• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إجماع أم مؤامرة!!

لقد ادعيتم أن إجماع الصحابة هو أقوى دليل على إثبات خلافة أبي بكر وصحتها. واستدللتم بحديث: لا تجتمع أمتي على الخطأ، أو لا تجتمع أمتي على ضلال.
فالأمة أضيفت إلى ياء المتكلم، فتفيد العموم كما قال النحويون ، فعلى فرض صحة الحديث يكون معناه: إن أمتي كلهم من غير استثناء إذا أجمعوا على أمر فذاك الأمر لا يكون خطأ أو ضلالا.
وهذا هو الإجماع الذي يتضمن رأي حجة الله تعالى في خلقه، لأن الأرض لا تخلو من حجة لله عز وجل ـ كما جاء في روايات الفرقين ـ.
ثم إن هذا الحديث ـ على فرض صحته ـ لا ينخ الأحاديث النبوية والنصوص الجلية في تعريف النبي (ص) خليفته في البرية.
ولو تنزلنا وسلمنا برأيكم والتزمنا بهذا المقال، بأن النبي (ص) لم يعين خليفته بأمر الله العزيز المتعال، وإنما كان يشير إلى علي (ع) ويرشحه للخلافة برأيه الشخصي، وقد فتح على الأمة باب الاختيار وفسح لهم المجال، وأقر إجماعهم بقوله (ص): لا تجتمع أمتي على خطأ أو ضلال.
فنقول: إن الإجماع الذي أقره النبي (ص) ما حصل في خلافة أبي بكر ولم يحصل لغيره.
الحافظ: نفي الإجماع على خلافة أبي بكر (رض) أمر غريب!
لأنه حكم في الأمة بعد النبي (ص) أكثر من سنتين من غير مخالف أو منازع، وانقاد له جميع المهاجرين والأنصار، وبهذا حصل الإجماع على خلافته.
قلت: إن هذا كلام مغالطة وجدل! لأن سؤالي وكلامي كان حول إجماع الأمة على خلافة أبي بكر في بداية الأمر، حينما اجتمعوا في السقيفة، وهل وافق الحاضرون كلهم على خلافته؟!
وهل اتفق رأي المسلمين الذين كانوا في المدينة المنورة على خلافته آنذاك؟!
وهل كان لرأي سائر المسلمين ـ الذين كانوا خارج المدينة المنورة ، حواليها أو بعيدين عنها ـ أثر في الانتخاب؟!
أم ليس لرأيهم محل من الإعراب؟!
الحافظ: لا نقول إن اجتماع السقيفة كان يمثل جميع الأمة، وإن كان فيه كثير من كبار الصحابة، ولكن الحاضرين فيها اختاروا أبا بكر، وبعد ذلك وافقهم المسلمون فحصل الإجماع تدريجيا مع مرور الزمن!
قلت: بالله عليكم فكروا وأنصفوا! هل الإجماع الذي أقره رسول الله (ص) في حديثه حصل في السقيفة، مع مخالفة سعد بن عبادة الخزرجي وأهله وأنصاره ؟!
فهل تكشف واقعة السقيفة عن إجماع الصحابة البررة، أو تنبئ عن مؤامرة مدبرة؟!
وإذا ما كانت هناك مؤامرة، ولم تتدخل فيها الأغراض والأطماع، لماذا لم يصبروا حتى يتحقق الإجماع؟!
وكلنا نعلم، بأن الأوس قد وافقوا على خلافة أبي بكر لا لمصلحة الإسلام، بل بسبب النزاعات والخلافات التي كانت بينهم وبين الخزرج، وقد كانت لها جذور جاهلية، فلما رأوا كفة سعد بن عبادة قد رجحت وكاد أن يبتز الحكم، أسرعوا إلى أبي بكر فبايعوه رغما لأنوف مناوئيهم الخزرجيين.
وأما المسلمون خارج السقيفة، لما سمعوا بما حدث في السقيفة ذهلوا وبهتوا، ثم انجرفوا مع التيار، وكان أكثر الناس في ذلك المجتمع همجا رعاعا ، ينعقون مع كل ناعق، ويميلون مع الريح.
وهم الذين يصفهم الباري عز وجل بقوله: (ٍ وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن يتقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين)(22).
وسوف يخاطبهم الله تعالى في جهنم بقوله سبحانه: (لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون)(23) و(24).
