• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

في مناقب الصحابة

 

في مناقب الصحابة

تأليف
السيد علي الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
وبعد..
فهذه رسالة موضوعها «الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة» كتبتها حول هذا الجانب من تراثنا وقد كتب لها أن تنشر في «تراثنا»... كشفت فيها عن جانب من التلاعب الواقع في الأحاديث المروية عن سيّد البريّة لأغراضٍ سياسية...
وقد تعرضنا هنا إلى أربعة من تلك الأحاديث... وعلى هذه فقس ما سواها... والله الهادي إلى سواء السبيل.
***

 

في مناقب الصحابة

تأليف
السيد علي الحسيني الميلاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
وبعد..
فهذه رسالة موضوعها «الأحاديث المقلوبة في فضائل الصحابة» كتبتها حول هذا الجانب من تراثنا وقد كتب لها أن تنشر في «تراثنا»... كشفت فيها عن جانب من التلاعب الواقع في الأحاديث المروية عن سيّد البريّة لأغراضٍ سياسية...
وقد تعرضنا هنا إلى أربعة من تلك الأحاديث... وعلى هذه فقس ما سواها... والله الهادي إلى سواء السبيل.
***

الحديث الاوّل

الحديث الاوّل
حديث المنزلة
لقد اتفق المسلمون على رواية حديث المنزلة في حق أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام... وأخرجه من علماء أهل السنة: البخاري ومسلم وغيرهما من أرباب الصحاح، وكذا رواه أصحاب المسانيد والمعاجم... وغيرهم من كبار المحدّثين... القدماء والمتأخرين... وإليك نص الحديث كما في الصحاح.
حديث المنزلة بشأن أمير المؤمنين
أخرج البخاري قائلاً:
«حدثنا محمد بن بشار، ثنا غندر ثنا شعبة، عن سعد، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: قال النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لعلي: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»(1).
قال: «حدثنا مسدّد، قال: حدثنا يحيى، عن شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خرج إلى تبوك فاستخاف علياً فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال: ألا ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا انه ليس نبي بعدي»(2).
وأخرج مسلم، قال: «حدثنا يحيى بن يحيى التميمي وأبو جعفر محمد بن الصباح وعبيد الله القواريري وسريح بن يونس، كلّهم عن يوسف بن الماجشون
ـ واللفظ لابن الصباح ـ قال: نا يوسف أبو سلمة الماجشون، قال: ثنا محمد بن المنكدر عن سعيد بن المسيّب، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلآ أنه لا نبي بعدي.
قال سعيد: فأحببت أن أشافه بها سعداًً، فلقيت سعداً فحدّثته بما حدّثني به عامر، فقال: أنا سمعته. قلت: أنت سمعته ؟! قال: فوضع إصبعيه على أذنيه فقال: نعم وإلأ فاستُكّتا.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قال: نا غندر، عن شعبة.
وحدثنا محمد بن مثنى وابن بشار، قالا: نا محمد بن جعفر، قال: نا شعبة، عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص، قال: خلّف رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علي بن أبي طالب في غزوة تبوك، فقال: يا رسول الله تخلّفني في النساء والصبيان ؟ فقال: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي.
حدثناه عبيدالله بن معاذ، قال: نا أبي، قال: نا شعبة، في هذا الإسناد.
حدثنا قتيبة بن سعيد ومحمد بن عبّادـ وتقاربا في اللفظ ـ قالا: نا حاتم ـ وهو ابن إسماعيل ـ عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب ؟! فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهّن له رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فلن أسبه، لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم يقول له ـ وخلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول الله ! خلفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبوّة بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله. قال: فتطاولنا لها، فقال: أدعوا لي علياً، فأتي به أرمد، فبصق في عينيه ودفع
الراية إليه، ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية: (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسينا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي.
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا غندر عن شعبة.
وحدّثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا: ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، قال: سمعت إبراهيم بن سعد، عن سعد، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلم أنه قال لعليّ: أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى»(3).
المحاولات السقيمة في ردّ حدي المنزلة
ثم إن القوم لمّا رأوا صحّة هذا الحديث سنداً، بل تواتره من طرقهم المعتبرة عندهم التجأوا إلى التشكيك في دلالته على أفضلية أمير المؤمنين وخلافته عن رسول رب العالمين... فراجع كتب الحديث والكلام.
فجاء آخرون وانتبهوا إلى سقوط تلك التشكيكات فاضطروا إلى القدح في سنده، وإن كان متفقاً عليه بين أرباب الصحاح وغيرهم من أئمة الحديث... كما لا يخفى على من راجع كتاب «الصواعق المحرقة».
وهناك من رأى أن لا جدوى في الطعن بالسند والدلالة، فعمد إلى لفظ الحديث وحرفه بما لا يتفوّه به مسلم... فقال بأن لفظه: عليّ مني بمنزلة قارون من موسى... !!! كما لا يخفى على من راجع كتب الرجال بترجمة «حريز بن عثمان».
قلب حديث المنزلة
وقلب آخرون الحديث إلى الشيخين:
قال الخطيب: «أخبرنا الطاهري، أخبرنا أبو القاسم علي بن الحسن بن عليّ
ابن زكريا الشاعر، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية، حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبر، مليكة، عن ابن عباس:
أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى»(4)
وقال المتقي:
«أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.
خط، وابن الجوزي في الواهيات، عن ابن عبّاس»(5)
وكذا قال المناوي (6).
نظرات في سنده
أقول:
وهذا السند في غاية السقوط، ففيه:
1 ـ ابن أبي مليكة،
وقد عرفته في بحثنا حول حديث «خطبة عليّ ابنة أبي جهل» الموضوع الباطل (7).
2 ـ قزعة بن سويد،
روى ابن أبي حاتم عن أحمد: «مضطرب الحديث» وعن ابن معين «ضعيف» وعن أبيه أبي حاتم الرازي: «لا يحتج به» (8).
وذكر ابن حجر عن البخاري: «ليس بذاك القوي» وعن أبي دواد والعنبري
والنسائي: «ضعيف» وعن ابي حبان: «كثير الخطأ، فاحش الوهم، فلما كثر ذلك في روايته سقط الاحتجاج بأخباره» (9).
وذكره الذهبي في «الميزان» وقال: «له حديث منكر عن ابن أبي مليكة...» (10).
وستأتي كلمة ابن الجوزي.
3 ـ بشر بن دحية،
قال ابن حجر: «بشر بن دحية، عن قزعة بن سويد، وعنه محمد بن جرير الطبري، ضعفه المؤلف في ترجمة عمار بن هارون المستملي في أصل الميزان...».
أقول: وستقف على نص العبارة وفيها عن الذهبي: «هذا كذب، وهو من بشر».
وفيها قول ابن حجر: «وشيخ الطبري [يعني بشراً] ما عرفته، فيجوز أن يكون هو المفتري»(11).
عليّ بن الحسن الشاعر،
وهذا الرجل كذبه غير واحد، بل هو المتهم بوضع هذا الحديث عند بعضهم كما ستعرف.
تصريحات حوله
ولقد نصّ جماعة من نقاد الحديث على أنه حديث كذب موضوع، ومنهم: ابن عدي وابن الجوزي والذهبي وابن حجر العسقلاني، ونحن في هذا المقام ننقل عبارة ابن الجوزي ثم عبارات ابن حجر، وفيها الكفاية:
قال ابن الجوزي:
«أخبرنا أبو منصور القزّاز قال: أنا أبو بكر ابن ثابت، قال: أخبرنا عليّ بن
عبد العزيز الطاهري، قال: نا أبو القاسم عليّ بن الحسن بن علي بن زكريا الشاعر، قال: نا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، قال: نا بشر بن دحية، قال: نا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس: أن النبي قال: أبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.
قال المؤلف: هذا حديث لا يصحّ، والمتّهم به الشاعر، وقد قال أبو حاتم الرازي: لا يحتج بقزعة بن سويدة: وقال أحمد: هو مضطرب الحديث»(12).
وقال ابن حجر بترجمة بشر بن دحية:
«بشر بن دحية، عن قزعة بن سويد، وعنه محمد بن جرير الطبري. ضعفه المؤلّف في ترجمة عمّار بن هارون المستملي في أصل الميزان، فذكر عن ابن عديّ أنه قال: محمد بن نوح، ثنا جعفر بن محمد الناقد، ثنا عمار بن هارون المستملي، أنا قزعة ابن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن أبن عبّاس رفعه: ما نفعني مال ما نفعني مال أبي بكر. الحديث، وفيه: وأبو بكر وعمر مني بمنزلة هارون من موسى.
قال ابن عدي: وحدثناه ابن جرير الطبري، ثنا بشر بن دحية، ثنا قزعة بنحوه.
قال الذهبي: هذا كذب، وهو من بشر.
قال: ثم قال ابن عديّ: ورواه مسلم بن إبراهيم عن قزعة.
قال الذهبي: وقزعة ليس بشيء.
قلت: فبريء بشر من عهدته، وسيأتي في ترجمة عليّ بن الحسن بن عليّ بن زكريّا الشاعر أن المؤلف اتهمه به وأنه بريء من عهدته»(13).
وقال ابن حجر بترجمة الشاعر:
«علي بن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر، عن محمد بن جرير الطبري،
بخبر كذب هو المتهم به، متنه: أبو بكر(14) مني بمنزلة هارون من موسى. إنتهى. ولا ذنب لهذا الرجل فيه كما سأبينه.
قال الخطيب في تاريخه: أنا عليّ بن عبد العزيز الطاهري، أنا أبو القاسم عليّ ابن الحسن بن عليّ بن زكريا الشاعر، حدثنا أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، حدثنا بشر بن دحية، حدثنا قزعة بن سويد، عن ابن أبي مليكة، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ بهذا الحديث.
فشيخ الطبري ما عرفته، فيجوز أن يكون هو المفتري، وقد قدّمت كلام المؤلف فيه في ترجمته، وأنّ ابن عديّ أخرج الحديث المذكور بأتمّ من سياقه عن ابن جرير الطبري بسنده. فبريء ابن الحسن من عهدته»(15).
***

الحديث الثاني

الحديث الثاني
حديث المباهلة
ومن فضائل أهل البيت «حديث المباهلة»... فإنه لمّا نزلت الآية المباركة: (فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)(16) خرج رسول الله صلّى الله عليه واله وسلّم بعلي وفاطمة والحسنين عليهم السلام إلى المباهلة...
حديث المباهلة بأهل البيت
وقال السيوطي: «أخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وأبو نعيم عن الشعبي قال: كان أهل نجران أعظم قوم من النصارى قولاً في عيسى بن مريم، فكانوا يجادلون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فيه. فأنزل الله هذه الآيات في سورة آل عمران: (إن مثل عيسى عند الله) إلى قوله: (فنجعل لعنة الله على الكاذبين). فأمر بملاعنتهم، فواعدوه لغدٍ، فغدا النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم ومعه علي والحسن والحسين وفاطمة، فأبوا أن يلاعنوه وصالحوه على الجزية. فقال النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: لقد أتاني البشير بهلكة أهل نجران حتى الطير على الشجر لو تّموا على الملاعنة»(17).
قال: «وأخرج مسلم والترمذي وابن المنذر والحاكم والبيهقي في سننه عن سعد
ابن أبي وقاص قال: لمّا نزلت هذه الآية: (قل تعالوا ندع ابناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم عليّاً وفاطمة وحسنا وحسينا فقال: اللهم هؤلاء أهلي»(18).
قال: «وأخرج الحاكم وصحّحه، وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن جابر قال: قدم على النبي السيد والعاقب... فغدا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم وأخذ بيد عليّ وفاطمة والحسن والحسين، ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيباه وأقرا له. فقال: والذي بعثني بالحق لو فعلا لأمر الوادي عليهما ناراً.
قال جابر: فيهم نزلت: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الآية. قال جابر: أنفسنا وأنفسكم: رسول الله وعلي. وأبناءنا: الحسن والحسين. ونساءنا: فاطمة»(19).
قال: «وأخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكري: نزلت هذه الآية: (قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) الايه. أرسل رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم. فقال شاب من اليهود: ويحكم أليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير! لا تلاعنوا !فانتهوا» (20).
فمن رواة الحديث
1 ـ أبو بكر ابن أبي شيبة.
2 ـ سعيد بن منصور.
3 ـ عبد بن حميد.
4 ـ مسلم بن الحجّاج.
5 ـ أبو عيسى الترمذي.
6 ـ أبو عبدالله الحاكم.
7 ـ ابن المنذر
8 ـ محمد بن جرير الطبري.
9 ـ أبو بكر البيهقي.
10 ـ أبو نعيم الأصفهاني.
11 ـ جلال الدين السيوطي.

