• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

التوطئة

 

التوطئة

 قبل الولوج في صلب الموضوع لابـُدّ من الإشارة إلى نقاط يتعين البدء بها، تجنباً عن الخلط الذي يقطع فيه كثير من الباحثين لسبب أو آخر، وينتهي الأمر إلى التجنّي على الحقائق وإلى الخلط، وإلى أقوال هي بالهزل أشبه منها بالجدّ.

والمؤسف أنّ مثل هذه الأقوال الهزيلة بقيت مع التأريخ كأنّها حقائق مقدَّسة، وكأنّها مسلّمات لا تقبل النقاش، يأخذها المتأخّرون من المتقدّمين بدون الرجوع إلى تمحيص أو إلى مقاييس، فما أعظم مسؤولية هؤلاء الذين رحلوا وخلّفوا هذه التركة الموبوءة، وهذا الزاد المسموم الذي اُبتلي به المسلمون، والله المستعان على الخلاص منه .

وهاهنا نقاط سنجعلها توطئة لهذا العنوان; حتّى إذا دخلناه فعلى بصيرة:

 

1 ـ النقطة الاُولى:

إنّ الشيعة الذين أكتب عنهم هنا وأذكر آراءهم، أو اُدافع عمّا ينسب لهم هم الإمامية الاثنا عشريّة الذين يؤلّفون الجمهور الشيعي اليوم، والذين تملأ كتبهم مكتبات العالم، وإن شئت فقل: الذين تعيش أفكارهم فعلا وتتجسّد في سلوك حيٍّ، وتدوّن آراؤهم فعلا في الفقه والعقائد والتاريخ، ولست أتكلّم عمّن يسمّى شيعياً لغةً; لأنّه ذهب إلى تفضيل عليٍّ(عليه السلام) على غيره، فَعُرِف بالتشيّع من أجل ذلك، وما عدا ذلك فليس له مضمون عقائدي أو فقهي في أبعاد التشيّع، فهناك من سمّي شيعياً وليس له من مضمون، إلاّ أنّه يعتقد أنّ عليّاً أفضل من غيره وأنّه حيّ لم يمت، وقد انقرض هؤلاء الأشخاص من الوجود وهناك من يعدّهم فرقة شيعية إلى الآن .

إنّ مثل هذا القول يُضحك ويُبكي، فهو يُضحك لأنّ مثل هؤلاء الأفراد يُسمّون فرقة، ويُبكي لأنّ المسلمين وصل بهم الإسفاف إلى حدٍّ جعلهم يلتمسون أمثال هذه الحالات للتهريج بعضهم على بعض . ودعني أضرب لك مثلا في مثل هذا الموضوع فانتبه له:

فقد ذكر الرازي في كتابه «اعتقادات فرق المسلمين»: «إنّ من فرق الشيعة: فرقة الكاملية»، وقال عنها ما يلي بالحرف الواحد: «وهم ] أي فرقة الكاملية [يزعمون أنّ الصحابة كلّهم كفروا، إذ فوّضوا الأمر إلى أبي بكر، وكفر عليّ حيث لم يحارب أبابكر».

إنّ هؤلاء الأشخاص الذين لم يبيّن الرازي موقعهم ولا عددهم هم فرقة في نظره، وكلّ مضمونهم الفكري هذه الكلمات الأربع، ثمّ إنّهم يكفّرون الإمام عليّاً وهم مع ذلك شيعة في نظر الرازي، هل سمعت بالأكوس عريض اللحية؟ إنّه هؤلاء .

هل رأيت هذا التناقض، شيعيّ يتشيّع لعليّ وهو يكفّر عليّاً؟

هل رأيت الخصومة كيف تُنسي الإنسان حتّى البديهات؟ وأيّ إنسان؟! إنّه الرازي صاحب العقلية الكبيرة، ومع ذلك يصل إلى حدّ هذا الإسفاف، اللهمّ إنّا نعوذ بك من الخذلان . فراجع ما كتبه الرازي عن هذه الفرقة ونظائرها، وقف بنفسك على هذا التناقض([1]) .

 

2 ـ النقطة الثانية:

إنّ بعض ما يسمّيه كتّاب الفرق ] ويعدّونه[ بأنـّه فرقة قد لا يتجاوز فرداً واحداً له رأي شاذ، وقد لا يتجاوز عدد أفراد الفرقة على أحسن الفروض عشرة أفراد، وقد يكونون منقرضين لا يوجد لهم أثر إلاّ في مخيّلة البعض، أو في وريقات من كتب مهجورة، فماذا تكون نسبة مثل هؤلاء إلى الاُمّة حتّى يسمّون فرقة؟ هذا من ناحية.

ومن ناحية اُخرى، إذا كانت كلّ فرقة تؤاخَذ برأي فرد شاذّ منها ويسمّى ذلك الشاذّ فرقة، فإنّ كلّ فرقة يمكن أن تنقسم حينئذ إلى آلاف الفرق، وسوف ينتهي الأمر إلى أن يعدّ كلّ فرد اُمّة برأسه . فلا يوجد شخص ليس له ما يمتاز به عن غيره في بعض الآراء السليمة، أمّا الآراء الشاذة فما دامت لا تُعدّ من الآراء السائدة والمتعارف عليها عند الفرقة فلا تعتبر من آرائها، وقد بادت بعض الفرق ومع ذلك فلا تزال آراؤهم تلقى على بعض من يعيش اليوم مع أنّه بريء منها .