وأما الذين استقاموا على الدين، وثبتوا في طريق الحق واليقين، وتمسكوا بولاية سيد الوصيين، واعتقدوا خلافة وإمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، فعددهم قليل، وهم الذين يصفهم ربهم سبحانه وتعالى بقوله: (وقليل من عبادي الشكور)(25).
وهم صفوة أصحاب رسول الله (ص) وأهل بيته المطهرون وعترته الطيبون، وهم الذين غضبوا من أحداث السقيفة وأعلنوا مخالفتهم لبيعة أبي بكر.
فلذلك نقول أن الإجماع ـ الذي تدّعونه لإثبات وتصحيح خلافة أبي بكر وشرعيتها ـ لم يحصل!
الحافظ: يحصل الإجماع ويقع إذا وافق أهل الحل والعقد وسنام الأمة على أمر، وليس من حق أي مسلم أن ينقض ما أبرموا.
قلت: إن هذا التفسير والمعنى لكلمة الإجماع ادعاء لا دليل عليه ، وهو خلاف ظاهر الحديث الذي تمسكتم به لتشريع الإجماع.
فالحديث يصرح: لا تجتمع أمتي على خطأ ـ أو ضلال ـ.
فكيف استخرجتم هذا المعنى، وخصصتم الأمة بأهل الحل والعقد والسنام ـ أي الطبقة العليا من المجتمع ـ ثم ألزمتم الآخرين باتباع رأي أولئك وإطاعتهم؟!!
والحال إن إضافة الأمة إلى ياء المتكلم، أو نسبتها إلى ياء النسبة تفيد العموم، فلا يجوز عند النحويين أن تخصص الأمة بعدد من الصحابة دون الآخرين.
وحتى إذا سلمنا أن الإجماع يحصل بتوافق أهل الحل والعقد، فهل الذين حضروا السقيفة كانوا أهل الحل والعقد دون سواهم؟!
أم كان في المدينة وحواليها آخرون من أهل الحل والعقد، ولم يحضروا آنذاك في السقيفة؟!
فهلا أخبروهم بانعقاد ذلك المؤتمر ودعوهم للحضور؟!
وهلا استفسروا عن رأيهم في خلافة أبي بكر؟!
الحافظ: الظروف ما سمحت بذلك، فإذا كان على الشيخين أن ينتظروا رأي جميع أهل الحل والعقد الذين كانوا في المدينة المنورة وخارجها، لكانت دسائس المنافقين تعمل عملها، فلذلك لما سمع أبو بكر وعمر (رض) أن جماعة من الأنصار اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة، ليتشاوروا في أمر الخلافة، أسرعا إليها وتكلما استوليا به على الوضع.
ثم إن عمر ـ الذي كان رجلا سياسيا وشيخا محنكا ـ رأى صلاح الإسلام في أن ينابيع أبا بكر بالخلافة، فمد يده وبايعه، وتبعه أبو عبيدة بن الجراح والأوسيون.
فلما رأى سعد بن عبادة ذلك، خرج من السقيفة غاضبا غير راض عما حصل، لأنه كان يريد الخلافة لنفسه، وتبعه قومه الخزرجيون وخرجوا من السقيفة غاضبين.
هذا هو سبب استعجال الشيخين في أمر الخلافة، ولولا اتخاذهما ذلك الموقف الحاسم في السقيفة لكان الأمر يؤول إلى النزاع بين قبيلتي الأنصار: الأوس والخزرج.
قلت: ما كان اجتماع الأنصار في السقيفة من أجل تعيين خليفة، بل كانوا بصدد تعيين لأنفسهم، وأخيرا كاد التوافق يحصل بأن يكون للأوس أمير وللخزرج أمير وهو أشبه شيء برئيس القبيلة وشيخ العشيرة.
فهنا اغتنم الشيخان أبو بكر وعمر الفرصة من نزاع القوم، فتقدم أبو بكر وتكلم في أمر الخلافة، وتعجل عمر في بيعته، وإلا لو كان الاجتماع من أجل تعيين خليفة رسول الله (ص) لكان الاجتماع يضم كل الصحابة الذين كانوا في المدينة المنورة من المهاجرين والأنصار، وحتى الذين كانوا في معسكر أسامة بن زيد خارج المدينة.
فإن رسول الله (ص) في أواخر أيامه عقد راية لأسامة وأمر المسلمين بالانضمام تحتها، وكرر الأمر بقوله (ص): أنفذوا جيش أسامة، لعن الله من تخلف عن جيش أسامة!
