيان، أخذاً من الإمام الحسن (عليه السلام) وانتهاء إلى الإمام الحجة (عليه السلام).. وكذلك سائر أولادها وذراريها .. ففي ظرف خمسين سنة في عهد الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام) قام العلويون بما يقارب من عشرين ثورة ضد الظلم والباطل.
حكومات باسم فاطمة (عليها السلام)
كما ان حكومات عديدة قامت باسمها (صلوات الله عليها)، كحكومة الادارسة بالمغرب(111)، وحكومة الفاطميين في مصر(112)، وحكومة الشرفاء في الحجاز، وحكومة الطباطبائيين في العراق، وحكومة الداعي الكبير، وحكومة الصفويين(113) وغيرهم في إيران..
إلى غير ذلك من الحكومات الشيعية الفاطميّة العلوية المعروفة في التاريخ.
وليس المقصود هنا تصحيح كل تلك الحكومات، وانما الإلماع إلى آثار نهضتها المباركة.
حب فاطمة (عليها السلام)
وفي الختام نتبرك بذكر هذه الرواية الشريفة التي وردت عن سلمان (رحمه الله) قال:
(قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا سلمان من أحب فاطمة فهو في الجنة معي، ومن أبغضها فهو في النار، يا سلمان حب فاطمة ينفع في مائة من المواطن، أيسر تلك المواطن الموت والقبر والميزان والحشر والصراط والمحاسبة، فمن رضيت عنه ابنتي رضيت عنه، ومن رضيتُ عنه رضي الله عنه، ومن غضبت عليه فاطمة غضبتُ عليه، ومن غضبت عليه غضب الله عليه، وويل لمن يظلمها ويظلم بعلها أمير المؤمنين علياً (عليه السلام) وويل لمن يظلم ذريتها وشيعتها)(114).
وأخيراً ليس لي إلا أن أتمثّل بالشعر الذي قاله أحد الخطباء من العلماء، في قصيدة له:
أنى لمثلي ان أحصي مآثرها *** ام كيف لي سرد نبذ من سجاياها
فالله فضّلها، والله شرفها *** والله طهرها، والله زكّاها
نسأل الله سبحانه التوفيق لما يحب ويرضى، وأن يجعلنا من شيعة فاطمة الزهراء (عليها السلام) وشيعة أبيها وبعلها وبنيها (صلوات الله عليهم أجمعين) ومن مواليهم، وأن يعرّف بيننا وبينهم في الدنيا والآخرة.
وهو الموفق المستعان

الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
1ـ راجع علل الشرائع: ص124 باب العلة التي من أجلها صار النبي (صلى الله عليه وآله) أفضل الأنبياء.
2ـ راجع الخصال: ص205، باب افضل نساء أهل الجنة أربع، مضافاً إلى ما دل على أن فاطمة الزهراء (عليها السلام) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين.
3ـ سورة الرعد: 17.
4ـ الامالي للشيخ الصدوق: ص592 المجلس 86 ح18، وعلل الشرائع: ص178.
5ـ عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج1 ص225.
6ـ الارشاد: ج2 ص93، وراجع مثير الأحزان: ص49 وإعلام الورى: 239، وفيها: (وان أبي خير مني وأخي خير مني).
7ـ راجع الامالي للشيخ الصدوق: ص437 المجلس 67.
8ـ مشكاة الأنوار: ص260، الفصل الخامس في الحقائق والنجابة.
9ـ الصراط المستقيم: ج1 ص170 الفصل الخامس.
10ـ تأويل الآيات: ص240 سورة الرعد.
11ـ تأويل الآيات: ص241.
12ـ للتفصيل راجع كتاب (فاطمة الزهراء (عليها السلام) في القرآن) للفقيه المحقق آية الله السيد صادق الشيرازي (دام ظله).
13ـ سورة الإنسان.
14ـ سورة الإنسان: 8 ـ 9.
15ـ الصاع: ما يقارب الثلاثة كيلو.
16ـ في بعض النسخ: ولا ضراعة.
17ـ القراح، بفتح القاف: الماء الخالص.
