• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فلسفة الغيبة ,أضواء على غيبة الإمام عليه السلام

لعل أهم بحث ـ فيما أحسب ـ في هذا الكتاب يتطلع إليه القراء هو البحث عن الأسباب التى دعت إلى غيبة الإمام المنتظر عليه السلام عن العالم الاسلامى و عدم اشتراكه بأي عمل في الميادين الاجتماعية و السياسية و سائر القضايا المصيرية للمسلمين كما يهم القراء و الوقوف على الأسباب الطبيعية التي ادت إلى امتداد عمر الإمام عليه السلام إلى قرون و احقاب من الزمن تزيد في وقتنا على أكثر من الف، و مائة عام،و لم يخضع لظاهرة الشيخوخة و الهرم لدى الانسان التي تسبب تصلب الأنسجة و الخلايا الجسمية،و ما يتسرب إلى الجسم من التسمم، و الميكروبات التي تؤدى إلى فقدان الحياة،و تلاشى الجسم...هذه بعض الأمور التي نلقي الأضواء عليها،و نبحثها بصورة موضوعية و شاملة كما نبحث عما يرتبط،و يتصل بهذه البحوث،و فيما يلى ذلك:
أسباب الغيبة:
أما غيبة الإمام المنتظر عليه السلام فكانت ضرورية،و ملزمة،لا غنى للإمام عنها،و نعرض لبعض الأسباب التي حتمت غيابة:
الخوف عليه من العباسيين:
لقد أمعن العباسيون منذ حكمهم،و توليهم لزمام السلطة فى ظلم العلويين و إرهاقهم،فصبوا عليهم وابلا من العذاب الأليم،و قتلوهم تحت كل حجر و مدر و لنستمع إلى الشعراء و المؤرخين،فهم يحدثونا ببعض ما عاناه السادة من العلويين من الجور و الاضطهاد،يقول أبو عطاء،أفلح بن يسار السندى بحصرة ولوعة على أسياده العلويين:
يا ليت جور بني مروان عاد لن
يا ليت عدل بني العباس في النار
و يقول الشاعر المظلومين و المضطهدين دعبل الخزاعي:
و ليس حي من الأحياء نعلمه
من ذي يمان و من بكر و من مضر
الا و هم شركاء في دمائهم
كما تشارك أيسار على جزر
قتل و اسر و تحريق و منهبة
فعل الغزاة بارض الروم و الخزر
أرى أمية معذورين اذ قتلوا
و لا أرى لبنى العباس من عذر
و يقول يعقوب بن السكيت العالم اللغوى (1) فى المتوكل العباسي حينما هدم قبر ريحانة رسول الله صلى الله عليه و آله و نكل بزائريه و شيعته،يقول:
تالله إن كانت أمية قد اتت
قتل ابن بنت نبيها مظلوما
فلقد اتاه بنو أبيه بمثله
هذا لعمرك قبره مهدوما
اسفوا على أن لا يكونوا شاركوا
فى قتله فتتبعوه رميما
و يصف الأمير أبو فراس الحمداني في رائعته الخالدة ما حل بأهل البيت عليهم السلام من صنوف التنكيل و التعذيب،و ما عانوه من الكوارث و الخطوب من بني العباس،يقول بألم و حزن :
اني أبيت قليل النوم ارقني
قلب تصارع فيه الهم و الهمم
يا للرجال اما لله منتصر
من الطغاة اما للدين منتقم
بنو علي رعايا فى ديارهم
و الأمر تملكه النسوان و الخدم
محلئون فأضحى شربهم وشل
عند الورود و أوفى ودهم لمم
و يستمر في رائعته المشحونة بالعطف و الولاء على آل البيت،ثم يخاطب بني العباس، فيهجوهم، يقول:
لا يطغين بني العباس ملكهم
بنو علي مواليهم و إن زعموا
ا تفخرون عليهم لا أبا لكم
حتى كأن رسول الله جدكم
و ما توازن فيما بينكم شرف
و لا تساوت بكم فى موطن قدم
و لا لكم مثلهم في المجد متصل
و لا لجدكم معشار جدهم
و لا لعرقكم من عرقهم شبه
و لا نفيلتكم من امهم امم (2)
و يستطرد أبو فراس في هجائه لبني العباس،و يصف غدرهم بآل البيت ذلك الغدر الذي هو دون ما لا قوه من بني أمية،يقول:
هلا كففتم عن الديباج سوطكم
و عن بنات رسول الله شتمكم
ما نزحت لرسول الله مهجته
عن السياط فهلا نزه الحرم
ما نال منهم بنو حرب و ان عظمت
تلك الجرائر إلا دون نيلكم
كم غدرة لكم فى الدين واضحة
و كم دم لرسول الله عندكم
أ أنتم آله فيما ترون و في
أظفاركم من بنيه الطاهرين دم
ما جاهدا في مساويهم يكتمها
غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم
ليس الرشيد كموسى فى القياس و لا
مأمونكم كالرضا ان أنصف الحكم
باءوا بقتل الرضا من بعد بيعته
و أبصروا بعض يوم رشدهم و عموا
ان رائعة الحمداني من مناجم الادب العربى و هي تاريخ حاف بما عاناه السادة من اهل البيت عليهم السلام دعاة العدل الاجتماعى في الاسلام من صنوف الجور من طغاة بني العباس الذين ناهضوا كل دعوة اصلاحية و ارغموا المسلمين على ما يكرهون.
و يصف ابن الرومي في قصيدته العضماء التي رثى بها الشهيد الخالد يحيى العلوي ما عاناه السادة العلويون من الظلم و الجور فى عهد طغاة بني العباس يقول:
أمامك فانظر اي نهجيك تنهج
طريقان شتى مستقيم و اعوج
الا اى هذا الناس طال ضريركم
بأن رسول الله فاخشوا او ارتجوا
أكل اوان للنبي محمد
قتيل زكي بالدماء مضرج
تبيعون فيه الدين شر أئمة
فلله دين الله قد كاد يمرج (3)
بني المصطفى كم يأكل الناس شلوكم
لبلواكم عما قليل مفرج
أما فيهم راع لحق نبيه
و لا خائف من ربه يتحرج
لقد عمهوا ما انزل الله فيكم
كان كتاب الله فيهم ممجج (4)
ان ملوك بني العباس لم يرعوا أية حرمة لرسول الله صلى الله عليه و آله في عترته و بنيه،فصبوا عليهم صنوفا مرهقة و مريرة من الظلم و الاعتداء ما لم يشاهد نظيره فى قسوته و فضاعته في جميع فترات التاريخ.
و يستمر ابن الرومي في رائعته فى تقريع الجناة الذين ظلموا السادة العلويين و يخص بني العباس بالذكر،فيقول:
اجنوا بني العباس من شنآنكم
و شدوا على ما في العياب و اشرجوا (5)
و خلوا ولاة السوء منكم و غيهم
فأحر بهم ان يغرقوا حيث لججوا
غررتم إذا صدقتم ان حالة
تدوم لكم و الدهر لونان اخرج (6)
لعل لهم في منطوى الغيب ثائرا
سيسمو لكم و الصبح فى الليل مولج (7)
و طلب ابن الرومى فى هذه الأبيات من بني العباس ان يكفوا من احقادهم و شنآنهم على آل النبي صلى الله عليه و آله و سلم و ان يقصوا ولاة السوء و الجور من حكامهم الذين جهدوا فى ظلم السادة العلويين و انزلوا العقاب الصارم بشيعتهم،كما حذرهم ابن الرومى من مغبة الدهر و تقلباته،و انهم على خطأ كبير ان ظنوا ان الحكم و السلطان يدوم لهم،و ان العلويين يبقون تحت ظلمهم و جورهم،فلعل الزمان يجود بإمام منهم فينتقم من العباسيين و غيرهم من الظالمين لآل البيت عليهم السلام و أكبر الظن انه عنى قائم آل محمد صلوات الله عليه هذا بعض ما صوره الشعراء من المآسي التي عاناها السادة العلويون من طغاة بني العباس،التي صبها العباسيون على العلويين.