وكان الشيخان تحت إمرة أسامة بن زيد، ولكنهما تخلفا وتركا المعسكر، فكان المفروض عليهما أن يستشيرا أميرهما في مثل ذلك الأمر الهام، ولكنهما استبدا بالرأي وما شاوراه!
فلذلك لما سمع بما حدث في السقيفة وان أبا بكر صار خليفة جاء إلى مسجد النبي (ص) واعترض، فاقترب منه عمر قائلا: لقد انقضى الأمر وتمت البيعة لأبي بكر، قم وبايع ولا تشق عصا المسلمين! فقام وبايع!
ولكن كان لأسامة أن يقول: لقد جعلني رسول الله (ص) أميرا عليك وعلى أبي بكر ولم يعزلني بعد، فكيف يصبح أميركم الذي أمّره رسول الله (ص) تحت إمرتكم؟!
أما أمركما رسول الله (ص) بطاعتي؟! وأمركم أن تكونا تحت إمرتي ؟! فكيف انعكس الأمر؟!!
فإن تقولوا: إن المسافة كانت بعيدة بين المدينة والمعسكر والظروف الراهنة ما سمحت للشيخين أن يستشيرا أميرهما أسامة ومن كان تحت رايته من ذوي البصائر وأهل الحل والعقد!
فما تقولون في بني هاشم الذين كانوا مجتمعين في بيت رسول الله (ص) وكذلك الصحابة المقربين الذين كانوا آنذاك عند جثمان النبي (ص) يعزون أهله المصابين بتلك المصيبة العظمى؟!
فلماذا ما استشار أولئك، وبالخصوص علي بن أبي طالب والعباس(26) عم رسول الله (ص) وهما بإجماع المسلمين كانا من أهل الحل والعقد في الإسلام وكانا من ذوي البصيرة والرأي، هل المسافة كانت بعيدة؟!! أم الظروف الراهنة ما سمحت؟!!
الحافظ: أظن بأن الأمر كان خطيرا والخطر كبيرا بحيث لم يمكن للشيخين ترك السقيفة حتى لحظة واحدة.
قلت: ولكن أقول: إن الشيخين ما أرادا أن يخبرا عليا وبني هاشم وسائر الصحابة، بل كانا يريدان خلو الساحة من أولئك، حتى يحققا أمرا دبّراه فيما بينهما!
الحافظ: وهل لكم دليل على ذلك؟
قلت: أولا: كان بإمكانهما أن يراقبا الوضع في السقيفة ويبعثا أبا عبيدة الجراح، فيخبر بني هاشم وسائر الصحابة.
ثانيا: قبل أن يأتي الشيخان إلى السقيفة، كان أبو بكر مع المجتمعين في بيت رسول الله (ص)، فجاء عمر عند الباب ولم يدخل البيت، فطلب أبا بكر وأخبره باجتماع الأنصار في السقيفة، ولم يخبر الآخرين، ثم أخذه معه وانطلقا نحو السقيفة.
الحافظ: هذا الخبر من أقاويل الروافض!
قلت: سبحان الله، مالك كلما عجزت عن الجواب، اتهمت الشيعة وأسأت إليهم بالكلام؟!
ولقد تكرر منك هذا الموقف العنيف، ثم ثبت للحاضرين زيف كلامك وبطلان رأيك هذه المرة كذلك.
ولكي تعرف الحقيقة فراجع تاريخ محمد بن جرير الطبري ـ من كبار أعلامكم ومؤرخيكم في القرن الثالث ـ 2/456، ونقل عنه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 2/38 فقال: وروى أبو جعفر أيضا في التاريخ، أن رسول الله (ص) لما قبض اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة ـ إلى أن قال: ـ وسمع عمر الخبر فأتى منزل رسول الله (ص) وفيه أبو بكر، فأرسل إليه: أن أخرج إلي، فأرسل: إني مشغول، فأرسل إليه عمر أن أخرج، فقد حدث أمر لا بد أن تحضره فخرج فأعلمه الخبر، فمضيا مسرعين نحوهم ومعهما أبو عبيدة.... إلى آخر الخبر(27).
فبأي دليل ومنطق، تسمون هذه الواقعة، إجماع الأمة وإجماع أهل الحل والعقد؟!
إن هذه الطريقة في تعيين رئيس الجمهورية أو أمير القوم أو خليفة رسول الله (ص) تخالف القوانين السماوية والأرضية، وتناقض سيرة العقلاء في العالم وترفضها جميع الأمم والشعوب، لا الشيعة فحسب!