وأخرجه أحمد، قال:
«ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول له وخلفه في بعض مغازيه، فقال عليّ رضي الله عنه: أتخلفني مع النساء والصبيان ؟ قال: يا عليّ، أما ترض أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلآ أنه لا نبي بعدي.
وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فتطاولنا لها. فقال: ادعوا لي علياً ـ رضي الله عنه ـ فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية: (ندع أبناءنا وأبناءكم) دعا رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم علياً وفاطمة وحسنا وحسينا ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ فقال: اللهم هؤلاء أهلي»(21).
أقول: لا يخفى أن هذا الحديث هو نفس الحديث الذي أخرجه مسلم، وقد تقدّم نصّه في الحديث الأول، فقارن بين هذا اللفظ واللفظ المتقدّم لتعرف ما في لفظ أحمد من التحريف والتصرف:
وقد ذكر المفسرون خبر المباهلة بذيل الآية المباركة فلاحظ تفاسير: الزمخشري، الفخر الرازي، البيضاوي، الخازن، الجلالين، الآلوسي... وغيرهم.
قلب حديث المباهلة
فلّما رأى بعض المتعصّبين اختصاص هذه الفضيلة بأهل البيت عليهم السلام، لاسيّما وأنها تدلّ على عصمة أمير المؤمنين عليه السلام وإمامته، وعلى أن الحسنين عليهما السلام ابنا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم كما نصّ عليه الفخر الرازي وغيره في تفسير الآية... عمد إلى وضع حديث ليقلب تلك المنقبة إلى غير أهل البيت وليقابل به حديث المباهلة:
قال ابن عساكر: «أخبرنا أبو عبدالله محمد بن إبراهيم، أنبأ أبو الفضل ابن الكريدي، أنبأ أبو الحسن العتيقي، أنا أبو الحسن الدارقطني، نا أبو الحسين أحمد بن قاج، نا محمد بن جرير الطبري إملاء علينا، نا سعيد بن عنبسة الرازي، نا الهيثم بن عدي، قال: سمعت جعفر بن محمد عن أبيه في هذه الاية: (تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم) قال: فجاء بأبي بكر وولده وبعمر وولده وبعثمان وولده وبعلي وولده»(22).
وعنه السيوطي بتفسير الآية كذلك(23).
نظرات في سنده
وهذا الحديث كذب محض، باطل سنداً ومتناً... ونحن نكتفي بالنظر في سنده... ففيه:
1 ـ سعيد بن عنبسة الرازي،
وهذا الرجل ذكره ابن أبي حاتم الرازي فقال:
«سعيد بن عنبسة أبو عثمان الخزّاز الرازي... سمع منه أبي ولم يحدّث عنه وقال:
فيه نظر.
حدثنا عبد الرحمن، قال: سمعت عليّ بن الحسين، قال: سمعت يحيى بن معين ـ وسئل عن سعيد بن عنبسة الرازي ـ فقال: لا أعرفه.
فقيل: إنه حدّث عن أبي عبيدة الحدّاد حديث والان ؟ فقال: هذا كذاب.
حدثنا عبد الرحمن، قال: سمعت علي بن الحسين يقول: سعيد بن عنبسة كذاب.
سمعت أبي يقول: كان لا يصدق» (24).
2 ـ الهيثم بن عدي،
وقد اتفقوا على أنه كذاب... قال ابن أبي حاتم: «سئل يحيى بن معين الهيثم بن عديّ فقال: كوفي ليس بثقة، كذاب.
سألت أبي عنه فقال: متروك الحديث»(25).
وذكره ابن حجر فذكر الكلمات فيه:
البخاري: «ليس بثقة، كان يكذب».
يحيى بن معين: «ليس بثقة، كان يكذب».
أبو داود: «كذاب».
النسائي وغيره: «متروك الحديث».
ابن المديني: «لا أرضاه في شيء».
أبو زرعة: «ليس بشيء».
العجلي: «كذّاب».
الساجي: «كان يكذب».
أحمد: «كان صاحب أخبار وتدليس».
الحاكم والنقاش: «حدّث عن الثقات بأحاديث منكرة».
محمود بن غيلان: «أسقطه أحمد ويحيى بن معين وأبو خيثمة».
ذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء».
«وكذب الحديث، لكون الهيثم فيه، جماعة منهم: الطحاوي في مشكل الحديث، والبيهقي في السنن، والنقّاش والجوزجاني في ما صنّفا من الموضوعات وغيرهم»(26).
***

الحديث الثالث

الحديث الثالث
حديث سيادة أهل الجنة
ومن الأحاديث المرويّة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم والثابتة عنه لدى المسلمين.. في فضل الإمامين السبطين الطاهرين، الحسن والحسين... هو قوله صلى الله عليه وآله وسلّم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»:
الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة
وقد رواه من أهل السنة علماء ومحدّثون لا يحصى عددهم كثرةً:
فقد أخرج الترمذي بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلم: «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(27).
وأخرج ابن ماجة بسنده عن عبدالله بن عمر، قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما»(28).
وأخرج أحمد بإسناده عن حذيفة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: «ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبل هذه الليلة، فاستأذن ربّه أن يسلّم علي ويبشّرني أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة»(29).
وأخرج الحاكم بسنده عن حذيفة عنه صلى الله عليه [وآله] وسلّم قال: «أتاني جبرئيل فقال: إن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة. ثم قال لي رسول الله: غفر
الله لك ولامّك يا حذيفة»(30).
وصحّحه الذهبي في تلخيصه.
ومن رواته أيضاً:
ابن حبّان في صحيحه كما في موارد الظمان: 551.
والنساني في خصائص أمير المؤمنين: 36.
والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 9|231.
وأبو نعيم في حلية الأولياء 4|190.
وابن حجر العسقلاني في الإصابة 1|266.
وابن الأثير في أُسد الغابة 5|574.
وذكره الزركشي في «التذكرة في الأحاديث المشتهرة» والسيوطي في «الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة» والسخاوي في «المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة» بل أورده الزبيدي في كتابه«لقط اللآلي المتناثرة في الأحاديث المتواترة».

قلب الحديث
هذا هو الحديث كما في كتب القوم مصرحين بصحته... فقلبه بعض الكذابين إلى لفظ: «أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة»:
قال الترمذي: «حدثنا الحسن بن الصباح البزار، حدثنا محمد بن كثير العبدي، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم لأبي بكر وعمر: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلأ النبيين والمرسلين.
قال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
حدثنا عليّ بن حجر، أخبرنا الوليد بن محمد الموقري، عن الزهري، عن عليّ ابن الحسين، عن عليّ بن أبي طالب، قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إذ طلع أبو بكر وعمر، فقال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: هذان سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلا النبيين والمرسلين؛ يا عليّ لا تخبرهما.
قال: هذا حديث غريب من هذا الوجه. والوليد بن محمد الموقري يضعف في الحديث، ولم يسمع عليّ بن الحسين من علي بن أبي طالب.
وقد روي هذا الحديث عن علي من غير هذا الوجه.
وفي الباب عن أنس وابن عبّاس.
حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، حدثنا سفيان بن عيينة، قال: ذكر داود، عن الشعبي، عن الحارث، عن عليّ، عن النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم قال: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين ما خلا النبيين والمرسلين؛ لا تخبرهما يا علي»(31).
وقال ابن ماجة: «حدثنا هشام بن عمار، ثنا سفيان، عن الحسن بن عمارة، عن فراس، عن الشعبي، عن الحارث، عن عليّ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأوّلين والآخرين إلا النبيين والمرسلين؛ لا تخبرهما يا عليّ ما داما حيّين»(32).
وقال: «حدثنا أبو شعيب صالح بن الهيثم الواسطي، ثنا عبد القدوس بن بكر ابن خنيس، ثنا مالك بن مغول، عن عون بن أبي جحيفة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الاولين والآخرين إلآ النبيّين والمرسلين»(33)
وقال عبد الله بن أحمد: «حدّثني وهب بن بقية الواسطي، ثنا عمر بن يونس ـ يعني اليمامي ـ، عن عبدالله بن عمر اليمامي، عن الحسن بن زيد بن الحسن، حدثني أبي، عن أبيه، عن عليّ رضي الله عنه، قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه [وآله] وسلّم فأقبل أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال: يا علي، هذان سيدا كهول أهل الجنة وشبابها بعد النبيّين والمرسلين»(34).
نظرات في سنده
أقول:
قد ذكرنا أهمّ أسانيد هذا الحديث في أهمّ كتبهم، فالترمذي يرويه بسنده عن أنس بن مالك، وهو وابن ماجة وعبدالله بن أحمد يروونه عن أمير المؤمنين عليه السلام.. وابن ماجة يرويه عن أبي جحيفة.. وربّما روي في خارج الصحاح عن بعض الصحابة لكن بأسانيد اعترفوا بعدم اعتبارها (35).
وأول ما في هذا الحديث اعراض البخاري ومسلم عنه، فإنهما لم يخرجاه في كتابيهما، وقد تقرر عند كثير من العلماء رد ما اتفقا على تركه، بل إن أحمد بن حنبل لم يخرجه في مسنده أيضاً، وإنما أورده ابنه عبدالله في زوائده (36)، وقد نصّ أحمد على أن ما ليس في المسند فليس بحجّة حيث قال في وصف كتابه: «إن هذا كتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلأ فليس بحجّة»(37).
ثم إنه بجميع طرقه المذكورة ساقط عن الاعتبار:
أمّا الحديث عن عليّ عليه السلام:
فقد رواه عنه الترمذي بطريقين، وعبدالله بن أحمد بطريق ثالث.
أما الطريق إلأوّل فقد نبه على ضعفه الترمذي:
أولاً: بأن علي بن الحسين لم يسمع من عليّ بن أبي طالب، والواسطة بينهما غير مذكور وهذا قادح عل مذهب أهل السنة.
وثانياً: بأن الوليد بن محمد الموقري يضعّف في الحديث.
وقال ابن المديني: ضعيف لا يكتب حديثه.
وقال الجوزجاني: كان غير ثقة، يروي عن الزهري عدّة أحاديث ليس لها أصول.
وقال أبو زرعة الرازي: لين الحديث.
وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث.
وقال النساني: ليس بثقة، منكر الحديث.
وقال ابن خزيمة: لا يحتجّ به.
وقال ابن حبّان: روى عن الزهري أشياء موضوعة.
بل قال ابن معين ـ في رواية عنه ـ: كذاب. وكذا قال غيره(38).
قلت:
وهذا الحديث عن الزهري !!
وأمّا «الزهري»، فقد ترجمنا له في بعض بحوثنا السابقة فلا نعيد.
وامّا الطريق الثاني:
فهو عن الشعبي عن الحارث عن عليّ... عند الترمذي...
وكذا... عند ابن ماجة...
اما الشعبي، فقد ترجمنا له في بعض البحوث السابقة.
وامّا الحارث، وهو «الحارث بن عبدالله الأعور» فإليك بعض كلماتهم فيه:
أبو زرعة: لا يحتجّ بحديثه.
أبو حاتم: ليس بقوي ولا مّمن يحتج بحديثه.
النساني: ليس بالقويّ.
الدارقطني: ضعيف.
ابن عديّ: عامّة ما يرويه غير محفوظ.
بل وصفه غير واحد منهم بالكذب !
بل عن الشعبي ـ الراوي عنه ـ: كان كذاباً !! وقد وقع هذا عندهم موقع الإشكال ! كيف يكذّبه ثم يروي عنه ؟! إن هذا يوجب القدح في الشعبي نفسه !
فقيل: إنه كان يكذب حكاياته لا في الحديث. وإنما نقم عليه إفراطه في حبّ علي !(39).
قلت: إن كان كذلك فقد ثبت القدح للشعبي، إذ الإفراط في حبّ عليّ لا يوجب القدح ولا يجوز وصفه بالكذب، ومن هنا ترى أن غير واحد ينصّ على وثاقة الحارث...
هذا، ولا حاجة إلى النظر في حال رجال السندين حتى الشعبي، وإلآ فإن «الحسن بن عمارة» عند ابن ماجة:
قال الطيالسي: قال شعبة: انت جرير بن حازم فقل له: لا يحلّ لك أن تروي
عن الحسن بن عمارة فإنه يكذب...
وقال ابن المبارك: جرحه عندي شعبة وسفيان، فبقولهما تركت حديثه.
وقال أبو بكر المروزي عن أحمد: متروك الحديث.
وقال عبدالله بن المديني عن أبيه: كان يضع.
وقال أبو حاتم ومسلم والنسائي والدارقطني: متروك الحديث.
وقال الساجي: ضعيف متروك، أجمع أهل الحديث على ترك حديثه.
وقال الجوزجاني: ساقط.
وقال ابن المبارك عن ابن عيينة: كنت إذا سمعت الحسن بن عمارة يحدّث عن الزهري جعلت إصبعي في أذني.
وقال ابن سعد: كان ضعيفاً في الحديث.
وقال السهلي: ضعيف بإجماع منهم (40).
قلت:
فهذا حال هذا الرجل الذي روى عنه ابن ماجة! وروى عنه سفيان مع علمه بهذه الحال ! وإذا كان سفيان جارحاً له فكيف يروي عنه ؟! ألا يوجب ذلك القدح في سفيان كذلك وسقوط جميع رواياته، عنه ؟! وهذا الحديث من ذلك !
وأمّا الطربق الثالث:
فهو رواية عبدالله، ففيه:
اولاً: إنه مّما أعرض عنه أحمد بناء على ما تقدّم.
وثانياً: إن فيه الحسن بن زيد... قال ابن معين: ضعيف. وقال ابن عدي: «أحاديثه عن أبيه أنكر مّما روى عن عكرمة»(41).
قلت: وهذا الحديث من ذاك ! (42)
وثالثاً: إن لفظه يشتمل على «وشبابها» وهذا يختص بهذا السند وهو كذب قطعاً.
وأمّا الحديث عن أنس:
فهو الذي أخرجه الترمذي، ففيه:
«قتادة» وكان مدلساً، يرمى بالقدر رأساً في بدعة يدعو إليها، خاطب ليل، حدّث عن ثلاثين رجلاً لم يسمع منهم... إلى غير ذلك مّما قيل فيه (43).
و«أنس بن مالك» نفسه لا يجوز الاعتماد عليه، لا سيما فى مثل هذا الحديث، فقد ثبت كذبه في حديث الطائر المشوي (44) وكتمه للشهادة بالحق حتى دعا عليه عليّ عليه السلام، وهو مع الحق (45).
وأمّا حديث أبي جحيفة:
فهو الذي أخرجه ابن ماجة، ففيه:
«عبد القدّوس بن بكر بن خنيس» قال ابن حجر: «ذكرمحمود بن غيلان عن أحمد وابن معين وأبي خيثمة أنهم ضربوا على حديثه»(46).

