• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بحث حول المهدي (عجل الله تعالی فرجه الشریف) - 1

 

السيد محمد باقر الصدر
أولاً : منهج المشككين
ينطلق المنكرون للإمام المهدي المنتظر عليه السلام من دوافع و منطلقات لا تنسجم مع منهج الإسلام العام في طرح العقائد و الدعوة إلى الإيمان بها ، فمنهج الإسلام الذي يعتمد و المنطق و الفطرة ، يقوم في جانب مهمٍ منه على ضرورة الإيمان بالغيب ، و تتكرر الدعوة في القرآن الكريم إلى ذلك ، إذ هناك عشرات الآيات[1][1] التي تتحدث عن الغيب و الدعوة إلى الإيمان به ، و المدحة عليه كما في قوله تعالى ( الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين * الذين يؤمنون بالغيب ) البقرة 2-3 ، و في الحديث النبوي الشريف[2][2] كذلك ، إذ هناك مئات الروايات و بصورٍ متنوعة و عديدة ، و كلها تؤكد الإيمان بالغيب و على أنه جزء لا يتجزأ من العقيدة ، و أنّ هذا الغيب سواء تعقّله الإنسان و أدرك جوانبه أو لم يستطع إدراك شيء منه و خفيت عليه أسراره ، فإنه مأمور بالإيمان ، غير معذورٍ بالإنكار ، بلحاظ أنّ مثل هذا الإيمان هو من لوازم الاعتقاد بالله تعالى ، و بصدق سفرائه و أنبيائه الذين يُنبئون و يُخبرون بما يُوحى إليهم ، كما هو الأمر في الإيمان بالملائكة و بالجن و بعذاب القبر و بسؤال الملكين ( منكر و نكير ) و بالبرزخ[3][3] و بغير ذلك من المغيّبات التي جاء بها القرآن الكريم أو نطق بها الرسول الأمين و نقلها إلينا الثقات المؤتمنون ، و إذن فكلّ تشكيك بشأنها – أي قضية المهدي (ع) – إنما يتعلق بأصل التصديق بالغيب ، و الكلام فيه يرجع إلى هذا الأصل .
و من هنا حاول المنكرون لعقيدة المهدي (ع) أن يهربوا ، و ينأوا بأنفسهم عن طائلة ذلك الاعتقاد ، فلجأوا إلى التشكيك بالأخبار الواردة بشأنه أو تضعيف أسانيدها كما فعل ابن خلدون في تاريخه في الفصل الثاني و الخمسين الذي عقده في أمر الفاطمي ، حيث ضعّف الأحاديث المروية في المهدي مع اعترافه بظهور المهدي (ع) آخر الزمان ، و بصحة بعض الأحاديث المروية بشأنه ، و تبعه عدد من المقلدين أمثال علي حسين السائح أُستاذ كلية الدعوة الإسلامية في ليبيا في بحثه ( تراثنا و موازين النقد )[4][4] إذ تعرّض فيه لموضوع المهدي المنتظر(ع) ، و تعلق بالخيوط العنكبوتية التي نسجها ابن خلدون حول عقيدة المهدي (ع) ، و حسب أنه لجأ إلى ركن شديد ، و أنه سيرقى عليها إلى السماء ، غافلاً عن أنه تشبث بأوهن البيوت .
و عندما اصطدم هؤلاء بعدم إمكانية ردّ تلك الروايات أو تضعيفها لكثرتها ، و تعدد طرقها ، و صحة أسانيد عدد كبير منها كما أثبتها أئمة الحديث[5][5] ، لجأوا مرة ً أخرى إلى إحاطة أمر المهدي(ع) بالأساطير التي اخترعوها ، كاختراعهم أُكذوبة السرداب التي لا أصل لها عند المعتقدين به ، و قد ناقشها الشيخ العّلامة الأميني مناقشة وافية أبان تخبط القوم الخصوم في الأساطير التي نسجوها تارةً في موقع السرداب – إذ اختلفوا فيه اختلافاً مضحكاً – و تارةً أُخرى في مواقف الشيعة و طقوسهم المزعومة حول السرداب[6][6] .
و لجأ آخرون إلى إنكار ولادته[7][7] الميمونة بإغراء ذوي المطامع[8][8] أو الطموح السياسي و الاجتماعي لتبني هذا الإنكار و الإفادة منه ، إلى غير ذلك من التعلقات الواهنة التي تسقط لدى عرضها على الحقائق الوفيرة ، فضلاً عن مقتضيات الأحاديث الصريحة الصحيحة .
و بالجملة فإن منهج المشككين لم يخرج عن مثل تلك المنطلقات و التوهمات أو المغالطات المنكرة ، فضلاً عن تعارضه مع الأصول المعتبرة الدينية و الروائية .
و لعل من المناسب أن نورد ضمن هذا المنهج ما ذهب إليه بعض المعاصرين من أمثال إحسان إلهي ظهير[9][9] و البنداري[10][10] و السائح ، و من احتذى حذوهم ، و قلدهم تقليداً أعمى من المنسوبين إلى الشيعة .
و ملخّص ما أثاروه و استندوا إليه أمور نذكرها كما وردت على ألسنتهم ، ثم نناقش أسس مدّعياتهم و منهجهم ،
 و ذلك كما يأتي :
1-قالوا : إنّ الشيعة وقعوا في حيرة و اضطراب بعد وفاة الإمام العسكري(ع) ، و خاصة فيما يتعلق بولادة الإمام المهدي ( محمد بن الحسن ) ( ع) ، لوجود الغموض فيما وردت عنه من طريق الأئمة (ع) عندما سُئلوا عنه .
2-قالوا : إنّ الشيعة انقسموا و تفرقوا إلى أربعة عشرة فرقة في مسألة الإمام بعد وفاة الإمام الحسن العسكري ، و أن أمر الإمام المهدي لو كان واضحاً و مهماً و جزءاً من المذهب الجعفري لما جاز الإختلاف فيه ، و لما أمكن أن يبقى أمره سراً غامضاً .
3-زعموا أنّ الروايات التي تتحدث عن هوية الإمام المهدي (ع) ضعيفة و موضوعة و مختلفة ، سواء منها ما يتعلق بإسم أمه ، أم بتاريخ ولادته ، أم بما لا يمس ولادته ، أم بغيبته و سفرائه .
و قد ختم أحدهم تخرصاته زاعماً بأنه لم يرفض إماماً ثبت وجوده من أهل البيت (ع) ، إنما حصل عنده شكّ بولادة الإمام الثاني عشر ، لعدم توفر الأدلة الكافية – بحسب زعمه – أو لعدم قناعته بها أي بالأدلة المذكورة ، و ذكر أنه لا يستبعد أن يطيل الله عمر إنسان كما أطال عمر النبي نوح (ع) ، بالرغم من عدم الحاجة و الضرورة لذلك . و أنه يبحث عن الأدلة التي تثبت أن الله تعالى قد فعل هذا بشخص آخر ، لأنه لا يمكن أن يعتقد بحدوث هذا عن طريق القياس و التشبيه ، ثم قال : " و قد كان سيدنا الصادق يرفض القياس بالأمور الفرعية الجزئية فكيف في الأمور التاريخية و العقائدية " .
هذا ملخص ما أوردوه و انفتقت به عبقرياتهم و هم يحسبون أنهم جاءوا بما لم يتنبه إليه الأوائل .
و ردّاً على هذه الإشكالات ، و جواباً عن هذه الإثارات ، نقول :