18ـ وفي بحار الأنوار: (فأعطيه)، وفي بعض النسخ: (فاعطنه).
19ـ الضياع، بفتح الضاد: الهلاك.
20ـ الباع: قدر مد اليدين. ويقال: فلان طويل الباع ورحب الباع: أي كريم وواسع الخلق ومقتدر.
21ـ في بحار الأنوار: فأعطوه.
22ـ غارت عينه: دخلت في الرأس وانخسفت.
23ـ سورة الإنسان: 1-22.
24ـ كلح وجهه: عبس فأفرط في تعبسه.
25ـ في بحار الأنوار: تكافوننا.
26ـ سورة الإنسان: 5 ـ 13.
27ـ أمالي الصدوق: ص212 ح11، منه البحار: ج35 ص237.
28ـ سورة الكوثر: 1ـ 3.
29ـ وقد أخرج ذلك عديد من مفسري العامة أيضا:
منهم: البيضاوي في تفسيره، عند تفسير كلمة: (الكوثر) قال: (وقيل: أولاده)(أنوار التنـزيل وأسرار التأويل: مخطوط ص1156).
ومنهم: الفخر الرازي، في تفسيره الكبير، قال: (الكوثر أولاده (صلى الله عليه وآله) لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابه بعدم الأولاد، فالمعنى: أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فأنظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم، ولم يبق من بني أميّة في الدنيا أحد يعبأ به)(التفسير الكبير: ج30 تفسير سورة الكوثر).
ومنهم: شيخ زاده في حاشيته على تفسير البيضاوي عند تفسير سورة الكوثر، قال: (إنّ المفسرين ذكروا في تفسير الكوثر أقوالاً كثيرة (منها): أنّ المراد بالكوثر: أولاده(صلى الله عليه وآله)، ويدل عليه أن هذه السورة نزلت رداً على من قال في حقّه (صلى الله عليه وآله): إنّه أبتر ليس له من يقوم مقامه)(الحاشية على تفسير البيضاوي: ج9 ص341).
ومنهم: شهاب الدين في حاشيته على تفسير البيضاوي (حاشية الشهاب المسمّاة بـ (عناية القاضي): ص403).
ومنهم: العلاّمة أبو بكر الحضرمي في كتابه (القول الفصل)(القول الفصل: ص457).
30ـ سورة الأحزاب: 33.
31ـ فضائل الخمسة: ج2 ص219.
32ـ فضائل الخمسة: ج2 ص219.
33ـ للتفصيل راجع الخرائج والجرائح: ص85، وأعلام الورى: ص49 الفصل السادس في ذكر إسرائه (صلى الله عليه وآله) إلى بيت المقدس ودخوله بعد ذلك في شعب أبي طالب. سورة آل عمران: 61.
34ـ انظر كتاب (فاطمة الزهراء في القرآن) لآية الله المحقق السيد صادق الشيرازي (دام ظله).
35ـ سورة آل عمران: 59-61.
36ـ تفسير القمي: ج1 ص104.
37ـ المناقب: ج3 ص355.
38ـ كشف الغمة: ج2 ص537.
39ـ روضة الواعظين: ص151.
40ـ كشف الغمة: ج1 ص405 ـ 406.
41ـ للتفصيل عن حجة الوداع راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم) ج2.
42ـ للتفصيل عن غزوة احد راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم).
43ـ راجع كتاب سليم بن قيس: ص84 وص134.
44ـ سورة النمل: 83.
45ـ سورة غافر: 51.
46ـ تفسير القمي: ج2 ص36 سورة الكهف.
47ـ سورة غافر: 51.
48ـ تفسير القمي: ج2 ص258 سورة المؤمن.
49ـ سورة البقرة: 200-202.
50ـ سورة القصص: 77.
51ـ تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج2 ص234، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
52ـ راجع (تحف العقول): ص410 وفيه: (ليس منا من ترك دنياه لدينه، أو ترك دينه لدنياه).
53ـ الخرائج والجرائح: ص530.
54ـ كشف الغمة: ج1 ص302، والعمدة: ص347.