(43) لاحظ ترجمته في التهذيب 8|317.
(44) حديث الطائر المشويّ من أشهر الاحاديث الدالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته ، أخرجه عشرات الأئمّة والعلماء الأعلام في كتبهم، منه: الترمذي والحاكم والطبراني وابو نعيم والخطيب وابن عساكر وابن الاثير... راجع منها المستدرك 3|130.
(45) كان ذلك في قضيّة مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام الناس في رحبة الكوفة بأنّ من شهد منهم غدير خٌمّ فليقم ويشهد، فشهد جماعة من الحاضرين وامتنع أنس في نفرٍ منهم... فدعا عليهم الإمام عليه السلام... روى ذلك: ابن قتيبة والبلاذري وابن عساكر وآخرون... راجع كتاب الغدير 1|192.
(46) تهذيب التهذيب 6|329.
تتمة:
إنه لا يخفى اختلاف لفظ آخر الحديث عن علي، ففي لفظ: «لا تخبرها يا علي» وفي آخر: «لا تخبرهما يا عليّ ما داما حيّين» وفي ثالث لم يذكر هذا الذيل أصلا.. !
أما في الحديث عن أنس فلا يوجد أصلاً...
ولماذا نهى عليّاً من أن يخبرهما؟! ولماذا لم ينه أنس عن ذلك، بل بالعكس أمره بأن يبشرهما ـ وعثمان ـ في حديث يروونه عنه وسيأتي نصّه في كلام العيني...
لم أجد ـ في ما بيدي من المصادر ـ لذلك وجهاً... إلاّ عند ابن العربي المالكي... فإنه قال: «قال ذلك لعلي ليقرر عند تقدّمهما عليه»!! وأنه «نهاه أن يخبرهما لئلا يعلما قرب موتهما في حال الكهولة»!!(47).
وهل كان يحتاج عليّ إلى الإقرار إن كان تقدّمهما عليه بحق ؟!
وهل كان يضرهما العلم بقرب موتهما في حال الكهولة؟! وهل كانا يخافان الموت ؟! ولماذا؟!
***