أولاً : إنّ وجود الغموض في تحديد هوية الإمام المهدي (ع) ، و وقوع الحيرة لدى الشيعة – لو صحّ كما صوّره الخصم و ضخّمه – هو دليل على الخصوم و ليس لهم ، إذ عدم تحديد الهوية و الإصرار على بقاء الأمر سراً دليلٌ على وجود الإمام و الخوف عليه من الأعداء لا على عدم وجوده ، كما توهّموا .
فالأئمة عليهم السلام – كما وردت الروايات[11][11] - لم يريدوا الكشف عن النفاصيل المتعلقة بحياة الإمام المهدي (ع) و ولادته الميمونة ، لمعرفتهم بتكالب الأعداء في طلبه ، و جدّهم و تربّصهم به ، و قد كانوا يبثون العيون و يترصدون كلّ حركة للعثور على الإمام و التخلص منه ، بعد أن تيقنوا بالأمر و شاهدوا ترقّب الأُمة و تطلعها لمقدمه الشريف ليملأ الأرض قسطاً و عدلاً بعد أم مُلئت ظلماً و جوراً .
و كيف لا يحرص الأئمة عليهم السلام على حياته العزيزة ، و قد فعل سلاطين الجور الأفاعيل ، و ارتكبوا الحماقات و الشناعات بحق أهل البيت و ذرية الرسول الأكرم (ص) ، إذ طاردوهم و سجنوهم و أذاقوهم التشريد و القتل أخذاً بالظنِة و التُهمة و الوشاية المغرضة ، و دونك التاريخ فاقرأ في ( مقاتل الطالبين ) الأصفهاني العجب العجاب .
و إذن فكيف يكون الحال و قد اطّلع هؤلاء السلاطين على الروايات في صحاح المسلمين و مسانيدهم عن المهدي (ع) من العترة الطاهرة ، و من ذرية فاطمة عليها السلام و من أولاد الحسين عليه السلام تحديداً ، و أنه سيظهر ليملأها قسطاً و عدلاً ، فهذه المعرفة اليقينية قد خلقت شعوراً قوياً لدى الحكام الظلمة بأنّ عروشهم ستنهار . و كان هذا الهاجس هو الذي يفسّر لنا تلك الإجراءات الغريبة و غير الاعتيادية التي اتخذتها السلطة الحاكمة عند سماع نبأة وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام مباشرة ، و ليس هناك من تفسير معقول سوى اعتقادهم بوجود الإمام الثاني عشر الحجة ابن الحسن ، و أنه الإمام الموعود كما نطقت به الأخبار المتواترة لدى السنة و الشيعة ، و لذا أسرعوا إلى دار الإمام عليه السلام و اتخذوا مثل تلك الإجراءات الاستثنائية بدءاً من التفتيش الواسع و الدقيق ، إلى حبس جواري الإمام و إخضاعهن للفحص [12][12] ، كل ذلك في محاولة يائسة للقبض على الإمام . و لاعجب فقد حصل ذلك من نظرائهم ، و حدّثنا القرآن الكريم عن فعل فرعون للقبض على النبي موسى عليه السلام فنجاه الله من الكيد .
و من هنا نفهم السبب في إخفاء الإمام الصادق عليه السلام هوية المهدي و التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر .
و ليست الحيرة بعد ذلك و الإضطراب إلا حالة طبيعية في ظل مثل تلك الظروف و الملابسات الخاصة التي رافقت قضية المهدي عليه السلام في وجوده و ولادته ، و شغب السلطة و تمويهاتهم و إعلامهم الزائف ، و إذن فليست ( الحيرة ) إلا بسبب تلك الظروف و الملابسات ، فضلاً عن أن الروايات الواردة عن الأئمة عليهم السلام قد أشارت إلى وقوع مثل هذه الحيرة و الفتنة و التفرق ، كما نقل ذلك ابن بابويه القمي في ( التبصرة ) ، و الشيخ النعماني في ( الغيبة ) الباب الثاني عشر .

ثانياً : قولهم بضعف الروايات و اختلاقها ، و لا ندري هل أنهم يفرّقون بين الضعيف و الموضوع أم هما عندهم سواء ؟ ثم لماذا هذا الخلط المقصود بين مسألة وجود الإمام الحجة (ع) الثابتة بالطرق الصحيحة و بين بعض الروايات التي تلابس ( حدث الولادة ) ؟ و العجب من ركوب هؤلاء جميعاً هذه الجرأة المفضوحة إذا إنّ روايات المهدي (ع) لم تروها كتب الشيعة فحسب ، و لم ترد عن طرقهم فقط ، و إنما روتها الصحاح و المسانيد و الجوامع الحديثية المعتبرة كصحيح أبي داود ، و صحيح البخاري و شروحه ، و مسند أحمد بن حنبل ، و جامع الطبراني ، و جمعها السيوطي في العرف الوردي [13][13] من عدة طرق ، و حكى تواترها البرزنجي في الإشاعة [14][14] و كذا الشوكاني في التوضيح[15][15]، و نقل ذلك أخيراً الشيخ منصور علي ناصف في غاية المأمول [16][16] .
فانظر إلى جهل المشككين كيف رموا ما صحّ و تواتر عند الجمهور المسلمين من السنة و الشيعة بالوضع الاختلاق و اعجب لجرأتهم و شغبهم ! إذ لا يصح بعد ذلك شيء مما تناقله الرواة من حوادث التاريخ ، و أسماء الأعلام ، و آراء المذاهب المختلفة .
ثالثا : استدل بعضهم على نفي وجود الإمام المهدي (ع) و ولادته  بقوله : إن الشيعة اختلفوا و انقسموا –على حد زعمه – إلى سبعة عشرة فرقة بعد وفاة الحسن العسكري (ع) ، و هذا يدل – بحسب زعمه – على عدم وجود الإمام !!

و لعل من المناسب أن ننبه إلى أن الاختلاف حول موضوع أو قضية أو شخص لا يستلزم العدم ، إذ لو جرينا على هذا المنطق لما قامت عقيدة ، و لا ثبت دين ، و لا استقام شأن من الشؤون ، فالاختلاف قائم دائم في العقائد ، و في التواريخ ، و في الشخصيات ، و في الحوادث الواقعة ، و في الفروع ، و في سائر الأمور ، و قد تفرق أبناء الفرقة الواحدة إلى فرقٍ و طوائف و اتجاهات و آراء كما حدث عند المعتزلة و الخوارج و الأشاعرة[17][17] وغيرهم . . ثمّ ألم تسمع بما تناقله أهل الحديث من الرواية المشهورة و هي قوله (ص) : " . . . و تفترق أُمتي على ثلاث و سبعين فرقة " [18][18] .

و نتسائل هنا حول أي شيء كان الإفتراق ؟ و هل يستلزم ذلك نفي ما تفرقوا ( فيه ) لهذا السبب ؟! و إذن لا تبقى عقيدة ، و لا تسلم حقيقة ، و لا يستقيم أمرٌ بسبب وقوع الافتراق و الانقسام في ذلك بحسب المنطق .

و السؤال الأهم ، ما هي هذه الفرق التي انقسم إليها الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري (ع) ؟ و ما هي تسمياتهم ؟ و من هم زعماء و رجال هذه الفرق المزعومة ؟

لقد قال الشهرستاني في الملل و النحل " و أما الذين قالوا بإمامة الحسن –العسكري(ع)- : فافترقوا بعد موته إحدى عشرة فرقة ، و ليست لهم ألقاب مشهورة ، و لكنا نذكر أقاويلهم . . " [19][19] . و إذن هو لا يعرف أسماؤهم و لا رجالهم ، و هم حسب زعمه إحدى عشرة فرقة ، أما هؤلاء المقلدون الكذابون من أمثال إحسان إلهي و من تابعه أخيرا فقد زادوا العدد فرقاً أخرى ليس لهم اسم و لا رسم ، حتى أوصلها أحد هؤلاء المفضوحين إلى سبع عشرة فرقة !! و أنى لهم بعرفتها و هي من مختلقاتهم ؟ و لذا لم يذكر أحد منهم زعيماً أو رجلاً معروفاً في التاريخ من هذه ( السبع عشرة ) فرقة ، بل و لم يجرأ أحد هؤلاء المفترين على الشيعة أن يشير إلى مكان أو زمان وجودهم .