______________________________
22- سورة آل عمران، الآية 138.‏
23- سورة الزخرف، الآية 78.‏
24- روى علماؤنا الأعلام وجمع من محدثي العامة وأعلامهم،عن رسول الله(صلى ‏الله عليه وآله) أنه ‏قال: " علي مع الحق والحق مع علي "... منهم:‏
الخطيب البغدادي، في تاريخ بغداد 14/321 بسنده عن أبي ثابت مولى أبي ذر، ‏عن أم سلمة ـ أم المؤمنين ـ رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) يقول: علي مع الحق، والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي ‏الحوض يوم القيامة.‏
وأخرج الحافظ الهيثمي في كتابه مجمع الزوائد 7/ 236 بسنده عن سعد بن أبي ‏وقاص، قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في دار أم سلمة يقول: علي ‏مع الحق ـ أو الحق مع علي ـ حيث كان.‏
والحافظ ابن مردويه في " المناقب ".‏
وكذلك السمعاني في كتاب " فضائل الصحابة " أخرجا بالإسناد عن محمد بن أبي ‏بكر، عن عائشة، أنها قال ـ سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مع ‏الحق والحق مع علي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. وأخرج ابن مردويه في " ‏المناقب "..‏
والديلمي في " الفردوس "، رويا: أنه لما عقر جمل عائشة ودخلت دارا بالبصرة أتى ‏إليها محمد بن أبي بكر فسلم عليها فلم تكلمه، فقال لها: أنشدك الله أتذكرين يوم ‏حدثتيني عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: الحق لن يزال مع علي، وعلي ‏مع الحق، لن يختلفا ولن يفترقا؟! فقالت: نعم!‏
وروى ابن قتيبة في الإمامة والسياسة:70 ط مطبعة الأمة بمصر سنة 1328هجرية، ‏قال: وأتى محمد بن أبي بكر فدخل على أخته عائشة رضي الله عنها، قال لها: أما ‏سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مع الحق والحق مع علي، ثم ‏خرجت تقاتلينه بدم عثمان؟!‏
وأخرج ابن مردويه في " المناقب " عن أبي ذر رحمة الله تعالى أنه سئل عن ‏اختلاف الناس: فقال: عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام ، ‏فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مع الحق، والحق مع ‏علي وعلى لسانه، والحق يدور حيثما دار.‏
الزمخشري في " ربيع الأبرار " روى......‏
والعلامة الحمويني في " فرائد السمطين " روى أيضا بسنده عن شهر بن حوشب، ‏قال: كنت عند أم سلمة رضي الله عنها إذ أستأذن رجل، فقالت له: من أنت؟ قال: ‏أنا أبو ثابت مولى علي عليه السلام. قال: ام سلمة: مرحبا بك يا أبا ثابت ،ادخل. ‏فدخل فرحبت به ثم قالت: يا أبا ثابت! أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ ‏قال: تبع علي بن أبي طالب عليه السلام. قالت: وُفّقت، والذي نفسي بيده لقد ‏سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: علي مع الحق والقرآن، والحق ‏والقرآن مع علي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض.‏
وأخرج العلامة عبيد الله الحنفي في أرجح المطالب: 598 ط لاهور.‏
وأخرج الحافظ ابن مردويه في المناقب.‏
وكذلك الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 9/134 ط مكتبة القدسي بالقاهرة، عن ‏أم سلمة أنها كانت تقول: كان علي مع الحق من اتبعه اتبع الحق، ومن تركه ترك ‏الحق، عهد معهود [كذا] قبل يومه هذا. قال: رواه الطبراني.‏
القندوزي في " ينابيع المودة " الباب العشرين، عن الحمويني، عن ابن عباس ‏رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الحق مع علي حيث ‏دار.‏
أخرج المحدث الحافظ البخشي في " مفتاح النجا "..‏
وكذلك عبيد الله الحنفي في ارجح المطالب:598 و599.‏
أخرجا عن أبي موسى الاشعري انه قال: اشهد أن الحق مع علي ولكن مالت الدنيا ‏بأهلها، ولقد سمعت النبي(صلى الله عليه وآله)يقول له: يا علي! أنت مع الحق، ‏والحق بعدي معك.‏
نكتفي بهذا المقدار وبه كفاية لطالب الحق. ‏
((المترجم))
25- سورة سبأ، الآية 12.‏
26- شرح ابن أبي الحديد 1/ 219 ـ221 ط دار احياء التراث العربي بيروت:‏