55ـ شواهد التنزيل: ج2 ص445 ح1110.
56ـ تأويل الآيات: ص783 سورة الضحى.
57ـ الشهيد الثاني زين الدين العاملي، من كبار فقهاء الإمامية، وكان مجاهداً في سبيل الله حتى ضاق عنه حكام لبنان وحكام الروم، فبحثوا عنه تحت كل حجر ومدر، وأخذوه في أيام الحج، فقتلوه على ساحل البحر، ثم أهدي رأسه إلى ملك الروم وترك جسده الشريف على الأرض، وكان بتلك الأرض جمع من التركمان، فرأوا في تلك الليلة أنواراً تنـزل من السماء وتصعد، فدفنوه هناك وبنوا عليه قبه. راجع كتاب (السياسة من واقع الإسلام) لآية الله السيد صادق الشيرازي (دام ظله).
58ـ راجع منية المريد: ص115.
59ـ تفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص340 ـ 341 ح216.
60ـ بحار الأنوار: ج27 ص104 ح74.
61ـ للتفصيل راجع (من فقه الزهراء (عليها السلام)) المجلد الثاني والثالث، شرح الخطبة الشريفة.
62ـ سورة آل عمران: 159.
63ـ راجع المناقب: ج1 ص235 فصل في وفاته (صلى الله عليه وآله).
64ـ راجع فقه القرآن: ج2 ص58 باب الرهن وأحكامه، وفيه: (أن النبي (صلى الله عليه وآله) رهن درعه عند أبي الشحم اليهودي على شعير أخذه لأهله).
65ـ تنبيه الخواطر ونزهة النواظر: ج1 ص102.
66ـ المناقب: ج3 ص339 فصل في معجزاتها.
67ـ راجع الإقبال: ص528، والعمدة: ص347، ونهج الحق: ص184، وكشف الغمة: ج1 ص303.
68ـ سورة الإنسان.
69ـ للتفصيل راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم): ج1 ـ 2 للإمام المؤلف (دام ظله).
70ـ المناقب: ج1 ص209 فصل في غزواته.
71ـ للتفصيل راجع كتاب (ولأول مرة في تاريخ العالم): ج1ـ ج2 للإمام المؤلف (دام ظله).
72ـ راجع شرح نهج البلاغة: ج18 ص14.
73ـ راجع بلاغات النساء: ص235.
74ـ راجع الإقبال: ص458، وتفسير القمي: ج1 ص301، وتفسير الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): ص380.
75ـ كما في قصة اليهودية التي سمت النبي (صلى الله عليه وآله) في ذراع وعفى عنها، راجع بصائر الدرجات: ص503، والمحاسن: ص470.
76ـ الإرشاد: ج1 ص60 وص135، وشرح نهج البلاغة: ج17 ص272.
77ـ سورة الحجرات: 13.
78ـ الكافي: ج5 ص279 ح2.
79ـ ارشاد القلوب: ص214.
80ـ راجع وسائل الشيعة: ج11 ص49 باب19 ح1.
81ـ راجع كتاب الجمل: ص336، وفيه: إن أمير المؤمنين (عليه السلام) رحل بالناس إلى القوم غداة الخميس لعشر مضين من جمادى الأولى وعلى ميمنته الأشتر وعلى ميسرته عمار بن ياسر وأعطى الراية محمد بن الحنفية ابنه، وسار حتى وقف موقفاً ثم نادى في الناس: لاتعجلوا حتى أعذر إلى القوم.. ودعا عبد الله بن العباس (رض) فأعطاه المصحف وقال: امض بهذا المصحف إلى طلحة والزبير وعائشة وادعهم إلى ما فيه، وقل لطلحة والزبير: ألم تبايعاني مختارين فما الذي دعاكما إلى نكث بيعتي وهذا كتاب الله بيني وبينكما.
82ـ راجع كتاب الجمل: ص415، إرسال عائشة إلى المدينة، وشرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد: ج1 ص23.
