طباعة

6 ـ حديث آخر لابن عبّاس:

روى الخطيب البغدادي في تاريخه بسنده، عن ابن عبّاس، عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال لعمّه العبّاس: (.. إنّ الله ابتدأ بيَ الاِسلام وسيختمه بغلام من وُلْدِك، وهو الذي يتقدَّم لعيسى بن مريم).(48)

وهذا الحديث ضعّفه الذهبي وقال عنه: (رواه عن محمّـد بن مخلد العطّار، فهو آفته، والعجب أنّ الخطيب ذكره في تاريخه ولم يضعِّفه، وكأنّه سكت عنه لانتهاك حاله)!.(49)

وأخرجه محبّ الدين الطبري في (ذخائر العقبى) بسنده، تارة عن عبد الله بن عبّاس، وأُخرى عن أبي هريرة، باختلاف عمّا في رواية الخطيب، وكلاهما من المرسَل (50)، وقد مرّ رأي الفريقين في الحديث المرسل.

كما أورد القنوچي في (الاِذاعة) ثلاثة أحاديث بهذا الشأن عن عمّار، وأبي هريرة، وابن عبّاس. ثمّ نقل عن الشوكاني قوله: (قلت: ويمكن الجمع بين هذه الثلاثة أحاديث، وبين سائر الاَحاديث المتقدّمة، بأنّه من وُلْد العبّاس من جهة أُمّه، فإنْ أمكن الجمع بهذا، وإلاّ فالاَحاديث، أنّه من وُلْد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أرجح).(51)

قلـت:

لا يصحّ مثل هذا الجمع، وقد غفل الشوكاني عمّا في أحاديث كون المهديّ من وُلْد العبّاس ـ ومن ضمنها هذه الاَحاديث الثلاثة ـ من تفضيل صريح للعبّاس عمّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الاَُمّة، وهذا ما دأب على إشاعته مثبّـتو أركان الخلافة العبّاسية، ولهذا نرى أنّ أبا الفيض الغماري الشافعي قد ردّ مثل هذا الجمع بقوّة.(52)

هـذا، وقد روى الشيخ المفيد بسنده عن سيف بن عميرة أنّه قال: (كنت عند أبي جعفر المنصور، فقال لي ابتداءً: يا سيف بن عميرة! لا بُـدّ من منادٍ ينادي من السماء باسم رجل من وُلْد أبي طالب.

فقلت: جُعلت فداك يا أمير المؤمنين، تروي هذا؟!

قال: إي والذي نفسي بيده، لسماعُ أُذُني له.

فقلت: يا أمير المؤمنين! إنّ هذا الحديث ما سمعتُه قبل وقتي هذا!

فقال: يا سيف! إنّهُ لحقٌّ، وإذا كان فنحن أوّل من يجيبه. أَمَا إنّ النداء إلى رجل من بني عَـمِّـنا.

فقلت: رجل من وُلْد فاطمة؟!

فقال: نعم يا سيف؛ لولا أنّني سمعت من أبي جعفر محمّـد بن عليّ يحدّثني به، وحدّثني به أهلُ الاَرض كُلُّهم ما َقبِلْتُه منهم، ولكنّه محمّـد بن عليّ.(53)

ويؤيّد هذا الحديث الحديثُ الذي أخرجه أغلب المحدِّثين وهو أنّ: (المهديّ حقٌّ وهو من وُلْد فاطمة) حتّى تكرّر في أكثر من ثمانين مصدراً حديثياً مهمّاً عند الفريقين، وفيهم من صرّح بتواتره وأنّه لا معارض له بقوّة ثبوته، وقد مرّت الاِشارة إليه، ومَن نصَّ على روايته في صحيح مسلم.

وفي (لوائح الاَنوار) للسفاريني الحنبلي، قال تحت عنوان: (الاَحاديث في كون المهديّ من وُلْد العبّاس) ما نصّه:

(إنّ الروايات الكثيرة، والاَخبار الغزيرة ناطقة أنّه من وُلْدِ فاطمة البتول ابنة النبيّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم ورضي عنها وعن أولادها الطاهرين، وجاء في بعض الاَحاديث أنّه من وُلْدِ العبّاس، والاَوّل أصحّ... لاَنّ الاَحاديث التي (فيه) أنّ المهديّ من وُلْدِها أكثر وأصحّ، بل قال بعض حفّاظ الاَُمّة، وأعيان الاَئمّة: إنّ كون المهديّ من ذرّيّته صلى الله عليه وسلم (ممّا تواتر عنه ذلك، فلا يسوغ العدول، ولا الالتفات إلى غيره).(54)

ولهذا نجد أنّ الشيخ الاَلباني قد ردّ على السيّد محمّـد رشيد رضا، صاحب (المنار)، الّذي أعَلَّ الاَحاديث الواردة في الاِمام المهديّ عليه السلام بعلّة التعارض فقال: (وهذه علّة مدفوعة؛ لاَنّ التعارض شرطه التساوي في قوّة الثبوت، وأمّا نصْب التعارض بين قويٍّ وضعيف فممّا لا يسوّغه عاقل منصف، والتعارض المزعوم من هذا القبيل).(55)

______________________
(48) تاريخ بغداد 3|323، وأخرجه من طريق آخر بسنده عن عمّار بن ياسر وفي كلاهما محمّـد بن مخلد العطّار.
(49) ميزان الاعتدال 1|89 رقم 328.
(50) ذخائر العقبى: 206.
(51) الاِذاعة لِما كان وما يكون بين يدي الساعة: 135.
(52) إبراز الوهم المكنون: 563.
(53) الاِرشاد 2|370 ـ 371 في باب ذِكر علامات القائم عليه السلام.
(54) لوائح الأنوار البهية، نقلاً عن الإمام المهدي عليه السلام عند أهل السنة 2|10 ـ وعبارة اللوائح مصورة فيه ـ.
(55) حول المهدي: 646.