و يحسن أن ننقل تعليقة العلامة عبدالحسين شرف الدين في الفصول المهمة حول هذه الكذبة التي أطلقها الشهرستاني في ملله ، قال العلامة مُعقباً : " و ليته أسند شيئاً من الأقاويل التي نقلها عن تلك الفرق إلى كتاب يتلى أو شخص خلقه الله تعالى ! و ليته أخبرنا عن بلاد واحدة من تلك الفرق أو زمانها أو اسمها ! فبالله عليك ، هل سمعت بفرق متخاصمة ، و نحل آراؤها متعاركة لا يُعرف لهم في الأحياء و الأموات رجلٌ أو امرأة ؟! و لا يوجد في الخارج لهم مسمى و لا اسم ؟!! " [20][20] .

و الظاهر أن أحدهم قد أدرك خطأه و اشتباهه فقال أخيراً : إني لم أرفض إماماً ثبت وجوده من أهل البيت عليهم السلام ، و إنما حصل عندي شك بولادة الإمام الثاني عشر . زاعماً أن السبب هو عدم قدرة توفر الأدلة الكافية ، أو عدم قناعته بالأدلة !!

و السؤال الذي نثيره هنا هو ، عن أي نوعٍ من الأدلة يبحث هؤلاء ؟ و هل هناك أدلة أقوى من إطباق الطائفة و علماء الأمة و رواتها الثقات عاى مثل هذا الأمر ، أعني ولادة الإمام الحجة ابن الحسن عليه السلام ؟ إذ ليس هناك من سبيل إلى ثبوت مثل هذه الأمور إلا الخبر الصحيح ، و توفر الشواهد ، و قيام القرائن و المؤيدات من العقل و المنطق ، و قد ثبت من كل هذه الجهات .

و لعل من المناسب الإشارة إلى ما حققه السيد ثامر العميدي في كتابه ( دفاع عن الكافي ) الجزء الأول ، و أثبت ولادة الإمام و استمرار وجوده الشريف بالروايات و الأحاديث الصحيحة ، ثم بالنقل التاريخي المتواتر ، كما أورد اعترافات و شهادات الفقهاء و المحدثين و المفسرين و المؤرخين و أهل التحقيق و الأدباء و الكتاب ، و كلهم من أهل السنة بولادة الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع) ، و نقل ذلك عنهم بدءاً من بداية القرن الرابع الهجري كالروياني في المسند ، و سهل بن عبدالله البخاري ( ت /341هـ ) في سر السلسلة العلوية ، و الخوارزمي ( ت/387 هـ) في مفاتيح العلوم طبعة ليدن 1895 ميلادية .
كما أورد إعترافات من رجال القرن الخامس إلى القرن الرابع عشر ، و منهم :
·أبو نعيم الأصفهاني ( ت/430 هـ) في الأربعين حديثا .
·يحي بن سلامة الخصفكي الشافعي (ت/568 هـ) .
·تذكرة الخواص لابن الجوزي .
·محي الدين بن عربي ( ت/638 هـ) في الفتوحات المكية على ما نقله الشعراني في اليواقيت و الملك المؤيد .
·أبي فداء اسماعيل بن علي ( ت/732 هـ) في المختصر في أخبار البشر .
·ابن الصباغ المالكي ( ت/855 هـ) في الفصول المهمة .
·جلال الدين السيوطي ( ت/911 هـ) في احياء الميت .
·ابن طولون الحنفي مؤرخ دمشق ( ت/953 هـ) في كتابه الأئمة الإثنا عشر .
·أحمد بن يوسف أبو العباس القرماني الحنفي ( ت/ 1019 هـ) في كتابه أخبار الدول .
·الشبرواي الشافعي ( ت/ 1171 هـ) في الإتحاف بحب الأشراف .
·محمد أمين السويدي ( ت/ 1246 هـ) في سبائك الذهب .
·الزركلي ( ت / 1396 هـ) في الأعلام .
و هذا الكم الكبير من الروايات و النقول و الشواهد و الشهود ألا تكفي للإقتناع بوجود شخص و ولادته ؟
و إذا لم يكن ذلك كله كافياً و دليلاً ، فلازمه بالضرورة الشك في كل الحوادث الماضية و الشخصيات العلمية و التاريخية و ما جرى في غابر الزمن البعيد و القريب و عند ذاك لا يصح شيء ، و لا يثبت شيء ، فهل هذا يرضي مثل هؤلاء المتطفلين على البحث و التحقيق ؟‍‍‍‍‍‌
و أما إذا كان الأمر من جه تعقل الموضوع ، فدونك ( بحث حول المهدي ) للشهيد الصدر- و هو هذا الكتاب الذي بين يديك –فهو الشافي الكافي ، و الحجة الدامغة و البرهان القاطع لمن يفكر بعقله ، و لا يتعبد بما نقله و حكاه ذوو الأغراض المعروفه و المغالطجات المفضوحة أمثال ظهير و البنداري و غيرهم .
و لعل من الأمور التي تدلك على المفضوحة هو قولهم : " لا نستبعد أن يطيل الله عمر إنسان . . . و لكن لا يمكن الإعتقاد بحدوث هذا عن طريق القياس ، و قد كان سيدنا الصادق يرفض القياس في الفروع ، فكيف في الأمور التاريخية و العقائدية ؟‍‍‌‍‍‍‍‍‍‍‍‍؟ " .
و قد فاتهم أن القياس هنا أمر وارد ، و دليل معتبر عند أهل المنطق و أهل النظر في مثل هذه الموارد التي قد لا يدركها الإنسان إلا عن طريق التشبيه و القياس ، و هو اسلوب علمي ، و منهج قرآني ( و يضرب الله الأمثال للناس ) / إبراهيم : 25 ، و قال تعالى حاكيا قول المنكرين لبعض الأمور الإعتقادية كالمعاد كما في الآية المباركة : ( و ضرب لنا مثلاً و نسي خلقه  قال من يحي العظام و هي رمييم * قل يحيها الذي أنشئها أول مرة ) / يس : 78 .
فانظر كيف يتنكب المتطفلون عن المنهج القرآني و العلمي ؟ و انظر إلى عدم تفرقتهم بين القياس في أحكام الشريعة المنهي عنه ، لعدم إحراز علة الحكم التي بنى الشارع عليها حكمه ، و بين القياس في مجال المعقولات الذي لا شبهة فيه .
و هكذا نخلص القول أنّ أصحاب هذا المنهج التشكيكي ليس بأيديهم حجة و لا برهان ، و لا يملكون سنداً علمياً أو تاريخياً مقبولاً و منطقياً في نفيهم و تشكيكاتهم ، و إنما هي مجرد ظنون و أوهام ، أو افتراضات و حدوس تتهاوى أمام الأدلة و البراهين المتينة ، الروائية و التاريخية و العقلية كما سطّرها و حققها المثبتون لولادة الإمام المهدي (ع) و استمرار وجوده الشريف المبارك .
و لا يضير ذلك ما أُحيطت به روايات ولادته التي اختلفت من بعض الوجوه ، و محاولة هذا النفر استغلالها بصورةٍ غير أمينة و لا دقيقة للتشويش على أصل الموضوع ، و هو ولادة الحجة ابن الحسن محمد المهدي (ع) ، و قد ثبت من الطريق الاعتيادي الذي تثبت به الولادات ، و هو شهادة القابلة حكيمة بنت الإمام الجواد ، و عمة الإمام العسكري ، و صحّة الرواية عنها بأسانيد معتبرة صحيحة[21][21] .