83ـ راجع الجمل: ص 405 فصل في سيرة أمير المؤمنين (عليه السلام) في أهل البصرة، وشرح النهج لابن ابي الحديد: ج1 ص23.
84ـ راجع كتاب وقعة صفين: ص518.
85ـ بحار الأنوار: ج33 ص434 ب26 ح642.
86ـ بحار الأنوار: ج33 ص434 ب26 ح643.
87ـ بحار الأنوار: ج33 ص431 ب26 ح640.
88ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج1 ص297 ب19 الأشعث بن قيس ونسبه، وفيه: من كلام له (عليه السلام)، قال للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين هذا عليك لا لك فخفض إليه بصره، ثم قال له (عليه السلام): وما يدريك ما علي مما لي، عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين حائك بن حائك منافق بن كافر والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حبك، وإذا إمرأ دلَّ على قومه السيف وساق إليهم الحتف لحري أن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد. وللعلامة المجلسي توضيح مفصل لهذا الحديث مع ترجمة الأشعث فراجع.
89ـ راجع تفسير القمي: ج1 ص157 سورة النساء، وج2 ص368 وص370 سورة المنافقين، وفيه:
وهذه السورة نزلت في غزوة بني المصطلق في سنة خمس من الهجرة، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) خرج إليها فلما رجع منها نزل على بئر وكان الماء قليلاً فيها وكان أنس بن سيار حليف الأنصار وكان جهجاه بن سعيد الغفاري أجيرا لعمر بن الخطاب فاجتمعوا على البئر فتعلق دلو ابن سيار بدلو جهجاه، فقال سيار: دلوي، وقال جهجاه: دلوي، فضرب جهجاه يده على وجه ابن سيار فسال منه الدم، فنادى سيار بالخزرج، ونادى جهجاه بقريش، وأخذ الناس السلاح وكاد أن تقع الفتنة فسمع عبد الله بن أبي النداء، فقال: ما هذا، فاخبروه بالخبر فغضب غضباً شديداً ثم قال: قد كنت كارهاً لهذا المسير إني لأذل العرب ما ظننت أني أبقى إلى أن أسمع مثل هذا فلا يكن عندي تعبير، ثم أقبل على أصحابه فقال: هذا عملكم أنزلتموهم منازلكم وواسيتموهم بأموالكم ووقيتموهم بأنفسكم وأبرزتم نحوركم للقتل فأرمل نساءكم وأيتم صبيانكم ولو أخرجتموهم لكانوا عيالا على غيركم، ثم قال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل..
90ـ راجع تفسير القمي: ج2 ص370 سورة المنافقين.
91ـ تفسير القمي: ج1 ص302 سورة التوبة.
92ـ سورة المنافقون: 4.
93ـ راجع المناقب: ج3 ص312 فصل في مقتله (عليه السلام)، وبحار الأنوار: ج42 ص206 ب127 ح10، وفيه عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليه السلام): أن علي بن أبي طالب(عليه السلام) خرج يوقظ الناس لصلاة الصبح فضربه عبد الرحمن بن ملجم بالسيف على أم رأسه فوقع على ركبتيه وأخذه فألزمه حتى أخذه الناس وحمل علي (عليه السلام) حتى أفاق، ثم قال للحسن والحسين (عليه السلام): احبسوا هذا الأسير وأطعموه واسقوه واحسنوا اساره فإن عشت فأنا أولى بما صنع فيّ إن شئت استقدت وإن شئت صالحت وإن مت فذلك إليكم فان بدا لكم أن تقتلوه فلا تمثلوا به.
94ـ بحار الأنوار: ج42 ص206 ب127 ج11، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج15 ص143.
95ـ سورة العلق: 9و 10.
99ـ سورة الزمر: 65.
97ـ سورة الروم: 60.
98ـ بحار الأنوار: ج33 ص343 ب23 ح587.
99ـ راجع من لا يحضره الفقيه: ج3 ص568 ح4940، وعلل الشرائع: ج1 ص248 ح2، والاحتجاج: ج1 ص134.
100ـ سورة الصف: 8.