رسالة الخورازمي إلى أهالى نيسابور (8)
و هذه الرسالة التي بعثها أبو بكر الخوازمي إلى أهالى(نيسابور)فريدة في بابها فقد حكت بأمانة و صدق ما جرى على آل بيت النبوة و معدن العلم و الحكمة من الظلم و التنكيل بعد وفاة النبي صلى الله عليه و آله و سلم من قبل الأمويين و العباسيين و غيرهم،و نحن ننقلها بنصها لأنها صورت مآسى العلويين بدقة و شمول،قال:
«سمعتم أرشد الله سعيكم،و جمع على التقوى امركم،ما تكلم به السلطان الذي لا يتحامل الا على العدل،و لا يميل الا على جانب الفضل،و لا يبالى ان يمزق دينه إذا رقا دنياه و لا يفكر في أن يقدم رضا الله اذا وجد رضاه و انتم و نحن اصلحنا الله و اياكم عصابة لم يرض الله لنا الدنيا،فذخرنا للدار الآخرة و رغب بنا عن ثواب العاجل،فأعد لنا ثواب الآجل،و قسمنا قسمين:قسم مات شهيدا و قسم عاش شريدا،فالحى يحسد الميت على ما صار إليه و لا يرغب بنفسه عما جرى إليه قال أمير المؤمنين و يعسوب الدين عليه السلام:«المحن إلى شيعتنا أسرع من الماء الى الحدود»و هذه مقالة اسست على المحن و ولد أهلها فى طالع الهزاهز و الفتن،فحياة أهلها نغص،و قلوبهم حشوها غصص و الأيام عليهم متحاملة،و الدنيا عنهم مائلة فإذا كنا شيعة ائمتنا في الفرائض و السنن و متبعى آثارهم في كل قبيح و حسن،فينبغى أن تبع آثارهم فى المحن».
و حكى هذا المقطع ما تعانيه شيعة آل البيت من صنوف الاضطهاد و الارهاق من حكام الجور و ان الله تعالى ادخر ما يجرى عليهم من المحن و البلوى فى الدار الآخرة التي اعدت جنانها لأولياء الله تعالى،فيعوضهم اضعاف ما عانوه،في سبيل محبتهم لأهل بيت نبيهم...و الذي يظهر من هذه الكلمات ان أهالى(نيسابور)قد تعرضوا لأشد المحن و الخطوب لولائهم و محبتهم لأهل البيت عليهم الاسلام فساق لهم ابو بكر هذه الرسالة تعزية و سلوى لهم...و يستمر ابو بكر في رسالته،فيقول:
«غصبت سيدتنا فاطمة صلوات الله عليها و على آلها ميراث أبيها صلوات الله عليه و على آله يوم السقيفة،و أخر أمير المؤمنين عن الخلافة و سم الحسن رضى الله عنه سرا،و قتل أخوه كرم الله وجهه جهرا و صلب زيد بن على بالكناسة و قطع رأس زيد بن على في المعركة (9) و قتل ابناه محمد و إبراهيم على يد عيسى بن موسى العباسي و مات موسى بن جعفر في حبس هارون،و سم علي بن موسى بيد المأمون،و هزم ادريس ب(فخ)حتى وقع إلى(الأندلس)فريدا،و مات عيسى بن زيد طريدا شريدا و قتل يحيى بن عبدالله بعد الأمان و الإيمان و بعد تأكيد العهود و الضمان...»
عرض الخوارزمي في هذه الكلمات المآسي التي حلت بأهل البيت و كان من أفجعها ما جرى على سيدة نساء العالمين،حبيبة رسول الله صلى الله عله و آله و بضعته فاطمة الزهراء صلوات الله عليها من المحن و الخطوب فقد منعت عن مواريثها،في يوم السقيفة ذلك اليوم الخالد في دنيا الأحزان فجميع ما عانته العترة الطاهرة من صنوف الاعتداء و الظلم كان من نتائج ذلك اليوم،فقد أخر الإمام أمير المؤمنين عليه السلام عن مركزه الذي اقامه النبي صلى الله عليه و آله و سلم فيه في يوم غدير خم،و توالت الأحداث الرهيبة على أبناء الرسول صلى الله عليه وآله فقد سم معاوية بن هند سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسن عليه السلام و قتل يزيد بن معاوية ريحانة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم الإمام الحسين و أباد العترة الطاهرة على صعيد(كربلاء)بصورة لم يشهد التاريخ لها مثيلا في فضاعتها،و مرارتها
و من المآسى التي حلت بأهل البيت قتل الشهيد الخالد زيد بن على عليه السلام فقد قتله الأمويون و صلبوه على جذع النخل،و استمر مصلوبا حفنة من السنين و هو يضى للمسلمين طريق الحرية و الكرامة و يدعوهم إلى النضال من أجل تحريرهم من الذل و العبودية،و مما عاناه سيد أهل البيت في عصره الإمام الأعظم موسى بن جعفر عليه السلام رائد العدالة الاجتماعية في عصره فقد صب عليه الطاغية هارون الرشيد جام غضبه،و أودعه فى ظلمات السجون حتى توفي عليه السلام مسموما شهيدا و عانى من بعده ولده الإمام الرضا عليه السلام من طاغية زمانه المأمون العباسي فقد أجبره على ولاية العهد ثم اغتاله بالسم بعد ذلك إلى غير ذلك من المآسى التي جرت على السادة الأطهار دعاة العدل و الكرامة في دنيا الاسلام.
و يستمر الخوارزمي في ذكر بعض ما جرى على العلويين من الظلم فيقول:
«هذا غير ما فعل يعقوب بن الليث بعلوية(طبرستان)و غير قتل محمد بن زيد،و الحسن بن القاسم الداعى على أيدي آل ساسان و غير ما صنعه أبو الساج في علوية المدينة،حملهم بلا غطاء و لا وطاء من الحجاز إلى(سامراء)،و هذا بعد قتل قتيبة بن مسلم الباهلى لابن عمر بن علي حين اخذه بابويه،و قد ستر نفسه،و وارى شخصيه يصانع حياته و يدافع وفاته،و لا كما فعله الحسين بن إسماعيل المصعبي بيحيى بن عمر الزيدي خاصة،و ما فعله مزاحم بن خاقان بعلوية (الكوفة)كافة،و بحسبكم انه ليس في بيضة الاسلام بلدة إلا و فيها قتيل طالبي تربه،تشارك فى قتلهم الأموي و العباسي و أطبق عليهم العدناني و القحطاني.
فليس حي من الأحياء نعرفه
من ذي يمان و من بكر و من مضر
الا و هم شركاء في دمائهم
كما تشارك أيسار على جزر
و حكت هذه الكلمات ما لاقاه السادة العلويون و شيعتهم من صنوف القتل و التنكيل من العاسيين،فقد أوعزوا إلى أجهزة أمنهم و مباحثهم بمطاردة العلويين و إنزال أقصى العقوبات الصارمة بهم،و قد ذكر الخوارزمى كوكبة من السادة العلويين الذين نالوا شرف الشهادة على أيدى العباسيين ...
و يستمر الخوارزمي في ذكر النكبات التي جرت على العلويين،فيقول:«قادتهم الحمية إلى المنية،و كرهوا عيش الذلة فماتوا موت العزة و وثقوا بما لهم في الدار الباقية فسخت نفوسهم من هذه الفانية ثم لم يشربوا كأسا من الموت الا شربها شيعتهم و أولياؤهم و لا قاسوا لونا من الشدائد الا قاسه أنصارهم و أتباعهم...»
و عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى عزة العلويين و كرامتهم،فقد أبوا أن يعيشوا أذلاء خاضعين لجور العباسيين و ظلمهم،فرفعوا راية الثورة عليهم ليموتوا أحرارا سعداء،و قد تجرعوا في سبيل حريتهم أشد الوان العذاب و التنكيل،و مثل ما جرى عليهم من الظلم جرى على شيعتهم الذين تمردوا على الظلم و الطغيان،و يمضي الخوارزمي في ذكر ما عاناه العلويون و شيعتهم من الاضطهاد،فيقول:«داس عثمان بن عفان بطن عمار بن ياسر ب(المدينة)،و نفى أبا ذر الغفاري و أشخص عامر بن عبد القيس التميمي و ضرب الأشتر النخعي و عدي بن حاتم الطائي و سير عمر بن زرارة إلى(الشام)و نفى كميل بن زياد إلى(العراق)،و جفا أبي ابن كعب،و عادى محمد بن حذيفة،و ناواه،و عمل في دم ابن سالم ما عمل،و فعل مع كعب ذي الحطبة ما فعل. ..»
