• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

زينب (عليها السلام) وزيارة الأربعين

قال المفيد (رحمه الله) في الإرشاد: ندب يزيد النعمان بن بشير وقال له: تجهز لتخرج بهؤلاء النسوة الى المدينة، وانفذ معهم في جملة النعمان بن بشير رسولاً تقدم اليه ان يسير بهم في الليل، ويكونوا أمامه حيث لا يفوتون طرفه فاذا نزلوا انتحى عنهم، وتفرق هو وأصحابه حولهم كهيئة الحرس لهم، وينزل منهم بحيث ان اراد انسان من جماعتهم وضوء او قضاء حاجة لم يحتشم، فسار معهم في جملة النعمان، ولم يزل ينازلهم في الطريق ويرفق بهم حتى دخلوا المدينة.
وقال السيد ابن طاووس: لما بلغوا العراق قالوا للدليل: مر بنا على طريق كربلاء، فوصلوا الى موضع المصرع، فوجدوا جابر بن عبد الله الانصاري (رحمه الله) وجماعة من بني هاشم ورجالاً من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قد وردوا لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) فوافوا في وقت واحد، وتلاقوا بالبكاء والحزن واللطم، وأقاموا المأتم المقرحة للاكباد، واجتمع اليهم نساء ذلك السواد، فأقاموا على ذلك أياماً قال: ثم انفصلوا من كربلاء طالبين المدينة.

هذه هاجر.. وهذه زينب(ع)
جاء في قصة إبراهيم الخليل (عليه السلام) انه لما أراد ان يأخذ ابنه إسماعيل (عليه السلام) معه الى منى ليقدمه قرباناً الى الله تعالى، طلب من أمه هاجر ان تزينه وتلبسه ملابسه الفاخرة والنظيفة، حتى يأخذه معه الى ضيافة خليله العزيز، وهو يقصد به ضيافة الله تبارك وتعالى، غير انه كنى عنه بذلك، ولم يصرح أمام امه بما يريده إشفاقا منه عليها.
فهيأته فأخذه معه وتله للجبين ووضع المدية على رقبته، واخذ يحز بها رقبته حتى اذا اثر ذلك في عنقه بالحمرة فقط لا قطعاً، نزل جبرئيل ومعه كبش كبير وأمره بذبحه مكان ولده، فذبح إبراهيم الكبش ورجع باسماعيل سالماً الى امه..
فلما وقع نظر الام الحنون هاجر(عليها السلام) على موقع المدية وأثرها من الاحمرار على رقبة ابنها العزيز إسماعيل، خرت على الأرض مغشياً عليها، ثم لم تعش في الحياة بعد ذلك الا قليلاً.
وبالمقارنة بين هذه الأم الحنون، وبين الام العطوف السيدة زينب (عليها السلام) يعرف مدى صبر عقيلة بني هاشم على المصائب الكبرى، وتجلدها عند الافتجاع بالأحباب والأعزة.
فالسيدة زينب (عليها السلام) بدل تزيين هاجر ابنها إسماعيل تلبس ولديها محمداً وعوناً ـ وكل منهما إسماعيل عصره وزمانه ـ لامة الحرب، وتطلب من أخيها الإمام الحسين(عليه السلام) ان يقبلهما فدائيين صغيرين له، وان ياذن لهما في المبارزة والشهادة بين يديه.
والسيدة زينب (عليها السلام) تعرضت مكان رؤية هاجر احمرار رقبة ابنها إسماعيل المتاثر بامرار المدية عليها، الى رؤية جسد ولديها مقطعاً بالسيوف، موذراً على رمضاء كربلاء، فصبرت وغضت الطرف عنهما، وسكنت ولم تبك عليهما، وتجلدت ولم تذكرهما في مدح ولا رثاء، ولا في مناسبة او مكالمة، كل ذلك اعظاماً منها لأخيها الإمام الحسين(عليه السلام) وإكبارا له، واحتقاراً منها لقليل ما قدمته له وبين يديه، ولئلا يخجل الإمام الحسين (عليه السلام) منها.
لكن نفس هذه السيدة العظيمة لما سمعت بأن ابن أخيها علي الأكبر (عليه السلام) قد استشهد خرجت من المخيم الى المعركة وهي مُوَلوِلة ومعولة، وصارخة ومنادية: واعلياه.. وا ابن اخاه.. مما اشغلت بال أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) عن ولده، وعطفت همه عليها، ووجهت فكره اليها، والى ارجاعها الى المخيم.

السيدة زينب (ع) في موكب كربلاء
لما اطّلعت السيدة زينب (عليها السلام) على عزم أخيها الإمام الحسين(عليه السلام) اضطربت اضطرابا شديداً خوفا من ان يمنعها زوجها وابن عمها عبد الله من مصاحبتها لأخيها، ولذلك جاءت الى ابن عمها عبد الله، مسرعة وهي باكية تقول له:
يا ابن العم هذا الإمام الحسين (عليه السلام) أخي وشقيقي قد عزم على المسير الى العراق، وانت تعلم علاقتي به، ومحبتي له، وعدم صبري على فراقه، وحيث ان النساء لا يجوز لهن السفر ولا الخروج من البيت إلا برضى أزواجهن، جئت إليك اطلب منك الإذن في السفر مع أخي الإمام الحسين(عليه السلام)، فان لم تأذن لي بذلك امتثلت امرك وانتهيت بنهيك ولم اذهب معه، ولكن كن على علم باني لو لم اذهب معه لما بقيت بعده في الحياة الا قليلا.
وما ان تم كلام السيدة زينب (عليها السلام) وانتهى استئذانها حتى سالت دموع ابن عمها عبد الله على خديه، وأجهش لها بالبكاء حيث انه لم يعُد يتمالك نفسه لما رأى السيدة زينب (عليها السلام) قلقة مضطربة هذا الاضطراب الشديد، ووجلة ومنقلبة هذا الانقلاب العجيب، بحيث انه لو واجهها بكلمة: لا، فارقت الحياة من شدّة الصدمة وماتت من حينها، ولذلك، ولما ورد: من أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لما زوج ابنته زينب (عليها السلام) من ابن أخيه عبد الله بن جعفر اشترط عليه في ضمن العقد أن لا يمنعها متى أرادت السفر مع أخيها الحسين(عليه السلام).
قال لها: يا بنت المرتضى، ويا عقيلة بني هاشم، نهنهي عن نفسك، وهوني عليك، فاني لا أجهل علاقتك ولا انسى مواقفك فافعلي كيف شئت، وحسبما تحبّين، فاني عند رأيك، وأمر ابنيه عونا و محمدا بالمسير مع الحسين (عليه السلام)، والملازمة في خدمته، والجهاد دونه.
فسرّت السيدة زينب (عليها السلام) من موقف ابن عمها عبد الله تجاهها وشكرته على ذلك، ثم ودعته وغادرت بيته لتلتحق بأخيها الإمام الحسين(عليه السلام).
ولما تراءت السيدة زينب (عليها السلام) للإمام الحسين(عليه السلام) من بعيد، وكان الإمام (عليه السلام)يترقب مجيئها وينتظر قدومها، استقبلها بكل حفاوة وقد اغرورقت عيناه بالدموع، ورحب بها كل ترحيب، ثم ضمها الى موكبه بغاية من التبجيل والاحترام، وعاملها بما لم يعامل به أحدا ممن معه من النساء غيرها، مما يدل على جلالة شأنها، وعظيم منزلتها عند الله ورسوله وعند إمامها: الإمام الحسين(عليه السلام).
ويشهد لهذا التبجيل والاحترام الذي خص الإمام الحسين(عليه السلام) به أخته العقيلة زينب الكبرى(عليها السلام) من بين النساء، ما جاء في كتاب (أسرار الشهادة) وغيره، وذلك عند التعرض لخروج موكب الإمام الحسين (عليه السلام) من المدينة المنورة.
يقول الراوي: رأيت ما يقرب من أربعين محملا مجهزا بأجهزة ثمينة، مزينا بستور راقية، قد أعدت للنساء من بني هاشم وآل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، عندها اقبل الإمام الحسين(عليه السلام) وقال لبني هاشم: بان يركبوا محارمهم من النساء.
قال الراوي: وكنت انا في هذه اللحظات أفكر في سيدتي زينب (عليها السلام) وما سيكون من أمرها مع ما هي عليه من جاه وجلال، وعزّ ودلال، واذا بي أرى شابا يخرج من دار الإمام الحسين (عليه السلام) يلفت جماله الأنظار، ويبهت نوره الأبصار، وسيم رشيد، على خده خال، قد اقبل نحو المحامل، وهو يقول: يا بني هاشم طأطئوا رؤوسكم وابتعدوا عن المحامل. واذا بامرأتين موقّرتين من خلفه تخرجان من الدار، وتجران ذيولهما عفة وحياءا، قد حف بهما الجواري والغلمان، فقدم ذلك الشاب الوسيم واحدا من تلك المحامل وثنّى رجله لتلك المرأتين الجليلتين واخذ بيديهما الإمام الحسين(عليه السلام) واركبهما في محملهما.
قال الراوي: فلما ركبتا المحمل سألت عنهما وعن الشاب الوسيم الذي ثنى رجله لهما؟ فقيل: اما الشاب فهو قمر بني هاشم العباس بن أميرالمؤمنين(عليه السلام) واما المرأتان فهما السيدتان: زينب الكبرى(عليها السلام) وأم كلثوم بنتا أمير المؤمنين (عليه السلام) وبنتا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وذريته.
نعم سافرت الحوراء زينب (عليها السلام) في الموكب الحسيني المهيب من المدينة الى كربلاء في عزّ وجلال، وحشمة ووقار، تحت رعاية أخيها الحسين (عليها السلام).
وكان (عليه السلام) يعزز أخته الكبرى ويكرمها ويكنّ لها غاية الحبّ والاحترام.
وكانت هي في ظلال أخيها وفي كل المنازل وطول الطريق آمنة مطمئنة لا تخشى ظلما ولا تخاف ضيما، تحف بها الأبطال من عشيرتها وتكتنفها الأسود الضارية من إخوتها وأبناء إخوتها وعمومتها، كأبي الفضل العباس، وعلي الاكبر، والقاسم بن الحسن، وأبناء جعفر وعقيل وغيرهم من الهاشميين.
ولكن كان سفرها من كربلاء إلى الكوفة بعد قتل أخيها الحسين (عليه السلام) وأصحابه الأبرار، ومن الكوفة إلى الشام، تحت رعاية الظالمين الفجار!!.
سافرت وهي حزينة القلب، كسيرة الخاطر، باكية الطرف، ناحلة الجسم، مرتعدة الأعضاء قد فارقت أعزّ الناس عليها واحبهم إليها، تحفّ بها النساء الأرامل، والأيامى الثواكل، وأطفال يستغيثون من الجوع و العطش، وتحيط بهم القوم اللئام من قتلة أهل بيتها وظالمي أهلها، وناهبي رحلها، كشمر بن ذي الجوشن، وزجر بن قيس، وسنان بن أنس، وخولي بن يزيد الأصبحي، وحرملة بن كأهل وأمثالهم، لعنهم الله وأخزاهم، ممن لم يخلق الله في قلوبهم الرحمة، اذا دمعت عينها أهوت عليها السياط، وإن بكت أخاها لطمتها الأيدي القاسية، وهكذا كانت سفرتها هذه.

سيدة العائلة
وبعد رحيل أمها الزهراء الى عالم الخلود ، أصبحت السيدة زينب على صغر سنها سيدة المنزل وربة البيت ، ترعى شؤون أبيها واخوتها تماماً كما كانت أمها الزهراء تملأ فراغ اُمها خديجة بنت خويلد بالنسبة لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) حتى سميت أم أبيها .
وقد أشار العديد من الكتّاب والباحثين الى تحمل السيدة زينب لأعباء المنزل والعائلة بعد وفاة أمها الزهراء ( عليها السلام ) .
يقول الأستاذ محمود يوسف : وقدّر للسيدة زينب أن تفقد جدها ( صلى الله عليه وسلم ) وهي في الخامسة من العمر ، وفقدت أمها الزهراء بعد ذلك بشهور قلائل فحزنت وهي الصبية الصغيرة عليهما حزناً شديداً ، وواجهت حياة البيت ورعته وأدارت شؤونه بعقلية رتيبة واعية ، وحس صادق وقلب مؤمن (1) .
ويقول السيد بحر العلوم : وتحملت عقيلة بني هاشم مسؤولية بيت علي
وعاشت في خضم المشاكل والأحداث ، ويكاد هذا البيت ينفجر من الأحداث ، فالأقدار تتواثب عليه ، والنوائب تصليه . . . وقلب زينب أخذ يتسع لكل هذه وأكثر منها ، ولا غرابة فهي أبنة علي . . (2) .
وتقول السيدة عائشة بنت الشاطيء : وإذا استطعنا أن نتناسى الى حين أحزان تلك الصبية التي روّع عامها الخامس بشهود مأساة الموت مرتين ، في أعز الناس لديها وأحبهم اليها ، اذا استطعنا أن نكف لحظة عن التحديق في تلك الظلال التي حامت على مهدها ، والأحزان التي أرهقت صباها ، ألفينا جانباً آخر من الصورة مشرقاً ، حيث تبدو « زينب » في بيت أبيها ذات مكانة أكبر من سنها : أنضجتها الأحداث ، وهيأتها لأن تشغل مكان الراحلة الكريمة ، فتكون للحسن والحسين وأم كلثوم ، أُماً لا تعوزها عاطفة الأمومة بكل ما فيها من حنو وايثار ، وإن أعوزتها التجربة والاختبار (3) .

