• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

لما ذا لم يظهر القائد إذن؟

 لماذا لم يظهر القائد إذن طيلة هذه المدة؟و إذا كان قد أعد نفسه للعمل الاجتماعي،فما الذي منعه عن الظهور على المسرح في فترة الغيبة الصغرى أو في أعقابها بدلا عن تحويلها إلى غيبة كبرى،حيث كانت ظروف العمل الاجتماعي و التغييري وقتئذ أبسط و أيسر،و كانت صلته الفعلية بالناس من خلال تنظيمات الغيبة الصغرى تتيح له أن يجمع صفوفه و يبدأ عمله بداية قوية،و لم تكن القوى الحاكمة من حوله قد بلغت الدرجة الهائلة من القدرة و القوة التي بلغتها الإنسانية بعد ذلك من خلال التطور العلمي و الصناعي؟
و الجواب:أن كل عملية تغيير اجتماعي يرتبط نجاحها بشروط و ظروف موضوعية لا يتأتى لها أن تحقق هدفها إلا عند ما تتوفر تلك الشروط و الظروف.
و تتميز عمليات التغيير الاجتماعي التي تفجرها السماء على الأرض بأنها لا ترتبط في جانبها الرسالي بالظروف الموضوعية (1) ،لأن الرسالة التي تعتمدهاعملية التغيير هنا ربانية،و من صنع السماء لا من صنع الظروف الموضوعية،و لكنها في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية و يرتبط نجاحها و توقيتها بتلك الظروف.و من أجل ذلك انتظرت السماء مرور خمسة قرون من الجاهلية حتى أنزلت آخر رسالاتها على يد النبي محمد صلى الله عليه و آله و سلم،لأن الارتباط بالظروف الموضوعية للتنفيذ كان يفرض تأخرها على الرغم من حاجة العالم إليها منذ فترة طويلة قبل ذلك.
و الظروف الموضوعية التي لها أثر في الجانب التنفيذي من عملية التغيير،منها ما يشكل المناخ المناسب و الجو العام للتغيير المستهدف،و منها ما يشكل بعض التفاصيل التي تتطلبها حركة التغيير من خلال منعطفاتها التفصيلية.
فبالنسبة إلى عملية التغيير التي قادهاـمثلاـلينين في روسيا بنجاح،كانت ترتبط بعامل من قبيل قيام الحرب العالمية الأولى و تضعضع القيصرية،و هذا ما يساهم في إيجاد المناخ المناسب لعملية التغيير،و كانت ترتبط بعوامل أخرى جزئية و محدودة من قبيل سلامة لينين مثلا في سفره الذي تسلل فيه إلى داخل روسيا و قاد الثورة،إذ لو كان قد اتفق له أي حادث يعيقه لكان من المحتمل أن تفقد الثورة بذلك قدرتها على الظهور السريع على المسرح.
و قد جرت سنة الله تعالى التي لا تجد لها تحويلا في عمليات التغيير الرباني على التقيد من الناحية التنفيذية بالظروف الموضوعية التي تحقق المناخ المناسب و الجو العام لإنجاج عملية التغيير،و من هنا لم يأت الإسلام إلا بعد فترة من الرسل و فراغ مرير استمر قرونا من الزمن.فعلى الرغم من قدرة اللهـسبحانه و تعالىـعلى تذليل كل العقبات و الصعاب في وجه الرسالة الربانية و خلق المناخ المناسب لها خلقا بالإعجاز،لم يشأ أن يستعمل هذا الأسلوب،لأن الامتحان و الابتلاء و المعاناة التي من خلالها يتكامل الإنسان يفرض على العمل التغييري الرباني أن يكون طبيعيا و موضوعيا من هذه الناحية،و هذا لا يمنع من تدخل اللهـسبحانه و تعالىـأحيانا فيما يخص بعض التفاصيل التي لا تكون المناخ المناسب و إنما قد يتطلبها أحيانا التحرك ضمن ذلك المناخ المناسب،و من ذلك الإمدادات و العنايات الغيبية التي يمنحها الله تعالى لأوليائه في لحظات حرجة فيحمي بها الرسالة،و إذا بنار نمرود تصبح بردا و سلاما على إبراهيم (2) ،و إذا بيد اليهودي الغادر التي ارتفعت بالسيف على رأس النبي صلى الله عليه و آله و سلم تشل و تفقد قدرتها على الحركة (3) ،و إذا بعاصفة قوية تجتاح مخيمات الكفار و المشركين الذين أحدقوا بالمدينة في يوم الخندق و تبعث في نفوسهم الرعب (4) ،إلا أن هذا كله لا يعدو التفاصيل و تقديم العون في لحظات حاسمة بعد أن كان الجو المناسب،و المناخ الملائم لعملية التغيير على العموم قد تكون بالصورة الطبيعية و وفقا للظروف الموضوعية .
