طباعة

الرسالة بين الامام والنصير

دور الشخص الثاني في مسيرة الدفاع عن الرسالة دور هام وجدي ، ألا ترى كيف ان الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - كان دوره العظيم في الدفاع عن الاسلام ، وعن القرآن ، وعن رسول الله - صلى الله عليه وآله - دورا اساسيا ؟ وكذلك كان دور أبي الفضل العباس - عليه السلام - بالنسبة الى أخيه الامام الحسين - عليه السلام - ، وكما كان دور مالك الاشتر للدفاع عن الامام أمير المؤمنين - عليه السلام - ، وفيما يتصل في حياة الانبياء كان هكذا دور هارون بالنسبة الى موسى ابن عمران - عليهما السلام - .

ان الشخص الثاني في مسيرة الرسالة حينما يذوب وينصهر في شخصية القائد الاول ويدافع عنه ، ويبالغ في احترامه ، ونصرته والنصيحة له ، يضرب المثل الصالح للآخرين ، ولما يجب ان يكونوا عليه تجاه القائد . فلقد ضرب الامام علي - عليه السلام - أروع الأمثلة للمنهج الذي كان ينبغي للمسلمين ان يتعاملوا به مع رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - . وهذا كان أمرا مهما ، لان الناس يمكنهم ان يقتدوا برسول الله - صلى الله عليه وآله - في أمور كثيرة ، ما عدا أمر واحد ، وهو كيفية احترام الرسول الأعظم - صلى الله عليه وآله - ، ونوعية الدفاع عنه ، ومنهجية التعامل معه . ففيما يتصل بهذا الجانب ، تحتاج الامة الى قدوة عملية ، وكان الامام علي - عليه السلام - هو ذلك القدوة ، حيث علم الناس كيفية التعامل مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، وكيف ينبغي احترام مقامه ، وكيف ينبغي انه يفديه بنفسه في منامه في فراشه في ليلة الهجرة ، وفي دفاعه عنه في الحروب وكيف كان يذب عنه ، ويقي نفسه بنفسه .. ولولا الامام علي - عليه السلام - وهذه المنهجية ، لم يعلم المسلمون كيف يتعاملون مع رسول الله - صلى الله عليه وآله - ، ولعلهم كانوا يرفعون اصواتهم فوق صوته ، ويتقدمون عليـــه ، وربمــا يخاطبونــه كما يخاطب بعضهم بعضا ، وقد مرت عشرات السنين على رحيل رسول الله - صلى الله عليه وآله - . وسئل الامام علي - عليه السلام - لم لا يختضب ؟ فقال - عليه السلام - : نحن في عزاء رسول الله .

وقبيل شهادته يسأله اصبغ بن نباته ويقول له : أنت أفضل أم محمد ؟ فيقول الامام علي - عليه السلام - له : انا عبد من عبيد محمد .

لقد كان الامام علي تجليا لشخصية رسول الله - صلى الله عليه وآله - واخلاقه وعلمه ، وآية لصدق رسالته ، ومبالغا في الدفاع عن رسالته ..

وهكذا كان سيدنا العباس - عليه السلام - بالنسبة الى اخيه وامامه وحجة الله عليه والسبط المنتجب الحسين - عليه السلام - .

كان العباس - عليه السلام - فقيها من فقهاء أهل البيت - عليهم السلام - ، وكان القائد الشجاع والكريم المضياف ، والعــابد الزاهد ، وكان بالتالي شخصية متكاملة من جميع الجهات ، ولكنه كان منصهرا في شخصية أخيه الحسين - عليه السلام - ، ومبالغا في طاعته والنصيحة له ، وهكذا عرف الناس كيف ينبغي ان يتعاملوا مع الامام - عليه السلام - .

لقد عرفهم عمليا مقام أبي عبد الله الحسين - عليه السلام - ، ذلك لان أكثر الناس لا تسمو البصيرة بهم الى معرفة مقام الأئمة المعصومين ، ومقام ولايتهم . وهكذا نجد النبي موسى - عليه السلام - يدعو ربه ان يجعل له وزيرا من أهله حيث يذكر لنا القرآن ذلك بالقول :

قال رب اشرح لي صدري * ويسر لي أمري * واحلل عقدة من لساني * يفقهوا قولي * واجعل لي وزيرا من أهلي * هارون أخي * أشدد به أزري * وأشركه في أمري . (1)

وهكذا علينا ان نفقه مقام الأئمة المعصومين - عليهم السلام - ، ومن نصبهم الأئمة من العلماء الربانيين ، نفقه مقامهم ، ومنهج التعامل معهم من خلال معرفة سيرة أبي الفضل العباس - عليه السلام - والتي نعرفها من خلال زيارته التي تلوناها آنفا . ذلك لانه لا يسمو كل الناس الى مستوى القيادة ، ولكن كل الناس يتعاملون مع القيادة ؛ وأبو الفضل العباس - عليه السلام - يعطيك المنهج الأمثل في الدفاع عن الدين ، وعن أهل بيت الرسالة ، وعن القيادات الشرعية التي فرض عليك طاعتهم واتباعهم والدفاع عنهم . وهذا درس عظيم نتعلمه من أبي الفضل ، وانه لدرس هام لانه يساهم في بناء التجمع الرسالي ، والبنيان التوحيدي بناءا رصينا قويا قادرا على تحدي اعاصير الفتنة ، وعواصف الشهوات .

فسلام الله عليك يا أبا الفضل العباس يوم ولدت للدفاع عن الحسين ويوم استشهدت في سبيل الاسلام تحت راية الحسين ، وحين تبعث حيا مع الحسين سلام الله عليكما ورحمته وبركاته .
______________
(1) طه / 25 - 32