الحديث الرابع

الحديث الرابع
حديث سدّ الأبواب
ومن الأحاديث الصحيحة الثابتة المشهورة، بل المتواترة.. الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم في شأن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام... حديث «سدّوا الأبواب إلاّ باب علي»... وهذه نصوص من ألفاظه:
حديث سدّ الأبواب إلاّ باب عليّ
أخرج الترمذي بسنده عن ابن عبّاس: «أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم أمر بسدّ الأبواب إلاّ باب علي»(48).
وأخرج عن أبي سعيد قال: «قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لعليّ: يا عليّ، لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك.
قال عليّ بن المنذر: قلت لضرار بن صرد: ما معنى هذا الحديث ؟ قال: لا يحل لأحد يستطرقه جنباً غيري وغيرك»(49).
وأخرج أحمد بسنده عن عبدالله بن الرقيم الكناني، قال: «خرجنا إلى المدينة زمن الجمل، فلقينا سعد بن مالك بها فقال: أمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي»(50).
وأخرجه أحمد كذلك بأسانيد مختلفة عن غير واحد من الصحابة(51).
وأخرج الحاكم بسنده عن زيد بن أرقم قال: «كانت لنفرٍ من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم أبواب شارعة في المسجد. فقال يوماً: سدوا هذه الأبواب إلاّ باب علي.
قال: فتكلم في ذلك الناس، فقام رسول الله فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أمّا بعد، فإني أمرت بسد هذه الأبواب غير باب علي فقال فيه قائلكم، والله ما سددت شيئاً ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته.
هذا حديث صحيح الإسناد»(52).
وأخرج بسنده عن أبي هريرة قال: «قال عمر بن الخطاب: لقد أعطي علي ابن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من أن أعطى حمر النعم. قيل: وما هن يا أمير المؤمنين ؟ قال: تزوّجه فاطمة بنت رسول الله، وسكناه المسجد مع رسول الله يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.
هذا حديث صحيح الإسناد»(53).
وأخرج النسائي بسنده عن الحارث بن مالك قال: «أتيت مكة فلقيت سعد ابن أبي وقاص فقلت له: سمعت لعلي منقبة؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم في المسجد فروى فينا لسدّه ليخرج من في المسجد إلاّ آل رسول الله وآل عليّ. قال: فخرجنا، فلما أصبح أتاه عمه فقال: يا رسول الله أخرجت أصحابك وأعمامك وأسكنت هذا الغلام ؟! فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: ما أنا أمرت بإخراجكم ولا بإسكان هذا الغلام. إن الله هو أمر به.
قال النسائي: قال فطر: عن عبدالله بن شريك، عن عبدالله بن أرقم، عن سعد: إن العباس أتى النبي فقال: سددت أبوابنا إلاّ باب علي ؟! فقال: ما أنا فتحتها ولا أنا سددتها»(54).
هذه بعض ألفاظ الحديث كما أخرجها الأئمة، ولو أردنا استقصاء طرقه وألفاظه المختلفة عن الصحابة الذين رووه لطال بنا المقام، وربّما نقف على بعضها أيضاً في خلال البحث... وبالجملة فإن الخبر قد تعدّى الرواية وبلغ حد الدراية... ونحن إنّما ذكرنا طرفاً من ذلك تمهيداً لما أخرج في الصحيحين من حديث الخوخة، وما ترتب على ذلك من نظرات وبحوث عند الشراح وكبار أئمة الحديث.
قلب الحديث
لقق قلبوا حديث «سدّ الأبواب» عن «علي» إلى «أبي بكر» ووضعوا أيضاً «حديث الخوخة» وأخرجه البخاري ومسلم في كتابيهما والترمذي وأحمد... وغيرهم ممن تقدّم وتأخر...
والعمدة ما جاء في كتابي البخاري ومسلم... فإذا درسناه وتوصّلنا إلى واقع الحال فيه أغنانا عن النظر في غيره... ولربما تعرضنا لغيره في خلال البحث.
الحديث المقلوب عند البخاري
والبخاري أخرجه في أكثر من باب...
ففي «باب الخوخة والممرّ في المسجد» قال: «حدّثنا عبدالله بن محمد الجعفي، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدّثنا أبي، قال: سمعت يعلى بن حكيم، عن عكرمة، عن ابن عبّاس، قال: خرج رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه الذي مات فيه عاصباً رأسه بخرقة فقعد على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنّه ليس من الناس أحد أمن عليّ في نفسه وماله. من أبي بكر بن أبي قحافة؛ ولو كنت متخذاً من الناس خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلاً، ولكن خلّة الإسلام أفضل؛ سدّوا عنّي كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر».
وفي «باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة» قال: «حدّثنا إسماعيل بن عبدالله، قال: حدّثني مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيدالله عن عبيد ـ يعني ابن حنين ـ
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم جلس على المنبر فقال: إن عبداً خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا ما شاء وبين ما عنده فاختارما عنده، فبكى أبو بكر وقال: فديناك بآبائنا وامهاتنا، فعجبنا له وقال الناس: أنظروا إلى هذا الشيخ، يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبدٍ خيره الله بين أن يؤتيه من زهرة الدنيا وبين ما عنده، وهو يقول: فديناك بآبائنا وأمّهاتنا. فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم هو المخير وكان أبو بكر هو أعلمنا به.
وقال رسول صلى الله عليه [وآله] وسلّم: إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً من أمتي لاتخذت أبا بكر إلاّ خلة الإسلام، لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر».
الحديث المقلوب عند مسلم
وأخرجه مسلم في باب فضائل الصحابة فقال:
«حدّثني عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد، حدثنا معن، حدّثنا مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم جلس على المنبر فقال: عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده؛ فبكى أبو بكر وبكى فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا.
قال: فكان رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا به.
وقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: إن أمن الناس عليّ في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متّخذا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام؛ لا يبقين في المسجد خوخة إلاّ خوخة أبي بكر.
حدثنا سعيد بن منصور، حدّثنا فليح بن سليمان، عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري، قال: خطب رسول الله صلى
الله عليه [وآله] وسلّم الناس يوماً. بمثل حديث مالك».
تحريف البخاري الحديث المقلوب
ثم إن البخاري بعد أن أخرج الحديث عن ابن عبّاس في «باب الخوخة والممر في المسجد» كما عرفت حرّفه في «باب المناقب» حيث قال: «باب قول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم: سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر. قاله ابن عبّاس عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم».
فاضطرب الشراح في توجيه هذا التحريف، فاضطروا إلى حمل ذلك على أنه نقل بالمعنى:
قال ابن حجر: «وصله المصنّف في الصلاة بلفظ: سدّوا عني كل خوخة، فكأنه ذكره بالمعنى»(55).
وقال العيني: «هذا وصله البخاري في الصلاة بلفظ: سدّوا عنّي كلّ خوخة في المسجد، وهذا هنا نقل بالمعنى...»(56).
وهل يصدق على أن نقل «الخوخة» إلى «الباب» نقل بالمعنى؟! على أن ابن حجر نفسه غير جازم بذلك فيقول: «كأنه...»!
وكما حرف الحديث عن ابن عبّاس، كذلك حرف حديث أبي سعيد الذي أخرجه في «باب هجرة النبي» كما عرفت، فقال في «باب المناقب»:
«حدثني عبدالله بن محمد، حدّثني أبو عامر، حدّثنا فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال:
خطب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وقال: إن الله خيّر عبداً بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله؛ قال: فبكى أبو بكر؛ فعجبنا لبكائه أن
يخبر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم عن عبد خيّر، فكان رسول الله هو المخيّر وكان أبو بكر أعلمنا.
فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله أبا بكر، ولو كنت متخذاً خليلاً غير ربّي لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوّة الإسلام ومودته؛ لا يبقين في المسجد باب إلاّ سدّ إلاّ باب أبي بكر».
وهنا أيضا اضطرب الشراح فراجع كلماتهم.
نظرات في سند حديث الخوخة في الصحيحين
قدمنا حديث الخوخة بسنده ولفظه في الصحيحين... وقد عرفت أن البخاري ومسلماً يرويانه عن ابن عبّاس وأبي سعيد الخدري... لكنه ساقط عن درجة الاعتبار عن كليهما:
أما الحديث عن ابن عباس:
فهو عند البخاري فقط... ويكفي في سقوطه ـ بعد غضّ النظر عن بعض الكلام في «وهب بن جرير»(57) وعما قيل في أبيه «جرير بن حازم» فإن البخاري يقول: «ربّما يهّم» ويقول يحيى بن معين: «هو عن قتادة ضعيف» والذهبي يقول: «تغيرّ قبل موته فحجبه ابنه وهب»(58) ـ إن راويه عن ابن عبّاس هو «عكرمة البربري» مولاه، وإليك طرفاً من أوصاف هذا الرجل:
موجز ترجمة عكرمة مولى ابن عبّاس:
1 ـ إنّه كان يرى رأي الخوارج وكان داعية إليه، وقد أخذ كثيرون من أهل
أفريقية رأي الصفرية من عكرمة. قال الذهبي: قد تكلّم الناس في عكرمة لأنه كان يرى رأي الخوارج.
2 ـ وكان يطعن في الدين ويستهزئ بالأحكام، فقد نقلوا عنه قوله: إنمّا أنزل الله متشابه القرآن ليضل به.
وقال في وقت الموسم: وددت أني اليوم بالموسم وبيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالا.
ووقف على باب مسجد النبي وقال: ما فيه إلاّ كافر.
3 ـ وكان كذاباً، حتى أوثقه عليّ بن عبدالله بن عباس على باب كنيف الدار، فقيل له: تفعلون هذا بمولاكم ؟! فقال: إن هذا يكذب على أبي. وأشتهر قول عبدالله ابن عمر لمولاه نافع: اتق الله، لا تكذب عليّ كما كذب عكرمة على ابن عباس. وعن ابن سيرين ويحيى بن معين ومالك وجماعة غيرهم: كذاب.
4 ـ وعكوفه على أبواب الأمراء للدنيا مشهور، حتى قيل له: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان ؟! فقال: أسعى على بناتي. وقال لآخر: قدمت آخذ من دنانير ولاتكم ودراهمهم.
5 ـ ولأجل هذه الأمور وغيرها ترك الناس جنازته، فما حمله أحد، وأكتروا له أربعة رجال من السودان (*).
وأمّا الحديث عن أبي سعيد الخدري:
فقد رواه البخاري عن: إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين، عن أبي سعيد الخدّري...
ورواه مسلم ـ في طريقه الأول ـ عن عبدالله بن جعفر بن يحيى بن خالد،
(*)
ذكرنا ترجمته في كتابنا: التحقيق في نفي التحريف: 248 ـ 253 عن: تهذيب الكمال، وتهذيب التهذيب 7|263، وطبقات ابن سعد 5|287، ووفيات الأعيان 1|319، وميزان الاعتدال 3|93، والمغني في الضعفاء 2|84، والضعفاء الكبير 3|373، وسير أعلام النبلاء 5|9.
عن معن، عن مالك...
ورواه الترمذي عن أحمد بن الحسن، عن عبيدالله بن مسلمة، عن مالك... وقال: هذا حديث حسن صحيح (59).
فمداره على «مالك بن أنس».
ومالك بن أنس وإن كان أحد الأئمة الأربعة، تقلّده طائفة كبيرة من أهل السنة... فهو لا يعتمد على رواياته، خاصة في مثل هذا المقام... لعقيدته التي انفرد بها حول الإمام عليه السلام... والتي خرج بها عن إجماع اهل الإسلام...!!
ترجمة مالك
وقد اقتض هذا المقام أن نفصّل الكلام في ترجمة مالك بن أنس:
1 ـ كونه من الخوارج:
فأوّل ما فيه كونه يرى رأي الخوارج... قال المبرّد في بحث له حول الخوارج:
«وكان عدّة من الفقهاء ينسبون إليه، منهم: عكرمة مولى ابن عبّاس، وكان يقال ذلك في مالك بن أنس.
ويروي الزبيريّون: أن مالك بن أنس كان يذكر عثمان وعليّ وطلحة والزبير فيقول: والله ما اقتتلوا إلاّ على الثريد الأعفر»(60).
2 ـ رأيه الباطل في مسالة التفضيل:
وكان مالك يرى مساواة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام لسائر الناس، فكان يقول بأن أفضل الأمّة هم أبو بكر وعمر وعثمان ثم يقف ويقول: هنا يتساوى
الناس (61).
وكان في هذا الرأي تبعاً لابن عمر في رأيه حيث قال: كنا نقول على عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم نسكت. يعني فلا نفاضل.
هذا الرأي الذي ذكره ابن عبد البر وأنكره جدّاً، قال: «وهو الذي أنكره ابن معين وتكلم فيه بكلام غليظ، لأن القائل بذلك قد قال بخلاف ما اجتمع عليه أهل السنة من السلف والخلف من أهل الفقه والأثر: أن علياً أفضل الناس بعد عثمان، وهذا مما لم يختلفوا فيه، وإنما اختلفوا في تفضيل علي وعثمان، واختلف السلف أيضاً في تفضيل علي وأبي بكر. وفي إجماع الجميع الذي وصفنا دليل على أن حديث ابن عمر وهم غلط، وأنه لا يصح معناه وإن كان إسناده صحيحا...»(62).
3 ـ تركه الرواية عن امير المؤمنين عليه السلام:
ثم إنه لانحرافه عن أمير المؤمنين عليه السلام لم يخرج عنه شيئاً في كتابه «الموطأ»!... الأمر الذي استغرب منه هارون الرشيد، فلمّا سأله عن السبب اعتذر بأنه: لم يكن في بلدي ولم ألق رجاله!! (63).
هذا مع روايته عن معاوية وعبد الملك بن مروان... واستناده إلى آرائهما..!
وروايته عن هشام بن عروة مع قوله: هشام بن عروة كذاب !!(64).
وقال بعضهم: نهاني مالك عن شيخين من قريش وقد أكثر عنهما في الموطأ (65)».
4 ـ كان مدلّساً:
وهو ـ مضافاً إلى ذلك ـ كان مدلّساً:
قال عبدالله بن أحمد:
«سمعت أبي يقول: لم يسمع مالك بن أنس من بكير بن عبدالله شيئاً، وقد حدّثنا وكيع عن مالك عن بكير بن عبدالله. قال أبي: يقولون: إنّها كتب ابنه»(66).
وقال الخطيب في ذكر شيء من أخبار بعض المدلّسين:
«ويقال: إن ما رواه مالك بن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عبّاس، كان ثور يرويه عن عكرمة عن ابن عبّاس، وكان مالك يكره الرواية عن عكرمة فأسقط اسمه من الحديث وأرسله.
وهذا لا يجوز، وإن كان مالك يرى الاحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم ان الحديث عمّن ليس بحجة عنده. وأمّا المرسل فهو أحسن حالة من هذا، لانه لم يثبت من حال من أرسل عنه أنه ليس بحجّة»(67).
5 ـ اجتماعه بالأمراء وسكوته عن منكراتهم:
وكان مالك في غاية الفقر والشدّة، حتى ذكروا أنه باع خشبة سقف بيته (68).
ولكن حاله تبدّلت وتحسّنت منذ أن أصبح بخدمة السلطات والحكّام، فكانت الدنانير تدرّ عليه بكثرة، حتى أنه أخذ من هارون ألف دينار وتركها لورّاثه (69).
ومن الطبيعي حينئذٍ أن يكون مطيعاً للسلاطين، مشيداً لسياستهم، ساكتاً عن منكراتهم ومظالمهم....
قال عبدالله بن أحمد:
«سمعت أبي يقول: كان ابن أبي ذئب ومالك يحضران عند الأمراء فيتكلم ابن أبي ذئب يأمرهم وينهاهم ومالك ساكت. قال أبي: ابن أبي ذئب خير من مالك وأفضل»(70).
أقول:
فهو في هذه الحالة مثل شيخه الزهري، فيتوجه إليه ما ذكره الإمام السجاد عليه السلام في كتابه إلى الزهري (71).
6 ـ حمل الحكومة الناس على الموطأ وفتاوى مالك:
وكان من الطبيعي أيضاً أن يقابل من قبل الحكام بالمثل:
فقد قال له المنصور اجعل هذا العلم علماً واحداً... ضع الناس كتاباً أحملهم عليه... نضرب عليه عامّتهم بالسيف، ونقطع عليه ظهورهم بالسياط...(72).
وقال له: لئن بقيت لأكتبن قولك كما تكتب المصاحف، ولأبعثن به إلى الآفاق فأحملهم عليه...(73) أن يعملوا بما فيها ولا يتعدّوه إلى غيرها(74).
ولما أراد الرشيد الشخوص إلى العراق قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن احمل الناس على الموطّأ كما حمل عثمان الناس على القرآن (75).
ثم اراد هارون أن يعلّق الموطّأ على الكعبة! (76).
ونادى منادي الحكومة: «ألا لا يفتي الناس إلاّ مالك بن أنس»(77).
ومن الطبيعي أن لا يعامل غيره هذه المعاملة:
فقد قدم ابن جريج على أبي جعفر المنصور فقال له: إني قد جمعت حديث جدّك عبدالله بن عباس وما جمعه أحد جمعي. فلم يعطه شيئاً(78).
ولذا لمّا قيل لشيخه ربيعة الرأي: «كيف يحظى بك مالك ولم تحظ أنت بنفسك ؟!»!قال: «أما علمتم أن مثقالا من دولةً خير من حملي علم»(79).
7 ـ كان يتغنّى بالآلات:
واشتهر مالك بن أنس بالغناء، وهذا ما نص عليه غير واحد(80).
وقد ذكر القرطبي أنه «لا تقبل شهادة المغني والرقاص»(81).
وقال الشوكاني: «استماع الملاهي معصية، والجلوس عليها فسق، والتلذّذ بها كفر»(82).
8 ـ جهله بالمسائل الشرعية:
