مَن الذي حاك عبدالله بن سبأ:
إنّ الذي يريد التعرّف على مصدر ولادة عبدالله بن سبأ سيجد أنّه ولد من روايات الطبري، وروايات الطبري تستند في هذا الموضوع على ركيزتين هما:
أ ـ الركيزة الاُولى:
سيف بن عمر، وتقول عنه كتب التراجم ما يلي بالحرف الواحد:
يقول ابن حبان: كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الأثبات، وقالوا: إنّه كان يضع الحديث، واتُّهم بالزندقة .
كما يقول عنه الحاكم النيسابوري: اتُّهم سيف بالزندقة، وهو بالرواية ساقط .
ويقول عنه ابن عدي: بعض أحاديثه مشهورة، وعامّتها منكرة لم يتابع عليها .
ويقول عنه ابن معين: ضعيف الحديث، فليس فيه خير .
وقال ابن حاتم: متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي .
وقال عنه أبو داود صاحب السنن: ليس بشيء .
وقال عنه النسائي صاحب السنن: ضعيف .
وقال عنه السيوطي: إنّه وضّاع.
وقال محمّد بن طاهر بن عليّ الهندي عنه: سيف بن عمر متروك، اتُّهم بالوضع والزندقة، وكان وضّاعاً([1]) .
ب ـ الركيزة الثانية:
السري بن يحيى كما يسِّميه الطبري، وهو ليس بالسري بن يحيى الثقة، لأنّ السري بن يحيى الثقة يكون زمانه أقدم من الطبري، فقد توفّي سنة (167 هـ )، في حين ولد الطبري سنة (224 هـ )، فالفرق بينهما سبعة وخمسون عاماً، ولا يوجد عند الرواة سري بن يحيى غيره، ولذلك يفترض أهل الجرح والتعديل أنّ السري الذي يروي عنه الطبري يجب أن يكون واحداً من اثنين كلّ منهما كذّاب، وهما: السري بن إسماعيل الهمداني الكوفي وهو أوّلهما، وثانيهما السري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد المتوفّى سنة (258 هـ )، والذي أدرك ابن جرير الطبري وعاصره أكثر من ثلاثين عاماً . وكلّ من هذين قد كذّبه أهل الحديث واتّهموه بالوضع، فقد كذّبهما صاحب تهذيب التهذيب، وصاحب ميزان الاعتدال، وصاحب تذكرة الموضوعات، وصاحب لسان الميزان، وغيرهم، واتّهموا كلّ واحد منهم بالوضع، وبوسع القارئ مراجعة المصادر التي ذكرتُها في ترجمة المذكورين([2]) .
وقد ذكر النقّاد للطبري سبعمائة حديث وحديثاً واحداً، وهذه الأحاديث تغطّي زمن الخلفاء الثلاثة، وأسانيد هذه الروايات كلّها عن السري الكذّاب، وعن شعيب المجهول، وعن سيف الوضّاع المتّهم بالزندقة .
ومن تلك الروايات رواياته في أحوال عبدالله بن سبأ، وسنده عن شعيب وعن سيف بن عمر، وكلّ من كتب عن عبدالله بن سبأ فهو عيال على الطبري وعنه أخذ وإليه استند([3])، ومن ذلك تعرف مقدار ما في موضوع عبدالله بن سبأ من وثاقة وصدق، وفي رأيي أنّ من العبث أن نَلفت أنظار هؤلاء الذين يصرّون على وجوده وما قام به من أعمال، لأنـّهم يوجِدونه حتّى لو لم يكن موجوداً; وذلك لاُمور في نفوسهم .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . تهذيب التهذيب لابن حجر : 4/295 ، والغدير للأميني : 8/126.
[2] . لسان الميزان : 3/12 ، والغدير للأميني : 8/459.
[3] . انظر الغدير للأميني : 9/301.