101ـ الاحصاءات الأخيرة تؤكد على أن عدد الشيعة أكثر مما ذكر، حيث بلغ نفوس المسلمين المليارين. عام 2001م.
102ـ راجع شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج5 ص130 ب60، فصل أخبار متفرقة عن معاوية.. قال: وقد طعن كثير من أصحابنا في دين معاوية ولم يقتصروا على تفسيقه، وقالوا عنه إنه كان ملحداً لا يعتقد النبوة ونقلوا عنه في فلتات لسانه وسقطات ألفاظه ما يدل على ذلك..
وقال ابن ابي الحديد: وروى الزبير بن بكار في الموفقيات وهو غير متهم على معاوية ولا منسوب إلى اعتقاد الشيعة لما هو معلوم من حاله من مجانبة علي (عليه السلام) والانحراف عنه، قال المطرف بن المغيرة بن شعبة: دخلت مع أبي على معاوية وكان أبي يأتيه فيتحدث معه ثم ينصرف إلي، فيذكر معاوية وعقله ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فامسك عن العشاء ورأيته مغتماً فانتظرت ساعة وظننت انه لأمر حدث فينا، فقلت ما لي أراك مغتما منذ الليلة؟ فقال: يا بني جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم!! قلت: وما ذاك؟.. قال: قلت له وقد خلوت به إنك قد بلغت سناً يا أمير المؤمنين! ـ معاوية ـ فلو أظهرت عدلاً وبسطت خيراً فانك قد كبرت، ولو نظرت إلى اخوتك من بني هاشم فوصلت أرحامهم فوالله ما عندهم اليوم شيء تخافه وان ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات أي ذكر أرجو بقاءه، ملَكَ أخو تيم ـ أبو بكر ـ فعدل، وفعل ما فعل فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلا أن يقول قائل أبو بكر، ثم ملك اخو عدي فاجتهد وشمر عشر سنين فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلا أن يقول قائل عمر، وان ابن أبي كبشة ليصاح به كل يوم خمس مرات: أشهد أن محمداً رسول الله، فأي عملي يبقى وأي ذكر بعد هذا، لا أبا لك.. لا والله إلا دفنا دفنا.
103ـ كشف الغمة: ج2 ص21، وروضة الواعظين: ص191، والاحتجاج: ص307، واللهوف: ص181.
104ـ كشف الغمة: ج1 ص480، والاحتجاج: ص97 ودلائل الامامة: ص33، وبلاغات النساء: ص28.
105ـ راجع الأمالي للشيخ الصدوق: ص234 ح7 المجلس الحادي والأربعون، والمناقب: ج2 ص343، وروضة الواعظين: ص443.
106ـ مناقب ابن شهر آشوب: ج3 ص119 فصل في سيرتها (عليها السلام).
107ـ سورة آل عمران: 133.
108ـ راجع مكارم الأخلاق: ص235 الفصل العاشر.
109ـ مكارم الأخلاق: ص235 الفصل العاشر.
110ـ هو الشيخ الأكبر جعفر بن الشيخ خضر الجنانجي النجفي، علم الأعلام وسيف الإسلام، صاحب كتاب كشف الغطاء، توفى سنة 1128هـ قبره في النجف، عن الكنى والألقاب: ج3 ص103.
111ـ الدولة الإدريسية: دولة إسلامية شيعية أسسها إدريس بن عبد الله، استقلت عن الخلافة العباسية وملكت المغرب الأقصى وتلمسان (172 ـ 363هـ / 788 ـ 974م) كانت عاصمتها وليلي ثم فاس.
112ـ تأسست في مصر عام (297 ـ 567هـ) أسستها سلالة تنتسب إلى الإمام علي (عليه السلام) وفاطمة الزهراء (عليها السلام) بلغت أوج اتساعها في عهد المعز الذي أخضع شمالي أفريقية وأصبحت القاهرة عاصمة للدولة، قضى عليها صلاح الدين الأيوبي.
113ـ قامت في إيران (1501 ـ 1736م) أعلن فيها المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة عاصمتها تبريز ثم قزوين.
114ـ ارشاد القلوب: ص294..


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page