روى البراء بن عازب، قال: لم أزل لبني هاشم محبا، فلما قبض رسول الله (صلى ‏الله عليه وآله) خفت أن تتمالأ قريش على اخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ ‏الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏فكنت أتردد الى بني هاشم وهم عند النبي (صلى الله عليه وآله) في الحجرة، ‏وأتفقد وجوه قريش، فإني كذلك إذ فقدت ابا بكر وعمر، واذا قائل يقول: القوم في ‏سقيفة بني ساعدة واذا قائل آخر يقول: قد بويع ابو بكر فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب ‏السقيفة، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه وقدموه فمدوا يده ‏فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه، شاء ذلك او أبى.‏
فأنكرت عقلي، وخرجت أشتد حتى انتهيت الى بني هاشم، والباب مغلق، فضربت ‏عليهم الباب ضربا عنيفا، وقلت قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة، فقال ‏العباس: تربت أيديكم إلى آخر الدهر، أما إني قد أمرتكم فعصيتموني.‏
قال البراء: فمكثت أكابد ما في نفسي، ورأيت في الليل المقداد وسلمان وأبا ذر ‏وعبادة بن الصامت وأبا الهيثم بن التيهان وحذيفة وعمارا، وهم يريدون أن يعيدوا ‏الأمر شورى بين المهاجرين.‏
وبلغ ذلك أبا بكر وعمر، فأرسلا إلى أبي عبيدة والى المغيرة بن شعبة، فسألاهما ‏عن الرأي، فقال المغيرة: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له ولوله في هذه الإمرة ‏نصيبا، ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب.‏
[ أقول: هذا معنى المؤامرة المدبرة والخديعة والمكر ].‏
فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة والمغيرة حتى دخلوا على العباس وذلك في الليلة ‏الثانية على وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحمد أبو بكر الله وأثنى عليه، ‏وقال: ان الله ابتعث لكم محمدا (صلى الله عليه وآله) نبيا وللمؤمنين وليا، فمن الله ‏عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى اختار له ما عنده، فخلى على الناس أمورهم ‏ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين، فاختاروني عليهم واليا، ولأمورهم راعيا، ‏فتوليت ذلك، وما أخاف بعون الله وتسديده وهنا ولا حيرة ولا جبنا، وما توفيقي إلا ‏بالله عليه توكلت وإليه أنيب.‏
وما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ فتكونون ‏حصنه المنيع وخطبه البديع ‏فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس، أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك ونحن ‏نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا، ولمن بعدك من عقبك، اذ كنت عم رسول الله ‏‏(صلى الله عليه وآله)، وان كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (صلى الله ‏عليه وآله) ومكان أهلك،ةثم عدلوا بهذا الأمر عنكم، وعلى رسلكم بني هاشم، فان ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله) منا ومكم، فتكلم العباس، فحمد الله وأثنى عليه، ‏ثم قال: إن الله ابتعث محمدا نبيا ـ كما وصفت ـ ووليا للمؤمنين، فمن الله به على ‏أمته حتى اختار له ما عنده، فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين ‏للحق، مائلين عن زيغ الهوى. " هذا الكلام من العباس، من باب المماشاة، أي ‏على فرض أن النبي (صلى الله عليه وآله) خلى الناس ليختاروا لأنفسهم ".‏
فإن كنت برسول الله طلبت، فحقنا أخذت، وإن كنت بالمؤمنين، فنحن منهم، ما ‏تقدمنا في أمركم فرطا، ولا حللنا وسطا، ولا نزحنا شحطا، فإن كان هذا الأمر يجب ‏لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا كارهين، وما أبعد قولك: إنهم طعنوا من قولك إنهم ‏مالوا إليك!‏
وأما ما بذلت لنا، فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك، وإن يكن حق المؤمنين ‏فليس لك أن تحكم فيه، وإن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض.‏
وما أول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، ولكن للحجة نصيبها من البيان.‏
وأما قولك: إن رسول الله منا ومنكم، فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من ‏شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.‏