في بيت الزوجية
وتجاوزت زينب مرحلة الصبا ، واكتمل نضجها الجسدي والنفسي ، ومع شديد رغبتها في البقاء قرب أبيها ، وفي توفير الرعاية والعناية لأخويها الحسنين ، الا أنه كان لابد لها من الزواج ، لما يعنيه الزواج من تكامل في الشخصية ، واستجابة للسنة الآلهية التي جعلها الله ( تعالى ) في بني البشر بل في كافة المخلوقات كما يقول ( تعالى ) : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين ) (4) ، ولأن تعاليم الاسلام تحث على الزواج وتحبذه ، وتذم العزوبة وتنفر منها .
فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني » (5) .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال لرجل يقال له عكاف : ألك زوجة ؟ .
قال : لا .
فقال ( صلى الله عليه وآله ) : ألك جارية ؟ .
قال : لا يا رسول الله .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : أفأنت موسر ؟ .
قال : نعم .
قال ( صلى الله عليه وآله ) : تزوج والا فأنت من المذنبين .
وفي رواية : تزوج والا فأنت من إخوان الشياطين (6) .
وعن النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « شراركم عزّابكم وأراذل موتاكم عزابكم » (7) .
ومهما كانت كفاءة البنت وفضلها فإن ذلك لا يغنيها عن نعمة الحياة الزوجية ، ومخطئة جداً من تظن أن الشهادة الدراسية أو المنصب الوظيفي أو أي كفاءة علمية أو اجتماعية يمكن أن تصبح بديلاً عن الزواج أو أن تملأ الفراغ في حياة المرأة بدلاً عن الزواج . . إنه لو كان كذلك لاستغنت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عن الزواج وهي لا تداني في فضلها ومؤهلاتها ، ولاستغنت ابنتها العقيلة زينب عن تحمل أعباء الحياة الزوجية لما لها من الفضل والكفاءة ! .
لقد دخلت امرأة ذات يوم على الامام الصادق ( عليه السلام ) وقالت : أصلحك الله إني متبتلة .
فسألها الامام : وما التبتل عندك ؟ .
قالت : لا أريد التزويج أبداً .
قال : ولم ؟ .
قالت : ألتمس في ذلك الفضل .
فقال : انصرفي فلو كان في ذلك فضل لكانت فاطمة ( عليها السلام ) أحق به منك ، انه ليس أحد يسبقها الى الفضل (8) .
وجاء الخاطبون يتوافدون على بيت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) كل منهم يتمنى أن يحظى بشرف الاقتران بالعقيلة زينب ، رغبة في الاتصال بالنسب النبوي الشريف ، ولما يعرفونه من كمال زينب وفضلها وأدبها ، لكن أباهاً علياً كان يرد كل خاطب لأنه ( عليه السلام ) قد اختار لابنته الزوج المناسب والكفوء .
يقول السيد الهاشمي : إن العقيلة زينب بنت علي خطبها الأشراف من قريش والرؤساء من القبائل . . ويروى انه خطبها الأشعث بن قيس وكان من ملوك كندة (9) .
والعناية الآلهية التي أحاطت بالسيدة زينب ( عليها السلام ) ووجهت مسارات حياتها كان لابد وأن تتدخل في شأن هذا الأمر الخطير من حياة السيدة زينب ، وهو اختيار القرين والزوج المناسب الكفوء لهذه المرأة العظيمة . . وهذا ما حصل بالفعل فقد شاء الله ( تعالى ) أن تقترن العقيلة زينب بواحد من أعظم وأنبل شباب الهاشميين وهو ابن عمها عبدالله بن جعفر بن أبي طالب .
واختيار الامام علي لعبدالله بن جعفر ليكون زوجاً لابنته زينب اختيار أكثر من موفق ، فعلي يعرف مكانة أخيه جعفر ، وعبدالله ربيب للامام علي حيث أصبح في رعايته بعد شهادة أبيه جعفر ، وأمه اسماء بنت عميس وثيقة الصلة والعلاقة بالسيدة الزهراء أم العقيلة زينب ، ثم هي قد أصبحت زوجاً للامام علي ، اضافة لكل ذلك المؤهلات الشخصية التي كان يجدها الامام في ابن أخيه عبدالله بن
جعفر ، وقد أصدق الامام ابنته زينب 480 درهماً من خالص ماله كصداق أمها فاطمة الزهراء ( ع ) .
ولنسلط الأضواء الآن على شخصية هذا الرجل العظيم :
أبوه : جعفر الطيار :
وجعفر الطيار هو ابن أبي طالب ، وأخو الامام علي ، وهو أكبر من الامام علي بعشر سنين ، وهو ثالث من أسلم وصلى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، بعد علي وخديجة ، حيث كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يتقدمهم للصلاة وعلي عن يمينه وجعفر عن يسارةه وخديجة من خلفه .
وكان جعفر يشبه النبي ( صلى الله عليه وآله ) في خلقه وخُلقه ، وكان يكنيه « أبا المساكين » .
وعن الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) : كان جعفر أشبه الناس برسول الله خلقاً وخُلقاً ، وكان الرجل يرى جعفر فيقول : السلام عليك يا رسول الله . يظنه اياه ، فيقول : لست برسول الله أنا جعفر .
قال حسان بن ثابت :
وكنا نرى في جعفر من محمد                وقاراً وأمراً حازماً حين يأمر
وما زال في الاسلام من آل هاشم          دعائم صدق لاترام ومفخر
هم جبل الاسلام والناس حولهم             رضام الى طود يطول ويقهر
بها ليل منهم جعفر وابن اُمه                   علي ومنهم أحمد المتخير (10)
وهو الذي قاد أول مجموعة مسلمة مهاجرة الى الحبشة ، من مكة المكرمة ومعه زوجته أسماء بنت عميس .
وبقي جعفر في الحبشة حتى السنة السابعة من الهجرة ، وعندما ترك الحبشة قاصداً المدينة ، كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) راجعاً من حرب خيبر ، والتقاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقبله بين عينيه ، وقال : ما أدري بأيهما أشد فرحاً بقدوم جعفر أو بفتح خيبر .
وقال له : أنت أشبه الناس بخلقي وخُلقي وقد خلقت من الطينة التي خلقت منها .
ولم يمض على بقاء جعفر في المدينة الى جنب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) الا حوالي سنة واحدة حتى بعثه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سنة 8 هـ على رأس جيش من المسلمين يبلغ ثلاثة آلاف مقاتل لمواجهة الروم .
وفي مؤتة ـ قرية في الأردن ـ حصلت معركة حاسمة على حدود الشام حيث كان عدد جيش الروم أكثر من مائة ألف ، وأخذ الراية جعفر وتقدم بمن معه من المسلمين وحمل على تلك الحشود التي ملأت الصحراء بعددها وعتادها ، وظل يقاتلهم حتى قطعت يمينه وشماله وخر صريعاً ، ووجدوا في مقدم جسده بعد شهادته أكثر من تسعين ضربة وطعنة .
وكان ينشد أثناء القتال :
يا حبذا الجنة واقترابها             طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها          كافرة بعيدة أنسابها
عليّ إذ لاقيتها ضرابها
وكانت شهادة جعفر في غزوة مؤتة في جمادي الأولى سنة 8 هـ .
وفي ( عمدة الطالب ) : لما رأى جعفر الحرب قد اشتدت ، والروم قد غلبت ، اقتحم عن فرس له أشقر ثم عقره ، وهو أول من عقر في الاسلام فقاتل حتى قطعت يده اليمنى ، فأخذ الراية بيده اليسرى وقاتل الى أن قطعت يده اليسرى أيضاً ، فاعتنق الراية وضمها الى صدره حتى قتل ، ووجد فيه نيف وسبعون ، وقيل نيف وثمانون ما بين طعنة وضربة ورمية .
وحينما وصل خبر مقتله الى المدينة جزع المسلمون كثيراً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، إن له جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة » .
فسمي ذا الجناحين والطيار (11) .
وقال ( صلى الله عليه وآله ) : « اللهم إن جعفراً قد قدم الى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحداً من عبادك في ذريته » (12) .
وينقل التاريخ أن جعفر بن أبي طالب كان معروفاً بحسن السيرة والسلوك حتى قبل الاسلام ، وروي عنه أنه كان يتحدث عن حياته في الجاهلية ، فيقول : ما شربت خمراً قط ، لأني علمت إن شربتها زال عقلي ، وما كذبت قط ، لأن الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قط ، لأني خفت اني إذا عملت عمل بي ، وما عبدت صنماً قط ، لأني علمت انه لا يضر ولا ينفع .
وروي أن جعفر بن أبي طالب كان يقول لأبيه : يا أبة إني لأستحي أن أطعم طعاماً وجيراني لا يقدرون على مثله ! فأجابه أبوه : إني لأرجو أن يكون فيك خلف
من عبد المطلب (13) .
وفي الحديث أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : « إن الله اختارني في ثلاثة من أهل بيتي ، أنا سيد الثلاثة : اختارني وعلياً وجعفراً وحمزة » (14) .
ذلك هو الأصل الذي تفرع عنه عبدالله بن جعفر زوج السيدة زينب ( عليها السلام ) .
أمه (أسماء بنت عميس):
كانت أسماء بنت عميس الخثعمية امرأة كريمة شريفة ذات رأي حازم ، ومعرفة وتجربة ، هاجرت في سبيل الله مع زوجها جعفر الطيار هجرتين ، الأولى الى الحبشة ، والثانية الى المدينة .
وبعد شهادة زوجها جعفر تزوجت من أبي بكر فأولدها « محمد بن أبي بكر » .
وكانت وثيقة الصلة بالسيدة الزهراء ( عليها السلام ) وهي التي ساعدتها فترة مرضها بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وكانت قريبة منها عند وفاتها ، وشاركت الامام علي في تجهيز فاطمة الزهراء .
وبعد وفاة أبي بكر تزوجها الامام علي وضمّها الى عياله مع ولدها محمد بي أبي بكر وهو في الرابعة من عمره ، والذي أصبح ربيب الامام علي ، وولدت للامام علي ولداً أسماه « يحيى » (15) ، فعبدالله بن جعفر ومحمد بن أبي بكر ويحيى بن علي اخوة من أم واحدة .
يقول عنها العلامة المحقق الشيخ جعفر النقدي : كانت أسماء من القانتات العابدات ، روت الحديث عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وعن علي والزهراء ( عليهما السلام ) . وروى عنها كثيرون منهم ابنها عبدالله بن جعفر ، وحفيدها القاسم بن محمد بن أبي بكر وهو جد امامنا الصادق ( عليه السلام ) لأمه ، وروى عنها عبدالله بن عباس وهو ابن أختها « لبابة بنت الحارث » . . .
قيل : وكان الخليفة عمر يسألها عن تفسير المنام ، ونقل عنها أشياء من ذلك ومن غيره ، قال في ( الاصابة ) : ويقال أنها لما بلغها قتل ولدها محمد بمصر قامت الى مسجد بيتها وكظمت غيظها حتى شخب ثدياها دماً (16) .
وقد عبر عنها الامام الصادق ( عليه السلام ) بـ « النجيبة » ، وترحم عليها بقوله : « رحم الله الاخوات من أهل الجنة » وعد أسماء في مقدمتهن (17) .
هذا هو الحضن الذي تربى فيه عبدالله بن جعفر زوج السيدة زينب ( عليها السلام ) .
شخصية عبدالله بن جعفر:
هو أكبر أولاد أبيه ، وقد ولد في الحبشة عندما هاجر اليها والداه ، وهو أول مولود ولد في الاسلام بأرض الحبشة ، وبعد شهادة أبيه في مؤتة أخذه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حجره قائلاً :
« أما عبدالله فشبيه خلقي وخُلقي ، اللهم اخلف جعفراً في أهله ، وبارك لعبدالله في صفقة يمينه » .
وخاطب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أسماء زوجة جعفر والتي كانت متأثرة ليتم ابنائها قائلاً : « لا تخافي عليهم أنا وليهم في الدينا والآخرة » (18) .
وطبيعي أن يرعاه عمه علي بعد شهادة أبيه .
وصحب عبدالله بن جعفر النبي ، وحفظ الحديث عنه ، ولازم عمه أمير المؤمنين ، وابني عمّه الحسن والحسين ، وأخذ العلم عنهم .
قال عبدالعزيز سيد الأهل : راى النبي وكانت له به صحبة وكرمه رسول الله
فأردفه يوماً في ركوبه ثم شرّفه فاسرّ اليه حديثاً حين أركبه فاردفه (19) .
وكان أغنى بني هاشم وايسرهم ، وكانت له ضياع كثيرة ، ومتاجر واسعة وكان أسخى رجل في الإسلام ، وله حكايات في الجود كثيرة وعجيبة (20) .
وجاء في كتاب ( الاستيعاب ) : أن عبدالله بن جعفر كان كريماً جواداً ظريفاً خليقاً عفيفاً سخياً ، يسمى بحر الجود .
وذكر ابن عساكر قال : روى الحافظ : أن معاوية كان يقول : بنو هاشم رجلان رسول الله لكل خير ذكر ، وعبدالله بن جعفر لكل شرف ، والله لكأن المجد نازل منزلاً لا يبلغه أحد وعبدالله بن جعفر نازل وسطه (21) .
ومن جود ابن جعفر وكرمه ، ما ذكره ابن عساكر في ( تاريخه ) قال : جاء شاعر الى عبدالله بن جعفر فأنشده :
رأيت أبا جعفر في المنام                كساني من الخزّ دراعة
نقلت الى صاحبي أمرها                فقال ستئوتى بها الساعة
سيكسوكها الماجد الجعفري           ومن كفه الدهر نفاعة
ومن قال للجود لا تعدني                فقال : لك السمع والطاعة
فقال عبدالله لغلامه : ادفع اليه جبتي الخزّ .
ثم قال له : ويحك كيف لم تر جبّتي الوشي التي اشتريتها بثلاثمائة دينار منسوجة بالذهب .
فقال : اغفي غفية اخرى فلعلي أراها في المنام .
فضحك منه عبدالله وقال لغلامه : ادفع اليه جبتي الوشي أيضاً (22) .
وقال ابن حيان : كان يقال لعبدالله بن جعفر قطب السخاء ، وكان له عند موت النبي عشر سنين (23) .
وقال ابن حجر في ( الأصابة ) : أخرج ابن أبي الدنيا والخرائطي بسند حسن إلى محمد بن سيرين : ان دهقاناً من أهل السواد كلم ابن جعفر في أن يكلم علياً في حاجة ، فكلمه فيها ، فقضاها فبعث اليه الدهقان أربعين ألفاً ، فردها وقال : إنا لا نبيع معروفاً (24) .
ومضى اليه رجل يدعي أنه ابن سبيل ، قد راهن الناس على ان عبدالله أجود الناس ، فقالوا : أرنا .
فجاء اليه وعبدالله على راحلته يريد ضيعة له ، فقال الرجل :
يا ابن عم رسول الله .
قال : قل ما تشاء .
قال : انا ابن سبيل قد انقطع بي .
فأخرج عبدالله رجله من ركابه ونزل عن راحلته ، وقال له : ضع رجلك ، واستو على الناقة ، وخذ ما في الحقيبة ، وايّاك أن تخدع عن السيف فانه من سيوف علي بن أبي طالب .
ثم ترك الرجل ورجع .
أما الرجل فقد وضع رجله في الركاب واستوى على الناقة ومدّ يده الى الحقيبة
فوجدها ممتلئة بمطارف الخزّ ، وبها اربعة آلاف دينار ، وكان سيف علي أنفس من المطارف وأجل من الدنانير (25) .
وخرج عبدالله بن جعفر يوماً الى ضيعة له فنزل على حائط به نخيل لقوم وفيه غلام اسود يقوم عليه ، فأتى بقوته ثلاثة اقراص فدخل كلب فدنا من الغلام ، فرمى اليه بقرص فأكله ، ثم رمى اليه بالثاني والثالث فأكلهما ، وعبدالله ينظر اليه .
فقال : يا غلام كم قوتك كل يوم ؟ .
قال : ما رأيت .
قال : فلم آثرت هذا الكلب ؟ .
قال إن أرضنا ما هي بأرض كلاب ، وان هذا الكلب جاء من مسافة بعيدة جائعاً فكرهت أن أردّه .
قال : فما أنت صانع اليوم ؟ .
قال : أطوي يومي هذا .
فقال عبدالله بن جعفر : ءألام على السخاء وهذا العبد أسخى مني ؟ .
ثم اشترى الحائط وما فيه من النخيل والآلات ، واشترى الغلام ثم أعتقه ووهبه الحائط بما فيه من النخيل (26) .
ويشير السيد بحر العلوم الى أن الخيرات والبركات قد انهالت على عبدالله بن جعفر عند زواجه بالسيدة زينب ( عليها السلام ) فيقول : وزحفت البركة على ابن جعفر مع زينب فوفد عليه الرزق من المال والولد ، وامتلاك الضياع ، وفاضت أرضه بالثمار والغلات ، ووفد أهل المدينة وأبناء السبيل في حاجاتهم على
بابه : باب زينب بنت الزهراء (27) .
وكان عبدالله بن جعفر منقطعاً الى عمه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ثم الى الحسنين ( عليهما السلام ) وله في الجمل وصفين والنهروان ذكر مشهور .
واشار ابن عبد ربه الأندلسي الى أن عبدالله بن جعفر كان كاتباً لعمه الإمام علي فترة خلافته (28) .
ويقول السيد الخوئي ( قده ) عن شخصية عبدالله بن جعفر : جلالة عبدالله بن جعفر الطيار بن أبي طالب بمرتبة لا حاجة معها الى الأطراء . ومما يدل على جلالته أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) كان يتحفظ عليه من القتل كما كان يتحفظ على الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ومحمد بن الحنفية (29) .
أما عدم خروجه مع الحسين ( عليه السلام ) الى كربلاء فقد قيل : انه كان مكفوف البصر ، ولما نعي اليه الحسين ، وبلغه قتل ولديه عون ومحمد كان جالساً في بيته ، ودخل عليه الناس يعزونه فقال غلامه أبو اللسلاس : هذا ما لقينا من الحسين .
فحذفه عبدالله بنعله ، وقال له : يابن اللخناء أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه ، والله انهما لمّما يسخى بالنفس عنهما : ويهون عليّ المصاب بهما انهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه .
ثم انه أقبل على الجلساء فقال : الحمد لله اعزز عليّ بمصرع الحسين إن لم أكن واسيت الحسين بيدي فقد واسيته بولدي (30)
بقي أن نشير الى عبدالله بن جعفر قد تزوج في حياة السيدة زينب بنساء
أخريات منهن : الخوصاء بنت حفصة بن ثقيف بن ربيعة من بني بكر بن وائل ، ومنها ولده محمد الشهيد في كربلاء ، وكذلك أخوه عبيدالله الذي ذكرت بعض المصادر أنه الشهيد الثالث من أولاد عبدالله بن جعفر في كربلاء (31) .
تلك هي بعض الملامح والمعالم من حياة عبدالله بن جعفر قرين السيدة زينب وشريك حياتها .
وقد توفي سنة (80 هـ ) أو أربع أو خمس وثمانين ، في خلافة عبد الملك بن مروان ، وصلى عليه السجاد أو الباقر ( عليهما السلام ) وأمير المدينة يومئذٍ أبان بن عثمان بن عفان ، والذي أبّنه بقوله : كنت والله خيراً لا شرّ فيك ، وكنت والله شريفاً واصلاً براً (32) .