عرض الخوارزمي في هذه الكلمات إلى ما اقترفه عثمان بن عفان عميد الأسرة الأموية من التنكيل و الاضطهاد في خيار الصحابة،أمثال الصحابي العظيم عمار بن ياسر،و الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري،و أمثالهما من المعارضين لسياسته التي خلقت الرأسمالية،و ميزت الأمويين و آل أبي معيط على غيرهم،فقد منحهم عثمان الثراء العريض،و حملهم على رقاب المسلمين الأمر الذي أدى إلى إجماع المسلمين على قتله.
و يستمر الخوارزمي في ذكر المآسي التي عاناها أهل البيت و شيعتهم،فيقول:
«و اتبعه في سيرتهـأي سيرة عثمانـبنو أمية،يقتلون من حاربهم،و يغدرون بمن سالمهم،لا يحفلون لمهاجري و لا يصونون الأنصاري و لا يخافون الله،و لا يحتشمون الناس،قد اتخذوا عباد الله خولا،و مال الله دولا،يهدمون الكعبة،و يستعبدون الصحابة،و يعطلون الصلاة الموقوتة،و يختمون أعناق الأحرار،و يسيرون في حرم المسلمين سيرتهم في حرم الكفار و إذا فسق الأموى فلم يأت بالضلالة عن كلالة...»
و حكى هذا المقطع الجرائم و الموبقات التي اقترفها بنو أمية،فقد ساسوا الناس سياسة لم يألفوها،فحكموا بالظلم و الجور،و احتقروا المصلحين،و ارغموا الناس على ما يكرهون،إلى غير ذلك من مساوئهم.
و يأخذ الخوارزمي في ذكر ما عاناه أتباع العلويين من الظلم و الاعتداء من حكام الأمويين،فيقول :
«قتل معاوية حجر بن عدي الكندي و عمرو بن الحمق الخزاعي بعد الإيمان المؤكدة و المواثيق المغلظة و قتل زياد بن سمية الألوف من شيعة(الكوفة)،و شيعة(البصرة)صبرا و أوسعهم حبسا و اسرا حتى قبض الله معاوية على اسوأ اعماله،وء ختم عمره بشر احواله،فأتبعه ابنه يجهز على جرحاه،و يقتل أبناء قتلاه إلى أن قتل هاني بن عروة المرادي و مسلم بن عقيل الهاشمي أولا و عقب بالحارث بن زياد الرياحي و بأبي موسى عمرو ابن قرضة الأنصارى و حبيب بن مظهر الأسدى وسعيد بن عبدالله الحنفي و نافع بن هلال الجملي و حنظلة بن أسعد الشامى و عابس بن أبي شبيب الشاكري في نيف و سبعين من جماعة شيعته و أمر بالحسين عليه السلام يوم(كربلاء)ثانيا،ثم سلط عليهم الدعي ابن الدعي عبيد الله بن زياد يصلبهم على جذوع النخل،و يقتلهم الوان القتل حتى اجتث الله دابره ثقيل الظهر بدمائهم التي سفك عظيم التبعة بحريمهم الذي انتهك فانتبهت لنصرة أهل البيت طائفة أراد الله ان يخرجهم من عهدة ما صنعوا و يغسل عنهم و ضر ما اجترحوا،فصمدوا ضد الفئة الباغية،و طلبوا بدم الشهيد الدعي ابن الدعي،لا يزيدهم قلة عددهم،و انقطاع مددهم،و كثرة سواد أهل(الكوفة)بازائهم إلا اقداما على القتل و القتال،و سخاء بالنفوس و الأموال حتى قتل سليمان بن صرد الخزاعي و المسيب بن نجية الفزاري،و عبيدالله بن وال التميمي في رجال من خيار المؤمنين،و علية التابعين و مصابيح الأنام و فرسان الاسلام ...»
عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى ما عانته الشيعة في عهد معاوية بن أبي سفيان من صنوف القتل و التنكيل،فقد سلط عليهم زياد بن أبيه فأمعن في قتلهم و مطاردتهم،و ظلمهم،فلما انتهى دور معاوية اعقبه ولده يزيد،فاقترف من الجرائم ما سود به وجه التاريخ فقد أباد عترة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في وحشية قاسية ليس لها مثيل في فظاعتها و مرارتها،و قد انتهكت بذلك حرمة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم في أبنائه و ذريته و لم يكتف ابن مرجانة بما اقترفه مع سيد شباب أهل الجنة و انما عمد إلى خيار الشيعة كميثم التمار،فصلبه على جذع النخل،و قد انتفضت كوكبة من خيار الشيعة بعد هلاك الطاغية يزيد فطالبوا بدم الإمام الحسين عليه السلام و هم التوابون و استشهد منهم أعلامهم أمثال سليمان بن صرد الخزاعي،و المسيب بن نجية الفزاري و عبد الله بن وال التميمي و غيرهم من مصابيح الإسلام.
و يستمر الخوارزمي في عرض المآسي التي جرت على السادة العلويين فيقول:«ثم تسلط ابن الزبير على(الحجاز)و(العراق)فقتل المختار بعد ان شفى الأوتار و أدرك الثار،و افنى الأشرار،و طلب بدم المظلوم الغريب،فقتل قاتله،و نفى خاذله و أتبعوه أبا عمر بن كيسان،و أحمر بن شميط،و رفاعة بن يزيد،و السائب بن مالك و عبدالله بن كامل،و تلقطوا بقايا الشيعة يمثلون بهم كل مثلة،و يقتلونهم شر قتلة،حتى طهر الله من عبد الله بن الزبير البلاد و أراح من أخيه مصعب العباد،فقتلهما عبد الملك بن مروان،«كذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانو يكسبون»بعد ما حبس ابن الزبير محمد بن الحنفية،و أراد إحراقه،و نفى عبد الله بن العباس،و اكثر إهراقه...»
و حكت هذه الكلمات ثورة القائد الملهم العظيم المختار بن يوسف الثقفي الذي طهر الأرض من أرجاس الخونة المجرمين،قتلة سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام فقد طاردهم،و قتلهم تحت كل حجر و مدر،و قد بليت الأمة بعبد الله بن الزبير و أخيه مصعب،فقد استوليا على(الحجاز)و(العراق)،و أبادا بصورة جماعية شيعة أهل البيت عليهم السلام و في طليعتهم حاكم(العراق)المختار و جماعته من عيون المؤمنين و الصالحين،و لكن لم يستقم الأمر لمصعب و أخيه فقد قتلهما الطاغية عبد المطلب بن مروان،فأراح الله البلاد و العباد منهما.و يلقى الخوارزمي نظرة على شيعة أهل البيت في أيام عبد الملك بن مروان و غيره من ملوك الأمويين،فيقول:
«فلما خلت البلاد لآل مروان سلطوا الحجاج على الحجازيين ثم على العراقيين،فتلعب بالهاشميين،و أخاف الفاطميين،و قتل شيعة علي و محا آثار بيت النبوة و جرى منه ما جرى على كميل بن زياد النخعي و اتصل البلاء مدة ملك المروانية إلى الأيام العباسية،حتى إذا أراد الله أن يختم مدتهم بأكثر آثامهم،و يجعل أعظم ذنوبهم في آخر أيامهم بعث على بقية الحق المهمل،و الدين المعطل زيد بن علي فخذله منافقو أهل(العراق)و قتله أحزاب أهل(الشام)و قتل معه من شيعته نصر بن خزيمة الأسدي،و معاوية بن إسحاق الأنصارى و جماعة ممن شايعه،و تابعه و حتى من زوجه و أدناه و حتى ما كلمه و ما شاه...»
عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى حكم المروانيين،و تسلطهم على رقاب المسلمين،فكان من جرائمهم و مخازيهم أن سلطوا الإرهابي المجرم الحجاج بن يوسف الثقفي على رقاب المسلمين فأمعن في قتل الأخيار و المصلحين،و تتبع شيعة العلويين فأبادهم،و محا آثار أهل البيت،و قد ضاق الأمر بالشيعة حتى قام الشهيد الخالد زيد بن علي ففجر ثورته الكبرى التي اعلن فيها حقوق الإنسان،و تحرير إرادة المسلم،و من المؤسف أن أهل(الكوفة)خانوا به و خذلوه حتى استشهد سلام الله عليه،فتتبع الأمويون شيعته و مناصريه فأبادوهم إبادة شاملة و يعرض الخورازمي بعد ذلك إلى زوال حكم الأمويين و تشكيل الدولة العباسية و ما عاناه الشيعة و العلويون من صنوف الإرهاق،فيقول:
«فلما انتهكوا ذلك الحريم،و اقترفوا ذلك الإثم العظيم غضب الله عليهم،و انتزع الملك منهم،فبعث عليهم ابا مجرمـلا أبا مسلمـفنظر لا نظر الله اليه الى صلابة العلوية،و إلى لين العباسية،فترك تقاه،و اتبع هواه،و باع آخرته بدنياه و افتتح عمله بقتل عبدالله بن معاوية بن عبدالله بن جعفر بن أبي طالب،و سلط طواغيت(خراسان)و خوراج(سجستان)و اكراد(اصفهان)على آل أبي طالب يقتلهم تحت كل حجر و مدر،و يطلبهم في كل سهل و جبل،حتى سلط عليه أحب الناس إليه فقتله كما قتل الناس في طاعته و أخذه بما أخذ الناس في بيعته،و لم ينفعه أن أسخط الله برضاه،و أن ركب ما لا يهواه،و حلت من الدوانيقي الدنيا،فخبط فيها عسفا،و تقضى فيها جورا و حيفا،إلى أن مات،و قد امتلات سجونه باهل بيت الرسالة،و معدن الطيب و الطهارة،قد تتبع غائبهم،و تلقط حاضرهم،حتى قتل عبدالله ابن محمد بن عبدالله الحسني(بالسند)على يد عمر بن هشام التغليبي،فما ظنك بمن قرب متناوله عليه،و لان مسه على يديه؟و هذا قليل فى جنب ما قتله هارون منهم،و فعله موسى قبله بهم،فقد عرفتم ما توجه على الحسين بن علي ب(فخ)من موسى،و ما اتفق على علي بن الأفطس الحسيني من هارون،و ما جرى على أحمد بن علي الزيدي و علي القاسم بن علي الحسني من حبسه و على ابن غسان حاضر الخزاعي حين أخذ من قبله،و الجملة أن هارون مات و قد حصد شجرة النبوة،و اقتلع غرس الإمامة و أنتم أصلحكم الله أعظم نصيبا في الدين من الأعمش فقد شتموه و من شريك فقد عزلوه،و من هشام بن الحكم فقد أخافوه،و من علي بن يقطين فقد اتهموه...»
و حكى هذا المقطع المآسي و النكبات التي جرت على السادة العلويين و على شيعتهم في عهد العباسيين فقد أسرفوا في ظلمهم و أمعنوا في قتلهم،و فعلوا بهم ما لم تفعلهم بهم عتاة بني أمية،و قد ذكر الخوارزمي قائمة بأسماء السادة العلويين الذين قتلهم أبو مسلم الخراساني الذي انتقم الله منه فقد أذاقه المنصور الكأس التي سقى به مئات الآلاف من المسلمين،و خصوصا السادة العلويين،و أعظم ما جرى على العلويين في عهد المنصور الدوانيقي فقد أسرف هذا الطاغية في قتلهم فقد انمحت من نفسه جميع افانين المروة و الشرف،و لم يرع أي حق لرسول الله صلى الله عليه في ذريته و بنيه،فقد طاردهم و تتبعهم تحت كل حجر و مدر فمن عثر عليه قتله أو أودعه في ظلمات السجون،و لما هلك هذا الطاغية كانت زنزانة سجونه مليئة بالأبرياء من السادة و شيعتهم و استمر الظلم على العلويين من أبناء المنصور و أحفاده،و كان من أقسى ما لاقوه و عانوه في عهد الطاغية هارون،فقد أباد أبناء النبي صلى الله عليه و آله و سلم قتلا و تنكيلا و اعتدى على سيد العترة في عصره الإمام الأعظم موسى بن جعفر عليه السلام فأودعه حفنة من السنين في سجونه،ثم اغتاله بالسم،و يستمر الخوارزمي في ذكر ما جرى على العلويين و شيعتهم من الظلم،فيقول:
«فاما في الصدر الأول فقد قتل زيد بن صوحان العبدي،و عوقب عثمان بن حنيف الأنصاري،و خفي حارثة بن قدامة السعدي،و جندب بن زهير الأزدي و شريح بن هاني‏ء المرادي،و مالك بن كعب الأرجي،و معقل بن قيس الرياحي،و الحارث الأعور الهمداني،و أبو الطفيل الكناني،و ما فيهم إلا من خر على وجهه قتيلا أو عاش في بيته ذليلا،يسمع شتمة الوصي فلا ينكر،و يرى قتلة الأوصياء و أولادهم فلا يغير،و لا يخفى عليكم حرج عامتهم و حيرتهم كجابر الجعفي،و كرشيد الهجري،و كزرارة بن أعين و كفلان و أبي فلان ليس إلا أنهم رحمهم الله كانوا يتولون أولياء الله،و يتبرأون من أعدائه،و كفى به جرما عظيما عندهم و عيبا كبيرا بينهم...»
و حكت هذه الكلمات ما عاناه أعلام الشيعة من صنوف القتل و الاضطهاد في أيام الحكم الأموي الأسود،و ذلك لولائهم لأهل البيت عليهم السلام الذين فرض الله مودتهم على جميع المسلمين ...و يعرج الخوارزمي بعد ذلك إلى ما جرى على الشيعة من الخطوب و الظلم أيام الحكم العباسي الذي هو أشد قسوة من الحكم الأموي،فيقول:
«و قل في بني العباس فإنك ستجد بحمد الله تعالى مقالا،وجل في عجائبهم فإنك ترى ما شئت مجالا.
يجي‏ء فيئهم فيفرق على الديلمي و التركي و يحمل إلى المغربي و الفرغابي و يموت إمام من أئمة الهدى،و سيد من سادات بني المصطفى،فلا تتبع جنازته،و لا تجصص مقبرته،و يموت (ضراط)لهم أو لاعب أو مسخرة أو ضارب،فتحضر جنازته العدول و القضاة،و يعبر مسجد التعزية عنه القواد و الولاة،و يسلم فيهم من يعرفونه دهريا أو سوفسطائيا و لا يتعرضون لمن يدرس كتابا فلسفيا و مانويا،و يقتلون من عرفوه شيعيا،و يسفكون دم من سمى ابنه(عليا)،و لو لم يقتل من شيعة أهل البيت غير المعلى بن خنيس قتيل داود ابن علي،و لو لم يحبس فيهم غير أبي تراب المروزي لكان ذلك جرحا لا يبرأ و ثائرة لا تطفأ،و صدعا لا يلتئم،و جرحا لا يلتحم،و كفاهم أن شعراء قريش قالوا:في الجاهلية أشعارا يهجون بها أمير المؤمنين عليه السلام،و يعارضون فيها أشعار المسلمين فحملت أشعارهم و دونت أخبارهم ورواها الرواة مثل الواقدي و وهب بن منبه التميمي و مثل الكلبي و الشرقي بن القطامي،و الهيثم ابن عدي،و داب بن الكناني.