ومما يجلب الانتباه ما ذكره المترجمون له، من أنه كان إذا سئل عن مسألة تهرب من الإجابة، أو قال: لا أدري...(83).
فقد ذكروا أنه سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنين وثلاثين منها: لا أدري !!(84).
وسأله عراقي عن أربعين مسألة فما أجابه إلاّ عن خمس!! (85).
وسأله رجل عن مسائل فلم يجبه بشيء أصلاً(86).
وكان مالك يصرح بأنه أدرك سبعين من المشايخ يحدّثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فلم يأخذ من أحدهم شيئا!!(87).
9 ـ بكاؤه على الفتيا بالرأي:
وأجمع المؤرّخون على رواية خبر بكائه في مرض موته وقوله: «ليتني جُلدت بكل كلمة تكلّمت بها في هذا الأمر بسوط»(88).
ولا بُدّ له أن يبكي.. ومن أحق منه بالبكاء كما قال ؟! وهل ينفعه ؟!
فقد قال الليث بن سعد: «قد أحصيت على مالك سبعين مسألة كلّها مخالفة لسنة النبي مّما قال مالك فيها برأيه. قال: ولقد كتبت إليه بذلك في ذلك»(89).
10 ـ تكلّم الأعلام فيه:
هذا.. وقد تكلّم في مالك وعابه جماعة من أعلام الأئمّة:
قال الخطيب: «عابه جماعة من أهل العلم في زمانه»(90) ثم ذكر: ابن أبي ذؤيب، وعبدالعزيز الماجشون، وابن أبي حازم، ومحمد بن إسحاق (91).
وقال يحيى بن معين: «سفيان أحب إليّ من مالك في كلّ شيء».
وقال سفيان في مالك: «ليس له حفظ»(92).
وقال ابن عبدالبرّ «تكلّم ابن أبي ذؤيب في مالك بن أنس بكلام فيه جفاء وخشونة كرهت ذكره»(93).
وتكلّم في مالك إبراهيم بن سعد، وكان يدعو عليه.
وكذلك تكلم فيه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم وابن أبي يحيى(94).
وناظره عمر بن قيس ـ في شيء من أمر الحج بحضرة هارون ـ فقال عمر لمالك: «أنت أحياناً تخطئ وأحياناً لا تصيب. فقال مالك: كذاك الناس»(95).
***
ترجمة ابن أبي أويس
والراوي عن مالك ـ عند البخاري ـ هو «إسماعيل بن أبي أويس» وهو ابن أخت مالك ـ:
قال النسائي: «ضعيف»(96).
وقال يحيى بن معين: «هو وأبوه يسرقان الحديث».
وقال الدولابي: «سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول: كذاب».
وقال الذهبي بعد نقل ما تقدّم: «ساق له ابن عدي ثلاثة أحاديث، ثم قال: روى عن خاله مالك غرائب لا يتابعه عليها أحد»(97).
وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى: «مخلّط، يكذب، ليس بشيء»(98).
وقال ابن حزم في «المحلّى»: قال أبو الفتح الأزدي: حدثني سيف بن محمد: «أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث»(99).
وقال العيني: «أقرّ على نفسه بالوضع كما حكاه النسائي»(100).
* ورواه مسلم بطريق آخر ليس فيه «مالك» بل هو: «عن فليح بن سليمان، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري».
ترجمة فليح بن سليمان
لكن فيه: «فليح بن سليمان»:
قال النسائي: «ليس بالقوي»(101).
وكذا قال أبو حاتم ويحيى بن معين(102).
وقال يحيى عن أبي كامل مظفر بن مدرك: «ثلاثة يتقى حديثهم: محمد بن طلحة ابن مصرف، وأيوب بن عتبة، وفليح بن سليمان»(103).
وقال الرملي عن داود: «ليس بشيء»(104).
وقال ابن أبي شيبة: قال علي بن المديني: «كان فليح وأخره عبدالحميد ضعيفين»(105).
وذكره كل من العقيلي والدارقطني والذهبي في الضعفاء، وذكره ابن حبّان في المجروحين...
النظر في سند الحديث المحرّف
قد عرفت أن البخاري حرف حديث الخوخة الذي أخرجه هو وغيره عن ابن عباس وأبي سعيد.
اما تحريفه حديث ابن عباس فلم يذكر له سنداً، وأمّا تحريفه حديث أبي سعيد فهو بالسند التالي:
«حدثني عبدالله بن محمد، حدثني أبو عامر، حدثني فليح، قال: حدثني سالم أبو النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدري...»
كذا في «باب المناقب».
وفي «باب الخوخة والممرّ في المسجد»: «حدثنا محمد بن سنان، قال: حدّثنا فليح، قال: حدّثنا أبو النضر، عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد الخدريّ...»
ومداره على«فليح بن سليمان» وقد عرفته في النظر في الطريق الثاني من رواية مسلم، وعلمت أن لفظه عند مسلم عن الرجل «الخوخة» لا «الباب» فما عند البخاري محرف، وقدّ تقدم محاولة بعض الشراح توجيهه.
ثمّ إن في سند البخاري هنا في «باب الخوخة والممر» مشكلة أخرى، فقد جاء فيه «عن عبيد بن حنين، عن بسر بن سعيد» مع أن «عبيداً» المذكور لا يروي عن «بسر»... وهذا ما اضطرب القوم في توجيهه كذلك:
فقال ابن حجر: «قال الدارقطني: هذا السياق غير محفوظ، واختلف فيه على فليح، فرواه محمد بن سنان هكذا، وتابعه المعافى بن سليمان الحراني. ورواه سعيد بن منصور ويونس بن محمد المودّب وأبو داود الطيالسي عن فليح، عن أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبسر بن سعيد جميعاً، عن أبي سعيد.
قلت: أخرجه مسلم عن سعيد، وأبو بكر ابن أبي شيبة عن يونس، وابن حبّان
في صحيحه من حديث الطيالسي.
ورواه أبو عامر العقدي عن فليح، عن أبي النضر، عن بسر بن سعيد، عن أبي سعيد. ولم يذكر عبيد بن حنين. أخرجه البخاري في مناقب أبي بكر.
فهذه ثلاثة أوجه مختلفة».
ثم شرع في الجواب عن هذا الاعتراض والدفاع عن البخاري (106).
وكذلك تعرض للموضوع بشرح الحديث وحاول تصحيحه بأن الحديث عند «أبي النضر» عن شيخين يعني «بسراً» و«عبيداً» وأن «فليحاً» كان يجمعهما مرة ويقتصر على أحدهما مرة، ولكنه اعترف بالخطأ فقال: «فلم يبق إلاّ أن محمد بن سنان أخطأ في حذف الواو العاطفة، مع احتمال أن يكون الخطأ من فليح حال تحديثه له به !» (107).
زيادة باطلة في الحديث المقلوب
ثم إن بعض الوضّاعين شاء أن يزيد في حديث أنس صراحة في الدلالة على الفضيلة والخصيصة !! فزاد عليه جملة... لكن الخطيب البغدادي وابن الجوزي والسيوطي.. نصوا على أن الزيادة وهم، وأصل الحديث منقطع، فقد جاء في «اللآلي المصنوعة»:
«أنبأنا محمد بن عبدالباقي البزار، أنبأنا أبو محمد الجوهري، أنبأنا عمر بن أحمد الواعظ، حدّثنا الحسن بن حبيب بن عبدالملك، حدثنا فهد بن سليمان، حدثنا عبدالله بن صالح، حدثنا الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، عن أنس:
أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم خطب الناس فقال: سدّوا هذه الأبواب الشارعة في المسجد إلاّ باب أبي بكر. فقال الناس: سدّ الأبواب كلها إلاّ
باب خليله ! فقال: إني رأيت على أبوابهم ظلمةٍ ورأيت على باب أبي بكر نوراً ن فكانت الآخرة عليهم أعظم من الأولى.
قال الخطيب: هذا وهمّ، والليث روى صدّره عن يحيى بن سعيد منقطعا، ورواه كله عن معاوية بن صالح منقطعاً»(108).
الاستدلال بالحديث المقلوب بكلمات مضطربة
ولمّا كان حديث «الخوخة» يدل بزعمهم على فضل لأبي بكر، لا سيّما وأنه مخرج في الكتابين الصحيحين عند أكثرهم... فقد جعلوا هذه القضية خصيصة لأبي بكر وفضيلة دالة على إمامته وخلافته:
قال النووي: «وفيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر» (109).
وقال ابن حجر: «قال الخطابي وابن بطال وغيرهما: في هذا الحديث اختصاص ظاهر لأبي بكر، وفيه إشارة قوية إلى استحقاقه للخلافة، ولا سيما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي صلى الله عليه [واله] وسلم في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلاّ أبو بكر.
وقد ادعى بعضهم: أن الباب كناية عن الخلافة، والأمر بالسدّ كناية عن طلبها، كأنه قال: لا يطلبن أحد الخلافة إلاّ أبا بكر فإنه لا حرج عليه في طلبها.
وإلى هذا جنح ابن حبان، فقال بعد أن أخرج هذا الحديث: في هذا الحديث دليل على أنه الخليفة بعد النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم، لأنه حسم بقوله: (سدّوا عني كل خوخةٍ في المسجد) أطماع الناس كلهم على أن يكونوا خلفاء بعده.
وقوّى بعضهم ذلك: بأن منزل أبي بكر كان بالسنح من عوالي المدينة ـ كما
سيأتي قريباً بعد باب ـ فلا يكون له خوخة إلى المسجد.
وهذا الاستناد ضعيف، لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى ـ وهي أسماء بنت عميس ـ بالاتفاق، وأمّ رومان على القول بأنها كانت باقية.
وقد تعقّب المحبّ الطبري كلام ابن حبّان فقال: وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة: أن دار أبي بكر التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت ملاصقة للمسجد، ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شيء يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها...»(110).
وقال العيني ـ بعد الحديث في كتاب الصلاة ـ: «ذكر ما يستفاد منه من الفوائد:
الأولى: ما قاله الخطابي وهو: أن أمره صلى الله عليه [وآله] وسلم بسدّ الأبواب غير الباب الشارع إلى المسجد إلاّ باب أبي بكر يدلّ على اختصاص شديد لأبي بكر وإكرام له، لأنهما كانا لا يفترقان.
الثانية: فيه دلالة على أنه قد أفرده في ذلك بأمر لا يشارك فيه، فأولى ما يصرف إليه التأويل فيه أمر الخلافة. وقد أكثر الدلالة عليها بأمره إياه بالإمامة في الصلاة التي بني لها المسجد.
قال الخطاب: لا أعلم أن إثبات القياس أقوى من إجماع الصحابة على استخلاف أبي بكر مستدلّين في ذلك باستخلافه إياه في أعظم أمور الدين وهو الصلاة، فقاسوا عليها سائر الأمور، ولأنه صلى الله عليه [وآله] وسلم كان يخرج من باب بيته وهو في المسجد للصلاة، فلما غلّق الأبواب إلاّ باب أبي بكر دلّ على أنه يخرج منه للصلاة، فكأنه أمر بذلك على أن من بعده يفعل ذلك هكذا» (111).
وفي باب المناقب، أورد كلام الخطابي وابن بطّال وابن حبان الذي ذكره ابن حجر وأضاف: «وعن أنس قال: جاء رسول الله صل الله عليه [وآله] وسلّم فدخل بستاناً وجاء آتٍ فدقّ الباب. فقال: يا أنس، افتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة بعدي. قال: فقلت: يا رسول الله أعلمه ؟ قال: أعلمه ؟ فإذا أبو بكر. فقلت: أبشر بالجنة وبالخلافة من بعد النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: ثمّ جاء آتٍ فقال: يا أنس، افتح له وبشره بالجنة وبالخلافة من بعد أبي بكر. قلت: أعلمه ؟ قال: نعم؛ قال: فخرجت فإذا عمر فبشرته.
ثمّ جاء اتٍ فقال: يا أنس، افتح له وبشره بالجنة وبشره بالخلافة من بعد عمر وأنه مقتول. قال: فخرجت فإذا عثمان. قال: فدخل إلى النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم فقال: إني والله ما نسيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيد بايعتك ! قال: هو ذاك.
رواه أبو يعلى الموصلي من حديث المختار بن فلفل عن أنس وقال: هذا حديث حسن»(112).
وفي باب هجرة النبي بشرحه: «فأمر الشارع بسدها كلّها إلاّ خوخة أبي بكر ليتميّز بذلك فضله. وفيه إيماء إلى الخلافة»(113).
والكرماني أورد كلمات القوم في دلالته على الإمامة مرتضياً إياها (114).
والقسطلاني قال بشرحه في الصلاة: «فيه دلالة على الخصوصية لأبي بكر الصديق بالخلافة بعده والإمامة دون سائر الناس، فأبقى خوخته دون خوخة غيره، وهو يدلّ على أنه يخرج منها إلى الصلاة. كذا قرره ابن المنير» (115).
وفي المناقب: «قيل: وفيه تعريض بالخلافة له، لأن ذلك إن أريد به الحقيقة
فذاك، لأن أصحاب المنازل الملاصقة للمسجد كان لهم الاستطراق منها إلى المسجد، فأمر بسدها سوى خوخة أبي بكر، تنبيها للناس على الخلافة، لأنه يخرج منها إلى المسجد للصلاة. وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة وسدّ أبواب المقالة دون التطرق والتطلّع إليها.
قال التوربشتي: وأرى المجاز اقوى، إذ لم يصحّ عندنا أن أبا بكر كان له منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة. انتهى.
وتعقبه في الفتح بأنه استدلال ضعيف، لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار مجاورة للمسجده ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من الأنصار...» (116).
وفي هجرة النبي: «فأمر رسول الله بسدها كلها إلاّ خوخة أبي بكر تكريماً له وتنبيهاً على أنه الخليفة بعده، أو المراد المجاز فهو كناية عن الخلافة وسد أبواب المقالة دون التطرق. ورجّحه الطيّبي محتجاً بأنه لم يصح عنده أن أبا بكر كان له بيت بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من عوالي المدينة» (117).
هذه كلمات شرّاح الحديث.
وفي الكتب المؤلفة في العقائد... تجد الاستدلال بحديث الخوخة في باب الفضائل المزعومة لأبي بكر وفي أدلّة إمامته وخلافته بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... ولا حاجة إلى ذكر نصوص عباراتهم، ولربما أشرنا إلى بعضها في غضون البحث.
أقول: لا يخفى الاضطراب والاختلاف بين القوم في كيفية الاستدلال، بل إن الباحث المحقق يجد كلمات الواحد منهم في موضع تختلف عن كلماته في الموضع الآخر ... ونحن نلخص ما قالوا ونعلّق عليه باختصار حتى يتبين الحال:
أمّا النووي..
فما قال إلآ أن «فيه فضيلة وخصيصة ظاهرة لأبي بكر» فلم يتعرض للإمامة والخلافة، ولم يدّع دلالة الحديث عليها لا بالصراحة ولا بالكناية...
ونقول:
أمّا «الفضيلة» فتتوقف على ثبوت القضيّة، وأمّا كونها «خصيصة» فتتوقف ـ بالإضافة إلى الثبوت ـ على عدم ورود مثل ذلك في حق غيره.
وأمّا الخطابي وغيره..
فزعموا «الخصيصة» و«الإشارة القويّة إلى استحقاقه للخلافة، ولا سيّما وقد ثبت أن ذلك كان في آخر حياة النبي، في الوقت الذي أمرهم فيه أن لا يؤمهم إلاّ أبو بكر» بل جعل بعضهم «الباب» كناية عن «الخلافة» والأمر بالسدّ كناية عن طلبها...
ونقول:
أمّا «الخصيصة» فقد عرفت ما في دعواها. وأمّا «الإشارة القوية...» فلا دليل عليها إلاّ ما زعمه من القرينة الحالية... لكن القول بأنه صلى الله عليه وآله وسلّم أمر أبا بكر بالصلاة كذب (118).
وهل هذه «الإشارة القويّة» مبنية على إرادة الحقيقة أو المجاز؟ قولان...
والقسطلاني..
بعد أن زعم الدلالة في موضع، نسبها في موضع اخر إلى «قيل» وذكر القولين من الحمل على الحقيقة أو المجاز، واكتفى بنقل الخلاف فقال: «قيل: وفيه تعريض بالخلافة له، لأن ذلك إن أريد به الحقيقة فذاك... وإن أريد به المجاز فهو كناية عن الخلافة...». وقد عرفت أن الأصل في الكلام حمله على الحقيقة، لكن الدلالة على الخلافة متوقفة على ثبوت أصل القضية، ثم ثبوت عدم ورود مثلها في حق غيره !!
فالعجب من مثل ابن حجر العسقلاني... كيف يسكت على دعوى دلالة الحديث على الإمامة ـ إن لم نقل بكونه من القائلين بذلك ـ بعد رده على دعوى المجاز كما عرفت وإثباته ورود مثل الحديث في حق علي عليه السلام كما ستعرف ؟!
استشهاد بعضهم بحديث مختلق
وكأن العيني التفت إلى أن الحديث ـ مع ذلك كلّه ـ قاصر عن «الإشارة» فضلا عن «الدلالة» على الخلافة فقال: «وقد ادّعى بعضهم أن الباب كناية عن الخلافة... وإلى هذا مال ابن حبّان...» ثمّ قال: «وعن أنس قال: جاء رسول الله فدخل بستانا...» إلى آخر الحديث، وقد تقدّم....
فإن ذكر هذا الحديث في هذا المقام بعد كلمة «وقد ادّعى...» ظاهر في عدم الموافقة على ما قيل، ولذا التجأ إلى الاستدلال ـ أو الاستشهاد ـ للمدعى بحديث آخر.
لكنه حديث باطل سنداً ومتناً، والاستدلال به من العيني في هذا الموضع بشرح البخاري عجيب جدّاً... لكنه الاضطرار وضيق الخناق !!
وإن كنت في ريب مّما قلنا.. فإليك عبارة ابن حجر في الحديث ورجاله:
«الصقر بن عبدالرحمن أبو بهز سبط مالك بن مقول. حدث عن عبدالله بن إدريس، عن مختار بن فلفل، عن أنس بحديث كذب: قم يا أنس فافتح لأبي بكر وبشره بالخلافة من بعدي، وكذا في عمر وعثمان.
قال ابن عدي: كان أبو يعلى إذا حدثنا عنه ضعّفه.
وقال أبو بكر ابن أبي شيبة: كان يضع الحديث.
وقال أبوعليّ جزرة: كذاب.
وقال عبدالله بن علي بن المديني: سألت أبي عن هذا الحديث فقال: كذب موضوع».
ثمّ روى ابن حجر الحديث... وقال:
«لو صح هذا لما جعل عمر الخلافة في أهل الشورى، وكان يعهد إلى عثمان بلا نزاع. والله المستعان» (119).
وأقول:
وإن كل حديث جاء في مناقب الخلفاء وذكرت أساميهم على الترتيب حديث موضوع بلا ريب...
ثمّ إنا نجد أنساً في هذا الحديث يقوم كل مرة ويفتح الباب بكل سرعة، ولا يقابلهم بما قابل به أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الطير حيث ردّه غير مرة، ولما غضب عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلّم اعتذر بأنه كان يرجو أن يكون الذي سأل النبي حضوره رجلا من الأنصار!!