أولاد السيدة زينب عليها السلام
من يتأمل نضال السيدة زينب وأدوارها الرسالية العظيمة يكاد يغفل عن أن لها ابناءً كانت تتحمل مسؤولية رعايتهم وتربيتهم ، لتكون العقيلة زينب ( عليها السلام ) قدوة كاملة متكاملة للمرأة المسلمة الطموحة ، والتي تقوم بكل الأعباء والمهام العائلية المنزلية والدينية الأجتماعية ، ولنتعرف الآن على ثمرات فؤادها وفلذات كبدها :
1 ـ عون بن عبدالله بن جعفر
كان مع أمه زينب في صحبة خاله الإمام الحسين ، وقد نال شرف الشهادة في كربلاء ، وفجعت به أمه زينب الى جنب فجائعها الأخرى .
وقد برز الى ساحة الجهاد ، فجعل يقاتل قتال الأبطال وهو يرتجز :
ان تنكروني فأنا ابن جعفر     *    شهيد صدق في الجنان أزهر
يطير فيها بجناح أخضر     *    كفى بهذا شرفاً في المحشر
وتمكن الشاب البطل من قتل ثلاثة فوارس ، وثمانية عشر راجلاً . ثم ضربه عبدالله بن قطنة الطائي النبهاني بسيفه فقتله .
وقد ورد ذكر عون في الزيارة الواردة في الناحية المقدسة أي عن الإمام الثاني عشر المهدي المنتظر ( عليه السلام ) حيث قال :
« السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيار في الجنان ، حليف الإيمان ، ومنازل الأقران ، الناصح للرحمن ، التالي للمثان ، لعن الله قاتله عبدالله بن قطنة النبهاني » (33) .
2 ـ محمد :
وقد ذكره العديد من الباحثين في حياة السيدة زينب ، كالسبط ابن الجوزي في ( تذكرة الخواص ) ( ص 110 ) (31) وذكره السيد الهاشمي في كتابه ( عقيلة بني هاشم ) ( ص 36 ) والدكتورة بنت الشاطي في ( السيدة زينب ) ( ص 50 ) والشيخ محمد جواد مغنية ( مع بطلة الطف ) ( ص 36 ) و م . صادق ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) ( ص 62 ) وكتاب آخرون .
ولكن يبدو أن لعبدالله بن جعفر ولداً آخر اسمه محمد من زوجة اخرى هي الخوصاء من بني بكر بن وائل ، وقد استشهد مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء ، مما سبب الأشتباه عند بعض الباحثين فاعتبروا ولدّي عبدالله بن جعفر الشهيدين بكربلاء اعتبروهما ولدي السيدة زينب ( عليها السلام ) لكن التحقيق يثبت أن عوناً فقط هو ابن السيدة زينب ، أما أخوه محمد فهو ابن ضرتها « الخوصاء » كما نص على ذلك الباحثون حول شهداء كربلاء (34) .
3 ـ عباس :
ذكر المؤرخون اسمه دون الأشارة الى شيء من حياته وسيرته .
4 ـ علي :
المعروف بالزينبي ، وفي نسله الكثرة والعدد ، وفي ذريته الذيل الطويل والسلالة الباقية ، وهو كما في ( عمدة الطالب ) أحد ارجاء آل أبي طالب الثلاثة .
وفي ( تاج العروس ) مادة « زينب » : « والزينبون بطن من ولد علي الزينبي بن عبدالله الجواد بن جعفر الطيار ، نسبة الى أمه زينب بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وأمها فاطمة ( رض ) وولد علي هذا أحد أرجاء آل أبي طالب الثلاثة ) (35) .
ويقول عنه السيد الهاشمي : وأما علي بن عبدالله فهو المعروف بالزينبي ، نسبة الى أمه زينب بنت علي ( عليهما السلام ) ذكروا (36) أنه كان ثلاثة في عصر واحد بني عم ، يرجعون الى أصل قريب ، كلهم يسمى علياً ، وكلهم يصلح للخلافة ، وهم : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( السجاد ) ، وعلي بن عبدالله بن العباس ، وعلي بن عبدالله بن جعفر الطيار ، ولكن إمام المسلمين وقتئذٍ كان السجاد زين العابدين ، يعظمه القريب والبعيد ، وتعنوا له كبار المسلمين ، وقد تزوج علي بن عبدالله بن جعفر ، لبابة بنت عبدالله بن عباس حبر الأمة ، وكان نسل عبدالله بن جعفر منه ، والسادة الزينبية كثيرون في العراق وفارس ومصر والحجاز والأفغان والهند ، وقد جعل الله البركة في نسل هذه السيدة الطاهرة وطيب سلالتها (37) .
وقال ابن عنبة : كان علي الزينبي يكنى أبا الحسن وكان سيداً كريماً (38) .
وقد ألف الحافظ جلال الدين السيوطي ( 849 ـ 911 هـ ) رسالة حول ذرية السيدة زينب سماها ( العجاجة الزرنبية في السلالة الزينبية ) (39) .
5 ـ أم كلثوم :
أم كلثوم : وهي البنت الوحيدة كما يبدوا للسيدة زينب ، ولابد وأنها قد ورثت شمائل أمها ، وتحلت بمكارم أخلاق أبيها ، ولذلك تسابق الخاطبون لطلب يدها وكان من جملتهم معاوية بن أبي سفيان خطبها أيام سلطته لولده يزيد ، وكلف واليه على المدينة مروان بن الحكم أن يخطبها من أبيها ليزيد بن معاوية ، فقال أبوها عبدالله بن جعفر .
إن أمرها ليس اليّ إنما هو الى سيدنا الحسين وهو خالها .
فأخبر الحسين بذلك ، فقال : أستخير الله ( تعالى ) اللهم وفق لهذه الجارية رضاك من آل محمد .
فلما اجتمع الناس في مسجد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أقبل مروان حتى جلس الى الحسين ( عليه السلام ) وقال :
إن أمير المؤمنين معاوية أمرني بذلك ، وأن أجعل مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، مع صلح ما بين هذين الحيين ، مع قضاء دينه ، واعلم ان من يغبطكم بيزيد أكثر ممن يغبطه بكم ، والعجب كيف يستمهر يزيد وهو كفؤ من لا كفؤ له ، وبوجهه يستسقي الغمام ، فردّ خيراً يا أبا عبدالله .
فقال الحسين : الحمد لله الذي اختارنا لنفسه ، وارتضانا لدينه ، واصطفانا على خلقه .
ثم قال : يا مروان قد قلت فسمعنا .
أما قولك : مهرها حكم أبيها بالغاً ما بلغ ، فلعمري لو أردنا ذلك ما عدونا سنة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في بناته ونسائه وأهل بيته ، وهو اثنتا عشرة أوقية يكون اربعمائة وثمانين درهماً .
وأما قولك : مع قضاء دين أبيها ، فمتى كنّ نساؤنا يقضين عنّا ديوننا ؟ .
وأما صلح ما بين هذين الحيّين ، فإنا قوم عاديناكم في الله ، ولم نكن نصالحكم للدنيا ، فلعمري لقد اعيا النسب فكيف السبب ؟ .
وأما قولك : والعجب كيف يستمهر يزيد ؟ فقد استمهر من هو خير من يزيد ، ومن أبي زيد ، ومن جدّ يزيد ! .
وأما قولك : إن يزيد كفؤ من لا كفؤ له ، فمن كان كفوه قبل اليوم فهو كفوه اليوم ما زادته امارته في الكفاءة شيئاً .
وأما قولك : وجهه يستسقى به الغمام : فإنما كان ذلك وجه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) .
وأما قولك : من يغبطنا به أكثر ممن يغبطه بنا ، فإنما يغبطنا به أهل الجهل ويغبطه بنا أهل العقل .
ثم قال ( عليه السلام ) : فاشهدوا جميعاً إني قد زوجت أم كلثوم بنت عبدالله بن جعفر من ابن عمها القاسم بن محمد بن جعفر على اربعمائة وثمانين درهماً وقد نحلتها ضيعتين بالمدينة ـ أو قال أرضي العقيق ـ وإن غلتها بالسنة ثمانية آلاف دينار ففيهما لهما غنى إن شاء الله تعالى . فتغير وجه مروان ، وقال :
أردنا صهركم لنجد وداً         قد أخلقه به حدث الزمان
فلما جئتكم فجبهتموني       وبحتم بالضمير من الشنان
فأجابه ذكوان مولى بني هاشم :
أماط الله عنهم كل رجس        وطهرهم بذلك في المثاني
فمالهم سواهم من نظير         ولا كفو هناك ولا مداني
أتجعل كل جبار عنيد               الى الأخيار من أهل الجنان (40)