و إن بعض شعراء الشيعة يتكلم في ذكر مناقب الوصي و في ذكر معجزات النبي صلى الله عليه و آله فيقطع لسانه،و يمزق ديوانه كما فعل بعبد الله بن عمار البرقي و كما أريد بالكميت بن زيد الأسدي و كما نبش قبر منصور بن الزبرقان النمري،و كما دمر على دعبل بن علي الخزاعي،مع رفقتهم من مروان بن أبي حفصة اليمامي،و من علي بن الجهم الشامي ليس إلا لغلوهما في النصب و استيجابها مقت الرب،حتى أن هارون بن الخيزران و جعفر المتوكل على الشيطانـلا على الرحمنـكانا لا يعطيان مالا،و لا يبذلان نوالا إلا لمن شتم آل أبي طالب،و نصر مذهب النواصب مثل عبد الله بن مصعب الزبيري،و وهب بن وهب البختري،و من الشعراء مثل مروان بن أبي حفصة الأموي و من الأدباء مثل عبد الملك بن قريب الأصمعي،فأما في أيام جعفر فمثل بكار بن عبد الله الزبيري،و أبي السمط بن أبي الجون الأموي و ابن أبي الشوارب العبشمي...»
عرض الخوارزمي في هذا المقطع إلى المحن الشاقة و العسيرة التي واجهتها شيعة أهل البيت في عهد الحكم العباسي الذي أمعن في إرهاقهم و اضطهادهم،و ذكر الخوارزمي كوكبة من أعلام الشيعة الذين أعدموا و سجنوا لا لذنب اقترفوه و إنما لولائهم لعترة نبيهم صلى الله عليه و آله،كما ذكر الخوارزمي بعض الاجراءات الظالمة التي عملتها للقضاء على ذكر أهل البيت و التي منها أن من يمدحهم و يذكر مآثرهم و مناقبهم يتعرض للقتل و السجن،و من يهجوهم و يشتمهم تكرمه السلطة و تغدق عليه بالمال و الثراء العريض،و من بنود هذه الوثيقة التي كشفت الغطاء عن المآسي الفظيعة التي عاناها العلويون و شيعتهم،قوله:
«و نحن أرشدكم الله قد تمسكنا بالعروة الوثقى،و آثرنا الدين على الدنيا،و ليس يزيدنا بصيرة زيادة من زاد فينا،و لن يحل لنا عقدة نقصان من نقص منا،فإن الإسلام بدأ غريبا،و سيعود كما بدأ،كلمة من الله و وصية من رسول الله صلى الله عليه و يورثها من يشاء من عباده،و العاقبة للمتقين،و مع اليوم غد،و مع السبت أحد،قال عمار بن ياسر رضى الله عنه يوم(صفين):لو ضربونا حتى نبلغ سعفات(هجر)لعلمنا أنا على الحق،و أنهم على الباطل،و لقد هرم رسول الله صلى الله عليه و آله،ثم هزم،و لقد تأخر أمر الإسلام ثم تقدم(الم أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون)و لو لا محنة المؤمنين و قلتهم و دولة الكافرين و كثرتهم لما امتلأت جهنم حتى تقول:هل من مزيد و لما قال الله تعالى:(و لكن أكثرهم لا يعلمون)و لما تبين الجزوع من الصبور،و لا عرف الشكور من الكفور،و لما استحق المطيع الأجر و لا احتقب العاصي الوزر،فإن أصابتنا نكبة فذلك ما قد تعودناه،و إن رجعت لنا دولة فذلك ما قد انتظرناه،و عندنا بحمد الله تعالى لكم حالة آلة،و لكل مقام مقالة،فعند المحن الصبر،و عند النعم الشكر،و لقد شتم أمير المؤمنين عليه السلام على المنابر ألف شهر،فما شككنا في وصيته،و كذب محمد صلى الله عليه و آله بضع عشرة سنة،فما اتهمناه في نبوته،و عاش إبليس مدة تزيد على المدد،فلم نرقب في لعنته،و ابتلينا بفترة الحق،و نحن مستيقنون بدولته،و دفعنا إلى قتل الإمام بعد الإمام و الرضا بعد الرضا،و لا مرية عندنا فى صحة إمامته،و كان وعد الله مفعولا،و كان أمر الله قدرا مقدورا،كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون،و سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون،و لتعلمن نبأه بعد حين...»
و حكت هذه الكلمات صمود الشيعة،و عدم اكتراثها بالضربات القاسية و الموجعة التي تلقتها من الإرهابيين و المجرمين من أعداء أهل البيت،فلم تنثن عن ولائها للإمام أمير المؤمنين و أبنائه الأئمة الطاهرين،دعاة العدل الاجتماعي في الإسلام،و قد أثبتت الشيعة في مواقفها الصلبة أيام الحكم الأموي و الحكم العباسي أنها من أصلب المدافعين عن الإسلام،و المناهضين للجور و الطغيان، فقد رفعت راية الإسلام عالية خفاقة،و لم تحفل بالكوارث و الخطوب التي صبها عليهم أولئك اللصوص من حكام الأمويين و العباسيين...و يستمر الخوارزمي في رسالته،فيقول :
«اعلموا رحمكم الله أن بني أمية الشجرة الملعونة في القرآن،و أتباع الطاغوت و الشيطان،جهدوا في دفن محاسن الوصي،و استأجروا من كذب في الأحاديث على النبي صلى الله عليه و آله،و حولوا الجوار الى بيت المقدس عن المدينة،و الخلافةـ زعموا ـإلى(دمشق)عن(الكوفة)،و بذلوا في طمس هذا الأمر الأموال و قلدوا عليه الأعمال،و اصطنعوا فيه الرجال،فما قدروا على دفن حديث من أحاديث رسول الله صلى الله عليه و آله،و لا على تحريف آية من كتاب الله،و لا على دس أحد من أعداء الله في اولياء الله،و لقد كان ينادي على رؤوسهم بفضائل العترة،و يبكت بعضهم بعضا بالدليل و الحجة،لا تنفع في ذلك هيبتهـ أي هيبة السلطانـ و لا يمنع منه رغبة،و لا رهبة،و الحق عزيز،و إن استذل أهله،و كثير و إن قل حزبه،و الباطل ذليل،و إن رصع بالشبهة،و قبيح،و إن غطي وجهه بكل مليح،قال عبد الرحمن بن الحكم و هو من أنفس بني أمية:
سمية أمسى نسلها عدد الحصى
و بنت رسول الله ليس لها نسل
و قال غيره:
لعن الله من يسب عليا
و حسينا من سوقة و إمام
و قال أبو دهبل الجمحي في سمة سلطان بني أمية و ولاية آل بني سفيان:
تبيت السكارى من أمية نوما
و بالطف قتلى ما ينام حميمها
و قال سليمان بن قتة:
و إن قتيل الطف من آل هاشم
أذل رقاب المسلمين فذلت
و قال الكميت بن زيد:و هو جار خالد بن عبدالله القسري:
فقل لبني أمية حيث حلوا
و إن خفت المهند و القطيعا
أجاع الله من أشبعتموه
و أشبع من بحوركم أجيعا
عرض الخوارزمي في هذه المقطع إلى ما بذله الأمويون من جهود جبارة
لطمس فضائل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقد سخروا جميع امكانياتهم الاقتصادية و السياسية و الإعلامية لمحو ذكر العترة الطاهرة،و ستر مناقبهم و مآثرهم،فلم يفلحوا،فقد برزت فضائلهم كأسمى صورة عرفتها الإنسانية في جميع مراحل تاريخها،كما ظهرت للعيان صور اللصوص و قطاع الطرق من اعدائهم الذين نهبوا أموال المسلمين،و أنفقوها على شهواتهم و رغباتهم،و أرغموا المسلمين على ما يكرهون ... و يقول الخوارزمي في رسالته «ما هذا بأعجب من صياح شعراء بني العباس على رؤوسهم بالحق،و إن كرهوا،و بتفضيل من نقصوه، و قتلوه،قال منصور بن الزبرقان على بساط هارون:
آل النبي و من يحبهم
يتطامنون مخافة القتل
أمن النصارى و اليهود و هم من أمة التوحيد في أزل (10)
و قال دعبل بن علي و هو صنيعة بني العباس و شاعرهم (11)
ألم تر أني من ثمانين حجة
أروح و أغدو دائم الحسرات
أرى فيئهم في غيرهم متقسما
و أيديهم من فيئهم صفرات
و قال علي بن العباس الرومي و هو مولى المعتصم:
لكل أوان للنبي محمد
قتيل زكي بالدماء مضرج
و قال إبراهيم بن العباس الصولي،و هو كاتب القوم و عاملهم في الرضا لما قربه المأمون :
يمن عليكم بأموالكم
و تعطون من مائة واحدا
و حكت هذه الكلمات ما أعلنه شعراء الشيعة بتفضيل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام و أبنائه الأئمة الطاهرين على العباسيين و غيرهم،و قد أعلنوا ذلك في أحرج الظروف و أقساها،فقد كان النطع و السيف هو المصير لمن يذكر الأئمة الطاهرين بخير،إلا أن أولئك الأبطال لم يحفلوا بما عانوه من القتل و التشريد في سبيل كلمة الحق،و يستمر الخوارزمي في رسالته،فيقول :
«و كيف لا ينتقصونـأي الشعراءـقوما يقتلون بني عمهم جوعا و سغبا و يملأون ديار الترك و الديلم فضة و ذهبا يستنصرون المغربي و الفرغاني و يجفون المهاجري و الأنصاري و يولون أنباط السواد و زاراتهم و قلف العجم و الطماطم قيادتهم و يمنعون آل أبي طالب ميراث أمهم و في‏ء جدهم يشتهي العلوي الاكلة فيحرمها و يقترح على الأيام الشهوة فلا يطعمها و خراج مصر و الأهواز،و صدقات الحرمين و الحجاز تصرف إلى ابن أبي مريم المديني و إلى إبراهيم الموصلي و ابن جامع السهمي و إلى زلزل الضارب و برصوما الزامر و اقطاع بختيشوع النصراني قوت أهل بلد و جارى بغا التركي و الأفشين الأشروسني كفاية أمة ذات عدد و المتوكل يتسرى باثني عشر ألف سرية و السيد من سادات أهل البيت يتعفف بزنجية أو سندية و صفوة مال الخراج مقصور على أرزاق الصفاعنة و على موائد المخانثة و على طعمة الكلابين،و رسوم القرادين،و على مخارق و علوية المغني،و على زرزر،و عمر بن بانة الملهي،و يبخلون على الفاطمي بأكلة أو شربة،و يصارفونه على دانق و حبة،و يشترون العوادة بالبدر،و يجرون لها ما يفي برزق عسكر،و القوم الذين أحل لهم الخمس،و حرمت عليهم الصدقة،و فرضت لهم الكرامة و المحبة،يتكففون ضرا،و يهلكون فقرا،و يرهن أحدهم سيفه،و يبيع ثوبه،و ينظر إلى فيئه بعين مريضة،و يتشدد على دهره بنفس ضعيفة ليس له ذنب إلا أن جده النبي،و أباه الوصي،و امه فاطمة،و جدته خديجة،و مذهبه الإيمان،و امامه القرآن...»
و حفلت هذه القطعة ببعض المآسي التي عاناها العلويون،و التي منها فرض الحصار الاقتصادي عليهم من قبل الطغمة العباسية،فقد منعوهم من أبسط حقوقهم،و ضيقوا عليهم غاية التضييق،حتى لم يجد العلوي ثوبا يستر بدنه و لا طعاما يسد رمقه في حين أن أموال الدولة تصرف على المغنين و العابثين و الماجنين،و قد ذكر الخوارزمي قائمة بأسمائهم،و قد أنفقت الحكومات العباسية عليهم الملايين من الأموال،و تركت الشعوب الإسلامية ترزح تحت كابوس الفقر و الحرمان،و من بنود هذه الرسالة ما يلى:
«و لقد كانت في بني أمية مخازي تذكر،و معايب تؤثر،كان معاوية قاتل الصحابة و التابعين،و أمه آكلة الشهداء الطاهرين،و ابنه يزيد القرود،مربي الفهود،و هادم الكعبة،و منهب المدينة،و قاتل العترة،و صاحب يوم الحرة،و كان مروان الوزغ ابن الوزغ،لعن النبي صلى الله عليه و آله أباه و هو في صلبه فلحقته لعنة الله ربه،و كان عبد الملك صاحب الخطيئة التي طبقت الأرض،و شملت،و هي توليته الحجاج بن يوسف الثقفي،فاتك العباد،و قاتل العباد،و مبيد الأوتاد،و مخرب البلاد،و خبيث أمة محمد الذين جائت به النذر،و ورد فيه الأثر و كان الوليد جبار بني أمية،و ولى الحجاج على المشرق،و قرة بن شريك على المغرب،و إن سليمان صاحب البطن الذي قتلته بطنه،و مات بشما و تخمة،و كان يزيد صاحب سلامة و حبابه الذي نسخ الجهاد بالخمر،و قصر أيام خلافته على العود و الزمر،و أول من أغلى سعر المغنيات،و أعلن بالفاحشات،و ما ذا أقول:فيمن أعرق فيه مروان من جانب و يزيد بن معاوية من جانب،فهو ملعون بين ملعونين،و عريق في الكفر بين كافرين،و كان هشام قاتل زيد بن علي،مولي يوسف بن عمر الثقفي،و كان الوليد بن يزيد خليع بني مروان الكافر بالرحمن،الممزق بالسهام القرآن،و أول من قال الشعر في نفي الإيمان و جاهر بالفسوق و العصيان...»
عرض الخوارزمي في هذا المقطع حال ملوك الأمويين،و ما أثر عنهم من المخازي التي سودوا بها وجه التاريخ،و قد عانت الأمة في ظلال حكمهم الأسود من الخطوب و الكوارث،فقد نهبوا الاقتصاد و صادروا حريات الناس،و استعملواعليهم ذئاب البشرية أمثال المجرم الإرهابي الحجاج بن يوسف الثقفي و أمثاله من القساة المجرمين فأحالوا الحياة إلى جحيم،فقد أشاعوا الظلم و الفساد بين الناس،و لنستمع إلى الفصل الأخير من هذه الرسالة،يقول فيها:
«و هذه المثالب مع عظمها و كثرتها و مع قبحها و شنعتها صغيرة و قليلة في جنب مسالب بني العباس الذين بنوا مدينة الجبارين،و فرقوا في الملاهي و المعاصي أموال المسلمين،هؤلاء أرشدكم الله الأئمة المهديون،الراشدون الذين قضوا بالحق،و به يعدلون،بذلك يقف خطيب جمعتهم و بذلك تقوم صلاة جماعتهم.»
و أعرب الخوارزمي في هذه الكلمات عن مثالب بني العباس،و أنها أفظع بكثير من موبقات بني أمية و جرائمهم،فقد أنفق العباسيون أموال الأمة على شهواتهم و ملاذهم و لياليهم الحمراء في حين أن الغالبية الساحقة من الشعوب الإسلامية قد نهشها الجوع و البؤس و الحرمان،و من الغريب أن تضفى الألقاب الكريمة و النعوت الحسنة على أولئك الملوك،فيقال عنهم إنهم أئمة مهديون،يقضون بالحق و به يعدلون.
