• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر؟

 

و نأتي الآن على السؤال الثالث القائل:كيف اكتمل إعداد القائد المنتظر مع أنه لم يعاصر أباه الإمام العسكري إلا خمس سنوات تقريبا؟و هي فترة الطفولة التي لا تكفي لإنضاج شخصية القائد،فما هي الظروف التي تكامل من خلالها؟
و الجواب:إن المهدي عليه السلام خلف أباه في إمامة المسلمين،و هذا يعني أنه كان إماما بكل ما في الإمامة من محتوى فكري و روحي في وقت مبكر جدا من حياته الشريفة.
و الإمامة المبكرة ظاهرة سبقه إليها عدد من آبائه عليهم السلام،فالإمام محمد بن علي الجواد عليه السلام تولى الإمامة و هو في الثامنة من عمره (1) ،و الإمام علي بن محمد الهادي تولى الإمامة و هو في التاسعة (2) من عمره،و الإمام أبو محمد الحسن العسكري (3) والد القائد المنتظر تولى الإمامة و هو في الثانية و العشرين من عمره،و يلاحظ أن ظاهرة الإمامة المبكرة بلغت ذروتها في الإمام المهدي و الإمام الجواد،و نحن نسميها ظاهرة لأنها كانت بالنسبة إلى عدد من آباء المهدي عليه السلام تشكل مدلولا حسيا عمليا عاشه المسلمون،و وعوه في تجربتهم مع الإمام بشكل و آخر،و لا يمكن أن نطالب بإثبات لظاهرة من الظواهر أوضح و أقوى من تجربة أمة (4) .و نوضح ذلك ضمن النقاط التالية:
أـلم تكن إمامة الإمام من أهل البيت مركزا من مراكز السلطان و النفوذ التي تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن،و يدعمها النظام الحاكم كإمامة الخلفاء الفاطميين،و خلافة الخلفاء العباسيين،و إنما كانت تكتسب ولاء قواعدها الشعبية الواسعة عن طريق التغلغل الروحي،و الإقناع الفكري لتلك القواعد بجدارة هذه الإمامة لزعامة الإسلام،و قيادته على أسس روحية و فكرية.
بـإن هذه القواعد الشعبية بنيت منذ صدر الإسلام،و ازدهرت و اتسعت على عهد الإمامين الباقر و الصادق عليهما السلام،و أصبحت المدرسة التي رعاها هذان الإمامان في داخل هذه القواعد تشكل تيارا فكريا واسعا في العالم الإسلامي،يضم المئات من الفقهاء و المتكلمين و المفسرين و العلماء في مختلف ضروب المعرفة الإسلامية و البشرية المعروفة و قتئذ،حتى قال الحسن بن علي الوشا:إني دخلت مسجد الكوفة فرأيت فيه تسعمائة شيخ (5) كلهم يقولون حدثنا جعفر بن محمد.جـإن الشروط التي كانت هذه المدرسة و ما تمثله من قواعد شعبية في المجتمع الإسلامي،تؤمن بها و تتقيد بموجبها في تعيين الإمام و التعرف على كفاءته للإمامة،شروط شديدة،لأنها تؤمن بأن الإمام لا يكون إماما إلا إذا كان أعلم علماء عصره (6) .
دـإن المدرسة و قواعدها الشعبية كانت تقدم تضحيات كبيرة في سبيل الصمود على عقيدتها في الإمامة،لأنها كانت في نظر الخلافة المعاصرة لها تشكل خطا عدائيا،و لو من الناحية الفكرية على الأقل،الأمر الذي أدى إلى قيام السلطات وقتئذ و باستمرار تقريبا حملات من التصفية و التعذيب،فقتل من قتل،و سجن من سجن،و مات في ظلمات المعتقلات المئات.و هذا يعني أن الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت كان يكلفهم غاليا (7) ،و لم يكن له من الإغراءات سوى ما يحس به المعتقد أو يفترضه من التقرب إلى الله تعالى و الزلفى عنده.
هـإن الأئمة الذين دانت هذه القواعد لهم بالإمامة لم يكونوا معزولين عنها،و لا متقوقعين في بروج عالية شأن السلاطين مع شعوبهم،و لم يكونوا يحتجبون عنهم إلا أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن أو نفي،و هذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة و المحدثين عن كل واحد من الأئمة الأحد عشر،و من خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام و معاصريه،و ما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية،و ما كان يبثه من وكلاء في مختلف أنحاء العالم الإسلامي من ناحية أخرى،و ما كان قد اعتاده الشيعة من تفقد أئمتهم و زيارتهم في المدينة المنورة عند ما يؤمون الديار المقدسة من كل مكان لأداء فريضة الحج (8) ،كل ذلك يفرض تفاعلا مستمرا بدرجة واضحة بين الإمام و قواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء و غيرهم.