إفراط البعض في التعصّب

إفراط البعض في التعصّب
ثم إن بعضهم لم يقنع برواية الحديث المختلق المقلوب والاستدلال به حتى جعل يقدح في الحديث الأصل... قال العيني بشرح حديث الخوخة:
«فإن قلت: روي عن ابن عبّاس أنه صلى الله عليه [وآله] وسلّم. قال: سدّوا الأبواب إلاّ باب عليّ.
قلت: قال الترمذي: هو غريب. وقال البخاري: حديث إلاّ باب أبي بكر أصحّ. وقال الحاكم: تفرد به مسكين بن بكير الحرّاني عن شعبة. وقال ابن عساكر: وهو. وهم. وقال صاحب التوضيح: وتابعه إبراهيم بن المختار»(120).
بل تجاوز بعضهم عن هذا الحدّ... حتى زعم أن الحديث الأصل من وضع الرافضة:
قال ابن الجوزي ـ بعد أن رواه في بعض طرقه ـ: «فهذه الأحاديث كلّها من وضع الرافضة قابلوا بها الحديث المتفق على صحته في: سدّوا الأبواب إلاّ باب أبي بكر»(121).
وقال ابن تيمية: «هذا مّما وضعته الشيعة على طريق المقابلة»(122).
وقال ابن كثير: «ومن روى إلاّ باب عليّ ـ كما في بعض السنن ـ فهو خطأ، والصواب ما ثبت في الصحيح» (123).
قلت:
لا شك في أن الأمر بسدّ أبواب الصحابة إلاّ باب واحد منهم فضيلة وخصيصة ... ولمّا رأى المناوئون لأمير المؤمنين عليه السلام المنكرون فضائله وخصائصه ـ كمالك ابن أنس ونظائره ـ حديث «سدوا الأبواب إلاّ باب عليّ» ولم يتمكنوا من إنكاره لصحّة طرقه عمدوا إلى قلبه إلى أبي بكر وجعل حديث الخوخة في حقه... ثم اختلفت مواقف المحدّثين والشراح تجاه الحديثين.
فمنهم من لم يتعرض لحديث «سدّوا الأبواب إلاّ باب علي» لا نفياً ولا إثباتا ... كالنووي والكرماني في شرحيهما على مسلم والبخاري وابن سيّد الناس في سيرته...
ومنهم من تعرض له واختلف كلامه، كالعيني.. فظاهره في موضع طرحه أو ترجيح حديث الخوخة عليه، وفي آخر الجمع بما ذكره الطحاوي وغيره.
ومنهم من حكم بوضعه... كابن الجوزي ومن تبعه...
ومنهم من اعترف بصحته وثبوته، وردّ على القول بوضعه أوضعفه... وحاول الجمع بين الحديثين... كالطحاوي وابن حجر العسقلاني ومن تبعهما...
أما السكوت وعدم التعرض فلعدم الجرأة على ردّ حديث «إلاّ باب علي» وعدم تماميّة وجه للجمع بين الحديثين... بعد فرض صحة حديث الخوخة لكونه في الصحيحين...
وأمّا الطعن في حديث «إلاّ باب عليّ» فلأن الفضيلة والخصيصة لا تتّم لأبي
بكر إلاّ بالطعن في ذاك الحديث، بعد فرض عدم تمامية وجهٍ للجمع بينهما.
ردّ البعض على البعض
لكنّ الطعن في حديث «إلاّ باب عليّ» مردود عند أكابر المحدّثين وشراح الحديث بل نصوا على أنه تعصّب قبيح...
قال ابن حجر بشرحه: «تنبيه: جاء في سدّ الأبواب التي حول المسجد أحاديث يخالف ظاهرها حديث الباب.
منها: حديث سعد بن أبي وقاص قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم بسدّ الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب عليّ. أخرجه أحمد والنسائي. وإسناده قويّ.
وفي رواية للطبراني في الأوسط ـ رجالها ثقات ـ من الزيادة: فقالوا: يا رسول الله سددت أبوابنا ! فقال: ما أنا سددتها ولكن الله سدّها.
وعن زيد بن أرقم قال: كان لنفرٍ من الصحابة أبواب شارعة في المسجد. فقال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: سدوا هذه الأبواب إلاّ باب عليّ. فتكلّم ناس في ذلك فقال رسول الله: إني والله ما سددت شيئاً ولا فتحته ولكن أمرت بشيء فاتبعته. أخرجه أحمد والنسائي والحاكم، ورجاله ثقات.
وعن ابن عباس قال: أمر رسول الله بأبواب المسجد فسدت إلاّ باب علي. وفي روايةٍ: وأمر بسدّ الأبواب غير باب علي، فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره. أخرجهما أحمد والنسائي، ورجالهما ثقات.
وعن جابر بن سمرة قال: أمرنا رسول الله بسدّ الأبواب كلها غير باب عليّ، فربّما مر فيه وهو جنب. أخرجه الطبراني.
وعن ابن عمر قال: كنا نقول في زمن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم: رسول الله خير الناس ثمّ أبو بكر ثمّ عمر. ولقد أعطي عليّ بن أبي طالب ثلاث خصال لئن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله ابنته
وولدت له، وسدّ الأبواب إلاّ بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر. أخرجه أحمد وإسناده حسن.
وأخرج النسائي من طريق العلاء بن عرارـ بمهملات ـ قال: فقلت لابن عمر: أخبرني عن عليّ وعثمان. فذكر الحديث وفيه: وأما عليّ فلا تسأل عنه أحداً وانظر إلى منزلته من رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، قد سدّ أبوابنا في المسجد وأقرّ بابه. ورجاله رجال الصحيح إلاّ العلاء وقد وثّقه يحيى بن معين وغيره.
وهذه الأحاديث يقوّي بعضها بعضاً، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها.
وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات، أخرجه من حديث سعد ابن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر، مقتصراً على بعض طرقه عنهم، وأعله ببعض من تكلم فيه من رواته، وليس ذلك بقادح، لما ذكرت من كثرة الطرق.
وأعلّه أيضاً بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر، وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب أبي بكر. انتهى.
وأخطأ في ذلك خطأ شنيعاً، فإنه سلك في ذلك ردّ الأحاديث الصحيحة بتوهّمه المعارضة، مع أن الجمع بين القصتين ممكن...» (124).
ولابن حجر كلام مثله في كتابه «القول المسدد» (125).
وقد أورد السيوطي كلام ابن حجر في معرض الردّ على ابن الجوزي حيث قال:
«قلت: قال الحافظ ابن حجر في القول المسدد في الذبّ عن مسند أحمد: قول أبن الجوزي في هذا الحديث أنه باطل وأنه موضوع، دعوى لم يستدلّ عليها إلاّ بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين، وهذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد
التوهّم، ولا ينبغي الإقدام على حكم بالوضع إلاّ عند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذّر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك، لأن فوق كل ذي علم عليم.
وطريق الورع في مثل هذا أن لا يحكم على الحديث بالبطلان، بل يتوقف فيه إلى أن يظهر لغيره ما لم يظهر له، وهذا الحديث من هذا الباب، هو حديث مشهور له طرق متعدّدة، كل طريق منها على انفراده لا تقصر عن رتبة الحسن، ومجموعها مّما يقطع بصحّته على طريقة كثير من أهل الحديث.
وأمّا كونه معارضاً لما في الصحيحين فغير مسلم، ليس بينهما معارضة...
وها أنا أذكر بقية طرقه ثم أبين كيفية الجمع بينه وبين الذي في الصحيحين...».
ثمّ قال بعد ذكر طرقٍ للحديث:
«فهذه الطرق المتضافرة بروايات الأثبات تدلّ على أن الحديث صحيح ذو دلالة قوية. وهذه غاية نظر المحدّث... فكيف يدعى الوضع على الأحاديث الصحيحة بمجرد هذا التوهّم ؟! ولو فتح هذا الباب لردّ الأحاديث لأدّى في كثير من الأحاديث الصحيحة البطلان، ولكن يأبى الله ذلك والمؤمنون...» (126).
وقال القسطلاني بشرح حديث الخوخة: «وعورض بما في الترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: سدوا الأبواب إلاّ باب علي.
وأجيب بأن الترمذي قال: إنه غريب، وقال ابن عساكر: إنه وهم.
لكن للحديث طرق يقوّي بعضها بعضاً، بل قال الحافظ ابن حجر في بعضها: إسناده قويّ، وفي بعضها: رجاله ثقات» (127).
وقال بعد ذكر طرق لحديث «إلاّ باب علي»: «وبالجملة فهي ـ كما قال الحافظ ابن حجر ـ: أحاديث يقوّي بعضها بعضاً، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها» (128).
وقال ابن عراق الكناني بعد كلام ابن الجوزي: «تعقبه الحافظ ابن حجر الشافعي في القول المسدّد فقال: هذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم، ولا معارضة بينه وبين حديث الصحيحين، لأن هذه قصة أخرى، فقصة عليّ في الأبواب الشارعة وقد كان أذن له أن يمر في المسجد وهو جنب، وقصة أبي بكر في مرض الوفاة في سدّ طاقّات كانوا يستقربون الدخول منها. كذا جمع القاضي إسماعيل في أحكامه والكلاباذي في معانيه والطحاوي في مشكله...» (129).
الاضطراب في حل المشكل
قد ظهر إلى الآن اضطراب القوم في حلّ المشكل...
لكن السكوت عن وجود حديث «إلاّ باب عليّ» ظلم، وما الله بغافل عمّا يعمل الظالمون... وإن إبطاله أمر يأباه الله والمؤمنون...
فأمّا الاعتراف باختلاق حديث «الخوخة»...لكن الحقيقة مرة...
وإما الجمع بين الحديثين بطريق يرتضيه ذوو الأفكار الحرة...!!
وقد سلك ابن حجر وجماعة ممّن تقدّم وتأخر مسلك الجمع.. لكنها كلمات متناقضة.. ومحاولات يائسة...
كلام ابن روزبهان
قال ابن روزيهان: «كان المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم متصلاً ببيت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وعلى ساكن بيت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم لمكان ابنته، وكان الناس من أبوابهم في المسجد يتردّدون ويزاحمون المصلين، فأمر رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بسدّ الأبواب إلاّ باب علي. وقد صح في الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أمر بسد كل
خوخةٍ في المسجد إلاّ خوخة أبي بكر. والخوخة الباب الصغير.
فهذا فضيلة وقرب حصل لأبي بكر وعلي» (130).
أقول:
في هذا الكلام نقاط:
الأولى:
إن علياً عليه السلام كان يسكن بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكن له هنالك بيت.
وهذا إنكار للحقيقة الراهنة التي تدلّ عليها أخبار الباب، ولذا لم نجد أحداً يدعي هذه الدعوى. نعم، هناك غير واحد منهم ينفي أن يكون لأبي بكر بيت إلى جنب المسجد، أما بالنسبة إلى أمير المؤمنين عليه السلام فالأمر بالعكس... وفي عبارة ابن كثير الاتية تصريح بذلك.
والثانية:
إنه كان الناس من أبوابهم في المسجد يتردّدون ويزاحمون المصلّين. فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسدّ الأبواب إلاّ باب عليّ.
ومحصّل هذا أن السبب للأمر بسدّ الأبواب مزاحمة المصلين. وهذا مّما لا شاهد عليه في الأخبار، بل مفاد الأخبار في هذا الباب وغيره أن السبب الذي من أجله أمر بسدّ الأبواب عن المسجد هو تنزيه المسجد عن الأرجاس وتجنيبه عن الأدناس... واستثنى نفسه وعلياً وأهل بيته لكونهم طاهرين مطهرين، أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
والثالثة:
جمعه بين حديث «باب عليّ» و«خوخة أبي بكر» بأن هذا فضيلة وقرب حصل لكليهما... والمقصود من هذا الجمع ـ وإن لم يشتمل على زعم دلالة حديث الخوخة على خلافة أبي بكر كما تقدّم عن بعضهم ـ إنكار اختصاص هذه الفضيلة بأمير المؤمنين عليه السلام... وستعرف الإشكال فيه من كلام الحلبي...
كلام أبن كثير
وقال ابن كثير بشرح حديث «إلاّ باب عليّ»: «وهذا لا ينافي ما ثبت في صحيح البخاري من أمره عليه السلام في مرض الموت بسدّ الأبواب الشارعة إلى المسجد إلاّ باب أبي بكر الصديق، لأن نفي هذا في حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها، فجعل هذا رفقاً بها. واما بعد وفاته فزالت هذه العلة، فاحتيج إلى فتح باب الصديق لأجل خروجه إلى المسجد ليصليّ بالناس، إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه السلام، وفيه إشارة إلى خلافته» (131).
أقول:
1 ـ فيه تصريح بأنه كان لعليّ عليه السلام هناك بيت غير بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم !... وإعراض عما قاله المتقدّمون عليه في مقام الجمع !
2 ـ جعل السبب في إبقاء باب علي مفتوحاً «احتياج فاطمة إلى المرور» من بيتها إلى بيت أبيها» ولم يذكر السبب في سدّ سائر الأبواب !
3 ـ إذا كان السبب لترك بابها مفتوحاً هو«المرور من بيتها إلى بيت أبيها» فلماذا لم يترك باب أبي بكر رفقاً بعائشة !! كي تمر من «بيتها إلى بيت أبيها»؟!
4 ـ وإذ «احتيج إلى فتح باب الصدّيق...» فهل سدّ باب عليّ من تلك الساعة أو لاً؟! إن كان يدّعي سدّه فأين الدليل ؟! وكيف وليس له إلاّ باب واحد ؟! لكنه لا يدعي هذا، بل ظاهر العبارة بقاوّه مفتوحاً غير إنه فتح باب أبي بكر... فأين الإشارة إلى الخلافة ؟!
5 ـ ثم إن هذا كله يتوقف على أن يكون لأبي بكر بيت إلى جنب المسجد... وهذا غير ثابت...
6 ـ هذا، وابن كثير نفسه يروي عن أم سلمة:
«خرج النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم في مرضه حتى انتهى إلى صرحة المسجد فنادى بأعلى صوته أنه لا يحل المسجد لجنب ولا لحائض إلاّ لمحمّد وأزواجه وعلي وفاطمة بنت محمّد، إلاّ هل بينت لكم الأسماء أن تضلّوا» (132).
وهذا الحديث يبين السبب في سدّ الابواب إلاّ باب عليّ عليه السلام ويبطل جميع ما ذكره أبن الأثير... ومن الطبيعي والحال هذه أن يقدح في سنده!
كلام ابن حجر
وقال ابن حجر: «إن الجمع بين القصتين ممكن، وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده فقال: ورد من روايات أهل الكوفة بأسانيد حسان في قصة علي، وورد من روايات أهل المدينة في قصة أبي بكر، فإن ثبتت روايات أهل الكوفة فالجمع بينهما بما دل عليه حديث أبي سعيد الخدري، يعني: الذي أخرجه الترمذي أن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلّم قال: لا يحلّ لأحد أن يطرق هذا المسجد جنباً غيري وغيرك.
والمعنى: أن باب علي كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره، فلذلك لم يؤمر بسدّه.
ويؤيّد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القران من طريق المطلب ابن عبدالله بن حنطب أن النبي لم يأذن لأحد أن يمر في المسجد وهو جنب إلاّ لعلي ابن أبي طالب، لأن بيته كان في المسجد.
ومحصل الجمع أن الأمر بسدّ الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى: استثني عليّ لما ذكر، وفي الأخرى استثني أبو بكر. ولكن لا يتم ذلك إلاّ بأن يحمل ما في قصّة علي على الباب الحقيقي، وما في قصّة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة، كما صرح به في بعض طرقه. وكأنهم لمّا أمروا بسد الأبواب سدّوها وأحدثوا خوخاً
يستقربون الدخول إلى المسجد منها، فأمروا بعد ذلك بسدها.
فهذه طريقة لا بأس بها في الجمع بين الحديثين، وبها جمع بين الحديثين المذكورين أبو جعفر الطحاوي في (مشكل الآثار) وهو في أوائل الثلث الثالث منه، وأبو بكر الكلاباذي في (معاني الأخبار) وصرح بأن بيت أبي بكر كان له باب من خارج المسجد وبيت علي لم يكن له باب إلاّ من داخل المسجد. والله أعلم» (133).
وكذا قال في «القول المسدّد» وأورده السيوطي ووافقه (134) وذكر القسطلاني ملخصه في مقام الجمع بين الحديثين (135).
أقول:
1 ـ إن هذا الجمع الذي ذكره يبتني ـ كغيره ـ على أن يكون لأبي بكر بيت إلى جنب المسجد، وقد عرفت أن غير واحدٍ من محققيهم ينفي ذلك، ومن هنا حمل البعض الحديث على أنه كناية عن الخلافة! وابن حجر، وإن ضعّف القول المذكور قائلاً: «وهذا الاستناد ضعيف» لكنه لم يذكر لدعواه مستنداً قوياً، وما ذكره من خبر ابن شبّة ضعيف سنداً (136).
2 ـ إن هذا الجمع الذي ذكره عن الطحاوي وغيره مما قد وقف عليه النووي وأمثاله قطعاً، وإذ لم يتعرضوا لهذا الجمع فهم معرضون عنه وغير معتمدين عليه... وهذا هو الصحيح، وستعرف بعض الوجوه الدالة على سقوطه.
3 ـ فيما نقله ابن حجر عن البزار نقاط:
الأولى:
إن رواة قصّة علي «كوفيون» ورواة قصّة أبي بكر «مدنيون» وهذا ما لم نتحققه.
والثانية:
إنّ روايات قصّة علي «بأسانيد حسان». وهذا ما يخالف الواقع ولا يوافق عليه ابن حجر... وقد تقدمت عبارته في رده على كلام ابن الجوزي.
والثالثة:
تشكيكه في روايات قصّة عليّ بقوله: «إن ثبتت» وهذا تشكيك في الحقيقة الواقعة، ولا يوافق عليه ابن حجر كذلك.
والرابعة:
كون معنى «لا يحل لأحد أن يطرق المسجد جنباً غيري وغيرك» هو «إن باب عليّ كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسدّه» باطل جدّا.
أمّا أولاً:
فلأنّ الحديث المذكور لا يدل إلاّ على أختصاص هذا الحكم بهما عليهما السلام، فأين الدلالة على المعنى المذكور؟!
وأمّا ثانياً:
فلأنه لو كان السبب في أنه لم يؤمر بسد بابه أنه «لم يكن لبيته باب غيره» لم يكن وجه لاعتراض الناس وتضجّرهم مما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم لا سيّما عمه حمزة حيث جاء ـ فيما يروون ـ وعيناه تذرفان بالدموع... !
ولكان الأجدر برسول الله أن يعتذر بأنه: ليس له باب غيره فلذا لم أسدّ بابه وأنتم لبيوتكم بابان باب من داخل وباب من خارج، لا أن يسندّ سدّ الأبواب إلاّ بابه إلى الله قائلاً: «ما أنا سددت شيئا ولا فتحته، ولكن أمرت بشيء فاتبعته»!
ولكان لمن سأل ابن عمر عن عليّ ـ فأجابه بقوله: أما عليّ فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله: قد سدّ أبوابنا في المسجد وأقر بابه ـ أن يقول له: وأي منزلة هذه منه صلى الله عليه وآله وسلّم و«لم يكن لبيته باب غيره»؟!
ولكان لقائل أن يقول له: كيف تكون هذه الخصلة أحب إليك من حمر النعم، وتجعلها كتزويجه من بضعته الزهراء، وإعطائه الراية في خيبر، وقد كان من الطبيعي أن لا يسدّ بابه لأنه «لم يكن لبيته باب غيره»؟!
ولو كان كذلك لم يبق معنى لقول بعضهم: «تركه لقرابته. فقالوا: حمزة أقرب منه وأخوه من الرضاعة وعمّه»! ولا لقول آخرين: «تركه من أجل بنته»! حتى بلغت أقاويلهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخرج إليهم... في حديث ننقله بكامله
لفوائده:
«بينما الناس جلوس في مسجد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم إذ خرج مناد فنادى: ايها الناس، سدّوا أبوابكم. فتحسحس الناس لذلك ولم يقم أحد. ثمّ خرج الثانية فقال: آيها الناس، سدوا أبوابكم. فلم يقم أحد. فقال الناس: ما أراد بهذا؟ فخرج فقال: إيها الناس، سدوا أبوابكم قبل أن ينزل العذاب. فخرج الناس مبادرين. وخرج حمزة بن عبد المطّلب يجر كساءه حين نادى: سدوا أبوابكم.
قال: ولكل رجل منهم باب إلى المسجد، أبو بكر وعمر وعثمان، وغيرهم.
قال: وجاء عليّ حتى قام على رأس رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلّم. فقال: ما يقيمك ؟ إرجع إلى رحلك. ولم يأمره بالسدّ.
فقالوا: سدّ أبوابنا وترك باب عليّ وهو أحدثنا! فقال بعضهم: تركه لقرابته. فقالوا: حمزة أقرب منه، وأخوه من الرضاعة، وعمّه ! وقال بعضهم: تركه من أجل ابنته.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم فخرج إليهم بعد ثالثة، فحمد الله وأثنى عليه محمراً وجهه ـ وكان إذا غضب احمر عرق في وجهه ـ ثمّ قال: أما بعد ذلكم، فإن الله أوحى إلى موسى أن اتخذ مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ هارون وأبناء هارون شبراً وشبيراً وإن الله أوحى إلي أن أتخذ مسجداً طاهراً لا يسكنه إلاّ أنا وعلي وأبناء عليّ حسن وحسين، وقد قدمت المدينة واتخذت بها مسجداً، وما أردت التحول إليه حتى أمرت، وما أعلم إلاّ ما علّمت، وما أصنع إلاّ ما أمرت، فخرجت على ناقتي، فلقيني الأنصار يقولون: يا رسول الله انزل علينا. فقلت: خلّوا الناقة، فإنها مأمورة، حتى نزلت حيث بركت.
والله ما أنا سددت الأبواب وما أنا فتحتها، وما أنا أسكنت علياً، ولكن الله أسكنه»(137).
4 ـ ما ذكره بعد قوله: «ومحصّل الجمع...» ليس محصلاً لما ذكره قبله، فقد
تأملت فيه فوجدته وجهاً مغايراً للوجه السابق...!
ثمّ وجدت السمهودي ينصّ على ذلك فيقول بعد نقل العبارة: «قلت: والعبارة تحتاج إلى تنقيح، لأنّ ما ذكره بقوله: (ومحصّل الجمع) طريقة أخرى في الجمع غير الطريقة المتقدّمة، إذ محصّل الطريقة المتقدّمة أن البابين بقيا، وأن المأمورين بالسدّ هم الذين كان لهم أبواب إلى غير المسجد مع أبواب من المسجد. وأما علي فلم يكن بابه إلا من المسجد، وأن الشارع صلى الله عليه [ وآله ] وسلم خصه بذلك، وجعل طريقه إلى بيته المسجد لما سبق، فباب أبي بكر هو المحتاج إلى الاستثناء، ولذلك اقتصر الأكثر عليه، ومن ذكر باب علي فإنما أراد بيان أنه لم يسدّ، وأنه وقع التصريح بإبقائه أيضا.
والطريقة الثانية تعدد الواقعة، وأن قصة علي كانت متقدمة على قصة أبي بكر.
ويؤيد ذلك ما أسنده يحيى من طريق ابن زبالة وغيره عن عبدالله بن مسلم الهلالي، عن أبيه، عن أخيه، قال: لما أمر بسدّ أبوابهم التي في المسجد خرج حمزة بن عبدالمطلب يجرّ قطيفة له حمراء وعيناه تذرفان يبكي يقول: يا رسول الله أخرجت عمّك واسكنت ابن عمّك ! فقال: ما أنا أخرجتك ولا أسكنته، ولكن الله أسكنه.
فذكره حمزة رضي الله عنه في القصة يدلّ على تقدّمها...» (138).
5 ـ وفي الجمع الثاني ـ وهو وقوع الأمر بسدّ الأبواب مرتين ـ نقطتان التفت إليهما ابن حجر نفسه:
أحداهما: أن هذا الجمع لا يتم إلا بأن يحمل ما في قصّة علي على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في بعض طرقه.
والثانية: ما أشار إليه بقوله: وكأنهم لما أمروا بسدّ الأبواب سدّوها وأحدثوا خوخاً...
أقول: أما في الأولى فلقد تقدّم أن البخاري هو الذي حرف الحديث من «الخوخة» إلى «الباب» وقد ذكرنا هناك توجيه ابن حجر ذلك بأنه نقل بالمعنى ولا يخفى التنافي بين كلامه هناك وكلامه هنا.
واما في الثانية: فإن الوجه في قوله: «وكأنهم...» هو أن قصة حديث «إلأ باب عليّ» متقدّمة على قصة «حديث الخوخة» بزمن طويل. فتلك كانت قبل أُحدٍ كما عرفت، وهذه في أيام مرضه الذي توفي فيه كما ذكروا، فإذا كان قد أمر بسدّ الأبواب فأيّ معنى للأمر بسدّ الخوخ ؟! فلا بدّ من أن يدعى أنهم أطاعوا أمره بسدّ الأبواب لكنهم أحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها! لكن ابن حجر يقول: «وكأنهم...» فهو غير جازم بهذا...
وأقول:
1 ـ هل من المعقول أن يأمر بسدّ الأبواب ويأذن بإحداث خوخ يستقربون الدخول إلى المسجد منها؟! إن كانت الخوخ المستحدثة يستطرق منها إلى المسجد فما معنى الأمر بسدّ الأبواب ؟!
2 ـ إنه لا يوجد في شيء من ألفاظ حديث «سدّ الأبواب إلأ باب علي» ما يدلّ على إذن النبي صلى الله عليه واله وسلم...
3 ـ هناك في غير واحد من الأحاديث تصريح بالمنع عن إحداث الخوخ بعد الأمر بسدّ الأبواب...
ففي حديث: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «سدّوا أبواب المسجد إلأ باب علي. فقال رجل: أترك لي قدر ما أخرج وأدخل ؟ فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك. قال: أترك بقدر ما أخرج صدري يا رسول الله ؟! فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك. وانصرف. قال رجل: فبقدر رأسي يا رسول الله ؟ فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك. وانصرف واجداً باكيا حزيناً، فقال رسول الله: لم أؤمر بذلك، سدّوا الأبواب إلأ باب
علي»(139).
وفي آخر: «قال له رجل من أصحابه: يا رسول الله دع لي كوّة أنظر إليك منها حين تغدو وحين تروح. فقال: لا والله ولا مثل ثقب الإبرة» (140).
ومن هنا قال السمهودي:
«وقد اقتضى ذلك المنع من الخوخة أيضا، بل وممّا دونها عند الأمر بسدّ الأبواب أوّلا...» (141).
إلى هنا وقد ظهر أن الحق مع المعرضين عن الجمع...
كلام ابن عراق
وابن عراق حيث نقل كلام ابن حجر أعرض عما قال ابن حجر قبل: «ومحصل الجمع» وإنها ذكر في وجه الجمع: «أن هذه قصة أخرى فقصّة علي في الأبواب الشارعة، وقد كان أذن له أن يمر في المسجد وهو جنب، وقصّة أبي بكر في مرض الوفاة في سدّ طاقات كانوا يستقربون الدخول منها. كذا جمع القاضي إسماعيل في أحكامه والكلاباذي في معانيه والطحاوي في مشكله» (142).
فتراه يقتصر على الجمع الثاني وهو اختلاف القصتين، ويعرض عن دعوى أن السبب في عدم سدّ باب علي كون بابه من داخل المسجد!! والموضوع في القصة الأولى «الأ بواب» وفي الثانية: «طاقات»!!
والذي ينسبه إلى المتقدّمين في وجه الجمع هو هذا المقدار فقط !!
كلام المباركفوري
والمباركفوري وافق ابن حجر في أن أحاديث «باب عليّ» يقوي بعضها بعضا، وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها. ثم تهرب عن الدخول في تفصيل المطلب وقال: «فهذه الأحاديث تخالف أحاديث الباب. قال الحافظ: ويمكن الجمع بين القصتين وقد أشار إلى ذلك البزار في مسنده...» (143).
كلام الحلبي
والحلبي صاحب السيرة التفت إلى وهن هذا الجمع فأورده مع تفسيرات وتغييرات من عنده... فقال:
«وجمع بعضهم بأن قصة عليّ متقدّمة على هذا الوقت، وأن الناس كان لكل بيت بابان، باب يفتح للمسجد وباب يفتح خارجه، إلأ بيت عليّ كرم الله وجهه فإنه لم يكن له إلأ باب من المسجد وليس له باب من خارج، فأمر صلى الله عليه [وآله] وسلم بسدّ الأبواب، أي التي تفتح للمسجد. أي بتضييقها وصيرورتها خوخا إلأ باب عليّ كرم الله وجهه، فإن علياً لم يكن له إلآ باب واحد ليس له طريق غيره كما تقدم، فلم يأمر صلى الله عليه [ وآله ] وسلم بجعل خوخة ثم بعد ذلك أمر بسدّ الخوخ إلأ خوخة أبي بكر. وقول بعضهم: حتى خوخة عليّ كرم الله وجهه. فيه نظر، لما علمت أن علياً كرم الله وجهه لم يكن له إلأ باب واحد. فالباب في قصة أبي بكر ليس المراد به حقيقته بل الخوخة، وفي قصّة عليّ كّرم الله وجهه المراد به حقيقته» (144).
أقول:
لقد غير العبارة من: «وأحدثوا خوخاً...» إلى تضييق الأبواب وصيرورتها خوخا» على أن المراد من «سدّوا الأبواب إلأ باب علي» هو: ضيّقوها واجعلوها خوخا... فبالله عليك هل تفهم هذا المعنى من «سدّوا الأبواب....»!! لكنّه
اضطر إلى هذا التمحّل لما رأى بطلان كلام ابن حجر...
كما أنه ترك قول ابن حجر: «يستقربون إلى المسجد منها» لالتفاته إلى أنها حينئذ «أبواب» لا «الخوخ» !
لكنه مع ذلك كله نبّه على ما نبّه عليه السمهودي من أن الأحاديث الواردة تنفي الإذن بجعل «الخوخ» بعد «سدّ الأبواب»... فقال:
«وعلى كون المراد بسدّ الأبواب تضييقها وجعلها خوخاً يشكل ما جاء (145)... فعلى تقدير صحة ذلك يجتاج إلى الجواب عنه».
ولكن لا جواب، لا منه ولا من غيره !!
ثم قال: «وعلى هذا الجمع يلزم أن يكون باب علي كرم الله وجهه استمر مفتوحا في المسجد مع خوخة أبي بكر، لما علم أنه لم يكن لعلي باب آخر من غير المسجد. وحينئذ قد يتوقف في قول بعضهم: في سدّ الخوخ إلآ خوخة أبي بكر إشارة إلى استخلاف أبي بكر لأنه يحتاج إلى المسجد كثيرا دون غيره» (146).
أقول: وفي هذا رد على الخطابي وابن بطال ومن تبعهما... وعلى ابن حجر نفسه الذي اختار هذا الجمع وهو مع ذلك ينقل كلمات أولئك... اللهم إلا أن يقال بعدم ارتضائه لها لما أشرنا إليه سابقا من قوله لدى نقلها: «وقد ادعى....»...