و بهذا ينتهي بنا المطاف في الحديث عن هذه الرسالة،التي هي من أوثق البنود السياسية قد حكت بصورة صادقة و موضوعية ما عاناه السادة العلويون و شيعتهم من المآسي و الكوارث المدمرة من حكام الأمويين و العباسيين،و هي تلقي الأضواء على السبب في اختفاء الإمام المنتظر عليه السلام،و حجبه عن الناس،و فيما أحسب أن من الأسباب الرئيسة التي دعت إلى فرض الإقامة الجبرية على الإمامين الزكيين الإمام علي الهادي و نجله الإمام الحسن العسكري عليه السلام في(سامراء)و احطاتهما بقوى مكثفة من الأمن رجالا و نساء هي التعرف على ولادة الإمام المنتظر لإلقاء القبض عليه،و تصفيته جسديا،فقد أرعبتهم و ملأت قلوبهم فزعا ما تواترت به الأخبار عن النبي صلى الله عليه و آله و عن أوصيائه الأئمة الطاهرين أن الإمام المنتظر هو آخر خلفاء رسول الله صلى الله عليه و آله،و أنه هو الذي يقيم العدل،و ينشر الحق،و يشيع الأمن و الرخاء بين الناس،و هو الذي يقضي على جميع أفانين الظلم،و يزيل حكم الظالمين،فلذا فرضوا الرقابة على أبيه و جده،و بعد وفاة أبيه الحسن العسكري أحاطوا بدار الإمام عليه السلام،و ألقوا القبض على بعض نساء الإمام الذين يظن أو يشتبه في حملهن كما ذكرنا ذلك بصورة مفصلة فى البحوث السابقة فهذا هو السبب الرئيسي في اختفاء الإمام عليه السلام و عدم ظهوره للناس،و قد علل بذلك في حديث زرارة،فقد روى أن الإمام عليه السلام قال:إن للقائم غيبة قبل ظهوره،فبادر زرارة قائلا:لم؟فقال عليه السلام:يخاف القتل. (12)
و يقول الشيخ الطوسي:«لا علة تمنع من ظهور المهدي إلا خوفه على نفسه من القتل،لأنه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار» (13)
مناقشة الخنيزي:
و ناقش أبو الحسن الخنيزي في سبب اختفاء الإمام عليه السلام خوفه من القتل،قال:أما دعوى أن الإمام المهدي ممتنع من الخروج خوفا من الأعداء فهي من الخيالات المنافية أو المخيلات و الوهميات المثارة من الحدة حال الجدال. (14)
و هذا الرأي ليس بوثيق لأن السلطة العباسية لو ظفرت به لقتلته كما قتلت آباءه الأئمة الطاهرين عليهم السلام،فقد فرضت الرقابة الشديدة و المكثفة على بيت أبيه الإمام الحسن العسكري عليه السلام بعد وفاته لإلقاء القبض عليه و قتله،فقد حجبه الله تعالى و أخفاه عن العباسيين حفاظا على حياته و بقائه ليقيم العدل و ينشر الحق،و يبسط الأمن في الارض،في وقت يحدده الله تعالى،و ليس للإنسان رأي أو اختيار في ذلك.
الامتحان و الاختبار:
وثمة سبب آخر علل به غيبة المام عليه السلام،و هو امتحان العباد و اختبارهم،و تمحيصهم،فقد أثر عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال:«أما و الله ليغيبن إمامكم شيئا من دهركم،و لتمحصن،حتى يقال:مات أو هلك بأي واد سلك،و لتدمعن عليه عيون المؤمنين و لتكفأن كما تكفأ السنن في أمواج البحر،فلا ينجو إلا من أخذ الله ميثاقه،و كتب في قلبه الأيمان،و أيده بروح منه» (15)
لقد جرت سنة الله في عباده امتحانهم و ابتلاؤهم ليجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون
قال تعالى:
«الذي خلق الموت و الحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا»
و قال تعالى:
«أ حسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا و هم لا يفتنون»
و غيبة الإمام عليه السلام من موارد الامتحان فلا يؤمن بها إلا من خلص إيمانه و صفت نفسه،و صدق بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه و آله و الأئمة الهداة المهديين من حجبه عن الناس و غيبته مدة غير محددة،أو أن ظهوره بيد الله تعالى،و ليس لأحد من الخلق رأي في ذلك،و إن مثله كمثل الساعة فإنها آتية لا ريب فيها.
الغيبة من أسرار الله:
و عللت غيبتة الإمام المنتظر عليه السلام بأنها من أسرار الله تعالى التي لم يطلع عليها أحد من الخلق،فقد أثر عن النبي صلى الله عليه و آله،أنه قال:
«إنما مثل قائمنا أهل البيت كمثل الساعة لا يجليها لوقتها إلا هو:ثقلت في السماوات لا يأتيكم إلا بغتة» (16)
و أثر عن الإمام المهدي عليه السلام أنه قال لبعض شيعته:
«اغلقوا باب السؤال عما يعنيكم،و لا تتكلفوا ما قد كفيتم،و أكثروا من الدعاء بتعجيل الفرج،فإن في ذلك فرجكم،و السلام على من اتبع الهدى» (17)
و يقول الشيخ مقداد السيوري:
«كان الاختفاء لحكمة استأثر بها الله تعالى في علم الغيب عنده» (18)
عدم بيعته لظالم:
و من الأسباب التي ذكرت لاختفاء الإمام عليه السلام أن لا تكون في عنقه بيعة لظالم،و قد أثر ذلك عن الإمام الرضا عليه السلام،فقد روى الحسن بن علي بن فضال،عن أبيه،أن الإمام الرضا قال:
«كأني بالشيعة عند فقدهم الثالث من ولدي كالنعم يطلبون المرعى فلا يجدونه فقال له:
«ولم ذاك يا بن رسول الله؟...»
قال عليه السلام:لأن إمامهم يغيب عنهم...»
و لم؟...»
«لئلا يكون في عنقه لأحد بيعة إذا قام بالسيف.» (19)
و أعلن الإمام المنتظر عليه السلام ذلك بقوله:إنه لم يكن لأحد من آبائي عليهم السلام إلا و أوقعت في عنقه بيعة لطاغية زمانه،و اني أخرج حين أخرج،و لا بيعة لأحد من الطواغيت في عنقي (20)
هذه بعض الأسباب التي عللت بها غيبتة الإمام المنتظر عليه السلام،و أكبر الظن أن الله تعالى قد أخفى ظهور وليه المصلح العظيم لأسباب لا نعلمها إلا بعد ظهوره.
تساؤلات:
و أثيرت بعض الشكوك و الأوهام عن غيبة الإمام المنتظر عليه السلام،كان منها ما يلي:
1ـ ما الفائدة في غيابه؟
و كثر الحديث عن الفائدة في غياب الإمام عليه السلام،و طعن بعض من لا حريجة له في ذلك،و قال:إن وجوده و عدمه في حال الغيبة سواء،و تصدى المتكلمون من الشيعة إلى تفنيد ذلك،و أعلنوا كوكبة من الفوائد التي تترتب على غيابه و هي:
أولا:إن وجود الحجة و إن كان محجوبا عن الأبصار إلا أنه أمان لأهل الأرض كما صرحت بذلك طائفة من الأخبار منها:
أـقال رسول الله صلى الله عليه و آله:
«أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض» (21)
بـقال رسول الله صلى الله عليه و آله:
«لا يزال هذا الدين قائما إلى اثني عشر أميرا من قريش فإذا مضوا ساخت الأرض بأهلها.. .» (22)
جـقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام:
«اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله...»
إلى غير ذلك من الأخبار الناطقة بأن الأئمة الطاهرين عليهم السلام أمان لأهل الأرض،و إن لهم عائدة كبرى على المسلمين بدفع البلاء عنهم،و رفع ما ألم بهم من مكروه،و الإمام المهدي عليه السلام في وجوده و غيابه مصدر خير و رحمة إلى الناس.
ثانيا:إن غيابه عن الأبصار يستند إلى عدم صلاح المسلمين و شيوع الفساد في صفوفهم،و لو كانوا صالحين غير منحرفين عن الحق لظهر عليه السلام،و قد أشار إلى الوجه الأول و الثاني المحقق الطوسي رحمه الله،قال:«وجودهـأي الإمام المنتظرـلطف،و تصرفه لطف آخر» (23)
ثالثا:إن الإمام عليه السلام في حال غيابه يرعى شيعته،و يمدهم بدعائه الذي لا يحجب،و لو لا دعاؤه لهم لما أبقى منهم الظالمون أحدا يتنفس الصعداء و قد أعلن الإمام المنتظر ذلك في إحدى رسائله للشيخ المفيد فقد قال عليه السلام:
«إنا غير مهملين لمراعاتكم،و لا ناسين لذكركم،و لو لا ذلك لنزل بكم اللأواء،و اصطلمكم الأعداء...»