 

3 ـ النقطة الثالثة:

يتحتّم على كلّ كاتب إذا أراد أن يكون لرأيه وزن أن يشعر بمسؤولية الكلمة، لما يترتب على الكلمة من آثار ولوازم لها خطرها وفعلها في المجتمع، فلابدّ حين الكتابة من أن يعتمد على مصادر الفئة نفسها التي يكتب عنها، على أن يكون ذلك المصدر أو الكتاب من الكتب المعتبرة عند الفئة، والمتسالَم عليها أنّها تمثّل الفئة وتشكّل محصّل آرائهم وجماع مذهبهم، كالصحاح عند السنّة والصحاح عند الشيعة فيما تسالموا عليه من رواياتها واعترفوا بصحته، لا كلّ ما يرد فيها، فإنّ في كتب الصحاح عند الفريقين ما لا يعترف به([2]) . كلّ ذلك مع اعتماد الموضوعية والبحث عن الحقيقة، فضلا عن أن يكتب الباحث عن فرقة ويكون مصدره في البحث عنها من مؤلّفات خصومها، وليت الخصوم الذين يستند إليهم ممّن يُعرف بالصدق والاستقامة، ولكنّهم يستندون إلى أقوال من عُرِف بالوضع والافتعال وعدم التحرّج، فيرسلون رأيه إرسال المسلّمات ويرتّبون على كلامه كلّ اللوازم لتلك الكلمات، وهذا وضع من شأنه أن يسقط كلّ أمثال هذه الكتب عن الاعتبار، فمتى كان الكذب والوضع مصدراً عن أحوال الناس؟! والله تعالى نهانا عن تصديق الفاسقين .

 

4 ـ النقطة الرابعة:

أن يكون الكتاب الذي يؤخذ مصدراً من الكتب ذات الاختصاص بموضوعه، فلا يمكن أخذ رأي فقهيّ لبعض الفرق من كتاب أدب أو قصص، ولا  تؤخذ عقيدة فئة من ديوان شعر، كما رأينا البعض يفعله، فإنّ لكلّ فرع من فروع المعرفة كتباً تختصّ به، فينبغي الرجوع إليها إذا كنّا نتوخّى الدقّة فيما نكتب، وإلاّ فإنّ ما نكتبه سوف لا يوصف بالعلمية .

إنّ الملاحظ أنّ كتب الأدب عندنا تحفل بالآراء العقائدية والفقهية، ويتخذها كثير من الكتّاب مصدراً عمّا يكتبه من عقائد وأحكام الفرق، ولست اُريد أن أقول: إنّ جميع كتب الأدب عندنا لا يعتمد عليها كُلاًّ، وإنّما المقصود أنّ الكتب ذات الاختصاص تكون ألصق بموضوعها وأكثر إحاطة، وبذلك توفّر مصدراً موثوقاً .

 

5 ـ النقطة الخامسة:

إنّ معالجات كتّاب الفرق فيما يقومون به من ] تقويم[ للفرق هي معالجات غير علمية; وذلك لأن المفروض أن تكون العقائد والأحكام عند الفرق مصدرها واحداً من مصادر التشريع المعترف بها والتي تقرّها الشريعة، كالكتاب والسنّة والإجماع وغيرها، فإذا ذهب الشيعة مثلا إلى نظرية التعيين في الخلافة وأوردوا دليلا من الكتاب أو السنّة فينبغي النظر إلى دليلهم، فإذا كان الدليل مستوفياً لشروط الصحة فيها وإلاّ نوقش الدليل علمياً، لا أن يقال: إنّ الفرس يرون لملوكهم حقاً إلهياً بالحكم، وبما أنّ الشيعة يقولون بالنصّ لا الشورى فهم قد أخذوا ذلك من الفرس .

إنّ مثل هذا المنطق لا يصدر عن عقليّة ناضجة، فمتى كان مجرّد الالتقاء مع الآخرين بنظرية معناه الأخذ منهم . إنّ الإسلام مثلا يذهب إلى التأميم في حالات معينة إذا توقفت المصلحة العامة على ذلك، والشيوعية تذهب إلى التأميم، فهل معنى ذلك أنّ الإسلام شيوعي، أو الشيوعية إسلام، لأنّها التقت مع الإسلام في موضوع معيّن؟!

إنّي أطلب من قارئ الكتاب أن يعود إلى كتب الفرق، فإذا وجد فيها منطقاً غير هذا المنطق فليقل ما شاء، إنّ معظم أدلّة ابن حزم والشهرستاني وابن عبد ربه الأندلسي ومن لفّ لفّهم من هذا النمط، وبعضهم يصدر فتاوى بدون دليل وبدون شبهة من دليل، وإنّما هي مجرّد استحسان انقدح في نفسه فأراد أن يدوّنه بدون مسؤولية .