و إذا كان هناك من نقل روايات أُخرى سواء في زواج الإمام أبي محمد الحسن العسكري من ( نرجس ) أُمّ الإمام المهدي (ع) أم في اسمها ، أم في ولادة المهدي و ما جرى و لابس تلك الولادة المباركة ، أم في الإختلاف في تاريخ الولادة " فإن المشهور على ما نقلة الثقات من الشيعة و السُنة ، هو ولادته سنة 255 هـ في الخامس عشر من شعبان ، و أنّ أُمّه هي ( نرجس ) و كانت جارية عند إحدى أخوات الإمام علي الهادي (ع) ، فطلبها الإمام العسكري و تزوجها ، و ولدت منه الإمام المهدي ، كما صرح به الإمام العسكري بسند صحيح لا خدشة فيه " [22][22] . وقد بشّر الإمام العسكري أصحابه و شيعته خاصة بالمولود المبارك ، و أنه الخلف الحجة الموعود و الإمام من بعده[23][23] .

و أخيراً  لابد من التنبيه أيضاً إلى أن منهج هؤلاء المنكرين في قضية الإمام المهدي (ع) يقوم على أُسلوب كان قد اتبعه المستشرقون من قبل في معالجتهم و مناقشاتهم لعقائد الإسلام ، و نبوة النبي محمد (ص) خاتم الأنبياء ، ولِماَ جاء في القرآن الكريم من المفاهيم و الأفكار و الأحكام ، و هذا الأسلوب يتمثل – كما يرى المستشرق المنصف آربري[24][24]- " باقتطاع النصوص من سياقها ، و بالتحليل السطحي . . . " هذا فضلاً عن المغالطات و المفارقات المنهجية كالإحالة إلى المصادر بصورةٍ غير دقيقة و غير أمينة[25][25] ، و كالتدليس و الكذب في نسبة الآراء ، إذ يوردون نصوصاً ثم يذكرون المصادر جملةً ، على سبيل التمويه ، و الأنكى و الأعجب أنهم –و بحسب تحليلهم السطحي – يطرحون فهمهم لبعض المطالب على أنه و الرأي عند المذهب أو الطائفة و هو فهم غير دقيق ، ثم يحاولون أن يحشدوا النصوص و يقسروها لتتلائم مع تصوارتهم و أفهامهم هُم ، و ليس مع ما ذهب إليه المذهب أو مع ما كان مقبولاً و معتمداً .
و أرى لزاماً عليّ التبيه أيضاً إلى أمرٍ مهم ، ذكره العلامة محمد تقي الحكيم في كتابه الأصول العامة للفقه المقارن قائلاً : "إن مجتهدي الشيعة لا يُسوغون نسبة أي رأي يكون وليد الإجتهاد إلى المذهب ككل ، سواء كان في الفقه أم الأصول أم الحديث ، بل يتحمل كل مجتهد مسؤولية رأيه الخاص نعم ما كان من ضروريات المذهب يصح نسبته "[26][26] .
ثانياً : منهج المثبتين
1-المنهج الروائي :
 إن الذين كتبوا في قضية المهدي (ع) كثيرون جداً ، قديماً و حديثاً ، و منهم من أفرده بكتاب مستقل و منهم من كتب فصلاً أو فصولاً ، و قد أحصى عبدالمحسن العباد في بحثه المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية الصادرة بالمدينة المنورة أكثر من عشرة مؤلفين من أجلاء علماء أهل السنة ، منهم :
· الحافظ أبو نعيم .
· السيوطي الشافعي .
· الحافظ ابن كثير .
· علي المتقي الهندي صاحب كنز العمال .
· ابن حجر الملكي في مؤلفه : ( القول المختصر في علامات المهدي المنتظر ) .
·مرعي بن يوسف الحنبلي ( ت / 1033 هـ) ، و مؤلفه الذي سماه ( فوائد الفكر في ظهور المهدي      المنتظر )  ، ذكره السفاريني في لوامع الأنوار البهية .
·القاضي محمد بن علي الشوكاني (ت/ 1250 هـ) الذي سمى مؤلفه ( التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي المنتظر و الدجال و المسيح ) .
إلى غيرهم  .
أما عند الشيعة فهناك عشرات الكتب و الرسائل التي كتبت و نشرت قديماً و حديثاً منهم أخيراً :
· منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر للشيخ لطف الله الصافي الكلبكاني .
· إلزام الناصب في اثبات الحجة الغائب للشيخ علي اليزدي الحائري .
· المهدي الموعود المنتظر عند علماء أهل السنة و الإمامية للشيخ نجم الدين العسكري ، نشر مؤسسة الإمام المهدي – طهران .
·  الإمام المهدي لعلي محمد علي دخيل طبع بيروت ، و هو جليل و مهم جداً .
و قد اعتمد هؤلاء العلماء و غيرهم في مناقشاتهم لدعاوي المنكرين على الأدلة النقلية غالباُ ، فأثبتوا صحة أحاديث المهدي من طرق أهل السنة و الشيعة[27][1] ، وتعدد طرق الرواية ، و كثرة الرواة من الصحابة و التابعين و تابعي التابعين من سائر الفرق و المذاهب الإسلامية .
فقد نقل السيخ العباد أن رواة الحديث المهدي من الصحابة ستة و عشرون راوياً ، أما الأئمة الذين خرجوا الأحاديث و الآثار الواردة في المهدي فيبلغ عددهم ثمانية و ثلاثون ، ذكر أسماءهم و في مقدمتهم :

·                                       أبو داود في سننه .
·                                       الترمذي في جامعه .
·                                       النسائي في سننه .
·                                       أحمد في مسنده .
·                                       أبو بكر بن شيبة في المصنف .
·                                       الحافظ أبو نعيم في الحلية و في كتاب المهدي .
·                                       الطبراني في المعجم الكبير و الأوسط .
·                                       ابن عساكر في تاريخه .
·                                       أبو يعلة الموصلي في مسنده .
·                                       ابن جرير في تهذيب الآثار .
·                                       البيهقي في دلائله .
·                                       ابن سعد في الطبقات .
·                                       و غيرهم .

و نريد أن نسأل ( أحمد أمين ) و من عزف على نغمته هنا : هل أن مثل هؤلاء الأئمة من علماء الحديث و الرواة المعتبرين الذين تلقتهم الأمة بالقبول ، و اعتمدت عليهم فيما نقلوه من صحيح الآثار أو صححوه ، كلهم يتواطؤن على نقل ( اسطورة ) ؟ ، و كيف يعقل أن تهتم الأمة ، و أجل العلماء و المحققين و أصحاب الصحاح و المسانيد ( بأسطورة) إلى هذا الحد ‍؟‍‍؟ و لماذا هذه الجرأة المنافية لأبسط قواعد الذوق و المنطق و العلم و الأخلاق ‍؟ ، أوليس تدل مثل هذه التشويشات على ركوب الهوى أو الانسياق و اللهاث وراء تلويحات الوهابية ، ( و رنين إغراءتها ) ؟ ، بل إن العلماء المتقدمين منهم و المتأخرين أثبتوا تواتر أحاديث المهدي ليقطعوا الطريق و العذر على المتشككين و المتأولين ، كما فعل :

·        الشوكاني ( ت/ 1250 هـ) في رسالته المسماه بـ( التوضيح في تواتر ما جاء في المهدي و الدجال و المسيح ) .

·         البزرنجي (ت/ 1103هـ) في ( الإشاعة لأشراط الساعة) .

ثم ذكر الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية آخرين ، منهم :

·        الحافظ الآبري السجزي (ت/ 363 هـ) .
·        الشيخ محمد السفاريني ( ت/ 1188 هـ) في كتابه لوامع الأنوار البهية .
·        الشيخ صديق حسن القنوجي (ت/ 1307 هـ) .

و من المتأخرين الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي الشيخ محمد بن جعفر الكتاني ( ت/1345هـ) في كتابه نظم المتناثر في الحديث المتواتر .