و على هذا الضوء ندرس موقف الإمام المهدي عليه السلام لنجد أن عملية التغيير التي أعد لها ترتبط من الناحية التنفيذية كأي عملية تغيير اجتماعي أخرى بظروف موضوعية تساهم في توفير المناخ الملائم لها،و من هنا كان من الطبيعي أن توقت وفقا لذلك.و من المعلوم أن المهدي لم يكن قد أعد نفسه لعمل اجتماعي محدود،و لا لعملية تغيير تقتصر على هذا الجزء من العالم أو ذاك،لأن رسالته التي ادخر لها من قبل اللهـسبحانه و تعالىـهي تغيير العالم تغييرا شاملا،و إخراج البشرية كل البشرية من ظلمات الجور إلى نور العدل (5) ،و عملية التغيير الكبرى هذه لا يكفي في ممارستها مجرد وصول الرسالة و القائد الصالح و إلا لتمت شروطها في عصر النبوة بالذات،و إنما تتطلب مناخا عالميا مناسبا،و جوا عاما مساعدا،يحقق الظروف الموضوعية المطلوبة لعملية التغيير العالمية.
فمن الناحية البشرية يعتبر شعور إنسان الحضارة بالنفاد عاملا أساسيا في خلق ذلك المناخ المناسب لتقبل رسالة العدل الجديدة،و هذا الشعور بالنفاد يتكون و يترسخ من خلال التجارب الحضارية المتنوعة التي يخرج منها إنسان الحضارة مثقلا بسلبيات ما بنى،مدركا حاجته إلى العون،متلفتا بفطرته إلى الغيب أو إلى المجهول.
و من الناحية المادية يمكن أن تكون شروط الحياة المادية الحديثة أقدر من شروط الحياة القديمة في عصر كعصر الغيبة الصغرى على إنجاز الرسالة على صعيد العالم كله،و ذلك بما تحققه من تقريب المسافات،و القدرة الكبيرة على التفاعل بين شعوب الأرض،و توفير الأدوات و الوسائل التي يحتاجها جهاز مركزي لممارسة توعية لشعوب العالم و تثقيفها على أساس الرسالة الجديدة.
و أما ما أشير إليه في السؤال من تنامي القوى و الأداة العسكرية التي يواجهها القائد في اليوم الموعود كلما أجل ظهوره،فهذا صحيح،و لكن ما ذا ينفع نمو الشكل‏المادي للقوة مع الهزيمة النفسية من الداخل،و انهيار البناء الروحي للإنسان الذي يملك كل تلك القوى و الأدوات؟و كم من مرة في التاريخ انهار بناء حضاري شامخ بأول لمسة غازية،لأنه كان منهارا قبل ذلك،و فاقدا الثقة بوجوده و القناعة بكيانه و الاطمئنان إلى واقعه (6) .
تعليقات:
(1)على الرغم من الأهمية التي يعطيها الشهيد الصدر رضى الله عنه هنا للظروف الموضوعية،و دور نضوجها أو إنضاجها في نجاح الثوراتـو هذا فهم عميق لأثر العامل الاجتماعي و النفسيـإلا أن الشهيد الصدر رضى الله عنه يعرض نظرية جديدة في فهم عملية التغيير الاجتماعي الذي تحدثه السماءمن خلال الرسالات السماوية،فهي في جانبها الرسالي ترتبط بقانونها الخاص،و لكن في جانبها التنفيذي تعتمد الظروف الموضوعية و ترتبط بها توقيتا و نجاحا،و أعني بالظروف الموضوعية:الحالة السياسية و الحالة الاجتماعية للأمة و الواقع الدولي المعاصر،و مدى قدرة الأمة في إمكاناتها الذاتية و استعدادها النفسي.
(2)إشارة إلى قوله تعالى: قالوا حرقوه و انصرفوا آلهتكم إن كنتم فاعلين*قلنا يا نار كونى بردا و سلاما على إبراهيم*و أرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين الأنبياء:68ـ .70
(3)راجع الرواية في تفسير ابن كثير 2:33،و راجع:البحار/المجلسي 18:47 و 52 و 60،75 باب معجزات النبي صلى الله عليه و آله و سلم.
(4)تاريخ الطبري 2:244 حوادث السنة الخامسة من الهجرة.
(5)كما هو نص الحديث النبوي الشريف:«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا مني أو من أهل بيتي يملأ الأرض قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا».
راجع:التاج الجامع للأصول/منصور علي ناصف 5:360 الهامش،قال:رواه أبو داود و الترمذي .
(6)لقد شاهدنا في بداية التسعينات المصداق لهذه المقولة التي أطلقها الشهيد الصدر رضى الله عنه استنادا إلى خبرته العميقة بالمجتمع البشري،فقد انهار الاتحاد السوفيتي و هو أحد القطبين اللذين كانا يهيمنان على العالم انهيارا سريعا جدا،و بصورة أذهلت الجميع .
بحث حول المهدي
الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page