رابعا:إن الإمام المنتظر عليه السلام أعرب عن الفائدة من غيابه عن الأبصار،قال عليه السلام:
«و أما وجه الانتفاع بي في غيبتي فكالشمس إذا غيبتها الأبصار»
و قد سأل سليمان الأعمش بن مهران الإمام الصادق عليه السلام فقال له: كيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور؟فأجابه الإمام:
«كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب»
و أفاد العلامة المجلسي في توجيه الحديث وجوها و هي:
أولا:إن نور الوجود و العلم و الهداية تصل إلى الخلق بتوسطه عليه السلام إذ ثبت بالأخبار المستفيضة أنهم العلل الغائية لإيجاد الخلق فلولاهم لم يصل نور الوجود إلى غيرهم،و ببركتهم،و الاستشفاع بهم و التوسل إليهم تظهر العلوم و المعارف على الخلق،و يكشف البلايا عنهم،فلو لا هم لاستحق الخلق بقبائح أعمالهم أنواع العذاب
كما قال تعالى:
«ما كان الله ليعذبهم و أنت فيهم»
و لقد جربنا مرارا لا نحصيها أن عند انغلاق الأمور و اعضال المسائل،و البعد عن جناب الحق تعالى،و انسداد أبواب الفيض لما استشفعنا بهم،و توسلنا بأنوارهم فبقدر ما يحصل الارتباط المعنوي بهم في ذلك الوقت تتكشف تلك الأمور الصعبة،و هذا معاين لمن أكحل الله عين قلبه بنور الإيمان،و قد مضى توضيح ذلك في(كتاب الإمامة.)
ثانيا:كما أن الشمس المحجوبة بالسحاب مع انتفاع الناس بها ينتظرون في كل آن انكشاف السحاب عنها و ظهورها ليكون انتفاعهم بها أكثر،فكذلك في أيام غيبته عليه السلام ينتظر المخلصون من شيعته خروجه و ظهوره في كل وقت و زمان.
ثالثا:إن منكر وجوده عليه السلام كمنكر وجود الشمس إذا غيبها السحاب.
رابعا:إن الشمس قد تكون غيبتها في السحاب أصلح للعباد من ظهورها لهم بغير حجاب،فكذلك غيبته عليه السلام أصلح لهم في تلك الأزمان.
خامسا:إن الناظر إلى الشمس لا يمكنه النظر إليها بارزة عن السحاب و ربما عمى بالنظر إليها لضعف الباصرة عن الإحاطة بها فكذلك شمس ذاته المقدسة ربما يكون ظهوره أضر لبصائرهم،و يكون سببا لعميهم عن الحق،و تقوى بصائر الإيمان به في غيبته كما ينظر الإنسان إلى الشمس من تحت السحاب و لا يتضرر بذلك.
سادسا:إن الشمس قد تخرج من السحاب،و ينظر إليها واحد دون واحد كذلك يمكن أن يظهر عليه السلام في أيام غيبته لبعض الخلق دون بعض.
سابعا:إنهم كالشمس في عموم النفع و إنما لا ينتفع بهم من كان أعمى كما فسر في الأخبار قوله تعالى:
«من كان فى هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى و أضل سبيلا»
ثامنا:إن الشمس كما أن شعاعها يدخل البيوت بقدر ما فيها من الروازن و الشبابيك،و بقدر ما يرتفع عنها من الموانع عنها فكذلك الخلق إنما ينتفعون بأنوار هدايتهم بقدر ما يرفعون من الموانع عن حواسهم و مشاعرهم التي هي روازن قلوبهم من الشهوات النفسية و العلائق الجسمانية،و بقدر ما يدفعون عن قلوبهم من الغواشي الكثيفة الهيولانية إلى أن ينتهي الأمر إلى حيث يكون بمنزلة من هو تحت السماء يحيط به شعاع الشمس من جميع جوانبه بغير حجاب،فقد فتحت لك من هذه الجنة الروحانية ثمانية أبواب...» (24)
خامسا:إن الفائدة و الحكمة من غيابه مجهولة لدينا كما صرحت بذلك بعض الأخبار،فقد روى عبد الله بن الفضل الهاشمي،قال:سمعت الإمام الصادق عليه السلام يقول:
«إن لصاحب هذه الأمر غيبة لا بد منها،يرتاب فيها كل مبطل...»
و طفق عبد الله قائلا:
«لم جعلت فداك؟...»
فقال عليه السلام:«الأمر لم يؤذن لنا في كشفه لكم...»
و سارع عبد الله قائلا:
«ما وجه الحكمة في غيبته؟...»
فأجابه الإمام عليه السلام.
«وجه الحكمة في غيبته وجه الحكمة فى غيابة من تقدمه من حجج الله تعالى ذكره...»
إن وجه الحكمة لا ينكشف إلا بعد ظهوره،كما لم ينكشف وجه الحكمة لما أتاه الخضر من خرق السفينة،و قتل الغلام،و إقامة الجدار لموسى إلا وقت افتراقهما.
يا بن الفضل إن هذا الأمر من أمر الله،و سر من سر الله عز و جل و غيب من غيب الله،و متى علمنا أنه عز و جل حكيم،صدقنا بأن افعاله كلها حكمة،و إن كان وجهها غير منكشف لنا» (25)
هذه بعض الأسباب التي ذكرت عن الفائدة في غيابه و عدم مشاهدة الناس له.

_____________________

(1) و قيل الأبيات للبسامي الشاعر و قد أخفى اسمه خوفا عليه من السلطة العباسية العاتية .
(2) نفيلة:جدة بني العباس.
(3) شر الأئمة:هم ملوك بني العباس،يموج:أن يفسد و يضطرب.
(4) ممجج:أي غير مبين.
(5) العياب: جمع عيبة،و هي التي يجعل في المتاع،الدشراج شد الخريطة.
(6) الأخرج: ذو لونين أسود و أبيض.
(7) مقاتل الطالبيين.
(8) رسائل الخوارزمي.
(9) قطع رأس زيد بعد المعركة لا في أثنائها.
(10) الأزل الضيق و الشدة.
(11) لم يكن دعب الخزاعي صنيعة بني العباس و شاعرهم و إنما كان شاعر السادة العلويين و مادحهم،و تعرض في سبيل ذلك لأقسى ألوان المحن و الخطوب،كما يشهد بذلك ما أعلنه دعبل بهذين البيتين من قصيدته الخالدة التي تلاها على الإمام الرضا عليه السلام،و فيما أحسب أن هذا الحشرة كانت من الناسخ،أو سهو من الخوارزمي.
(12) غيبة الشيخ،و روى نحوه في الكافي.
(13) الغيبة(ص 199).
(14) الدعوة الإسلامية(ص 199).
(15) البحار 53/7 و .281
(16) البرهان في علامات آخر الزمان 1/ .255
(17) البحار 52/ .92
(18) مختصر التحفة الاثنى عشرية(ص 199).
(19) علل الشرايع،كمال الدين.
(20) منتخب الأثر(ص 267).
(21) ذخائر العقبى(ص 17)و فى كنزل العمال 6/116 و مجمع الزوائد 9/174 و فيض القدير 6/297 لفظ الحديث«النجوم أمان لأهل السماء و أهل بيتي أمان لأمتي».و في مستدرك الصحيحين 3/458 إن النبي صلى الله عليه و آله خرج ذات ليلة،و قد أخر صلاة العشاء حتى ذهب من الليل هنيهة أو ساعة و الناس ينتظرون في المسجد فقال:ما تنظرون؟فقالوا:ننتظر الصلاة،فقال:إنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتموها،ثم قال:«أما أنها صلاة لم يصلها أحد ممن كان قبلكم من الأمم،ثم رفع رأسه إلى السماء فقال:النجوم أمان لأهل السماء فإن طمست النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون»،إلى أن قال:(و أهل بيتي أمان لأمتي فإذا ذهب أهل بيتي أتى أمتي ما يوعدون).
(22) منتخب الأثر(ص 27)نقلا عن كشف الأستار.
(23) التجريد للطوسي ص 389،ط إيران.
(24) منتخب الأثر(ص 271ـ272)
(25) جلاء العيون 3/157ـ .158
حياة الإمام محمد المهدي عليه السلام دراسة و تحليل ص 145
تأليف:باقر شريف القرشي 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page