و قد تصدى العلماء أيضاً ما تعلق به الخصوم من دعاوي ، و ما أثاروه من اشكالات و طعون في الروايات و أجابو[28][2] عن ذلك بجوابات سديدة و متينة ، و لعل من أهم هذه الدراسات الحديثة :

ألف : دراسة عبد المحسن العباد [29][3]- و هو إستاذ جامعي و من علماء أهل السنة – و هي على ما فيها من زلات و اشتباهات ، إلا أنه عرض فيها بالتفصيل لذكر أسماء الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي (ع) عن رسول الله (ص) و أحصى منهم ستة و عشرين صحابياً ، ثم ذكر أسماء الأئمة الذين خرجوا أحاديث المهدي (ع) ، و أحصى منهم – أي من أئمة الحديث – ثمانية و ثلاثين ، ثم أورد بعد ذلك أسماء العلماء الذين أفردوا مسألة المهدي (ع) بالتأليف ، و ذكر عشرة منهم ، ثم ذكر بعض الذين حكوا تواتر أحاديث المهدي (ع) ، ثم انتقل إلى ذكر ما ورد في الصحيحين مما له تعلق بالمهدي (ع) ، ثم انتقل إلى ذكر بعض الأحاديث في غير الصحيحين من السنن و المسانيد ، ثم ذكر بعض العلماء الذين احتجوا بأحاديث المهدي (ع) و اعتقدوا موجبها ، ثم تعرض بالمناقشة القوية للمنكرين لأحاديث المهدي (ع) أو المترددين في شأنه ، و ذكر منهم ابن خلدون ، و سجل عليه ملاحظات و إيرادات أظهر فيها تهافته و عدم تبصره بالأمور ، و نقل عن الشيخ المحقق أحمد شاكر الذي حقق مسند الإمام أحمد و خرج أحاديثه قوله عن ابن خلدون راداً عليه تشكيكاته : " أما ابن خلدون فقد قفا ما ليس به علم و اقتحم قحماً لم يكن من رجالها ، و أنه تهافت تهافتاً عجيباً في الفصل الذي عقده في مقدمته للمهدي (ع) و غلط أغلاطاً واضحة . . . " و انتهى آخر الأمر إلى أن المهدي (ع) حقيقة ثابته لا تقبل الشك .

باء : أما الدراسة الثانية فكانت للباحث و المحقق ثامر العميدي ، الذي جرى على منهج علماء الإمامية الأجلاء الذين عالجوا هذه المسألة ، و أشبعوها بحثاً و استقصاءً ، و استطاع هذا الباحث الفاضل أن يلخص تلك المطالب ، و يستوفي تلك المضامين و يستوعبها ، و يضفي على ذلك كله من بيانه و تحقيقاته ، و يخرجه على منهج علمي رصين ، و قد استغرقت هذه الدراسة الصفحات من 171 إلى 611 من الجزء الأول من كتابه القيم ( دفاع عن الكافي ) الذي نشره مركز الغدير للدراسات الإسلامية سنة 1995 م .

و من أهم الأمور التي عرض لها بأُسلوب علمي : تحليل فكرة الاعتقاد بالمهدي(ع) [30][4] ، و مناقشاته لتضعيفات ابن خلدون[31][5] ، و نقله أكثر من ثمانٍ و خمسين [32][6] شهادة و تصريح بصحة أحاديث المهدي (ع) أو تواترها ، ثم مناقشته لمن أنكر ولادة المهدي (ع) ، و إيراده أدلةً وافية متينة و اعترافات من أهل السنة بدءاً من القرن الرابع الهجري و حتى قرننا الحالي بولادة الإمام المهدي (ع) و وجوده الشريف[33][7] ، و أخيراً مناقشته الطريفة لفرية السرداب [34][8] و غيرها .

لقد أوردت هاتين الدراستين بصفتهما نموذجين حديثين للدراسات التي التزمت بمسلك العلماء المتقدمين و الإفادة منهم و اتباع منهجهم ، و إلا فهناك عشرات الدراسات لأفاضل العلماء و المحققين ممن برع في مناقشة تلك القضية [35][9] .

2- المنهج العقلي

( منهج الشهيد الصدر (رض))

لم ينطلق الشهيد الصدر في بحثه ( قضية المهدي (ع)) من بديهات و مقدمات مسلّم بها عند الأطراف ، و لم يعتمد تتبع القضية في كتب التفسير و الرواية ، أو مناقشة ما ورد بشأنها من أسانيد ، و إنما سلك مسلك آخر ، فبدأ بطرح الإثارات حول القضية و عرض التساؤلات و الإشكالات المنتزعة مما قيل و يقال حول القضية ، ثم بدأ بالمناقشة العميقة و الدقيقة معتمداً الدليل العقلي ، و مستنداً إلى معطيات العلم و الحضارة المعاصرة ، و نعرض معالم هذا المنهج كما يأتي :

ألف : لقد مهد السيد الشهيد لبحثه بإعطاء تصور واضح لفكرة المهدي(ع)[36][1] في جذورها الممتدة إلى التراث الديني و الإنساني ، ثم انتقل إلى تأصيلها في الفكر الإسلامي ، ثم عرضها في التصور الإسلامي على أنها ليست مجرد فكرة و أمل يداعب الشعور ، و يجد عنده الإنسان المسلم استراحة تخلصه من حالة التوتر النفسي عندما تشتد و تتعاظم المحنة – كما هو زعم بعض الباحثين – و إنما ( المهدي (ع)) يتجسد في إنسان معين [37][2] حي يعيش مع الناس و يشاركهم همومهم وآلامهم ،ب-إن هناك صعوبة في استيعاب هذا التصور الأصيل ،فقد أثار إشكالات الشهيد الصدر (رض)يطرح هذه التساؤلات والإثارات بكل صراحة و وضوح ، ثم يشرع في معالجتها باسلوبه الخاص ، و ذلك ليضع القضية في محلها الطبيعي ضمن إطار العقيدة الإسلامية التي تقوم أساساً على العقلانية و الواقعية و البرهان .

أ-و التساؤل الأول الذي يطرحه السيد الشهيد هو :

" إذا كان المهدي(ع) يعبر عن إنسان حي عاصر كل تلك الأجيال المتعاقبة منذ أكثر عشرة قرون ، و سيظل يعاصر امتداداتها ، فكيف تأتى له هذا العمر الطويل ؟؟  و كيف نجا من القوانين الطبيعية التي تحتم مروره بمرحلة الشيخوخة و الهرم ؟؟ " ثم ينتقل من سؤال إلى سؤال ، و من إثارة إلى إثارة بترتيب منطقي يمهد الجواب السابق للاحق ، و تترابط المضامين و المباحث ترابطاً منهجياً محكماً .

و بالنسبة إلى السؤال الأول أعاد طرحه كالآتي : هل بالإمكان أن يعيش الإنسان قروناً متطاولة كما هو المفترض في المهدي (ع) الذي طوى من العمر أكثر من ألف و مئة و أربعين سنة [38][3] ؟ و هذه الصياغة للسؤال لا تختلف بشيء عن السابق ، و تمهيداً للجواب أعطى إيضاحاً لأنواع الإمكان المتصورة أو المعروفة و هي الإمكان العملي ، و الإمكان المنطقي أو الفلسفي ، و بعد أن بين المقصود بها خلص إلى القول : " أن امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقياً ، لأن ذلك ليس مستحيلاً من وجهة نظر عقلية تجريدية " ، و أن الإمكان العملي بالنسبة إلى نوع الإنسان ليس متاحاً الآن ، و التجربة المعاصرة لا تساعد عليه .