وـإن الخلافة المعاصرة للأئمة عليهم السلام كانت تنظر إليهم و إلى زعامتهم الروحية و الإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها و مقدراتها،و على هذا الأساس بذلت كل جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة،و تحملت في سبيل ذلك كثيرا من السلبيات،و ظهرت أحيانا بمظاهر القسوة و الطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك،و كانت حملات الاعتقال و المطاردة مستمرة للأئمة (9) أنفسهم على الرغم مما يخلفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين و للناس الموالين على اختلاف درجاتهم.إذا أخذنا هذه النقاط الست بعين الاعتبار،و هي حقائق تاريخية لا تقبل الشك،أمكن أن نخرج بنتيجة و هي:أن ظاهرة الإمامة المبكرة كانت ظاهرة واقعية و لم تكن وهما من الأوهام،لأن الإمام الذي يبرز على المسرح و هو صغير فيعلن عن نفسه إماما روحيا و فكريا للمسلمين،و يدين له بالولاء و الإمامة كل ذلك التيار الواسع،لا بد أن يكون على قدر واضح و ملحوظ بل و كبير من العلم و المعرفة وسعة الأفق و التمكن من الفقه و التفسير و العقائد،لأنه لو لم يكن كذلك لما أمكن أن تقتنع تلك القواعد الشعبية بإمامته،مع ما تقدم من أن الأئمة كانوا في مواقع تتيح لقواعدهم التفاعل معهم و للأضواء المختلفة أن تسلط على حياتهم و موازين شخصيتهم.فهل ترى أن صبيا يدعو إلى إمامة نفسه و ينصب منها علما للإسلام و هو على مرأى و مسمع من جماهير قواعده الشعبية،فتؤمن به و تبذل في سبيل ذلك الغالي من أمنها و حياتها بدون أن تكلف نفسها اكتشاف حاله،و بدون أن تهزها ظاهرة هذه الإمامة المبكرة لاستطلاع حقيقة الموقف و تقييم هذا الصبي الإمام؟ (10) و هب أن الناس لم يتحركوا لاستطلاع المواقف،فهل يمكن أن تمر المسألة أياما و شهورا بل أعواما دون أن تتكشف الحقيقة على الرغم من التفاعل الطبيعي المستمر بين الصبي الإمام و سائر الناس؟و هل من المعقول أن يكون صبيا في فكره و علمه حقا ثم لا يبدو ذلك من خلال هذا التفاعل الطويل؟
و إذا افترضنا أن القواعد الشعبية لإمامة أهل البيت لم يتح لها أن تكتشف واقع الأمر،فلما ذا سكتت الخلافة القائمة و لم تعمل لكشف الحقيقة إذا كانت في صالحها؟و ما كان أيسر ذلك على السلطة القائمة لو كان الإمام الصبي صبيا في فكره و ثقافته كما هو المعهود في الصبيان،و ما كان أنجحه من أسلوب أن تقدم هذا الصبي إلى شيعته و غير شيعته على حقيقته،و تبرهن على عدم كفاءته للإمامةو الزعامة الروحية و الفكرية.فلئن كان من الصعب الإقناع بعدم كفاءة شخص في الأربعين أو الخمسين قد أحاط بقدر كبير من ثقافة عصره لتسلم الإمامة،فليس هناك صعوبة في الإقناع بعدم كفاءة صبي اعتيادي مهما كان ذكيا و فطنا للإمامة بمعناها الذي يعرفه الشيعة الإماميون (11) ،و كان هذا أسهل و أيسر من الطرق المعقدة و أساليب القمع و المجازفة التي انتهجتها السلطات و قتئذ.
إن التفسير الوحيد لسكوت الخلافة المعاصرة عن اللعب بهذه الورقة (12) ،هو أنها أدركت أن الإمامة المبكرة ظاهرة حقيقية و ليست شيئا مصطنعا.
و الحقيقة أنها أدركت ذلك بالفعل بعد أن حاولت أن تلعب بتلك الورقة فلم تستطع،و التأريخ يحدثنا عن محاولات من هذا القبيل و فشلها (13) ،بينما لم يحدثنا إطلاقا عن موقف تزعزعت فيه ظاهرة الإمامة المبكرة أو واجه فيه الصبي الإمام إجراحا يفوق قدرته أو يزعزع ثقة الناس فيه.
و هذا معنى ما قلناه من أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية في حياة أهل البيت و ليست مجرد افتراض،كما أن هذه الظاهرة الواقعية لها جذورها و حالاتها المماثلة في تراث السماء الذي امتد عبر الرسالات و الزعامات الربانية.