امتداد لشخصية أبيها
عاصرت السيدة زينب اباها لخمس وثلاثين عاماً ، كانت خلالها القريبة الى قلبه والعزيزة عليه ، وكان هو الأقرب الى نفسها ، والأشد تأثيراً عليها . . لذلك تقمصت السيدة زينب شخصية أبيها علي في شجاعته واقدامه ، وفي فصاحته وبيانه ، وفي عبادته وانقطاعه الى الله وفي سائر الفضائل والخصال الكريمة التي ورثتها زينب من أبيها علي بعد أن تربت في أحضانه وتتلمذت على يديه طوال خمس وثلاثين سنة .
ففي مجال البلاغة والفصاحة يقول العلامة الشيخ جعفر النقدي بعد أن يتحدث عن بلاغة علي وبيانه . فأعلم أن هذه الفصاحة العلوية ، والبلاغة المرتضوية ، قد ورثتها هذه المخدرة الكريمة ، بشهادة العرب أهل البلاغة والفصاحة أنفسهم ، فقد تواترت الروايات عن العلماء وارباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم بن كثير ، قال :
قدمت الكوفة في المحرم سنة احدى وستين عند منصرف علي بن الحسين من كربلاء ومعهم الأجناد ، يحيطون بهم ، وقد خرج الناس للنظر اليهم ، فلما أقبل
بهم على الجمال بغير وطاء ، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن فسمعت علي بن الحسين يقول بصوت ضئيل وقد أنهكته العلة ، وفي عنقه الجامعة ويده مغلولة الى عنقه : أن هؤلاء النسوة يبكين فمن قتلنا ؟ .
قال : ورأيت زينب بنت علي ولم أرَ خفرة أنطق منها كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين .
وهذا حذلم بن كثير من فصحاء العرب أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها ، وأخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية ، حتى أنه لم يتمكن أن يشبهها الا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء ، فقال : كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين (41) .
وفي جانب العبادة والمناجاة والتضرع كانت تحفظ العديد من أدعية ومناجاة أبيها علي وتواظب على قرائتها ، فقد روي عنها أنها كانت تدعو بعد صلاة العشاء بدعاء أبيها علي وهو : « اللهم إني أسألك ياعالم الأمور الخفية ، ويا من الأرض بعزته مدحية ، ويا من الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة . . » ، الى آخر الدعاء (42) .
كما كانت تناجي ربها بمناجاة أبيها علي ، وهي قصيدة روحية تفيض خشوعاً وتضرعاً لله ( سبحانه ) مطلعها :
لك الحمد ياذا الجود والمجد والعلى * تباركت تُعطي من تشاء وتمنع (43)
وكانت تلهج أيضاً بأبيات حكمية وعظية لأبيها علي جاء فيها :
وكم لله من لطف خفي * يدق خفاه عن فهم الذكي

وكم يسر أتى من بعد عسر         وفرج كربة القلب الشجي
وكم أمر تساء به صباحاً              فتأتيك الـمسّرة بالعشي
اذا ضاقت بك الأحوال يوماً           فثق بالواحد الفرد العلي (44)
هكذا تتابع السيدة زينب خطى أبيها علي ، وتتقمص شخصيته وتلهج بأدعيته وكلماته .

في محنة أخيها الحسن عليه السلام
وبادر الناس الى مبايعة الإمام الحسن بعد شهادة أبيه علي ( عليه السلام ) لما تواتر في أوساطهم من أحاديث وروايات عن جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في فضله ومكانته كقوله ( صلى الله عليه وآله ) :
« من سره أن ينظر الى سيد شباب أهل الجنة فلينظر الى الحسن » (45) .
وما رواه البراء قال : رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والحسن على عاتقه يقول : « اللهم إني أحبه فأحبه » (46) .
وفي رواية عن أبي هريرة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انه قال للحسن : « اللهم إني أحبه فأحبه ، وأحبب من يحبه » (47) .
وعنه ( صلى الله عليه وآله ) : « الحسن والحسين ريحانتاي من الدينا » (48) .
وقد بادر بعض الصحابة للإدلاء بشهاداتهم وما سمعوه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في حق الإمام الحسن عندما خطب الإمام الحسن مؤبّناً أباه علياً ومستقبلاً البيعة من الناس كما روى زهير بن الأقمر قال :
بينما الحسن بن علي يخطب بعدما قتل علي إذ قام اليه رجل من الأزد آدم طوال ، فقال : لقد رأيت رسول الله ( صلى الله علي وآله ) واضعه في حبوته يقول « من أحبني فليحبه فليبلغ الشاهد الغائب » ولولا عزمه من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما حدثتكم (49)
ومما دفع الناس الى مبايعة الإمام الحسن ما عرفوه من صفاته وكفاءاته التي لا يدانيه فيها أحد ، فهو أفضل الأمة بعد أبيه علي .
فهذا أنس بن مالك يقول : لم يكن أشبه برسول الله من الحسن (50) .
وتذاكر قوم من الصحابة يوماً حول من أشبه النبي من أهله ، فقال عبدالله بن الزبير ، أنا أحدثكم بأشبه أهله به وأحبهم اليه الحسن بن علي (51) .
وهذا عبدالله بن عمر وهو جالس في مسجد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) بالمدينة في حلقة فمرّ الحسن بن علي ، فقال : « هذا أحب أهل الأرض الى أهل السماء » (52) .
ويقول عمرو بن اسحاق : ما تكلم أحد أحب اليّ أن لا يسكت من الحسن بن علي وما سمعت منه كلمة فحش قط (53) .
وعن واصل بن عطاء : كان الحسن بن علي عليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك (54) .
وقال محمد بن اسحاق : ما بلغ أحد من الشرف بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ما بلغ الحسن كان يبسط له على باب داره ، فاذا خرج وجلس ، انقطع الطريق ، فما يمر أحد من خلق الله اجلالاً له ، فاذا علم قام ودخل بيته فمر الناس ، ولقد رأيته في طريق مكة ماشياً فما من خلق الله رآه الا نزل ومشى ، وحتى رأيت سعد بن أبي وقاص يمشي (55) .
ولأن الإمام الحسن بعد ذلك وصي أبيه أمير المؤمنين ، فلهذه العوامل جميعاً بادر الناس الى مبايعته ، فقد انبرى عبيدالله بن العباس مخاطباً الجمع الحاشد الذي اجتمع بعد مقتل الإمام علي قائلاً :
معاشر الناس هذا ابن نبيكم ـ يعني الحسن ـ ووصي إمامكم فيايعوه فهتف الناس مستجيبين قائلين : « ما أحبه الينا وأوجب حقه علينا ، وأحقه بالخلافة » (56) .
وهكذا بويع الإمام الحسن بالخلافة في الثاني والعشرين من شهر رمضان سنة (40 هـ ) ، بايعه الناس في الكوفة والبصرة والمدائن وجميع أهل العراق ، وبايعته فارس والحجازيون واليمانيون وجميع البلاد الإسلامية ، لكن معاوية بن أبي سفيان أصر على التمرد كما كان موقفه من خلافة الإمام علي ، بل وبدأ يعد العدة ويحشد الجيوش للزحف على عاصمة الخلافة الشرعية الكوفة ، ولم تنجح الجهود التي بذلها الإمام الحسن من رسائل ومبعوثين الى معاوية من ثنيه عن موقفه المتمرد الخارج على الشرعية .
فصصم الإمام الحسن على مواجهة بغي معاوية ، واستنهض جمهوره وعبأهم للقتال ، بعد ما بلغته أنباء تحرك جيش معاوية باتجاه العراق وقوامه ( 60 الفاً ) ، وقيل أكثر من ذلك (57) .
لكن الظروف لم تكن في صالح الإمام الحسن ، فقد كان جيشه وجمهوره متعباً منهكاً من الحروب الثلاثة التي خاضها مع الإمام علي ، كما كان الجيش والجمهور موزّع الولاء والاتجاه للتيارات المختلفة ومنها الخوارج وأصحاب المطامع ، وبلغ تعداد جيش الإمام الحسن ( 40 الفاً ) على أرجح الروايات التاريخية (58) .
واجتهد معاوية بن أبي سفيان كثيراً لتفتيت وتخريب الجبهة الداخلية لمعسكر الإمام الحسن فبث في أوساطه العملاء الذين ينشرون الأشاعات المثبطة والتشكيكات ، كما كثف مساعيه لأغراء واستقطاب العديد من الزعماء والرؤساء والشخصيات في معسكر الإمام ، بتقديم المبالغ المالية الضخمة لهم وتطميعهم بالمناصب والمواقع .
وبالفعل فقد تخلى عن الإمام الكثير من قيادات جيشه حتى ابن عمه عبيدالله بن العباس والذي كان يقود مقدمة جيش الإمام لمواجهة معاوية ، حيث أغراه معاوية بمبلغ مليون درهم فتسلل منحازاً الى معاوية ومعه ثمانية الآف جندي من أصل اثني عشر ألفاً كان يقودهم ! ! .
كل ذلك أدى الى اضطراب جيش الإمام ، مما جرأ البعض منهم على النيل من هيبة الإمام شخصياً ومحاولة اغتياله وقد هجم جماعة من معسكر الإمام على مضاربه وسرداقه وانتهبوا أمتعته ، وتضيف بعض المصادر أنهم نزعوا بساطاً كان يجلس عليه وسلبوا رداءه ، كما خاطبه أحد الخوارج وهو الجراح بن سنان قائلاً :
أشركت يا حسن كما أشرك أبوك من قبل ! .
وجرت ثلاث محاولات لأغتيال الإمام في معسكره (59) .
هذه الظروف المؤلمة الحرجة دفعت الإمام الحسن لأعادة النظر في قرار المواجهة والقتال مع معاوية ، لعدم تكافؤ المعسكرين عدداً وعدة وتماسكاً ، مما يجعل مستقبل المواجهة والحرب لصالح معاوية حتماً ، وذلك يعني الأخطار والمضاعفات الكبيرة على وضع الأمة الإسلامية ككل وخط أهل البيت ( عليهم السلام ) بشكل خاص .
لذلك قرر الإمام الحسن الأستجابة الى دعوة الصلح التي كان معاوية يلح في طرحها ، وتنازل الإمام عن الخلافة والحكم بشروط قبلها معاوية ومن أهمها العمل بكتاب الله وسنة نبيه ، وعدم الظلم والأعتداء على حقوق الناس وخاصة أهل البيت وأتباعهم ، وأن تكون الخلافة بعد معاوية للإمام الحسن أو حسب اختيار المسلمين .
وتم الصلح حوالي شهر ربيع الأول سنة ( 41 هـ ) أي بعد ستة أشهر من خلافة الإمام الحسن ( عليه السلام ) .
بالطبع كان مؤلماً للإمام الحسن ولأهل بيته وأتباعه أن يروا معاوية متسلطاً على المسلمين متحكماً في أمورهم ، وأن يلاحظوا الأنحرافات الكبيرة الخطيرة التي يقوم بها دون رادع أو مانع،لكن ماذا يصنع الإمام الحسن وقد خانته الظروف ولم تخلص له الأمة ؟
وانفعل العديد من المخلصين من أتباع الإمام لما حدث ، ووجهوا للإمام الحسن عتابهم الحاد الجارح على قرار الصلح ، لكن الإمام بقلبه الواسع وحلمه الكبير كان يعذرهم على انفعالهم ، ويوضح لهم حقيقة الموقف وأبعاده .
وبعد الصلح بقي الإمام في الكوفة أياماً وهو مكلوم القلب قد طافت به الهموم والالام ، يتلقى من شيعته مرارة الكلام ، وقسوة النقد ، ويتلقى من معاوية
وحزبه الاستهانة بمركزه الرفيع ، وهو مع ذلك صابر محتسب ، قد كظم غيظه ، وأوكل الى الله أمره ، وقد عزم على مغادرة العراق ، والشخوص الى مدينة جده (60) .
وطلب منه بعض أهل الكوفة البقاء عندهم ، لكنه لم يستجب لهم وكان يوم سفره مشهوداً في الكوفة حيث خرج الناس بمختلف طبقاتهم الى توديعه ، وهم ما بين باك وآسف .
ولم تكن العقيلة زينب بعيدة عن تلك الأحداث القاسية ، بل كانت الى جانب أخيها الحسن تشاطره معاناته ، وتعيش معه آلام الأمة المنكوبة . . وقد غادرت الكوفة مع أخيها الى مدينة جدها ومسقط رأسها بعد أن قضت في الكوفة حوالي خمس سنوات مليئة بالحوادث والآلام ، ومن أشدها وأفجعها فقد أبيها علي .
وفي المدينة واصلت السيدة زينب تحمل مسؤليتها في الهداية والأرشاد وبث المعارف الوعي ، كما كانت تشارك أخاها الإمام الحسن مواجة اساءات الحكم الأموي وانحرافاته ، حيث لم يلتزم معاوية بأي شرط من شروط الصلح ، وصار يحكم المسلمين حسب رغباته وشهواته بعيداً عن تعاليم كتاب الله وسنة رسوله ، كما كان يوجه سهام بغيه وحقده صوب أهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، فسن شتم الإمام علي على المنابر ، وقتل خيار أتباعه ، وضيق على شيعته ، وصار يخطط لتنصيب ولده يزيد خليفة وحاكماً على الأمة من بعده .
بالطبع كان وجود الإمام الحسن يقلق معاوية ، ويعرقل بعض مخططاته الفاسدة ، لذلك فكر في تصفية الإمام الحسن والقضاء على حياته ، فأغرى زوجته جعدة بنت الأشعث بمائة ألف درهم ، ووعدها بأن يزوجها ولده يزيداً إن هي دست السم للإمام الحسن وقضت على حياته .
واستجابت جعدة لتلك الأغراءات وألقت السم الفتاك الذي بعثه اليها معاوية في طعام الإمام الحسن ، فتقطعت بذلك كبده وامعاؤه واستعد لمفارقة الحياة .
ورأته أخته زينب وهو في فراش الموت ، فانفطر قلبها لمأساة أخيها وتجددت عليها المصائب والأحزان .
ومما زاد في آلام السيدة زينب وأحزانها ما تعرضت له جنازة أخيها من إساءة وهوان ، حيث كان الإمام الحسن قد أوصى بأن يدفن عند قبر جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أولاً أقل أن يمر به على قبر جده ليجدد به عهداً ، لكن الحزب الأموي اعترض جنازة الإمام وأثاروا السيدة عائشة لتتبنى مواجهة الهاشميين ومنعهم من الأقتراب بجنازة الإمام الحسن عند قبر جده بحجة أنه يقع في بيتها وأنها لا تسمح لهم بذلك ‍ ! ! .
وهكذا رافقت الظلامة والمأساة الإمام الحسن حتى بعد وفاته ، ومنعوا اقتراب جنازته من قبر جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وهو سبطه الحبيب وولده العزيز ! .
كل ذلك ضاعف من أحزان السيدة زينب والهاشميين لذلك ورد في التاريخ أن نساء بني هاشم وفي طليعتهن السيدة زينب استمرين في النياحة على الإمام الحسن ( عليه السلام ) شهراً كاملاً ، وأظهرن الحداد ، ولبسن السواد سنة كاملة (61) .

