طباعة

نشوء الكون .. حقائق ما وراء العلم البشري

منذ ميلاد الإنسان على سطح الأرض أخذ يتأمل ويفكر ويستبصر في كل ما يحيط به من سماء وأرض , وما يحدث له من كوارث طبيعية , وما يقع عليه بصره من ظواهر غريبة . وانشغل الفكر الإنساني منذ ذلك الحين وحتى اليوم بكيفية نشوء الكون ومعرفة أسراره وخباياه  التي يقف علمه المحدود أمامها عاجزاً مقهوراً وحائراً مبهوراً . وكلما ازداد الإنسان معرفة وعلما , سرعان ما تنكشف له بعض الظواهر والشواهد التي لم يكن يعرفها من قبل ,والتي لا يجد لها تفسيراً يقينياً يبدد الغيوم والغموض حول قضية نشوئها ونظام عملها .
وحتى إلاف السنين بعد ظهور الإنسان على سطح الأرض ظل يعتقد أن الكون يتألف من الأرض الفسيحة الأرجاء التي يعيش عليها , ومن الشمس والقمر والنجوم التي تسطع وتتلألأ في السماء . ومع تقدم علم الفلك واختراع آلات الرصد المطورة , واكتشاف المراقب الحديثة ذات المرايا العاكسة للضوء وتلك اللاسلكية ( الرادية ) , أدرك الأنسان أن كوكب الأرض ماهو إلا كوكب صغير جداً بالنسبة للمجموعة الشمسية الأخرى في الكون . وأصبحت المشكلة التي يواجهها علماء الفلك اليوم تتمثل في وفرة المعلومات التي تحتاج إلى دراسة وتحليل وتفسير وتعليل وليست في ندرتها كما كان عليه الحال من قبل .
وأسهم تقدم علوم أخرى مثل الرياضيات والفيزياء والكيمياء واختراع الأدوات التقنية الحديثة المستخدمة في الدراسات الفلكية في معرفة بعض خبايا الكون ونظامة وعناصره التي يتألف منها . ومع ذلك ظلت القضايا الجوهرية التي تتعلق بكيفية نشوء الكون وأصل مادته الأولية التي تكون منها موضع جدل وخلاف بين العلماء . ولم يستطع العلم أن يقدم في هذا الشأن حتى الآن سوى اقتراحات وافتراضات ونظريات ظنية قابلة للتغيير والتعديل من أن إلى آخر.
واستطاع العلم البشري الوصول إلى بعض القوانين التي تختص بحسابات المسافة والزمن والسرعة والكثافة والصوت والضوء والجاذبية وانشطار الذرة حسب ماشاهدة العلماء في الأفق أو الآفاق المتاحة لهم , وحسب نتائج التجارب المعملية التي قاموا بها , ولكن تبين للعلماء أن حركة الكواكب وسرعة النجوم في مداراتها , والمسافات الفاصلة بين نجم وآخر في الفضاء لاتقاس بوحدات القياس التي عرفها الإنسان وألف استخدامها على سطح الأرض ,بل هي آلاف أضعاف تقدير مثل تلك التي على سطح الأرض .وهناك قوانين يعجز الفكر البشري حتى أن يتخيل معالمها وأبعادها , وتبارك قول الله عز وجل : ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) . فسبحان الذي خلق كل شئ بقدر وبالحق , وما أمره إلا واحدة كلمح بالبصر , وإذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون , وله مقاليد السماوات والأرض وهو على كل شئ قدير.
وسخر الله تبارك وتعالى الكون وكل مافيه من عناصر لمنفعة الإنسان , وكل هذه العناصر تعمل وفق نظام إلهي قدره المولى عز وجل تقديراً محكماً وبالحق الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وبالقانون الإلهي الأعظم المطلق للكون . ويقول الشيخ الشعراوي : (( إن الله سبحانه وتعالى وضع قوانين الكون وطلب منا أن نأخذ بالأسباب , وأن نتبع هذه القوانين . ولكن حينما نعجز أمام هذه القوانين , ونأخذ بالأسباب فلا نصل إلى شئ فهناك دائماً ((القيوم )) القائم على ملكه الذي يمكن أن يفتح الأبواب ويحقق ما تحسبه مستحيلاً أو غير ممكن , فحينما لا تستجيب الأسباب فإن المؤمن يهرع إلى ربه . . . لينصر الله الحق على الباطل والمظلوم على الظالم )) . ويقول تبارك وتعالى : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) , ومعنى ذلك إن الله دائم الحياة لا يدركه الموت لأنه هو الذي خلق الحياة والموت . ومعنى القيوم أي القائم على ملكه .  فالله سبحانه وتعالى قد خلق الكون ووضع له قوانينه ولم يتركه يسير حسب هذه القوانين التي وضعها الله سبحانه وتعالى له وهي قوانين محكمه ومقدرة لا تختل بالزمن ولا تتأثر بأي عوامل , فالله يخبرنا بأنه خلق الكون ووضع له قوانينة وهو أيضاً قائم عليه وقائم على ملكوت السماوات والأرض وما بينهما ولا يترك أيا مما خلق لحظة واحدة ,  ولاتأخذه سنة ولانوم ,ولا يغفل عن شئ أبداً .
ووهب الله تبارك وتعالى الإنسان عقلاً مفكراً ليتدبر مظاهر الكون ويستبصر ظواهره ويدرس نظامه ليستدل على دلائل القدرة . ووجه الله جل وعلا ومضات وإشارات نورانية من كلامه للإنسان لترشدة إلى أن الله وحده هو الخالق الصانع لهذا الكون وكل مافيه من عناصر , وأن في استطاعته _ سبحانه _ إعادة الخلق مرة ثانية ومرات أخرى . وعلى الإنسان أن يتعلم ويزداد علماً ومعرفة هو بمقدار محدود وبعد معلوم , وان هناك من الأمور التي تقع فيما وراء العلم البشري . يقول الحق تبارك وتعالى :
( أولم يروا كيف يبدئ الله الخلق ثم يعيده إن ذلك على الله يسير * قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة إن الله على كل شي قدير ) العنكبوت (19_20) .