وأما قولك ياعمر: إنك تخاف الناس علينا، فهذا الذي قدمتموه أول ذلك، وبالله ‏المستعان.ويحدثنا ابن قتيبة في كتابه الامامة والسياسة:12 ط مطبعة الأمة بمصر، ‏فيقولون: ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول: أنا عبد الله وأخو ‏رسول الله (صلى الله عليه وآله)‏ فقيل له: بايع أبا بكر.‏
فقال: أنا أحق بهذا الأمر منكم، لا أبايعكم، وأنتم أولى بالبيعة لي، أخذتم هذا الأمر ‏من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي (صلى الله عليه وآله)، وتأخذونه منا ‏أهل البيت غصبا.‏
ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذ الأمر منهم لما كان محمد منكم، فأعطوكم ‏المقادة، وسلموا إليكم الامارة، فإذا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار، ‏نحن أولى برسول الله (صلى الله عليه وآله) حيا وميتا، فأنصفونا إن كنتم تؤمنون! ‏وإلا فبوءوا بالظلم وأنتم تعلمون!‏
فقال له عمر: انك لست متروكا حتى تبايع.‏
فقال له علي: احلب حلبا لك شطره، وشدّ له اليوم يردده عليك غدا.‏
ثم قال: والله يا عمر لا أقبل قولك ولا أبايعه.‏
فقال له أبو بكر: فإن لم تبايع فلا أكرهك.‏
فقال علي كرم الله وجهه: الله الله يا معشر المهاجرين! لا تخرجوا سلطان محمد ‏في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم، وتدفعون أهله عن مقامه ‏في الناس وحقه.‏
فوالله يا معشر المهاجرين! لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا ‏الأمر منكم ما كان فينا القارئ لكتاب الله، الفقيه في دين الله، العلم بسنن رسول ‏الله (صلى الله عليه وآله) المتطلّع لأمر الرعية، الدافع عنهم الأمور السيئة، القاسم ‏بينهم بالسوية، والله إنه لفينا فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من ‏الحق بعدا.‏
قال بشير بن سعد الأنصاري: لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل ‏بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك. ‏
((المترجم))
27- وروى ابن أبي الحديد في الجزء 6/43 من شرح نهج البلاغة: عن أبي بكر ‏الجوهري، قال: سمعت عمر بن شبة يحدث رجلا، قال: مر المغيرة بن شعبه بأبي ‏بكر وعمر، وهما جالسان على باب النبي (صلى الله عليه وآله) حين قبض، فقال: ‏ما يقعدكما؟
قالا: ننتظر هذا الرجل يخرج فنبايعه ـ يعنيان عليا ـ.‏
فقال: أتريدون أن تنظروا حبل الحبلة من أهل هذا البيت؟! وسعوها في قريش ‏تتسع.‏
قال: فقاما إلى سقيفة بني ساعدة.‏
انظر أيها القارئ الكريم كيف ترك الشيخان أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالبيعة ‏لعلي وأخذا بكلام المغيرة، وقد كافأه عمر إذ ولاه البصرة في خلافته، فزنى فيها ‏بامرأة يقال لها أم جميل، وشهد عليه أربع شهداء ولكن عمر درأ عنه الحد.‏
ونجد تفصل الواقعة في شرح نهج البلاغة ـ لابن أبي الحديد ـ 12/227 ـ 239، وهو ‏بعدما يروي الخبر من تاريخ الطبري ومن كتاب الأغاني ـ لأبي الفرج الأصفهاني ـ ‏يستنتج فيقول في صفحة 239: فهذه الأخبار كما تراها تدل متأملها على أن الرجل ‏ـ المغيرة ـ زنى بالمرأة لا محالة.‏
وكل كتب التواريخ والسير تشهد بذلك وإنما اقتصرنا نحن منها على هذين الكتابين.‏
قال: وقد روى المدائني، أن المغيرة كان أزنى الناس في الجاهلية، فلما دخل في ‏الإسلام قيده الإسلام، وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة.‏
أقول: والمغيرة هو الذي أشار على أبي بكر وعمر فقال: الرأي أن تلقوا العباس ‏فتجعلوا له ولولده في هه الإمرة نصيبا، ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب... ‏إلى آخر الخبر الذي ذكرته في ما علقته قبل هذا التعليق فراجع.‏
وحسب مطالعاتي لأخبار السقيفة، أرى أن المغيرة كان أحد المتآمرين في أمر ‏الخلافة، ولا عجب لأنه ما دخل الإسلام عن بصيرة وإيمان.‏
قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 13/42 ط. دار إحياء الكتب العربية: وقد ‏علم الله تعالى والمسلمون، أنه لولا الحدث الذي أحدث، والقوم الذين صحبهم ‏فقتلهم غدرا، واتخذ أموالهم، ثم التجأ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ‏ليعصمه، لم يسلم، ولا وطأ حصا المدينة.‏
انتهى كلام ابن أبي الحديد. ‏
((المترجم))


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page