أما الإمكان العلمي فلا يُوجد ما يبرر رفض ذلك من الناحية النظرية ، لأن التجارب آخذه بالازدياد لتحويل الإمكان العلمي إلى إمكان عملي ، و هي سائرة بهذا الاتجاه من زاوية محاولاتها لتعطيل قانون الشيخوخة . و في ضوء هذا لا يبقى مبرر منطقي للاستغراب و الإنكار اللهم إلا من جهة أن يسبق ( المهدي (ع)) العلم نفسه فيتحول الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه قيل أن يصل العلم في تطوره إلى مستوى القدرة الفعلية . و هذا أيضاً لا يوجد مبرر عقلائي لاستبعاده و إنكاره ، إذ هو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء السرطان أو غيره مثلاً .

إن هذا السبق – كما يقول السيد الشهيد – في الأطروحة الإسلامية عموماً – التي صممت قضية المهدي (ع) – قد وقع و حصل في أكثر من مفردة و عنوان ، و قد سجل القرآن الكريم نظائر ذلك حين أورد و أشار إلى حقائق علمية تتعلق بالكون و الطبيعة و جاء العلم فأزاح الستار عنها أخيراً ، و الأكثر صراحةً أن القرآن قد دون أمثال ذلك كما في مسألة عمر النبي نوح (ع) ، قال تعالى ( فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً ) سورة العنكبوت : 14 ، ثم ينتقل السيد الشهيد إلى افتراض آخر ينشأ عن السابق و هو :

ماذا لو افترضنا أن قانون الشيخوخة قانون صارم ، و أن إطالة العمر أكثر من الحد الطبيعي و المعتاد خلاف القوانين الطبيعية التي دلنا عليه الاستقراء ؟! .

و جوابه : أنه حينئذ يكون من فبيل المعجزة ، و هي ليست حالة فريدة في تاريخ الأنبياء و المرسلين ، والأمر بالنسبة للمسلم الذي يتمد عقيدته من القرآن و السنة المشرفة ليس أمراً منكراً ، إذ هو يجد أن القانون الذي هو أكثر صرامة قد عطل ، كما حدث بالنسبة إلى النبي إبراهيم الخليل عليه السلام في نجاته من النار العظيمة بعد أن ألقي فيها ، و قد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله ( قلنا يا نار كوني برداً و سلاماً على إبراهيم ) سورة الأنبياء : 69 .

ثم يبين السيد الشهيد بعد ذلك أن مسألة المعجزة بمفهومها الديني قد أصبحت في ضوء المنطق العلمي الحديث مفهومةً بدرجةٍ أكبر مما كانت عليه . و شرع في تقديم المعالجة الفلسفية المتينة مستنداً إلى النظريات الفلسفية الحديثة .

ب- و ينتقل السيد الشهيد إلى سؤال آخر و هو :

لماذا كل هذا الحرص على إطالة عمر المهدي(ع) إلى هذا الحد ، فتعطل القوانين لأجله ؟ و لماذا لا نقبل الافتراض الآخر الذي يقول : إن قيادة البشرية في اليوم الموعود يمكن أن تترك لشخص آخر يتمخض عنه المستقبل و تنضجه إرهاصات ذلك اليوم ؟ و يعيد صياغة السؤال كالأتي :

ما هي فائدة هذه الغيبة الطويلة ؟ و ما هو المبرر لها ؟ و يعقب هنا قائلاً : إن الناس لا يريدون أن يسمعوا جواباً غيبياً أي أنهم يطالبون بتفسير اجتماعي للموقف على ضوء الحقائق المحسوسة لعملية التغيير الكبرى نفسها .

و للإجابة عن هذا السؤال ، يتقدم السيد الشهيد و هو متسلح بالمعرفة بقوانين الاجتماع ، و بمتطلبات التغيير الاجتماعي و قوانينه ، فيبدأ بطرح سؤال يمهد به للإجابة ، وهو :

هل يمكن أن نعتبر هذا العمر الطويل للقائد المدخر عاملاً من عوامل نجاحه في عملية التغيير المرتقب ؟ ثم يجيب بالإيجاب ، و يقدم أدلةً تستند إلى فهم عميق لحركة التاريخ ، و مستلزمات التغيير الحضاري الشامل ، و أثر الحضارات التي ينشأ الإنسان في ظلها على مستوى تفكيره و رؤاه و دوره الحضاري ، ثم يكيف المسألة في ضوء رسالة الإسلام و النقلة الحضارية التي يريدها .

و هكذا يحول السيد الشهيد البحث إلى دراسة اجتماعية تعتمد المقولات و المفاهيم الاجتماعية ، فضلاً عن تأصيل مفاهيم و نظرات اجتماعية مهمة .

ج-ينتقل الشهيد الصدر (رض) بعد ذلك إلى معالجة قضية أكبر ترتبط بقضية المهدي (ع) و هي :

( الإمامة المبكرة ) أو ( كيفية إعداد القائد الرسالي ) في نظرية الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية ، فيذكر أن هذه الظاهرة ( الإمامة المبكرة ) عاشتها الأمة فعلاً[39][4] ، و قد بلغت ذروتها في الإمام المهدي و الإمام الجواد عليهما السلام من قَبلِه .

و هذه الظاهرة – كما يقول رضوان الله تعالى عليه – " تشكل مدلولاً حسياً عملياً عاشه المسلمون و وعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل و آخر ، و لا يمكن أن نطالب بالإثبات لظاهرةٍ من الظواهر هي أوضح و أقوى من تجربة أمة " [40][5].

و يورد السيد الشهيد كثيراً من الحقائق التاريخية التي تؤكد هذه الظاهرة ، ثم يخلص إلى القول : بأنها أي الإمامة المبكرة في ضوء ذلك كانت ظاهرةً واقعية و ليست وهماً أو مجرد افتراض ، و أن لها أمثلةً في القرآن الكريم ، كما هو الأمر بالنسبة إلى النبي يحي (ع) ، في قوله تعالى ( و آتيناه الحكم صبياً ) سورة مريم : 12 . و هذا ما لا يسع المسلم إنكاره .

د-و ينتقل السيد الشهيد إلى البحث الروائي و إلى ما ردده و أثاره المشككون و الخصوم قديماً و حديثاً بقوله :

" كيف نؤمن فعلاً بوجود المهدي (ع) ؟ و هل تكفي بضع روايات تُنقل في بطون الكتب عن الرسول الأعظم (ص) للإقتناع الكامل بالإمام الثاني عشر (ع) على الرغم مما في هذا الافتراض من غرابة و خروج عن المألوف ؟ بل كيف يمكن أن نثبت أن للمهدي وجوداً تأريخياً حقاً ، و ليس مجرد افتراض توفرت ظروف نفسية لتثبيته ؟ "

هكذا يطرح السيد الشهيد هذا السؤال بكل تفرعاته الممكنة و المنتزع بعضها مما أثاره أو يثيره بعض المتأثرين بمناهج الغرب في دراسة تاريخنا الإسلامي و قضيانا الإسلامية مثل أحمد أمين في دراسته ( المهدي و المهدوية) و من سلك هذا المسلك من الخصوم [41][6] .

و يتصدى السيد الشهيد للإجابة عن هذا السؤال متسلحاً و متوسلاً بمنطق العقل و الدليل العقلي و عندما يعرض الدليل الروائي أيضاً في المقام نجده يعرضه مدعوماً بالوثائق و الواقع و التجربة التاريخية ، و لنسمعه يقول : " إن فكرة المهدي (ع) بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم (ص) عموماً ، و في روايات أئمة أهل البيت (ع) خصوصاً ، و أكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك ، و قد أحصي أربعمائة حديث عن النبي (ص) من طرق إخواننا أهل السنة ، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي(ع) من طرق الشيعة و السنة فكانت أكثر من ( ستة آلاف رواية) ، و هذا – كما يقول السيد الشهيد – رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها مسلم عادة " [42][7] .