بطلة كربلاء
يبدو أن كل ما سبق في حياة السيدة زينب كان بمثابة اعداد وتهيئة للدور الأكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة .
فالسنوات الخمس الأولى من عمرها والتي عايشت فيها جدها المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) وهو يقود معارك الجهاد لتثبيت أركان الإسلام ويتحمل هو وعائلته ظروف العناء والخطر .
والأشهر الثلاثة التي رافقت خلالها أمها الزهراء بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ورأت أمها تدافع عن مقام الخلافة الشرعي ، وتطالب بحقها المصادر ، وتعترض على ما حصل بعد الرسول من تطورات ، وتصارع الحسرات والآلام التي أصابتها .
والفترة الحساسة الخطيرة التي عاصرت فيها حكم أبيها علي وخلافته وما حدث فيها من مشاكل وحروب .
ثم مواكبتها لمحنة أخيها الحسن وما تجرع فيها من غصص وآلام كل تلك المعايشة للأحداث والمعاصرة للتطورات . . كان لإعداد السيدة زينب لتؤدي امتحانها الصعب ودورها الخطير في ثورة أخيها الحسين بكربلاء .
وما كان للسيدة زينب أن تنجح في أداء ذلك الأمتحان ، وممارسة ذلك الدور لو لم تكن تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة ، ولو لم يتوفر لها ذلك الارث الكبير من البصيرة والوعي .
وواقعة كربلاء تعتبر من أهم الأحداث التي عصفت بالأمة الإسلامية بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .
ففي واقعة كربلاء تجلى تيار الردة الى الجاهلية والأنقلاب على الأعقاب ووصل الى قمته وذروته من خلال المعسكر الأموي . . كما تجسد وتبلور خط الرسالة والقيم الالهية في الموقف الحسيني العظيم .
وواقعة كربلاء شرعت للأمة مقاومة الظلم والطغيان ، وشقت طريق الثورة والنضال أمام الطامحين للعدالة والحرية .
وكان للسيدة زينب دور أساسي رئيسي في هذه الثورة العظيمة .
فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الإمام الحسين ( عليه السلام ) .
ومن يقرأ أحداث كربلاء ويقلب صفحات كتابها ، يرى السيدة زينب الى جانب الحسين في اغلب الفصول والمواقف ، بل انها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد الإمام الحسين وأكملت حلقاتها .
ولولا كربلاء لما بلغت شخصية السيدة زينب هذه القمة من السمو والتألق والخلود . . ولولا السيدة زينب لما حققت كربلاء أهدافها ومعطياتها وآثارها في واقع الأمة والتاريخ .
لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيدة زينب ، وكشفت عن عظيم كفاءاتها وملكاتها القيادية ، كما أوضحت السيدة زينب للعالم حقيقة ثورة كربلاء ، وأبعاد حوادثها .
وحقاً انها بطلة كربلاء وشريكة الحسين .

آفاق الخطاب
يمثل خطاب السيدة زينب في الكوفة أول تصريح وتعليق على واقعة كربلاء بعد حدوثها يصدر من أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وتكمن أهمية الخطاب في أنه موجه للمجتمع المسؤول عن ما حدث بصورة مباشرة وهو المجتمع الكوفي . . والخطاب أيضاً يعتبر الجولة الأولى في معارك السيدة زينب ضد الاجرام والظلم الأموي . .
من هنا لابد من قراءه الخطاب قراءة متأنية واعية ، ونسلط هنا الأضواء على بعض آفاق ذلك الخطاب الهام :
أولاً : تحمل المجتمع الكوفي المسؤلية المباشرة عما حدث للامام الحسين وأهل البيت وعن مصير الثورة المقدسة ، فالكوفيون هم الذين كاتبوا الحسين وألحوا عليه بالقدوم اليهم ، وبايعوا سفيره مسلم بن عقيل ، فكيف خذلوا الامام وتخلوا عنه ، واستسلموا لترهيب ابن زياد وترغيبه ؟
ثم إن الجيش الذي زحف لقتال الامام ، وصنع تلك الجريمة الكبرى ، كان في أغلب قياداته وجنوده من أبناء المجتمع الكوفي . .
وبعد كل ما حدث لماذا يتفرج الكوفيون على نتائج الأحداث ، وهم يرون رأس الامام الحسين ورؤوس أهل بيته مرفوعة على أطراف الرماح تخترق شوارع بلدتهم ، ويشاهدون نساء الحسين وعيالاته أسارى سبايا بين ظهرانيهم ، فلماذا السكوت والخنوع والصمت على كل ما يجري ؟ وماذا ينتظرون لكي تتحرك غيرتهم الدينية وشيمتهم العربية ؟ .
لذلك تنقل الرواية التي ضمنت الخطاب قول الامام زين العابدين ( عليه السلام ) معلقاً على بكاء نساء أهل الكوفة : « إن هؤلاء يبكون وينوحون من (62)
أجلنا فمن قتلنا » ؟ .
وهذا ما ركزت عليه السيدة زينب في خطابها ، إذ اعتبرت أهل الكوفة مسؤولين بشكل مباشر عن الفاجعة ، ووجهت اليهم أشد التوبيخ والذم . . .
فقالت عنهم : « أهل الختل والغدر » والختل هو الخداع ، والغدر هو الخيانة ونقض العهد ، فأهل الكوفة بدعوتهم الامام للقدوم اليهم وبمبايعتهم له والتزامهم بنصرته ثم التخلي عنه بل والمشاركة في قتاله قد مارسوا أسوأ أنواع الخداع والخيانة ونقض العهد . . واعتبرتهم السيدة زينب نموذجاً وتطبيقاً للمثل المعروف عن المرأة الحمقاء التي كانت تغزل مع جواريها الى انتصاف النهار ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، وهذا دأبها كل يوم . . وهو مثل ذكره القرآن الحكيم : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً ) (63) . وكأن السيدة زينب بقولها : « إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا » تشير الى أن أهل الكوفة قد تكرر في تاريخهم وواقعهم أنهم يقفون الى جانب الحق ويقدمون التضحيات ، لكنهم وفي ذروة الصراع مع أهل الباطل يتراجعون وينسحبون ، ويضيعون بذلك جهودهم وتضحياتهم ومستقبلهم ، حصل ذلك في موقفهم مع الامام علي حيث خاضوا معه معركة الجمل ومعركة صفين ، وحينما لاح فجر النصر لهم بعد تضحياتهم الكبيرة استجابوا لخدعة معاوية برفع المصاحف وطلب التحكيم ، فاغتالوا بذلك انتصارهم وأعطوا الفرصة لعدوهم . . وكرروا ذات الموقف مع الامام الحسن حيث بايعوه والتفوا حوله وزحفوا معه لمواجهة تمرد معاوية لكنهم لما حانت ساعة المواجهة تخاذلوا وهدموا بذلك صرح الشرعية والقيادة الذي بنوه ببيعتهم للامام الحسن . . ومع الامام الحسين مارسوا نفس الطريقة والحالة ، فهم قد بايعوا الامام وأقدموه اليهم ، وكادت الكوفة أن تستعيد دورها القيادي بخضوها لسفير الامام مسلم بن عقيل ، لكنهم في اللحظات الأخيرة والحساسة ، بدّدوا كل تلك الآمال ،
واغتالوا مستقبلهم ومستقبل الأمة . . اذاً فهم كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا ، وزينب بهذا التمثيل تحاكي ما قاله أبوها من قبل لذات المجتمع حين قال : « أما بعد : يا أهل العراق ، فإنما أنتم كالمرأة الحامل حملت فلما أتمت أملصت ، ومات قيمها ، وطال تأيمها ، وورثها أبعدها » (64) . أوليست زينب تفرغ عن لسان أبيها ؟ كما قال الراوي . . وتوجه زينب لهم التهمة بصراحة ووضوح في فقرات عديدة من خطابها : « فلقد ذهبتم بعارها وشنارها » . . « ويلكم يا أهل الكوفة أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم » . . . « لقد جئتم شيئاً إدّاً » ، « ولقد جئتم بها حرقاء شوهاء » . .
ثانياً : التركيز على نقاط ضعف المجتمع الكوفي ومساوئ أخلاقه : فالجريمة لم تنطلق من فراغ ، وإنما هي نتيجة طبيعية لتلك الأخلاقيات المنحرفة . . .
وتنبههم الى أبرز مساوئ أخلاقهم بقولها : « وهل فيكم الا الصلف والنطف ، والكذب والشنف ، وملق الاماء ، وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة ، أو كقصة على ملحودة » .
و « الصلف » : هو التمدح بما ليس في الذات أو فوق ما في الذات اعجاباً وتكبراً (65) .
ومن يقرأ رسائل الكوفيين للامام الحسين ، وكلماتهم أثناء مبايعتهم والتفافهم حول سفيره مسلم بن عقيل ، والتي ادعوا فيها اخلاصهم وتفانيهم واستعدادهم للتضحية فداءاً للامام الحسين ، وأكدوا فيها تصميمهم على مقاتلة الأعداء وإلحاق الهزيمة بهم . . ومن يلاحظ حقيقة موقفهم وواقعهم فيما بعد تجاه الامام الحسين ، يرى بوضوح أنهم يتصفون بالصلف كما قالت عنهم السيدة زينب ، وقد سبقها أبوها الامام علي في اكتشاف هذه الصفة السلبية للمجتمع الكوفي في قوله لهم :
ـ « كلامكم يوهي الصم الصلاب ، وفعلكم يطمع فيكم الأعداء ! تقولون في المجالس كيت وكيت ، فاذا جاء القتال قلتم : حيدي حياد » (66) .
ولا غرو فإنها تفرغ عن لسان أبيها . . أما « النطف » فهو التلطخ بالعيب ، أو القذف بالفجور . .
و « الشنف » بالتحريك البغض والتنكر . .
وتشير السيدة زينب الى ابتلائهم بمرض التملق المفرط « ملق الاماء » فالأمة التي لا حول لها ولا قوة تجد نفسها مضطرة الى إبداء أعلى درجة من الخضوع والطاعة والانقياد لسيدها ، وتبالغ في جلب ودّه ورضاه ، والمجتمع الكوفي كان كذلك في تعامله مع السلطة المهيمنة عليه آنذاك . .
و « الغمز » الطعن بالشر . .
« كمرعى على دمنة أو كقصة على ملحودة » تشير بذلك الى حالة الازدواجية التي كان يعاني منها المجتمع الكوفي ، فظاهره حسن يغري بينما ما تنطوي عليه النفوس سيء خبيث ، وتشبههم بالزرع الأخضر في مكان أوساخ الحيوانات وفضلاتها « مرعى على دمنة » ، وبالقبر المجصص ظاهره بالجص الجميل المنظر ، ولكن ماذا في حفره القبر غير الرفاة المتفسخة لجسد الميت « كقصة على ملحودة » . .
ويعلق السيد المقرم على هذه الفقرة بقوله :
والذي أراه أن النكتة في هذه الأستعارة : ان القصة بلغة الحجاز الجص ، والملحودة القبر لكونه ذا لحد ، فكأن القبر يتزين ظاهره بياض الجص ولكن داخله جيفة قذرة ، وأهل الكوفة وإن تزين ظاهرهم بالإسلام ، الا أن قلوبهم كجيف الموتى بسبب قيامهم بأعمال الجاهلية الوخيمة العاقبة من الغدر وعدم الثبات على المبادىء الصحيحة ، وقد أنفردت « متممة الدعوة الحسينية » بهذه

النكات البديعة
التي لم يسبقها مهرة البلغاء اليها ، لأنها ارتضعت در « الصديقة الكبرى » التي أخرست الفصحاء بخطابها المرتجل (67) .
ثالثاً : توضيح أبعاد الفاجعة : فما حدث في كربلاء لم يكن أمراً سهلاً ، وليس شيئاً عادياً بسيطاً ، إنه كارثة مروعة ، وفجيعة عظمى ، وجريمة نكراء .
والسلطة الحاكمة قد تحاول تبسيط ما حدث ، فهو تمرد على النظام اضطر الجيش الى قمعه ليس إلا ! ! .
لكن السيدة زينب في خطابها أوضحت للناس الأبعاد الحقيقية لما حدث حين قالت : « فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ولن ترحضوها بغسل بعدها ابداً » .
فالفظائع التي ارتكبت في كربلاء بحق أهل البيت تمثل جريمة نكراء تسود وجوه وتاريخ أصحابها بالعار والشنار وهو أقبح العيب ، ولا يمكن ازالة وتطهير آثار تلك الجريمة أبداً .
ثم تخاطبهم قائلة :
ويلكم يا أهل الكوفة ! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم » .
فبالمقياس الديني أنهم قد اعتدوا على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فالحسين سبطه وحبيبه والعزيز على قلبه ، وعيال الحسين وثقله ، هم حرمة رسول الله . . فكيف يسمحون لأنفسهم كمسلمين أن يقترفوا ذلك ؟ .
إنها جريمة في مستوى الشرك بالله ( سبحانه ) لذلك تصفها السيدة زينب بما وصف به القرآن شرك الكافرين وادعاهم أن لله ولداً : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولداً * لقد جئتم شيئاً إدّاً ) (68) .
كما تشير السيدة زينب الى أنهم مارسوا الجريمة بأكبر قدر من الحقد والبشاعة : « ولقد جئتم بها خرقاء وشوهاء » .
وتثبت السيدة زينب في خطابها قضية تداولت نقلها بعض المصادر من أن السماء أمطرت دماً يوم متقل الحسين ، وحينما تقول ذلك السيدة زينب يصبح أخباراً حقيقياً صادقاً ، وهي بذلك تذكر من قد يكون غافلاً عن الربط بين القضيتين أي قتل الحسين ، وإمطار السماء دماً ، كما تخلد هذا الحادث للتاريخ والأجيال .
رابعاً : منزلة الحسين ومقامه : لابد وأن الإعلام الأموي سيسعى جاهداً للتقليل من شأن الحسين والأفتراء على شخصيته ، كما حصل لأبيه الإمام علي ، لذلك ركزت السيدة زينب في خطابها على التأكيد على منزلة الحسين ومقامه فهو : « سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شاب أهل الجنة » .
خامساً : الأنذار بالأنتقام : فعدالة الله ( تعالى ) تأبى أن تمر تلك الجريمة النكراء دون عقاب يتناسب مع خطورتها لكن العقاب قد لا يأتي فورياً « فلا يستخفنكم المهل فانه لا يحفزه البدار ولا يخاف فوت الثأر وإن ربكم لبالمرصاد » .
وكان الإنتقام الالهي من قتلة الحسين ومن المجتمع المتواطئ معهم شديداً وقوياً ، حيث لم يعرف ذلك المجتمع بعدها أمناً ولا استقراراً .

