التاريخ: ٢٠٠٩/٠٦/٠١
نص الحديث
قال الامام علي (عليه السلام): حبّ الله نار لا يمرّ علی شيء الّا احترق.
دلالة الحديث
الحديث المتقدم، يجسّد صورة بلاغية هي: تمثيل ورمز في آن واحد والمهم من حيث کونه (ناراً) نحدثک عن دلالته اولاً وثم بلاغته ثانياً.
من حيث دلالته يتناول علاقة المؤمن بالله تعالی طبيعياً: العلاقة هنا ليس بين مطلق المؤمن وبين الله تعالی بل المؤمن العارف أو السالک، اي: الشخصية التي تمارس عملها العبادي الذي خلق الله تعالی الانسان من أجله، ألا وهو: العمل بمباديء الله تعالی في احسن ادائه، مع ذوبان (الأنا) نهائياً والتعامل موضوعياً فحسب مع الله تعالی ومع مبادئه.
لذلک يشبّه الحديث هذا النمط من التعامل بالنار، بمعنی ان المؤمن يمارس (الحب) حيال الله تعالی فحسب، فاذا مارس بهذا النحو حينئذ لا يری العبد في دنياه غير الله تعالی، انه (يفنی) في حب الله تعالی، ومن ثم: فأن محبة غير الله تعالی تظل متلاشية لا وجود لها في قلبه.
يبقی ان نحدثک عن الصورة التمثيلية او الرمزية وهي: (النار) ووظيفتها في تجسيد الدلالة المذکورة.
من الواضح ان (النار) تحرق الحطب وسواه، فاذا احترق الحطب لا يبقی وجود للشيء، وتبقی النار (وحدها) هي: الفارضة وجودها.
من هنا، فان الامام علياً (عليه السلام) (وهو ممن جعل حبّ الله تعالی ناراً في شخصيته) يظل عارفاً ومتذوقاً هذا الحبّ، ولذلک فان صياغته للعبارة المتقدمة تظل کلاماً او ناراً في قلبه من حيث الصدق: کما هو بيّن.
بلاغة الحديث
لقد ورد بالنسبة الی ابناء الدنيا وعشقهم لهذا المتاع العابر حديث يقول بما مؤداه: ان عشّاق الدنيا قلوبهم خلت من المحبة لله تعالی فابتلاها بحب غيره واذا قارنا بين حبّ الغير الذي ورد في حديث الامام عليّ (عليه السلام) بعبارة (الشيء) اي: عبارة (حبّ الله نار لا يمرّ علی شيء الا احترق)، فهذا يعني: ان کل ما عدا الله تعالی من الأشياء تحترق وتتلاشي عند من عرف الله تعالی، وعرف اهل بيت النبوة (عليهم السلام) (وهم ممن جسّد المعرفة العبادية في أتمّ مستوياتها).
اذن ما اجدر بنا ان نجعل محبة الله تعالی ناراً لا تمرّ علی شيء إلا احترق؟ فنسأله تعالی ان يوفقنا الی ممارسة العمل العبادي، وممارسة الطاعة، والتصاعد بها الی النحو المطلوب، انه سميع مجيب.
*******
بقلم : الدکتور محمود البستانی
المأخذ : arabic.irib.ir