روى أحمد في مسنده، عن وكيع، عن شريك، عن عليّ بن زيد، عن أبي قلابة، عن ثوبان، قال: ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج، فإنّ فيها خليفة الله المهديّ).(18)
وقد أخرج هذا الحديث ـ باختلاف يسير ـ البلخي في (البدء والتاريخ)(19) ، وابن ماجة في سننه من طريق آخر.(20)
وفيـه:
أ ـ ليس في هذا الحديث ما يدلّ على كون (خليفة الله المهديّ) هو من وُلْد العبّاس كما ظنّ البعض أنّه المهديّ العبّاسي! لذِكر (الرايات السود) وإنْ كانت رايات بني العبّاس التي أقبلت من خراسان سوداً، ومع القول بصحّة الحديث فلا دليل في المقام على حصر الرايات السود برايات بني العبّاس.
ب ـ لو سلّمنا بصحّة الحديث، فلا دلالة فيه أيضاً على أنّ (خليفة الله المهديّ) هو المهديّ العبّاسي (ت 169 هـ)؛ لاَنّه لم يكن في آخر الزمان،ولم يحثُ المال حثواً، ولم يبايَع بين الركن والمقام، ولم يقتل الدجّال، أو ينزل نبيّ الله تعالى عيسى عليه السلام معه ليساعده على قتل الدجّال، ولم تظهر أدنى علامة من علامات ظهور المهديّ المتّفق عليها بين الفريقين.(21)
ج ـ إنّ المهديّ العبّاسي حكم من سنة 158 هـ إلى سنة 169 هـ وهي السـنة التي مات فيها، وفي ذلك دليل قاطع على أنّه ليس المهديّ الموعود الذي يأتي آخر الزمان.
وفيه أيضاً أنّ حكم المهديّ العبّاسي إحدى عشرة سنة، ولا توجد لدينا رواية واحدة ـ ولو موضوعة ـ بأيٍ من كتب الفريقين تحدّد مدّة حكم المهديّ المنتظر بتلك المدّة على الرغم من اختلافها كما سيأتي.
د ـ شهد عصر المهديّ العبّاسي تدخّـلاً فظيعاً من قبل ربّات الحجول في شؤون دولته، فقد ذكر الطبري تدخّل الخيزران زوجة المهديّ العبّاسي بشؤون دولته، وأنّها استولت على زمام الاَُمور تماماً في عهد ابنه الهادي (169 ـ 170 هـ) (22)، ومن يكون هذا شأنه فكيف يسمّى بخليفة الله في أرضـه؟!
هـ ـ حديث أحمد ضعّفه ابن القيّم في (المنار المنيف) بعليّ بن زيد، فقال: (وعليّ بن زيد قد روى له مسلم متابعة، ولكن هو ضعيف، وله مناكير تفرّد بها، فلا يحتجّ بما ينفرد به).(23)
كما ضعّف حديث ابن ماجة أيضاً بيزيد بن أبي زياد، ثمّ قال: (وهذا ـ أي حديث ابن ماجة ـ والذي قبله لم يكن فيه دليل على أنّ المهديّ الذي تولّى من بني العبّاس هو المهديّ الذي يخرج في آخر الزمان...).(24)
__________________________
(18) مسند أحمد 5|277.
(19) البدء والتاريخ 2|174 الفصل السابع.
(20) سنن ابن ماجة 2|1336 رقم 4082 ـ الحديث الاَوّل من باب خروج المهديّ ـ.
(21) راجع: صحيح البخاري 4|205 ـ كتاب الاَنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل ـ و 9|75 ـ كتاب الفتن، باب ذِكر الدجّال، وقارن مع شروح صحيح البخاري التالية:
1 ـ فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ 6|383 ـ 385.
2 ـ إرشاد الساري بشرح صحيح البخاري ـ للقسطلاني ـ 5|419.
3 ـ عمدة القاري شرح صحيح البخاري ـ للعيني ـ 16|39 ـ 40 من المجلّد الثـامن.
4 ـ فيض الباري على صحيح البخاري ـ للكشميري الديوبندي ـ 4|44 ـ 47.
5 ـ حاشية البدر الساري إلى فيض الباري ـ لمحمّـد بدر ـ 4|44 ـ 47.
وصحيح مسلم 1|136 رقم 244 و 245، و 1|137 رقم 246 ـ باب نزول عيسى بن مريم حاكماً بشريعة نبيّـنا، وصحيح مسلم بشرح النووي 2|189 بنفس عنوان الباب، و 18|61 من كتاب الفتن وأشراط الساعة، 18|23 و 58 و 78 من الكتاب السابق، وكذلك 18|38 و 39.
وقارن مع: مسند أحمد 3|80، ومصنَّف ابن أبي شيبة 15|196 رقم 19485 و 19486، والمستدرك 4|454، والحاوي للفتاوي 2|59 و 62 و 63 و 64، والمصنّف ـ لعبد الرزّاق ـ 11|371 رقم 20770 من باب المهديّ.
وانظر كذلك: مستدرك الحاكم 4|520، وتلخيصه للذهبي، وكنز العمّال 14|272 رقم 38698، ومسند أحمد 3|37 وسنن الترمذي 4|506 رقم 2232، ومجمع الزوائد 7|313، وكتابنا: دفاع عن الكافي1|243 ـ 275.
فستعلم علم اليقين أنّ ما أخرجه الشيخان البخاري ومسلم في هاتيك المواضع إنّما هو في الاِمام المهديّ، بل ومن علامات ظهوره الشريف اتّفاقاً، وإنْ لم يصرّحا باسمه، أو لقبـه!
(22) راجع كتابنا: الشيخ الكليني البغدادي وكتابه الكافي ـ الفروع: 42، ففيه أمثلة كثيرة من هذا النوع.
(23) المنار المنيف: 137 ذيل الحديث 338.
(24) المنار المنيف: 138 ذيل الحديث 339.
1 ـ حديث الرايات السود:
- الزيارات: 5807