خلق عظيم
لقد تكاملت نواحي العظمة في شخصية السيدة زينب فتجسدت فيها معالي الصفات ومكارم الأخلاق ، وذلك هو سر تفردها وخلودها .
وإنما تتحدد قيمة الأنسان ومكانته حسب ما يتمتع به من مواهب وكفاءات ، ويترشح عنه من فضائل وأخلاق .
وشخصية السيدة زينب زاخرة بالمواهب العالية ، وسيرتها طافحة بالمكارم الرفعية .
لقد رافقنا حياة السيدة زينب عبر الفصول السابقة وهي وليدة ناشئة ، وفتاة يافعة ، وزوجة ناضجة ، وأم مربية ، ورأيناها تقف الى جانب أمها في آلامها وأحزانها ، وتواكب مسيرة أبيها في منعطفات الزمن وأحداثه ، وتواسي أخاها الحسن في محنته وابتلائه ، ثم تشارك أخاها الحسين في ثورته العظيمة الخالدة ، وتقود بعده ركب النهضة المقدسة .
ومن خلال تلك المواقف والأحداث تجلت لنا كفاءات السيدة زينب وعظمة شخصيتها ، وتبدي لنا من نورها المضيء ، وأفقها الرحيب بقدر ما كانت أبصارنا تستوعب الرؤية والنظر .
ونشير في هذا الفصل الى بعض مكارم أخلاقها وعظيم صفاتها .

رائدة المعرفة
بالعلم ميز الله الانسان على سائر المخلوقات حتى الملائكة : ( وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبؤني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ) (69) .
وبالعلم يتمايز بنو آدم فيما بينهم : ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ) (70) .
( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) (71) .
و « العلم رأس الخير كله » و « أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً » ، « وأقل الناس قيمة أقلهم علماً » ، كما يقول الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) (72) .
أو كما يقول الإمام علي ( عليه السلام ) : « قيمة كل امرئ ما يحسنه » (73) .
فالعلم ساحة سباق وتنافس بين أبناء البشر يتقدم فيها من حاز منه بنصيب أوفر .
والمرأة كانسانة معنية بهذا السباق في ميدان العلم ، ولها حضورها في ساحة ، وقيمتها كالرجل تتحدد بما تحسنه من العلم والمعرفة .
لذلك قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : « طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة » .
واذا ما رأينا الجهل معشعشاً أكثر في أوساط نسائنا فذلك دليل على تخلفنا وانحرافنا عن هدي الرسالة .
لقد اثبتت المرأة في الماضي والحاضر أنها لا تقل عن الرجل استعداداً للمعرفة وكفاءة في طلب العلم . . فحتى العلوم التخصصية الهامة أحرزت فيها المرأة تفوقاً وتقدماً . . وكذلك المجالات العلمية التي تحفها المخاطر والصعوبات فحادثة « تشالنجر » لازالت ماثلة أمام الأذهان حينما تحطمت المركبة الفضائية المتطورة بعد 73ثانية من انطلاقها في الجو بسبب شرخ في خزان الوقود بتاريخ ( 28 ـ 1 ـ 1986 م ) وكان ضمن طاقمها المكون من ستة أفراد فتاتان تعملان في أبحاث الفضاء هما « كريستا مكوليف » و « جودث رثنك » .
وقبل سنتين نشرت وسائل الإعلام تحقيقاً عن امرأة عربية متخصصة في فيزياء « البلازما » وهي الحال الرابعة للمادة التي يقال أن كتلة الكون تتألف منها .
تلك المرأة هي « مها عاشور عبدالله » أستاذة الفزياء في جامعة « لوس أنجلس » في الولايات المتحدة الأمريكية ، وقد تجاوزت هذه المرأة كل المستحيلات ، فاختارتها وكالة الفضاء الأمريكية « ناسا » مستشارة رئيسية في وضع خطة الأبحاث الأساسية في فيزياء الفضاء ، وقد منحت جائزة نساء العلم الأميركية .
وذكرت « مهى » المعروفة بأبحاثها المشتركة مع أبرز علماء فيزياء الفضاء من فرنسا واليابان والصين والأتحاد السوفيتي ( سابقاً ) والمانيا أنها غالباً ما تجد نفسها المرأة الوحيدة في المؤتمرات العلمية الدولية ، وتعتقد أن النساء العربيات أكثر أقداماً على العلوم من الغربيات ، وان نسبتهن في الكليات العلمية العربية لا تقل كثيراً عن الرجال ، وانهن لو أعطين الفرصة فسيحققن الكثير .
وتعد « مهى » العالمة المصرية التي أصدرت الى الآن ( 210 ) بحثاً من أبرز المتخصصين في ظاهرة « الشفق القطبي » الجوية المحاطة بالغموض والأساطير .
واضافة الى اللجنة الأستشارية في « ناسا » تشغل عضوية « هيئة علوم الكمبيوتر المتقدمة » وهي مسؤولة التنسيق عن الأفادة من علوم فيزياء الفضاء في « المؤسسة القومية للعلوم » التي تعتبر من أهم مراكز اعداد القرار العلمي في الولايات المتحدة .
و « مهى » حفيدة فلاح من قرية « مطوبس » غير البعيدة عن الأسكندرية في مصر (74) .
فساحة العلم مفتوحة أمام المرأة ، وميدان المعرفة متسع لمشاركتها ، واهتمامها بطلب العلم وتلقي المعرفة واجب شرعي عليها أكثر مما هو حق لها ، كما ينص الحديث الشريف : « طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة » .
لكن ظروف التخلف والأنحطاط هي التي جعلت المرأة عندنا أسيرة الجهل محرومة من نعمة المعرفة والعلم ( غالباً ) .
وقراءة شخصية السيدة زينب تعطي لأمتنا دفعة انطلاق لتجاوز هذا الواقع الخاطئ .
فقد اهتمت السيدة زينب بتلقي العلم والمعرفة منذ نعومة أظفارها وفي وقت مبكر من حياتها ، فانها روت عن أمها فاطمة الزهراء (75) .
وقال الطبرسي : انها روت أخباراً كثيرة عن أمها الزهراء (76) .
بالطبع كان عمرها عند وفاة أمها السادسة .
وفي طليعة ما روت عن أمها الزهراء خطبتها العظيمة في الأحتجاج على الخليفة الأول أبي بكر حول منطقة فدك التي كانت تحت يد الزهراء فصادرها الخليفة وضمها الى بيت المال . . وخطبة الزهراء هذه طويلة مفصلة تتضمن زيادة على موضوعها الأساس حول فدك الكثير من المفاهيم والتعاليم الإسلامية ، وكل أسانيد هذه الخطبة تنتهي الى السيدة زينب فهي التي حفظت خطبة أمها وانتقلت عبرها الى الأجيال .
وقد أشار ابن أبي الحديد المعتزلي الى أسانيد الخطبة المنتهية كلها الى السيدة زينب نقلاً عن أبي بكر الجوهري ، والذي وصفه بقوله . عالم محدث ، كثر الأدب ، ثقة ورع ، أثنى عليه المحدثون ، ورووا عنه مصنفاته (77) .
ويذكر أبو الفرج الأصفهاني لخطبة الزهراء سنداً آخر عن ابن عباس بروايته عن السيدة زينب قال : والعقيلة هي التي روى ابن عباس عنها كلام فاطمة في فدك ، فقال : « حدثتني عقيلتنا زينب بنت علي » (78) .
وكما روت عن أمها الزهراء ، فقد روت أيضاً عن أبيها علي ، وعن أخويها الحسنين (79) .
وروت عن مولى لجدها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ذكر ابن عساكر ان اسمه طهمان أو ذكوان (80) .
لكن الشيخ النقدي نقل عن كتاب ( الورع ) لأحمد بن حنبل أن اسم ذلك
المولى ميمون أو مهران ، فقال : ومن ذلك ما في كتاب ( الورع ) لاحمد بن حنبل المطبوع بمصر حديثاً عن عطاء بن السائب قال : حدثتني أم كلثوم ابنة علي ـ هي زينب ـ قال : أتيتها بصدقة كان أمر بها .
قالت : احذر شبابنا فإن ميموناً أو مهران أخبرني أنه مر على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فقال : يا ميمون أو يا مهران إنا أهل بيت نهينا عن الصدقة وإن موالينا من أنفسنا فلا تأكل الصدقة (81) .
وروت أيضاً عن فضليات نساء عصرها كأم أيمن مولاة النبي وحاضنته ، وأم سلمة زوج رسول الله ، وأم هاني بنت أبي طالب (82) ، وأسماء بنت عميس أم عبدالله بن جعفر (83) .
ولم تختزن السيدة زينب العلم لنفسها أو تحتكره لذاتها بل أفاضت من معارفها ومروياتها على أبناء الأمة ، فكانت تتحدث ليس فقط للنساء بل حدثت العديد من رجالات بيتها وسائر الأصحاب والتابعين . . فقد روى عنها جابر ، وعباد العامري (84) ، وابن اخيها علي بن الحسين زين العابدين (85) ، وروى عنها حبر الأمة عبدالله بن عباس (86) ، وزوجها عبدالله بن جعفر (87) ، وروى عنها محمد بن عمرو الهاشمي ، وعطاء بن السائب (88) ، وروى عنها أحمد بن محمد بن جابر ، وزيد بن علي بن الحسين (89) .
وروت عنها بنت أخيها فاطمة بنت الحسين (90) ، وقد مر علينا سابقاً أنها كانت مهتمة بتعليم النساء وتثقيفهن ضمن مجالسها العلمية .
ويكفي لأدراك مقام زينب الريادي في ميدان المعرفة والعلم أن نتأمل ما رواه الصدوق محمد بن بابويه ( طاب ثراه ) من أنه كانت لزينب نيابة خاصة عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) بعد شهادته ، وكان الناس يرجعون اليها في الحلال والحرام حتى برئ زين العابدين (91) .
كما أن شهادة الإمام زين العابدين في حقها لم تكن جزافاً ولا مبالغة وهو الإمام المعصوم حيث قال لها : « أنت بحمد الله عالمة غير معلمة وفهمة غير مفهمة » (92) .

في محراب العبادة
في محراب العبادة عبادة الخالق والقرب منه هي المرتكز والمحور في الشخصية الإيمانية ، بل هي مقياس الأنسانية والتحرر في شخصية الأنسان ، فالبديل عن التعبد لله والخضوع له هو العبودية للشهوات وللمصالح المادية الزائلة .
إن التعبد لله يعني انسجام الأنسان مع فطرته النقية ، واستجابته لنداء عقله الصادق بأن للحياة خالقاً يمسك بأزمتها واليه مصيرها .
والتعبد لله هو النبع الذي يروي منه الأنسان ظمأه الروحي ، ويتزود من دفقاته بدوافع الخير ونوازع الصلاح .
فكلما أقبل الأنسان على ربه ، وأخلص في عبادته ، تجلت انسانيته أكثر وتجسدت القيم الخيرة في شخصيته .
ففي الحديث القدسي الذي ينقله الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله ) عن الله ( سبحانه ) أنه قال :
« لا يزال عبدي يتقرب اليّ بالنوافل حتى أحبه فأكون أنا سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ولسانه الذي ينطق به ، وقلبه الذي يعقل به ، فاذا
دعاني أجبته ، واذا سألني أعطيته » (93) .
والسيدة زينب وهي العالمة بالله و ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) (94) وهي الناشئة في أجواء الأيمان والعبادة والتقوى كانت قمة سامقة في عبادتها خضوعها للخالق ( عز وجل ) .
كانت ثانية أمها الزهراء في العبادة . وكانت تؤدي نوافل الليل كاملة في كل أوقاتها حتى أن الحسين ( عليه السلام ) عندما ودع عياله الوداع الأخير يوم عاشوراء قال لها : « يا أختاه لا تنسيني في نافلة الليل » . كما ذكر ذلك البيرجندي ، وهو مدون في كتب السير (95) .
وعن عبادة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم يقول الشيخ محمد جواد مغنية : وأي شيء أدل على هذه الحقيقة من قيامها بين يدي الله للصلاة ليلة الحادي عشر من المحرم ، ورجالها بلا رؤوس على وجه الأرض تسفي عليهم الرياح ، ومن حولها النساء والأطفال في صياح وبكاء ودهشة وذهول ، وجيش العدو يحيط بها من كل جانب . . . إن صلاتها في مثل هذه الساعة تماماً كصلاة جدها رسول الله في المسجد الحرام ، والمشركون من حوله يرشفونه بالحجارة ، ويطرحون عليه رحم شاة ، وهو ساجد لله ( عز وعلا ) ، وكصلاة أبيها أمير المؤمنين في قلب المعركة بصفين ، وصلاة أخيها سيد الشهداء يوم العاشر والسهام تنهال عليه كالسيل .
ولا تأخذك الدهشة ـ أيها القارئ الكريم ـ اذا قلت : ان صلاة السيدة زينب ليلة الحادي عشر من المحرم كانت شكراً لله على ما أنعم ، وانها كانت تنظر الى تلك الأحداث على أنها نعمة خص الله بها أهل بيت النبوة من دون الناس أجمعين ، وانه لولاها لما كانت لهم هذه المنازل والمراتب عند الله والناس (96) .
وروي عن ابنة أخيها فاطمة بنت الحسين قولها : « وأما عمتي زينب فإنها لم تزل قائمة في تلك الليلة في محرابها تستغيث الى ربها فما هدأت لنا عين ولا سكنت لنا رنة » (97) .
أما كيف كانت تتخاطب السيدة زينب مع ربها ؟ وبماذا كانت تناجيه ؟ فإن المصادر التاريخية قد احتفظت لنا ببعض القطع والفقرات من أدعيتها ومناجاتها نذكر منها ما يلي :
« يا عماد من لا عماد له ، ويا ذخر من لا ذخر له ، ويا سند من لا سند له ، ويا حرز الضعفاء ، ويا كنز الفقراء ، ويا سميع الدعاء ، ويا مجيب دعوة المضطرين ، ويا كاشف السوء ، ويا عظيم الرجاء ، ويا منجي الغرقى ، ويا منقذ الهلكى ، يا محسن ، يا مجمل ، يا منعم ، يا متفضل ، أنت الذي سجد لك سواد الليل ، وضوء النهار ، وشعاع الشمس ، وحفيف الشجر ، ودوي الماء ، يا الله يا الله الذي لم يكن قبله قبل ، ولا بعده بعد ، ولا نهاية له ، ولا حد ولا كفؤ ولا ند ، بحرمة اسمك الذي في الآدميين معناه المرتدي بالكبرياء والنور والعظمة ، محقق الحقائق ، ومبطل الشرك والبوائق ، وبالأسم الذي تدوم به الحياة الدائمة الأزلية ، التي لا موت معها ولا فناء ، وبالروح المقدسة الكريمة ، وبالسمع الحاضر والنظر النافذ ، وتاج الوقار ، وخاتم النبوة ، وتوثيق العهد ، ودار الحيوان ، وقصور الجمال ، ويا لله لا شريك له » (98) .
ومن الأدعية والتسبيحات التي كانت تواظب على قراءتها هو :
« سبحان من لبس العز وتردى به ، سبحان من تعطف بالمجد والكرم ، سبحان من لا ينبغي التسبيح الا له ( جل جلاله ) ، سبحان من أحصى كل شيء عدداً بعلمه وخلقه وقدرته ، سبحان ذي العزة والنعم ، اللهم ، إني اسألك بمعاقد العز من عرشك ، ومنتهى الرحمة من كتابك ، وباسمك الأعظم ، وجدك
الاعلى ، وكلماتك التامات التي تمت صدقاً وعدلاً ، أن تصلى على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين ، وأن تجمع لي خيري الدنيا والآخرة ، بعد عمر طويل ، اللهم أنت الحي القيوم ، أنت هديتني ، وأنت تطعمني وتسقيني ، وأنت تميتني برحمتك يا أرحم الراحمين (99)
ومن أدعية أبيها التي كانت تدعو بها بعد صلاة العشاء :
« اللهم أني اسألك يا عالم الأمور الخفية ، ويامن الأرض بعزته مدحية ، ويامن الشمس والقمر بنور جلاله مشرقة مضيئة ، ويا مقبلاً على كل نفس مؤمنة زكية ، ويا مسكّن رعب الخائفين وأهل التقيّة يا من حوائج الخلق عنده مقضية ، يا من ليس له بواب ينادى ، ولا صاحب يغشى ، ولا وزير يؤتى ، ولا غير رب يدعى ، يا من لا يزداد على الإلحاح إلا كرماً وجوداً ، صل على محمد وآل محمد واعطني سؤلي انك على كل شيء قدير » (100) .