ج-يتخذ السيد الشهيد (رض) هنا مسلكاً جديداً في الإستدلال على ( الخصوصية المذهبية ) أي مسألة تجسيد الفكرة ( فكرة المهدي) في إنسان معين هو الإمام الثاني عشر (ع) ، مستفيداً من الروايات و البحث الروائي ، و موظفاً ذلك بصورة مبدعة في إثبات ( المهدي (ع)) ، فيطرح أولاً المبرارات التي يراها كافية للإقتناع و يلخصها في دليلين أحدهما أطلق عليه ( الدليل الإسلامي ) و الآخر ( العلمي ) فيقول : " فبالدليل الإسلامي نثبت وجود القائد المنتظر ، و بالدليل العلمي نبرهن على أن المهدي (ع) ليس مجرد اسطورة و افتراض ، بل هو حقيقة ثبت وجودها بالتجربة التاريخية " .

و يشرع بتقديم الدليل الإسلامي فيراه متمثلاً بمئات الروايات الواردة عن الرسول الأكرم (ص) ، و الأئمة من أهل البيت (ع) و التي تدل على تعين المهدي (ع) و كونه من أهل البيت (ع) ، و من ولد فاطمة (ع) ، و من ذرية الحسين (ع) و ليس من ذرية الحسن ، و أنه التاسع من ولد الحسين (ع) ، و أن الخلفاء اثنا عشر . فإن هذه الروايات تحدد تلك الفكرة العامة و تشخصها في الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت (ع) .

ثم يقول رضوان الله تعالى عليه بشأن تلك الروايات : " و هي روايات بلغت درجةً كبيرة من الكثرة و الإنتشار – كما ورد عن طرقنا – على الرغم من تحفظ الأئمة و إحتياطهم في طرح ذلك على المستوى العام وقاية للخلف الصالح من الإغتيال . . . " .

إن الروايات الكثيرة جداً التي تشكل رقماً إحصائياً كبيراً – أي بلوغها حدّ التواتر كما حكى غير واحدٍ من العلماء – يرى السيد الشهيد أن الأساس في قبولها ليس مجرد الكثرة العددية على الرغم من أنه قد استقر في الأوساط العلمية الروائية إعتبار مثل هذه الكثرة ، بل هناك إضافة إلى ذلك مزايا و قرائن تبرهن على صحتها .

فالحديث الشريف عن الأئمة أو الخلفاء أو الأمراء بعده (ص) ، و أنهم اثنا عشر إماماً أو خليفةً أو أميراً على اختلاف متن الحديث في طرقه المختلفة ، قد أحصى بعض المؤلفين رواياته فبلغت أكثر من مئتين و سبعين رواية مأخذوة من أشهر كتب الحديث عند الشيعة و السنة بما في ذلك البخاري ومسلم و الترمذي و أبي داود و مسند أحمد و مستدرك الحاكم ، و قد لاحظ الشهيد الصدر (رض) هنا أن البخاري ( المولود 194 ، و المتوفى 256 هـ) الذي نقل الحديث كان معاصراً للإمام الجواد (ع) و الإمامين الهادي و العسكري (ع) و في ذلك مغزى كبير ، لأنه يبرهن على أن الحديث قد سجل عن النبي (ص) قبل أن يتحقق مضمونه ، و هذا يعني أن نقل الحديث لم يكن متأثرأً بالواقع الإمامي الإثني عشري أو يكون انعكاس له ، لأن الروايات المزيفة التي تنسب إلى النبي (ص) و هي انعكاسات أو تبريرات لواقع متأخراً زمنياُ لا تسبق في ظروفها و تسجيلها كتب الحديث ، و لقد جاء الواقع الإمامي الإثنا عشري ابتداءاً بالإمام علي (ع) و انتهاء بالمهدي (ع) ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف .

هذا هو الدليل الإسلامي ، كما اصطلح عليه السيد الشهيد ، أي الدليل الروائي في اثبات المهدي (ع) .

أما الدليل الآخر الذي اصطلح عليه بـ( العلمي ) و الذي يسوقه السيد الشهيد لإثبات الوجود التاريخي للمهدي (ع) ، و انه إنسان بعينه ولد و عاش و اتصل بقواعده الشعبية و بخاصته ، فإن هذا الدليل يتكون كما يرى السيد الشهيد من التجربة التي عاشتها أمةً من الناس فترةً امتدت سبعين سنة تقريباً و هي فترة الغيبة الصغرى .

و يعطي السيد الشهيد هنا فكرة عن هذه الغيبة ، و يفلسفها ، مبيناً دور القائد المهدي (ع) ، و دور سفرائه الأربعة ، و ما صدر عنه من ( توقيعات ) أي رسائل و إجابات كلها جرت على اسلوب واحد ، و بخطٍ واحد و سليقة واحدة طيلة نيابة النواب الأربعة المختلفين اسلوباً و سليقة و ذوقاً و خطاً و بياناً ، و مثل هذا كاشف بالضرورة عن وجود ( الرجل ) ، لأنه ثبت و استقر في الأوساط الأدبية و بما لا يقبل الشك أن الأسلوب هو الرجل ، و كل الدارسين و المتذوقين للأدب يدركون هذه الحقيقة بوضوح .

و بعد هذه القرينة و الشواهد القوية على وجود الإمام المهدي (ع) كما يؤكدها السيد الشهيد يتجه إلى منطق الإستقراء و نظرية الإحتمال لتعزيز ذلك فيقول : " و قد قيل قديماً : إن حبل الكذب قصير ، و منطق الحياة يثبت أيضاً أن من المستحيل عملياً بحساب الإحتمالات أن تعيش اكذوبة بهذا الشكل ، و كل هذه المدة ، و ضمن تلك العلاقات و الأخذ و العطاء ثم تكسب ثقة جميع من حولها " .

و هكذا يخلص السيد الشهيد إلى القول أخيراً : " أن ظاهرة الغيبة الصغيرة يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علمية لإثبات ما لها من واقع موضعي ، و التسليم بالإمام القائد (ع) ، بولادته و حياته و غيبته و إعلانه العام عن الغيبة الكبرى التي استتر بموجبها عن المسرح و لم يكشف نفسه لأحد " [43][8] أي حتى يأذن الله تعالى له بالظهور لتأدية دوره و وظيفته التغييرية الكبرى " فيملأ الأرض عدلاً و قسطاً بعدما ملئت ظلماً و جوراً " ، كما بشر بذلك خاتم الأنبياء و المرسلين نبينا محمد (ص9) و هذا هو ما عليه اعتقاد الإمامية ، و مقتضى توقيع الإمام الثاني عشر (ع) ، بإعلانه الغيبة الكبرى .

و أخيراً و استكمالاً للبحث ، ربما يثير بعضهم سؤالاً حول المنهج الذي اتبعه الإمام الشهيد – كما حددناه ، و كما هو في واقعه – و السؤال هو :

لماذا لم يسلك السيد الشهيد منهج المتقدمين في البحث الروائي ، و يفضي عليه من إبداعاته و التفاتاته ما يزيل الشكوك و التقولات التي تثار حول أسانيد الروايات ، و تضعيف بعضهم لها ؟

و في الجواب عن ذلك نسجل الملاحظات الآتية :

أولاً : لقد ذكر السيد الشهيد أن هناك عدداً هائلاً من الروايات بلغت رقماً إحصائياً لم يتوفر لأي قضية مشابهة من قضايا الإسلام ، بل إن بعضهم حكى التواتر فيها ، و عليه فليس بوسع مسلم إنكار ذلك أو عدم الإعتقاد بموجبه اللهم إلا لجهة أخرى ، و ليس هي إلا جهة تعقل المسألة ، و قد حظيت بإهتمامه و بالتركيز عليها .