و يكفي مثالا لظاهرة الإمامة المبكرة في التراث الرباني لأهل البيت عليهم السلام‏يحيى عليه السلام إذ قال الله سبحانه و تعالى: يا يحيى خذ الكتاب بقوة و آتيناه الحكم صبيا سورة مريم: .12
و متى ثبت أن الإمامة المبكرة ظاهرة واقعية و متواجدة فعلا في حياة أهل البيت لم يعد هناك اعتراض فيما يخص إمامة المهدي عليه السلام و خلافته لأبيه و هو صغير (14) .

--------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
(1)راجع:الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي المكي(ت/855 ه).و راجع:الإرشاد/الشيخ المفيد :ص 316 و ما بعدها.
(2)و(3)راجع:التتمة في تواريخ الأئمة/السيد تاج الدين العاملي من أعلام القرن الحادي عشر الهجري،نشر مؤسسة البعثةـقم.و راجع:الصواعق المحرقة لابن حجر:ص 123ـ124،إذ ذكر طرفا من سيرة الإمام و كراماته.
(4)راجع:الإرشاد/الشيخ المفيد:ص 319 و ما بعدها.
الصواعق المحرقة:ص 123ـ .124
فقد أوردا قصة المحاورة التي دارت بين الإمام الجواد عليه السلام و بين يحيى بن أكثم زمن المأمون،و كيف استطاع الإمام عليه السلام أن يثبت أعلميته و قدرته على إفحام الخصم و هو في تلك السن المبكرة.
(5)راجع:المجالس السنية/السيد الأمين العاملي 5:209،و هذه قضية مشهورة تناقلها الخاص و العام.و راجع:صحاح الأخبار/محمد سراج الدين الرفاعي:ص 44،نقلا عن الإمام الصادق و المذاهب الأربعة/أسد حيدر 1:56.و قال ابن حجر في الصواعق المحرقة ص 120:«جعفر الصادق،نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان،و انتشر صيته في جميع البلدان،و روى عنه الأئمة الأكابر كيحيى بن سعيد و ابن جريج و مالك و السفيانين و أبي حنيفة و شعبة و أيوب السختياني ...».
(6)كون الإمام أعلم أهل زمانه أمر متسالم عليه عند الإمامية.راجع:الباب الحادي عشر/العلامة الحلي،هذا و قد عرضوا لأكثر من اختبار صلوات الله و سلامه عليهم لإثبات هذا المدعى،و نحجوا فيه.
راجع:الصواعق المحرقة لابن حجر:ص 123،فقد نقل تفصيلا في هذه المسألة عن مسائل يحيى بن أكثم للإمام الجواد عليه السلام.
(7)إن الاعتقاد بإمامة الأئمة كلف أتباعهم غاليا،و هذا ثابت تاريخيا،و ليس إلى إنكاره من سبيل،و الشاهد يدل على الغائب أيضا.راجع:مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني.
(8)و قد أوصى الأئمة بذلك أتباعهم كما هو لسان الروايات الكثيرة.
راجع:أصول الكافي 1:322/كتاب الحجةـباب 2«إن الواجب على الناس بعد ما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم،و يعلمونه ولايتهم و مودتهم له».
(9)راجع في تاريخ الأئمة عليهم السلام،و تعرضهم للاضطهاد و المطاردة و السجن و القتل أحيانا:
أـالفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.
بـمقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهاني.
جـالإرشاد للشيخ المفيد.
(10)إشارة إلى الإمام المهدي عليه السلام،و من قبل إلى الإمام الجواد مثلا.
(11)أي على أنه يجب أن يكون أفضل الناس،و أعلم الناس كما هو معتقد الإمامية الاثني عشرية .
راجع:حق اليقين في معرفة أصول الدين للسيد عبد الله شبر(ت/1242 ه)1:141،المقصد الثالث .
(12)يقصد تقديم الإمام الصبي للاختبار أمام الملأ لإظهار حقيقة الأمر.
(13)قد فعل المأمون ذلك،و انكشف لدى الخاص من العلماء مدى ما يمتلكه الإمام الجواد عليه السلام من الفقه و العلم.راجع:الصواعق المحرقة لابن حجر:ص .123
(14)و قد شاهد خاصة الشيعة الإمام المهدي و اتصلوا به،و أخذوا عنه،كما حصل عن طريق السفراء الأربعة.راجع:تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي/البحراني،الإرشاد/الشيخ المفيد:ص 345،و راجع تفصيلا وافيا في دفاع عن الكافي/السيد ثامر العميدي 1:535 و ما بعدها.
بحث حول المهدي ص 93

الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page