صبر وشجاعة
معروف أن المرأة تمتاز برقة المشاعر ، وشفافية العواطف ، مما يساعدها على القيام بدور الأمومة الحانية ، لذلك يكون تأثيرها العاطفي أسرع وأعمق من الرجل غالباً .
واذا كانت تلك الحالة تمثل الأستعداد الأولي في نفس المرأة فلا يعني ذلك انها تأسر المراة وتقعد بها عن درجات الصمود والصبر العالية .
فبإمكان المرأة حينما تمتلك قوة الأرادة ونفاذ الوعي وسمو الهدف أن تضرب أروع الأمثلة في الصبر والشجاعة أمام المواقف الصعبة القاسية .
وهذا ما أثبتته السيدة زينب في مواجهتها للآلام والأحداث العنيفة التي صدمتها في باكر حياتها وكانت هي الختم لسنوات عمرها
لقد ابدت السيدة زينب تجلداً وصبراً قياسياً في واقعة كربلاء وما أعقبها من مصائب .
والا فكيف استطاعت أن تنظر الى أخيها الحسين ممزق الأشلاء يسبح في بركة من الدماء ، وحوله بقية رجالات وشباب أسرتها من أخوتها وأبناء اخوتها وأبناء
عمومتها وأبنائها ، ثم تحتفظ بكامل السيطرة على أعصابها وعواطفها ، لتقول كلمة لا يقولها الأنسان الا في حالة التأني والثبات والأطمئنان ، وهي قولها :
« اللهم تقبل منا هذا القليل من القربان » (101) .
وأكثر من ذلك فهي تصبر ابن أخيها الإمام زين العابدين حينما رأته مضطرباً بالغ التأثر عند مروره على جثث القتلى ـ كما مر علينا سابقاً ـ .
ويعبر الشيخ النقدي عن فظيع مصائب السيدة زينب وعظيم تحملها لها بقوله : وبالجملة فإن مصائب هذه الحرة الطاهرة زادت على مصائب أخيها الحسين الشهيد اضعافاً مضاعفة ، فانها شاركته في جميع مصائبه ، وانفردت عنه ( عليها السلام ) بالمصائب التي رأتها بعد قتله من النهب والسلب والضرب وحرق الخيام ، والأسر ، وشماتة الأعداء .
أما القتل فان الحسين قتل ومضى شهيداً الى روح وريحان ، وجنة ورضوان ، وكانت زينب في كل لحظة من لحظاتها تقتل قتلاً معنوياً بين أولئك الظالمين ، وتذري دماء القلب من جفونها القريحة (102) .
وأي مستوى من الصبر عند السيدة زينب حينما تصف ما رأته من مصائب بأنه شيء جميل : « والله ما رأيت إلا جميلاً » رداً على سؤال ابن زياد لها : كيف رأيت صنع الله بأخيك ؟ ! .

عفة ومهابة
عفة المراة لا تعني الأنكفاء والأنطواء ، ولا تعني الجمود والأحجام عن تحمل المسؤولية وممارسة الدور الأجتماعي ، وقد رأينا السيدة زينب وهي تمارس دورها الاجتماعي في أعلى المستويات .
لكن العفة تعني عدم الابتذال ، وتعني حفاظ المرأة على رزانتها وجدية شخصيتها أمام الآخرين .
فاذا استلزم الأمر أن تخرج المرأة الى ساحة المعركة فلا تتردد في ذلك، واذا كانت هناك مصلحة في التخاطب مع الرجال فلا مانع وهكذا في سائر المجالات النافعة والمفيدة .
أما الأبتذال واستعراض القوام والمفاتن امام الرجال فهو مناف للعفة والحشمة .
وبعد أن استقرأنا دور السيدة زينب ومواقفها العلمية والسياسية والإجتماعية فلنتأمل الآن ما يقوله أحد المعاصرين لها والمجاورين لمنزلها برهة من الزمن ، ليتضح لنا معنى العفة والأحتشام عند السيدة زينب
حدث يحيى المازني قال : كنت في جوار أمير المؤمنين في المدينة مدة مديدة
وبالقرب من البيت الذي تسكنه زينب ابنته فلا والله ما رأيت لها شخصاً ولا سمعت لها صوتاً (103) .

زهد وعطاء
كانت زينب تعيش في كنف زوجها عبدالله بن جعفر في المدينة ، وهو رجل موسر غني ، وباذل كريم ـ كما سبق الحديث عنه ـ لكن حياة الراحة والرفاه حيث البيت الواسع والخدم والحشم ، والمال والثروة ، لم تتمكن من قلب السيدة زينب ، فتخلت عن كل تلك الأجواء المريحة ، واختارت السفر مع أخيها الحسين حيث المصاعب والمشاق والآلالم المتوقعة لم يكن قلب زينب متعلقاً بشيء من متاع الدنيا ، بل كانت نفسها منشدة الى آفاق السمو والرفعة .
وروي عن الإمام زين العابدين أنه قال عنها : « انها ما ادخرت شئياً من يومها لغدها أبداً » (104) .
ونقل عنها أنها كانت أثناء سفر الأسر الى الشام كانت تتنازل في غالب الإيام عن حصتها من الطعام لصالح الأطفال الجائعين والجائعات من الأسارى وتطوي يومها جائعة ، حتى أن الجوع كان يقعد بها عن التمكن من أداء صلاة الليل قياماً فتؤديها وهي جالسة (105) .
وقد مر علينا سابقاً أنها حينما رجعت الى المدينة مع قافلة السبايا نزعت حليها وحلي أختها لتقدمه هدية للنعمان بن بشير مكافأة له على حسن صحبته ورفقته .

إلى الرفيق الأعلى
اذا كان الموت شبحاً مرعباً لكل انسان . وإذا كانت مفارقة الحياة أقسى وأشد ما يزعج الأنسان فإن الأمر كان مختلفاً لدى السيدة زينب . . فالموت بالنسبة لها كان يعني لقاء الله والأقتراب أكثر من رحمته .
والموت عند السيدة زينب قنطرة ومعبر الى جنة الله العريضة الواسعة ونعيمه السرمدي الخالد .
وكانت ترى في الموت وسيلة نقل سريعة توصلها الى رحاب أحبتها السابقين حيث تلقى جدها النبي وأمها الزهراء وأباها المرتضى وأخويها العزيزين .
لقد طال فراقها لجدها المصطفى وأمها البتول ، فامتلأت نفسها شوقاً الى لقائهما لكن ستار الحياة يفصل بينها وبينهما ، فمتى يماط هذا الستار ليكتحل ناظرها برويتهما ؟ .
والموت بعد ذلك أصبح الوسيلة الوحيدة المتاحة للسيدة زينب للإعلان عن احتجاجها ورفضها وسخطها على واقع الألم والضيم والعناء .
لكن الأمر بيد الله فهو وحده يقرر الآجال وبيده الموت والحياة . . وحينما قدر الله ( تعالى ) لها الرحيل عن دار الدنيا ، استقبلت قضاءه بصدر رحب ، فذلك
ينسجم مع ما يجري في أعماق نفسها من مشاعر وخلجات .
واسلمت الروح لله . . ورجعت نفسها المطمئنة الى الحق راضية مرضية لتدخل جنة الله بسعادة وهناء ولتلاقي صفوة عباده الأعزاء محمد وفاطمة وعلي والحسن والحسين .
إنه لا يمكننا تصوير مدى سعادة السيدة زينب بعروج روحها الى الملكوت الأعلى .
هل نشبه تلك اللحظات بوصول المسابق الى نهاية شوط السباق ناجحاً منتصراً ؟ فهو وإن كان حين الوصول في غاية التعب والمشقة لما بذله من جهد ، لكنه فور وصوله سينقلب الى حالة أخرى هي ذروة السعادة ومنتهى الراحة .
نعم . . لقد أكملت السيدة زينب امتحانها بنجاج ، وقطعت شوط الحياة الصعب باخلاص ويقين ، وطوت ستة عقود من سنيّ الدنيا في جهاد رسالي متواصل .
واختلف المؤرخون في تحديد سنة وفاتها ، والأرجح عند كثير من الباحثين أنها توفيت سنة ( 62 هـ ) الموافق ( 683 م ) (106) بينما ذهب آخرون الى أن وفاتها سنة 65 هـ .
ويتفق المؤرخون على أن وفاتها كانت في الخامس عشر من شهر رجب (107) .
وهكذا انتقلت العقيلة زينب الى الرفيق الأعلى . . وبقي ذكرها خالداً ينير للبشرية طريق الكرامة والمجد .

مقامات شامخة
من اشراقات عظمة السيدة زينب أن تتنافس البقاع والبلدان على ادعاء شرف احتضان مرقدها ومثواها . ففي أكثر من بلد تقام الأضرحة وتشمخ القباب والمنائر بإسم السيدة زينب .
لقد اختلف المؤرخون في مكان وفاة السيدة زينب ومحل قبرها ، وشاء الله ( تعالى ) أن يكون ذلك سبباً لأظهار عظمتها وابراز شأنها ومجدها .
ونتحدث في السطور التالية عن أبرز المقامات المشادة باسم السيدة زينب ( عليها السلام ) .