حقيقة الحال في هذا الحديث

حقيقة الحال في هذا الحديث
أقول: قد رأيت عدم تمامية شيء مما ذكروا في وجه الجمع بين القصتين، وأن
كلمات القوم في المقام متهافتة للغاية، وما ذلك إلأ لامتناعهم عن الإدلاء بالحق والاعتراف بالواقع...
وحقيقة الحال في هذا الحديث هو: أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أمر بسدّ الأبواب الشارعة إلى المسجد تنزيهاً له عن الأدناس وتجنيبا عن الأرجاس... وحتى باب عمّه حمزة سيد الشهداء عليه السلام سدّه على ما كان عليه من الفضل والقرابة والشأن الرفيع... والأحاديث الدالة على كون ما ذكرناه هو السبب في سدّ الأبواب كثيرة عند الفريقين...
لكنه إنما لم يؤمر بسدّ بابه وباب علي وأجاز مكث علي وأهل بيته ومرورهم من المسجد ـ في حال الجنابة ـ لكونهم طاهرين مطهرين بحكم آية التطهير النازلة من رب العالمين وغير هذه الآية من أدلة عصمة أهل البيت وامتيازهم بهذه الخصيصة عن سائر الخلق أجمعين... فبابهم لم يسدّ لعدم الموجب لسدّه كما كان بالنسبة إلى غيرهم ... وبهذا ظهرت ميزة أخرى من مميزاتهم (147)... الأمر الذي أثار عجب قوم وحسد أو غضب قوم اخرين...
ثم إن هذا الحسد لم يزل باقيا في نفوس أتباع أولئك... كمالك وأمثال مالك ... فحملهم الحسدّ لعليّ والحب لأبي بكر ـ وهو ممّن سدّ بابه كما هو صريح أخبار الباب ـ على أن يضعوا له في المقابل حديثا ويقلبوا الفضيلة... !
والواقع: أن هذا الوضع ـ في أكثره ـ من صنع أيام معاوية... لكن وضع على لسان النبي صلى الله عليه واله وسلم في أواخر أيام حياته... وله نظائر عديدة...
لقد نصبوا أبا بكر للخلافة وبايعوه... وهم يعلمون بعدم وجود نصّ عليه وبعدم توفّر مؤهّلات فيه كما اعترف هو بذلك فيما رووه... فحاولوا أن يضعوا أشياء وينسبوها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن قالها في أيام مرضه زعموا أن فيها إشارة قوية إلى خلافته... ليصبغوا ما صنعوا بصبغة الشرعية... وليضيفوا ما وقع منهم
إلى الإرادة الإلهّية...
ومن هذه الأحاديث المختلقة في هذه الفترة:
حديث: «مروا أبا بكر فليصل بالناس».
وقد بحثنا عنه في رسالة مفردة...
وحديث: «... يأبى الله والمؤمنون إلآ أبا بكر...».
ولعلنا نبحث عنه في مجال آخر.
وحديث: «سدوا الأبواب إلآ باب أبي بكر» او: سدّوا الخوخ إلآ خوخة أبي بكر».
وهو موضوع رسالتنا هذه... حيث أثبتنا عدم تماميّته سنداً ومعنىً ودلالةً، حتى أن القوم حاروا في معناه واضطربت كلماتهم وتهافتت مواقفهم تجاهه... حتى التجأ بعضهم إلى دعوى أن حديث «إلآ باب علي» هو الموضوع المقلوب !!
الاعتراف بوضع أحاديث
ولقد كان الأولى والأجدر بأبن الجوزي القول بالحق والاعتراف بالحقيقة... وهو: كون الحديث في أبي بكر موضوعاً، لقلًة طرقه جدّاً، وضعف كلّها سنداّ، وعدم وجود شاهد له أبداّ...
ما صب الله في صدري شيئاّ إلآ وصببته في صدر أبي بكر
وقد وجدنا ابن الجوزي وغيره يعترفون بوضع أحاديث في فضل أبي بكر، كحديث «ما صب الله في صدري شيئاً إلآ وصببته في صدر أبي بكر» هذا الحديث الموضوع الذي ربما استدل به بعضهم في فضل أبي بكر واحتجّ به غيره في مقابلة حديث «أنا مدينة العلم وعلي بابها» المتواتر بين الفريقين...
يقول ابن الجوزي: «وما أزال أسمع العوامّ يقولون عن رسول الله صلّى الله
عليه [وآله] وسلم أنه قال:
(ما صب الله في صدري شيئاً إلآ وصببته في صدر أبي بكر)!
و(إذا اشتقت إلى الجنة قبّلت شيبة أبي بكر)!
و(كنت أنا وأبو بكر كفرسي رهان، سبقته فاتبعني ولو سبقني لاتبعته)!
في أشياء ما رأينا لها أثراً، لا في الصحيح ولا في الموضوع.
ولا فائدة في الإطالة بمثل هذه الأشياء» (148).
ويقول: المجد الفيروزآبادي:
«وأشهر الموضوعات في باب فضائل أبي بكر:
حديث: إن الله يتجلي يوم القيامة للناس عامة ولأبي بكر خاصّة!
وحديث: ما صب الله في صدري شيئاً إلأ وصببته في صدر أبي بكر! وحديث: كان رسول الله إذا اشتاق إلى الجنة قبل..!
وحديث: أنا وأبو بكر كفرسي رهان...!
وحديث: إن الله تعالى لما اختارالأرواح اختار روح أبي بكر!
وأمثالها من المفتريات الواضح بطلانها ببداهة العقل» (149).
ويقول الفتني ـ نقلاً عن كتاب الخلاصة في أصول الحديث للطيبي ـ ما نصّه:
«في الخلاصة: ما صب الله في صدري شيئاً إلا وصببته في صدر أبي بكر. موضوع»(150).
ويقول القاري ـ نقلا عن ابن القيم ـ: «ومّما وضعه جهلة المنتسبين إلى السّنة في فضل الصّديق:
حديث: إن الله يتجلّى للناس عامة يوم القيامة ولأبي بكر خاصة!
وحديث: ما صب الله في صدري شيئا إلآ صببته في صدر أبي بكر!
وحديث: كان إذا اشتاق إلى الجنة قبّل شيبة أبي بكر!
وحديث: أنا وأبو بكر كفرسي رهان !
وحديث: إن الله لما اختار الأرواح اختار روح أبي بكر!
وحديث عمر: كان رسول الله عليه السلام وأبو بكر يتحدثان وكنت كالزنجي بينهما!
وحديث: لو حدثتكم بفضائل عُمَر عُمْر نوح في قومه ما فنيت، وإّن عمر حسنة من حسنات أبي بكر!
وحديث: ما سبقكم أبو بكر بكثرة صوم ولا صلاة، وإنما سبقكم بشيء وقر في صدره ! وهذا من كلام أبي بكر ابن عياش» (151).
ويقول الشوكاني:
«حديث: ما صبّ الله في صدري شيئاً إلاّ وصببته في صدر أبي بكر. ذكره صاحب الخلاصة وقال: موضوع» (152).
لو لم أُبعث لبُعث عمر
وقال ابن الجوزي في ما وضع في فضل عمر:
«الحديث الثاني: أنبأنا إسماعيل بن أحمد، قال: أنبأ ابن مسعدة، قال: أنبأ حمزة، قال: أنبأ ابن عدي، قال: ثنا علي بن الحسن بن قديد، قال: ثنا زكريا بن يحيى الوقار، قال: ثنا بشر بن بكر، عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي مريم، عن حمزة بن حبيب، عن عصيف بن الحارث، عن بلال بن رباح، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو لم أبعث فيكم لبُعث عمر!
قال ابن عديّ: وثنا عمر بن الحسن بن نصر الحلبي، قال: ثنا مصعب بن سعد
أبو خيثمة، قال: ثنا عبدالله بن واقد، قال: حدّثنا حياة بن شريح، عن بكر بن عمر؛ وعن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر، قال:
قال رسول الله: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر!
قال المصنف: هذان حديثان لا يصحان عن رسول الله. أمّا الأول، فإن زكريا ابن يحيى كان من الكذابين الكبار. قال ابن عديّ: كان يضع الحديث. وأما الثاني، فقال أحمد ويحيى: عبدالله بن واقد ليس بشيء. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابن حبان: انقلبت على مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به» (153).
خذوا شطر دينكم عن الحميراء
ومن الأحاديث الموضوعة في فضل عائشة:
«خذوا شطر دينكم عن هذه الحميراء».
وهو حديث مشهور... لكنهم أجمعوا على أنه موضوع:
قال ابن أمير الحاج: «ذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أنه سأل الحافظين المزي والذهبي عنه فلم يعرفاه».
وقال: «قال شيخنا الحافظ ـ ابن حجر العسقلاني ـ: لا أعرف له إسناداً، ولا رأيته في شيء من كتب الحديث...»(154).
وتبعهم السخاوي (155).
وقال السيوطي: «لم أقف عليه، وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في تخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب: هو حديث غريب جداً، بل هو حديث منكر. سألت عنه...»(156).
وكذا قال القاري (157).
والزرقاني المالكي. (158)
وغيرهم....
دعوة إلى التحقيق والقول بالحق
وبعد، فهذه أربعة أحاديث. بحثنا عنها في هذه الرسالة... في السند والدلالة... وعلى ضوء الشواهد والأدلة... وما أكثر النظائر لهذه الأخبار في بطون الكتب والأسفار...
وإني لأدعو ذوي الفكر وأصحاب الفضيلة... إلى التحقيق في السنة النبوبة الشريفة، وإعادة النظر في الأحاديث التي قرّر السابقون صحتها... وبنوا في الأصول والفروع على أساسها... ثم القول بالصدق والإعلان عن الحق... فقد ولّت عصور التعصب واتباع الهوى والتقليد الأعمى....
وفي ذلك خدمة للشريعة الحنيفة والسنة الشريفة، وتحقيق للوحدة والوئام بين أهل الإسلام...
والله وليّ التوفيق... وصلى الله على محمد وآله أجمعين.
***