ثانياً : إن أكثر المنكرين المعاصرين إنما أنكروها من زاوية عدم تعقل الفكرة أو تشخيصها و تجسيدها في إنسان وُلد قبل القرون ، و ما يزال ذا وجودٍ حي حقيقي ، و من هنا اتجه السيد الشهيد – بلحاظ أن القضية في حقيقتها إسلامية و ليست مذهبية فحسب – إلى ( عقلنتها ) من جميع جهاتها أو ما يلابسها ، تصوراً و قبولاً و واقعاً .

ثالثاً : إن شأن الإيمان بالمهدي (ع) شأن الإيمان بمطلق ما ورد من المغيبات مما ثبت عن طريق الرواية كسؤال منكر و نكير في القبر و نحو ذلك مما لم يرد في البخاري و مسلم [44][9] ، و مع ذلك فإن أحداً من أبناء الإسلام لا يسعه إنكاره .

رابعاً : إن الإختلاف بين المتعبدين بحجية الخبر الصحيح و الإيمان بموجبه ، و عدم جواز تكذيبه ، إنما كان في مصداق القضية المتجسد في إنسان لا في أصل قضية المهدي (ع) ، و هو مما احتاج إلى تقديم المبررات المنطقية و العلمية لقبوله .

خامساً : إن الذين أنكروا أو شككوا بالروايات الواردة في المهدي ، و حاولوا تضعيفها ليسوا من أهل الفن و العلم بالرواية و بالأسانيد [45][10] ، و لذلك فليس ما يدعو إلى إتعاب النفس معهم كثيراً ، بل لا بد من الاتجاه إلى تثبيت العقيدة في نفوس المؤمنين و ذلك ( بعقلنتها ) و توظيفها لإصلاح شأنهم و شؤونهم . و لقد تعامل السيد الشهيد مع قضية المهدي (ع) على انها تجربة أمة ، و قضية أمة ، و كحقيقة ثابتة تاريخية تعيشها الأمة شعوراً و أملاً و ترقباً و انتظاراً إيجابياً فاعلاً و مؤثراً في حياتها و جهادها المستمر بلا هوادة في مواجهة الظلم و الظالمين و الطغاة و الجبارين ، هذا فضلاً على أن العلماء المتقدمين و المتأخرين قد أشبعوا هذا الموضوع بحثاً و تحقيقاً و ناقشوا مناقشات وافية شافية كل الطعون و الأقوال و التضعيفات المزعومة ، و قد أشرنا إلى ذلك آنفاً .

سادساً : إن من التهافت ، و الخطل في الرأي بالنسبة إلى من يؤمن بموجب الخبر الصحيح ، و يوجب تصديقه لمجرد وروده في البخاري حتى لو كان مصادماً لبعض الحقائق الطبيعية أو منافياً للعقل أو للذوق إذ يوجب تأويله حينئذٍ [46][11] ، حيث وردت مجموعة من الأحاديث و الروايات مما يتنافى مع العقل و الذوق في صحيح البخاري . ثم عندما تصل النوبة إلى مسألة ( المهدي المنظر (ع)) على تعدد طرقها ، و صحة أسانيدها في السنن و المسانيد ، و على شرط البخاري و مسلم ، نراه يتوقف أو يتحفظ أو يتردد ، و ليس لديه حجة إلا أن المسألة – حسب تصوره القاصر- من معتقدات الشيعة [47][12] ، مع أنها كما ثبت عقيدة السلف و الخلف من جمهور الأمة على امتداد القرون ، كما نبه إلى ذلك الشيخ منصور علي ناصف في غاية المأمول على التاج الجامع للأصول في الجزء الخامس و في الصحيفة ثلاثمئة و احدى و ستين .

سابعاً : إن بحث السيد الشهيد (رض) هو مقدمة لموسوعة ضخمة تتناول بالبحث الروائي مسألة المهدي (ع) ألفها العلامة السيد محمد الصدر ، و السيد الشهيد (رض) عبّر عن أمله بالمؤلف و بأنه أوفى المسألة حقها و من جميع جوانبها ، و لذا فلا مبرر للبحث الروائي عنده .

--------------------------------------------------------------------------------
عملي في التحقيق
أولاً : اعتمدت في ضبط النص على عدة طبعات ، و هي و إن كانت متقاربة ، و لا يوجد بينها اختلاف مهم ، إلا أننا أفدنا من مجموعها في إخراج النص بصورة دقيقة ، و الطبعات هي :

1-طبعة مكتبة النجاح طهران ، نشرت سنة 1978 م ، و فيها مقدمة قيّمة للدكتور حامد حفني داود .

2-طبعة دار التعارف – بيروت / الطبعة الثالثة 1981 م ، و فيها إشارة إلى أن البحث هو مقدمة كتبها الشهيد الصدر (رض) لكتاب الحجة السيد الصدر الموسوم بـ(موسوعة الإمام المهدي) ، و التي أشار الشهيد الصدر في آخر البحث .

3-طبعة معاونية العلاقات الدولية في منظمة الإعلام الإسلامي / الطبعة الأولى – طهران 1986 م ، و فيها مقدمة قيّمة للعلامة الشيخ محمد علي التسخيري .

ثانياً : قمت بتخريج الآيات القرآنية من المصحف الشريف .

ثالثاُ : خرّجتُ الروايات من مظانها المعتبرة و من كتب الفريقين المعتمدة .

رابعاً : وثّقتُ الإحالات و الأقوال التي ذكرها الإمام الشهيد بالرجوع إلى مصادرها .

خامساً : كتبت تعليقات مناسبة في الهامش للإشارات و التنبيهات التي وردت في البحث .

سادساً : ذكرت بعض النكات المهمة حيثما اقتضى الأمر ذلك في الهامش .

سابعاً : أضفنا بعض العناوين و حصرناها بين معقوفين ( ) .

ثامناً : هناك بعض الهوامش للشهيد الصدر علّمنا عليها بعلامة ( الشهيد الصدر ) .

و لا يسعني في الختام إلا أن أحمد الله تهالى على ما وفقني إليه ، شاكراً لكل من أعانني على إنجاز هذا التحقيق و نشره ، مع خالص الدعاء بالتوفيق لمركز الغدير للدراسات الإسلامية لقيامه بنشر هذا الكتاب .

و الحمد لله أولاً و آخراً .

الدكتور / عبد الجبار شرارة

قم المقدسة 1416 هـ .

------------------------------------------------------------------------------
[36][1]  راجع الصحيفة 55 و ما بعدها من هذا الكتاب .
[37][2]  راجع الصحيفة 55 –56 من هذا الكتاب .
[38][3]  هذا التاريخ إشارة الفترة من ولادة الإمام المهدي عليه السلام إلى تاريخ كتابة البحث و إنجازه في سنة 1397 هـ .
[39][4]  راجع : الإرشاد / الشيخ المفيد : ص 319 و ما بعدها ، و أيضاً الصواعق المحرقة لابن حجر : ص 223 و 224 .
[40][5]  راجع : الصواعق المحرقة كما سيذكر في محله من الكتاب المحقق ص 94 .
[41][6]  أشرنا إلى طائفة منهم في الصحيفة 16 .
[42][7]  راجع الصحيفة 103_ 104 من هذا الكتاب .
[43][8]  راجع الصحائف 104- 111 من هذا الكتاب .
[44][9]  راجع بحث الشيخ عبدالمحسن العباد المنشور في مجلة الجامعة الإسلامية الصادرة بالمدينة المنورة / سنة 1969 م .
[45][10]  راجع البحث السابق للشيخ العباد ، و دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي 1: 205- 523 .
[46][11]  راجع : تأويل مختلف الحديث لابن قتيبة : ص 276 ، طبعه القاهرة 1326 هـ ، أضواء على السنة المحمدية / الشيخ محمود أبو رية ، دراسات في البخاري و الكافي / هاشم معروف الحسني .
[47][12]  راجع ما نقله الشيخ عبد المحسن العباد في بحثه المذكور سابقا ً . 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page