في دمشق الشام
تشير بعض الروايات الى أن عبدالله بن جعفر رحل عن المدينة وأنتقل مع السيدة زينب زوجته الى ضيعة كان يمتلكها قرب دمشق في قرية يقال لها « راوية » وقد توفيت السيدة زينب في هذه القرية ودفنت في المرقد المعروف بإسمها .
وتختلف الروايات في سبب هجرة عبدالله بن جعفرالى هذه القرية وفي تاريخ تلك الهجرة ووفاة السيدة زينب ، لكن العديد من المؤلفين ذكروا أن ذلك بسبب
مجاعة حصلت في المدينة وإن ذلك كان في سنة ( 65 هـ ) وبعضهم قال إن ذلك في سنة ( 62 هـ ) .
يقول العلامة الشيخ فرج العمران ـ خلال بحث له عن الموضوع ـ : فالأرجح عندي أنها ( عليها السلام ) توفيت في الشام في النصف من شهر رجب من العام الخامس والستين من الهجرة وهو عام المجاعة ، وذلك بمحضر زوجها الجواد عبدالله بن جعفر ، ودفنت في احدى قراه المعروفة براوية من غوطة دمشق المشتهرة الآن بقرية الست (108) .
ويقع مقام السيدة زينب في الجهة الشرقية الجنوبية على بعد سبعة كيلو مترات من دمشق ، وقد أصبحت المنطقة تعرف كلها باسم « السيدة زينب » .
وتبلغ مساحة المقام وملحقاته حوالي الـ ( 15000 متر مربع ) ، ويتسع لخمسة آلاف شخص .
وقد زار هذا المشهد الرحالة الشهير ابن جبير المتوفى سنة ( 614 هـ ) ، وقال عنه في رحلته المعروفة عند ذكر المزارات عند ذكر المزارات الشامية : « ومن مشاهد أهل البيت مشهد أم كلثوم بنت علي ويقال لها زينب الصغرى وأم كلثوم كنية أوقعها عليها النبي لشبهها بابنته أم كلثوم ومشهدها الكريم قبلي البلد يعرف براوية على مقدار فرسخ وعليه مسجد كبير وخارجه أوقاف وأهل هذه الجهات يعرفونه بقبر الست ومشينا اليه وبتنا به وتبركنا برؤيته (109) .
كما زار هذا المشهد الرحالة ابن بطوطة المتوفى ( 770 هـ ) ، وقال عند ذكر مزارات دمشق : بقرية القبلي وعلى فرسخ منها مشهد أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب من فاطمة ، ويقال أن اسمها زينب وكناها رسول الله لشبهها بخالتها أم كلثوم بنت رسول الله وعليه مسجد كبير وله مساكن وله أوقاف ويسميه أهل دمشق
قبر الست أم كلثوم (110) .
وذكر هذا المشهد الباحث الدمشقي عثمان بن أحمد السويدي الحوراني المتوفى سنة ( 970 هـ ـ أو 1003 هـ ) في كتابه:
( الأشارات الى أماكان الزيارات ) قال : ومنها قرية يقال لها « راوية » بها السيدة زينب أم كلثوم ابنة علي بن أبي طالب توفيت بغوطة دمشق عقيب محنة أخيها الحسين ، ودفنت في هذه القرية ثم سميت القرية باسمها وهي الآن معروفة بـ « قبر الست » (111) .
وقال العلامة السيد محسن الأمين العاملي : يوجد في قرية تسمى « راوية » على نحو فرسخ من دمشق الى جهة الشرق قبر ومشهد يسمى «قبر الست » ووجد على هذا القبر صخرة رأيتها وقرأتها كتب عليها : هذا قبر السيدة زينب المكناة بأم كلثوم بنت سيدنا علي ( رضي الله عنه ) وليس فيها تاريخ وصورة خطها تدل على أنها كتبت بعد الستمائة من الهجرة » (112) .
وإن كان السيد الأمين يرجّح أن القبر لزينب الصغرى أخت السيدة زينب الكبرى .
وورد أن السيدة نفيسة صاحبة المقام المعروف في القاهرة بنت حسن الأنور بن زيد الأبلج بن الحسن بن علي بن أبي طالب قد زارت هذا المشهد في قرية « راوية » سنة ( 193 هـ ) (113) .
وقرب سنة (500 هـ ) شيد رجل قرقوبي من أهل حلب بمشهدها جامعاً كبيراً من أشهر جوامع دمشق (114) .
وزار هذا المشهد الرحالة أبو بكر الهروي المتوفى ( 611 هـ ) وذكره في كتابه المعروف بـ ( الأشارات الى معرفة الزيارات ) (115) .
وفي سنة ( 768 هـ ) أوقف على هذا المشهد ـ باعتباره مرقداً للسيدة زينب الكبرى ـ نقيب الأشراف السيد حسين الموسوي من كبار أعلام دمشق في زمانه جميع ما كان يملكه من البساتين والأراضي وكتب صكاً طويلاً عليه شهادات سبعة من قضاة دمشق الكبار في زمانهم ، ونسخة هذا الصك محفوظة عند سدنة المقام ومذكور نصه في بعض المؤلفات (116) .
وقد جدد السيد حسين الموسوي عمارة هذا المشهد سنة ( 768 هـ ) وفي سنة ( 1302 هـ ) جدد القبة الكريمة السلطان عبد العزيز خان العثماني باعانة التجار والأثرياء . وفي سنة ( 1354 هـ ) أنشأ سادة آل نظام غرفاً كثيرة حول المقام لاراحة الزائرين وجددوا المدخل الشريف بنفقتهم .
وفي سنة ( 1370 هـ ) شكل الإمام السيد محسن الأمين العاملي لجنة من خيار التجار وأهل الثروة لتعميرالحرم والصحن والأروقة برئاسته ( رحمه الله ) (117) .
وكان للحاج محمد مهدي البهبهاني ( رحمه الله ) دور أساسي في هذه العمارة والتجديد .
وفي سنة ( 1370 هـ ) أهدى التاجر الباكستاني محمد علي حبيب مؤسس المصرف المعروف باسمه « حبيب بنك » أهدى قفصاً ثميناً وزنه اثنا عشر طنا لينصب على قبرها لأن الله قد شفا ولده الوحيد من الشلل بعد أن عجز عنه الأطباء ببركة السيدة زينب ، وقد نصب هذا القفص الفضي المذهب المحلى بالجواهر الكريمة النادرة في احتفال رسمي وشعبي .
وأرخه الخطيب الشيخ علي البازي النجفي بقوله :
هـذا ضريح زيـنب قف عنـده       واستغفـر الله لـكل مذنب
ترى الملا طراً وأملاك السما      ارخ « وقوفاً في ضريح زينب »
( 1370 هـ ) (118) .
وفي سنة ( 1373 هـ ) أهدى جماعة من التجار الأيرانيين صندوقاً ثميناً من أورع أمثلة الصناعة الأيرانية المعروفة ، ومن صنع الفنان الأيراني الحاج محمد سميع ، والذي بقي في صنع هذا الصندوق ثلاثين شهراً ، وقدر ثمنه بمآءتي ألف ليرة سورية آنذاك ، وعليه غطاء من البلور أحضرته بعثة ايرانية برئاسة ضابط ايراني كبير ، وأقيم يوم وصوله ونصبه على قبرالسيدة زينب احتفال مهيب ترأسه السيد صبري العسلي رئيس وزارة سوريا .
وارخه الشاعر النجفي السيد محمد الحلي بقوله :
صندوق زينب قد بدت      للفن فيه علائم
صنعته أيدي المخلصين     فحار فيه العالم
حيث احتوى جثمانها       ارّخت راق الخاتم
(1373 هـ ) (119) .
وأهدى بعض تجار ايران سنة ( 1380 هـ ) لمشهدها باباً ذهبياً رائعاً (120) .
وللمقام مئذنتان شامختان بارتفاع ( 54 متراً ) .
وفي عام ( 1380 هـ ) أهدي للحرم باب ذهبي للمدخل الغربي وبابان مذهبان بالميناء للمدخل الشمالي والقبلي كما تم في هذا العام ( 1413 هـ ) اكساء قبة المقام من الخارج بالذهب .

الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------------------
(1) مجلة ( الموسم ) نقلاً عن جريدة ( الجمهورية ) المصرية 31 | 10 | 1972 م .
(2) ( في رحاب السيدة زينب ) محمد بحر العلوم ص 24 .
(3) ( السيدة زينب ) عائشة بنت الشاطيء ص 42 .
(4) سورة الذاريات ، الآية ( 49 ) .
(5) ( الفقه : كتاب النكاح ) السيد محمد الشيرازي ج 62 ، ص 12 .
(6) المصدر السابق ، ص 16 .
(7) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 4 ، ص 275 .
(8) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 4 ، ص 274 .
(9) ( عقيلة بني هاشم ) السيد علي الهاشمي ص 31 .
(10) مجلة ( الموسم ) ص 1065 ـ 1068 .
(11) ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) م . صادق ص 53 ـ 55 بتصرف .
(12) ( في رحاب السيدة زينب ) محمد بحر العلوم ص 33 .
(13) مجلة ( الموسم ) العدد الرابع من المجلد الأول ص 1065 ـ 1068 .
(14) ( مع بطلة كربلاء ) محمد جواد مغنية ص 28 .
(15) ( زينب وليدة النبوة والإمامة ) م . صادق ص 56 .
(16) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 77 .
(17) ( في رحاب السيدة زينب ) بحر العلوم ص 34 .
(18) ( مع بطلة كربلاء ) محمد جواد مغنية ص 32 .
(19) ( زينب عقيلة بني هاشم ) عبد العزيز سيد الأهل ص 20 .
(20) ( مع بطلة كربلاء ) محمد جواد مغنية ص 33 .
(21) ( عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 34 .
(22) ( عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 34 .
(23) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 81 .
(24) المصدر السابق ص 86 .
(25) (زينب عقيلة بني هاشم ) عبد العزيز سيد الأهل ص 22 .
(26) زينب الكبرى ص 88 .
(27) ( مقاتل الطالبيين ) الأصفهاني ص 91 ـ 92 .
(28) ( العقد الفريد ) الاندلسي ج 4 ، ص 164 .
(29) ( معجم رجال الحديث ) السيد الخوئي ج 10 ، ص 138 .
(30) المصدر السابق ص 88 .
(31) ( في رحاب السيدة زينب ) بحر العلوم ص 36 .
(32) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 90 .
(33) المصدر السابق ص 128 .
(34) يراجع : ( ابصار العين في أنصار الحسين ) للشيخ محمد السماوي ص 40 ، و ( حياة الإمام الحسين ) للشيخ باقر شريف القرشي ج 3 ، ص 259 .
(35) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 127 .
(36) نقل ذلك الأزورقاني من كتاب ( المصابيح ) لأبي بكر الوراق .
(37) (عقيلة بني هاشم ) الهاشمي ص 40 .
(38) ( عقيلة الطهر والكرم ) موسى محمد علي ص 114 .
(39) مجلة ( الموسم ) ص 858 .
(40) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 129 .
(41) ( زينب الكبرى ) جعفر النقدي ص 48 .
(42) ( عقلية بني هاشم ) الهاشمي ص 16 .
(43) المصدر السابق ص 16 .
(44) المصدر السابق ص 19 .
(45) ( حياة الإمام الحسن ) القرشي ج 1 ، ص 96 .
(46) ( صحيح البخاري ) ج 5 ، ص 33 .
(47) ( صحيح مسلم ) ج 2 ، ص 367 .
(48) ( حياة الإمام الحسن ) القرشي ج 1 ، ص 96 .
(49) ( الاصابة في تمييز الصحابة ) ابن حجر ج 1 ، ص 329 .
(50) المصدر السابق ص 329 .
(51) المصدر السابق ص 329 .
(52) ( در السحابة في مناقب القرابة والصحابة ) الشوكاني ص 289 .
(53) ( أئمتنا ) علي دخيل ج 1 ، ص 167 .
(54) المصدر السابق ص 168 .
(55) المصدر السابق ص 168 .
(56) ( حياة الإمام الحسن ) القرشي ج 2 ، ص 34 .
(57) المصدر السابق ص 71 .
(58) المصدر السابق ص 80 .
(59) المصدر السابق ص 106 .
(60) المصدر السابق ص 285 .
(61) المصدر السباق ص 502 .
(62) ( بلاغات النساء ) ابن طيفور ص 23 .
(63) سورة النحل ( آية 92 ) .
(64) ( نهج البلاغة ) الإمام علي الخطبة رقم : 71 .
(65) المنجد في اللغة .
(66) ( نهج البلاغة ) الإمام علي الخطبة رقم : 29 .
(67) ( مقتل الحسين ) المقرم ص 312 .
(68) سورة مريم آية 88 ـ 89 .
(69) سورة البقرة آية 31 .
(70) سورة الزمر آية 9 .
(71) سورة المجادلة آية 11 .
(72) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 6 ص 451 ـ 455 .
(73) ( نهج البلاغة ) الإمام علي ( قصار الحكم ) رقم : 81 .
(74) جريدة ( الحياة ) اليومية ، تصدر في لندن تاريخ : ( 22 ـ 12 ـ 1411 هـ ) .
(75) ( معجم رجال الحديث ) الخوئي ج 23 ص 19 .
(76) ( أدب الطف ) جواد شبر ج 1 ص 243 .
(77) ( شرح نهج البلاغة ) ابن أبي الحديد ج 16 ص 210 ـ 211 .
(78) ( مقاتل الطالبيين ) الأصفاني ص 91 .
(79) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 35 .
(80) ( تاريخ مدينة دمشق ) « تراجم النساء » ابن عساكر ص 119 .
(81) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 38 .
(82) المصدر السابق ص 35 ـ 41 .
(83) ( تراجم النساء ) ابن عساكر ص 119 .
(84) ( معجم رجال الحديث ) الخوئي ج 23 ص 190 .
(85) ( أدب الطف ) جواد شبر ج 1 ص 238 .
(86) ( مقاتل الطالبيين ) الأصفهاني ص 91 .
(87) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 35 .
(88) ( تراجم النساء ) ابن عساكر ص 119 .
(89) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 37 .
(90) ( تراجم النساء ) ابن عساكر ص 119 .
(91) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 35 .
(92) المصدر السابق ص 34 .
(93) ( ميزان الحكمة ) الري شهري ج 8 ص 111 .
(94) سورة فاطر آية 28 .
(95) ( أدب الطف ) جواد شبر ج 1 ص 242 .
(96) ( مع بطلة كربلاء ) مغنية ص 42 .
(97) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 62 .
(98) ( عقيلة الطهر والكرم ) موسى محمد علي ص 70 .
(99) ( عقيلة بني هاشم ) علي الهاشمي ص 15 .
(100) المصدر السابق ص 16 .
(101) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 75 .
(102) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 97 .
(103) المصدر السابق ص 22 .
(104) المصدر السابق ص 61 .
(105) المصدر السابق ص 63 .
(106) ( زينب الكبرى ) النقدي ص 122 .( السيدة زينب ) بنت الشاطئ ص 155 .
(107) المصدران السابقان .( مع بطلة كربلاء ) مغنية ص 90 .
(108) ( وفاة زينب الكبرى ) الشيخ فرج العمران ص 65 .
(109) ( مرقد العقيلة زينب ) محمد حسنين السابقي ص 109 ، نقلاً عن رحلة ابن جبير ص 269 .
(110) المصدر السابق ص 110 عن ( رحلة ابن بطوطة ) ج 1 ص 61 .
(111) المصدر السابق ، نقلاً عن ( الأشارات ) ص 18 طبع دمشق : ( 1302 هـ ) .
(112) ( أعيان الشيعة ) محسن الأمين ج 7 ص 136 .
(113) ( مرقد العقيلة زينب ) السابقي ص 141 ث .
(114) المصدر السابق .
(115) المصدر السابق .
(116) المصدر السابق ص 145 .
(117) المصدر السابق ص 227 .
(118) ( أدب الطف ) جواد شبر ج 1 ص 251 .
(119) ( مرقد العقيلة ) السابقي ص 231 .
(120) المصدر السابق .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page