ودعني أضرب لك مثلا واحداً، ذلك هو: أنّ المستشرق فلهوزن ذكر أنّ أصل الشيعة يهودي، واستند في ذلك إلى قول نُسب للشعبي، وقد نقله أصحاب كتب الفرق، كابن حزم والشهرستاني وابن عبد ربه الأندلسي، والقول المنسوب للشعبي هو:

 

قول للشعبي:

قال الشعبي: اُحذّرك الأهواء المضلّة: شرّها الرافضة، فإنّها يهود هذه الاُمّة يبغضون الإسلام كما يبغض اليهود النصرانية، ولم يدخلوا الإسلام رغبة ولا رهبة من الله، إنّ محبّة الرافضة محبّة اليهود .

قالت اليهود: لا يكون الملك إلاّ في آل داود . وقالت الرافضة: لا يكون الملك إلاّ في آل عليٍّ .

وقالت اليهود: لا يكون جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المسيح . وقالت الرافضة: لا جهاد في سبيل الله حتّى يخرج المهدي .

واليهود يؤخّرون صلاة المغرب حتّى تشتبك النجوم، وكذلك الرافضة . إنتهى بتلخيص([3]) .

 

تعقيبان:

هذه القصة استعرضها الدكتور عرفان عبد الحميد في كتابه «دراسات في الفرق»، وعقّب عليها ناقداً ومزيّفاً لها من خلال الاُمور الآتية:

أولا: أنّ العقد الفريد وتاريخ الطبري هي كتب أدب وتاريخ وليست كتب عقائد .

وثانياً: أنّ الطبري استند في هذه الرواية إلى سيف بن عمر، وهو كذّاب متّهم بالوضع، وقد نصّت على كذبه كتب الجرح والتعديل ولم تأخذ بأقواله في شيء .

ثالثاً: أنّ الشُعبي نفسه متّهم بالتشيّع، فلا يصدر منه مثل هذا القول، وإنّما اختاروه فوضعوا على لسانه هذه القصّة . وقد عدّه ابن سعد والشهرستاني شيعياً([4]) . وأنا اُضيف إلى ملاحظات الدكتور عرفان ما يلي:

أ ـ سؤال عن أنـّه: هل لليهود صَلاة يشترط فيها وقت الغروب؟ هذا من جانب، والجانب الآخر: هذه كتب الشيعة كافة في الفقه وأنا أتحدّى من يجد فيها رأياً واحداً يذهب إلى أنّ وقت صلاة المغرب عند اشتباك النجوم، وإنّما إجماعهم أنّه بعد غروب الشمس مباشرة، ويحتاطون فيشترط بعضهم ذهاب الحمرة المشرقية، فليراجع القارئ أيّ كتاب فقه من كتبهم .

ب ـ أمّا الجهاد، فإنّ باب الجهاد في كلّ كتب الشيعة كفيل بالردّ على هذه الفرية، فإنّ حكم الجهاد عندهم أنّه قائم في كلّ وقت بشروطه، كما هو عند سائر الفرق الإسلامية .

ج ـ أمّا كون الخلافة عندهم في آل عليٍّ فليس ذلك منهم، وإنّما هو استناد إلى أدلّة الكتاب والسنّة، وقد تقدّم بعضها وسيرد قسم آخر منها، فينبغي النظر في أدلّتهم والحكم عليها، هل هي تامّة أو لا؟ ثم ينبغي توجيه هذا الانتقاد للنبيّ(صلى الله عليه وآله)لأنّه قال: «الأئمّة من قريش» كما يذهب لذلك جمهور المسلمين .

إنّ هذا النمط من الكلام يوقفك على عقلية هؤلاء الكتّاب الذين يكتبون عن الشيعة، ومصدرهم قول وهميّ ينسب إلى شخص قبل ألف سنة وبين أيديهم مصادر الشيعة ولا يرجعون إليها، فما تسمّي هذا؟

وبعد هذا الاستطراد نعود للهوية العقائدية عند الشيعة، إنّها لا تختلف بشيء عمّا عند باقي فرق المسلمين، إلاّ إذا استثنينا موضوع الإمامة وما يتصل به من صفات الإمام، أمّا باقي نقاط الخلاف التي يفترق بها الشيعة عن باقي فرق المسلمين، فإنّ ما بين المذاهب الأربعة أنفسهم من نقاط الخلاف أضعاف ما يوجد بين السنّة والشيعة، بل إنّ علماء المذهب الواحد وفقهاءهم بينهم من الخلاف أكثر ممّا بين الشيعة والسنّة بدون مبالغة، وربما يرد علينا ما يؤيد هذه الدعوى خلال البحث في فقرات قادمة .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . اعتقادات فرق المسلمين : 60 .

[2] . دراسات في الكافي والصحيح ، لهاشم معروف الحسيني.

[3] . العقد الفريد : 2/409 .

[4] . اُنظر دراسات في الفرق والعقائد : 30 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page