الهوامش

الهوامش

(31) صحيح الترمذي 5|570.
(32) سنن ابن ماجة 1|36.
(33) سنن ابن ماجة 1|38.
(1) مناقب علي بن أبي طالب من كتاب المناقب.
(2) باب غزوة تبوك من كتاب المغازي.
(3) باب فضائل عليّ بن أبي طالب من كتاب المناقب.
(4) تاريخ بغداد 11|384.
(5) كنز العمال 11|567.
(6) كنوز الحقائق ـ حرف الألف.
(7) وهو موضوع الرسالة السادسة من هذه الرسائل.
(8) الجرح والتعديل 7|139.
(9) تهذيب التهذيب 8|336.
(10)ميزان الاعتدال 3|390.
(11)لسان الميزان 2|23.
(12) العلل المتناهية 1|199.
(13)لسان الميزان 2|23.
(14) كذا.
(15) لسان الميزان 4|219.
(16) سورة آل عمران 3: 61.
(17) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2|39.
(18) الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2|39.
(19) الدر المنثور 2|39.
(20) الدر المنثور 2|40.
(21) المسند 1|185.
(22) تاريخ دمشق ـ ترجمة عثمان بن عفان: 168 ـ 169.
(23) الدر المنثور 2|40.
(24) الجرح والتعديل 4|52.
(25) الجرح والتعديل 9|85.
(26) لسان الميزان 6|209.
(27) صحيح الترمذي 2|306.
(28) سنن ابن ماجة 1|44.
(29) مسند أحمد 5|391.
(30) المستدرك على الصحيحين 3|381.
(31) صحيح الترمذي 5|570.
(32) سنن ابن ماجة 1|36.
(33) سنن ابن ماجة 1|38.
(34) المسند 1|80.
(35) مجمع الزوائد 9|53، فيض القدير 1|89.
(36) لم يذكر في مادة «كهل» من معجم ألفاظ الحديث النبوي إلآ هذا المورد، وهو من حديث عبدالله بن أحمد وليس لأحمد نفسه.
(37) لاحظ ترجمة أحمد في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي.
(38) تهذيب التهذيب 11|131.
(39) لاحظ ذلك كلّه بترجمة الحارث من تهذيب التهذيب 2|126.
(40) لاحظ هذه الكلمات وغيرها بترجمته من تهذيب التهذيب 2|263.
(41) تهذيب التهذيب 2|243.
(42)وکذا
(43) لاحظ ترجمته في التهذيب 8|317.
(44) حديث الطائر المشويّ من أشهر الاحاديث الدالة على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام وخلافته ، أخرجه عشرات الأئمّة والعلماء الأعلام في كتبهم، منه: الترمذي والحاكم والطبراني وابو نعيم والخطيب وابن عساكر وابن الاثير... راجع منها المستدرك 3|130.
(45) كان ذلك في قضيّة مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام الناس في رحبة الكوفة بأنّ من شهد منهم غدير خٌمّ فليقم ويشهد، فشهد جماعة من الحاضرين وامتنع أنس في نفرٍ منهم... فدعا عليهم الإمام عليه السلام... روى ذلك: ابن قتيبة والبلاذري وابن عساكر وآخرون... راجع كتاب الغدير 1|192.
(46) تهذيب التهذيب 6|329.
(47) عارضة الأحوذي 13|131.
(48) صحيح الترمذي 2|301.
(49) صحيح الترمذي 2|300.
(50) مسند أحمد 1|175.
(51) راجع المسند 1|175، 330، و 2|26، و 4|369.
(52) المستدرك على الصحيحين 3|125.
(53) المستدرك على الصحيحين 3|125.
(54) خصائص عليّ بن أبي طالب: 13.
(55) فتح الباري 1|442.
(56) عمدة القاري 4|245.
(57) تهذيب التهذيب 11|142.
(58) ميزان الاعتدال 4|248، المغني في الضعفاء 2|182.
(59) صحيح الترمذي 5|568.
(60) الكامل ـ للمبرّد ـ 1|159.
(61) ترتيب المدارك ـ ترجمة مالك.
(62) الاستيعاب 3|1116.
(63) تنوير الحوالك 1|7. شرح الموطّأ ـ للزرقاني ـ 1|9.
(64) تاريخ بغداد 1|223، الكاشف عن أسماء رجال الكتب الستة ـ ترجمة هشام، هدى الساري 2|169.
(65) تهذيب التهذيب 9|41.
(66) العلل ومعرفة الرجال ـ لأحمد بن حنبل ـ 1|44.
(67) الكناية في علم الرواية: 365.
(68) ترتيب المدارك ـ ترجمته، الديباج المذهّب: 25.
(69) العقد الفريد 1|274.
(70) العلل ومعرفة الرجال 1|179.
(71) لاحظ ترجمة الزهري في بحثنا المنشور في «تراثنا» العدد 23.
(72) الديباج المذهّب: 25. شرح الزرقاني 1|8، الوافي بالوفيات ـ ترجمته.
(73) تذكرة الحفاظ 1|290.
(74) كشف الظنون 2|1908، عن طبقات ابن سعد.
(75) مفتاح السعادة 2|87.
(76) كشف الظنون 2|1908.
(77) وفيات الأعيان 3|284 مفتاح السعادة 2|87، مرآة الجنان 1|375.
(78) العلل ومعرفة الرجال 1|348.
(79) طبقات الفقهاء ـ لأبي إسحاق الشيرازي ـ: 42.
(80) نهاية الأرب 4|229، الأغاني 2|75.
(81) تفسير القرطبي 14|56.
(82) نيل الأوطار 8|264.
(83) حلية الأولياء 6|323 ـ 324.
(84) الديباج المذهب: 23، شرح الزرقاني 1|3.
(85) الانتقاء ـ لابن عبدالبرّ ـ 38.
(86) العقد الفريد 2|225.
(87) حلية الأولياء 6|323، الديباج المذهّب: 21.
(88) وفيات الأعيان 3|286. جامع بيان العلم 2|145، شذرات الذهب 1|292.
(89) جامع بيان العلم 2|148.
(90) تاريخ بغداد 10|223.
(91) تاريخ بغداد 10|224.
(92) تاريخ بغداد 10|164.
(93) جامع بيان العلم 2|157.
(94) جامع بيان العلم 2|158.
(95) تهذيب التهذيب 7|432.
(96) الضعفاء والمتروكون: 14.
(97) ميزان الاعتدال 1|222.
(98) تهذيب التهذيب 1|312.
(99) تهذيب التهذيب 1|312.
(100) عمدة القاري ـ المقدّمة السابعة.
(101) الضعفاه والمتروكون: 139.
(102) ميزان الاعتدال 2|541، تهذيب التهذيب 6|116.
(103) ميزان الاعتدال 2|541، تهذيب التهذيب 6|116.
(104) تهذيب التهذيب 6|116.
(105) تهذيب التهذيب 6|116.
(106) مقدّمة فتح الباري، الحديث الرابع من الأحاديث التي اعترض فيها على البخاري.
(107) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري، ولاحظ أيضاً: عمدة القاري للعيني الحنفي.
(108) اللالي المصنوعة 1|352.
(109) المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجّاج ـ هامش القسطلاني ـ 9|252.
(110) فتح الباري 1|442.
(111) عمدة القاري 4|245.
(112) عمدة القاري 16|176.
(113) عمدة القاري 17|39.
(114) الكواكب الدراري 4|129.
(115) إرشاد الساري 1|453.
(116) إرشاد الساري 6|83.
(117) إرشاد الساري 6|214.
(118) انظر: الرسالة الرابعة من هذه الرسائل.
(119) لسان الميزان 3|192.
(120) عمدة القاري 4|254.
(121) الموضوعات 1|366.
(122) منهاج السنة 3|9.
(123) تفسير ابن كثير 1|501.
(124) فتح الباري 6|11 ـ 12.
(125) القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: 16 ـ 20.
(126) اللآلي المصنوعة 1|347 ـ 352.
(127) إرشاد الساري 1|453.
(128) إرشاد الساري 6|84 ـ 85.
(129) تنزيه الشريعة 1|384.
(130) إبطال نهج الباطل/ في ردّ«نهج الحق» للعلاّمة الحلّي.
(131) البداية والنهاية 7|342.
(132) البداية والنهاية 7|343.
(133) فتح الباري 7|12.
(134) اللآلي المصنوعة 1|347.
(135) إرشاد الساري 6|83.
(136) أخبار المدينة المنوّرة ـ لابن شبة ـ 1|242.
(133) فتح الباري 7|12.
(134) اللآلي المصنوعة 1|347.
(135) إرشاد الساري 6|83.
(136) أخبار المدينة المنوّرة ـ لابن شبة ـ 1|242.
(137) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 1|478.
(138) وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى 1|480.
(139) وفاء الوفا 1|480.
(140) وفاء الوفا 1|480.
(141) وفاء الوفا 1|480.
(142) تنزيه الشريعة المرفوعة 1|384.
(143) تحفة الأحوذي 10|163.
(144) إنسان العيون 3|460 ـ 461.
(145) ذكر العباس في قضية «سد الأبواب إلا باب علي» غلط، بل هو حمزة عليه السلام، لأن العباس أسلم عام الفتح وقصة علي قبل أُحد... وهذا واضح وقد نبه عليه غير واحد... ثم رأيت ابن سيد الناس في عيون الأثر 2|336 يذكر طلب العباس واعتراضه في قضية «إلأ باب أبي بكر» المزعومة... وكأنه لغرض تثبيت قصّة أبي بكر !!
(146) إنسان العيون 3|461.
(147) وممن نص علي هذه الميزة والاختصاص المحب الطبري في ذخائر العقبى: 77.
(148) الموضوعات 1|219.
(149) سفر السعادة ـ خاتمة الكتاب.
(150) تذكرة الموضوعات: 93.
(151) الموضوعات الكبرى: 132.
(152) الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: 152.
(153) الموضوعات 1|320.
(154) التقرير والتحبير في شرح التحرير 3|99.
(155) المقاصد الحسنة: 198.
(156) الدرر المنتثرة: 79.
(157) الموضوعات الكبرى: 190، المرقاة 5|616.
(158) شرح المواهب اللدنّيّة 3|233.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page