• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المرأة بين مهام الحياة و مسئوليات الرسالة


المقدمـة
على الرغم من كل محاولات استضعاف المرأة، واستغلالها بابشع الاساليب.. تبقى المرأة مشعلاً وضاءاً في طريق الاجيال، وعموداً شامخاً لخيمة المجتمع.
وقد راحت المرأة -ولسنـين طويلة- ضحية النظرات الخاطئة تجاهها. فهناك من كان يرى وكأنها جزء من ممتلكاته الشخصية؛ فلا يدعها تبصر الحياة بعينيها، ولا يسمح لعقلها بالتفكير فيما حواليها.. واذا أرادت الحديث في أية مسألة قمعها، واذا حاولت ان تعرب عن رأيها في أي موضوع استهزء بها.. وعلى هذا كانت ارادة الرجل فقط هي الحاكمة في كل كبيرة وصغيرة، ولم تكن المرأة سوى آلة كأنها خلقت لخدمته وقضاء حاجاته وتنفيذ رغباته. وعـلى عكـس ذلك تمـامـاً هنالك من يتعامل مع المـرأة وكأنهـا هـي كل الحياة، ولا رأي للرجل في مقـابلها. فلها مطلق الحريات، وبيدها كل زمام الامور..
هكذا أخطأ كل من نظر للمرأة نظرة افراط أو تفريط. بينما الاسلام
أعطى للمرأة منزلتها الواقعية، وموقعها الطبيعي في المجتمـع. فلم يحرمها من حقوقها المشروعة، ولم يسلبها دورها، ولم يسقط عنها مسؤولياتها.. فدعاها الى طلب العلم، وطالبها باداء فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشجعها على القيام باعمال الخير والاحسـان، ولم يحرمها من الطيبات التي خلقها الله للإنسان.
ولحفظ منزلة المرأة، وعلو شأنها، وضع الاسلام جملة ضوابط لها؛ كالالتزام بالحجاب، ومراعاة العفة.. حتى لا تصبح المرأة سبباً لفساد المجتمع، وتخريب كيانـه. وهكذا فقد احرزت المرأة موقعاً ممتازاً على خارطة الاسـلام؛ وقد سجل لها التاريخ انجازات ضخمة، وادوار عظيمـة في الـدفـاع عن الحق، ونصرة المظلومين، ومجاهـدة الطغـاة..
وهذا ما يدعو المرأة المسلمـة -دائماً وابداً- ان تعي قدرها، وتدرك قيمتها، دون ان تستخف بشخصيتها، وان لا تستهين بطاقاتها..
هذا ما حاول سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي التأكيد عليـه في جملة أحاديث متفرقـة. ونظراً لأهمية هذا الموضوع فـي واقعنـا المعـاصـر، بـادرنا الى تـحـرير تلك الأحاديث واعدادها في كتاب، بغية تعميم نفعها وفائدتها. وقد اضفنا اليها جملة أحاديث عن التربية، وذلك لما لها من علاقة وثيقة بمهام المرأة الحياتية ومسؤولياتها الرسالية. والله من وراء القصد.
القسم الثقافي في مكتب سماحة آية الله المدرسي
طهران: 13/ جمادي الأولى/ 1419 هـ
عن المرأة


المقدمـة
على الرغم من كل محاولات استضعاف المرأة، واستغلالها بابشع الاساليب.. تبقى المرأة مشعلاً وضاءاً في طريق الاجيال، وعموداً شامخاً لخيمة المجتمع.
وقد راحت المرأة -ولسنـين طويلة- ضحية النظرات الخاطئة تجاهها. فهناك من كان يرى وكأنها جزء من ممتلكاته الشخصية؛ فلا يدعها تبصر الحياة بعينيها، ولا يسمح لعقلها بالتفكير فيما حواليها.. واذا أرادت الحديث في أية مسألة قمعها، واذا حاولت ان تعرب عن رأيها في أي موضوع استهزء بها.. وعلى هذا كانت ارادة الرجل فقط هي الحاكمة في كل كبيرة وصغيرة، ولم تكن المرأة سوى آلة كأنها خلقت لخدمته وقضاء حاجاته وتنفيذ رغباته. وعـلى عكـس ذلك تمـامـاً هنالك من يتعامل مع المـرأة وكأنهـا هـي كل الحياة، ولا رأي للرجل في مقـابلها. فلها مطلق الحريات، وبيدها كل زمام الامور..
هكذا أخطأ كل من نظر للمرأة نظرة افراط أو تفريط. بينما الاسلام
أعطى للمرأة منزلتها الواقعية، وموقعها الطبيعي في المجتمـع. فلم يحرمها من حقوقها المشروعة، ولم يسلبها دورها، ولم يسقط عنها مسؤولياتها.. فدعاها الى طلب العلم، وطالبها باداء فريضة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وشجعها على القيام باعمال الخير والاحسـان، ولم يحرمها من الطيبات التي خلقها الله للإنسان.
ولحفظ منزلة المرأة، وعلو شأنها، وضع الاسلام جملة ضوابط لها؛ كالالتزام بالحجاب، ومراعاة العفة.. حتى لا تصبح المرأة سبباً لفساد المجتمع، وتخريب كيانـه. وهكذا فقد احرزت المرأة موقعاً ممتازاً على خارطة الاسـلام؛ وقد سجل لها التاريخ انجازات ضخمة، وادوار عظيمـة في الـدفـاع عن الحق، ونصرة المظلومين، ومجاهـدة الطغـاة..
وهذا ما يدعو المرأة المسلمـة -دائماً وابداً- ان تعي قدرها، وتدرك قيمتها، دون ان تستخف بشخصيتها، وان لا تستهين بطاقاتها..
هذا ما حاول سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي التأكيد عليـه في جملة أحاديث متفرقـة. ونظراً لأهمية هذا الموضوع فـي واقعنـا المعـاصـر، بـادرنا الى تـحـرير تلك الأحاديث واعدادها في كتاب، بغية تعميم نفعها وفائدتها. وقد اضفنا اليها جملة أحاديث عن التربية، وذلك لما لها من علاقة وثيقة بمهام المرأة الحياتية ومسؤولياتها الرسالية. والله من وراء القصد.
القسم الثقافي في مكتب سماحة آية الله المدرسي
طهران: 13/ جمادي الأولى/ 1419 هـ
عن المرأة

المرأة بين الجاهلية والاسلام

المرأة بين الجاهلية والاسلام
من انظمة الحياة الانسانية الكثيرة والمختلفة في الاجتماع؛ والسياسة والاقتصاد والثقافة والعلم والصحة وغير ذلك نظام الاسرة. فالاسرة هي اللبنة الاولى، والركيزة الاساسية في هيكل البناء الاجتماعي الذي يشمخ رصينـا ومتينا اذا ما كانت النواة او الخلية الاسرية تشدّها أواصر المحبة، وتقوّم بناءها اسس التعاون والاخلاص والتنسيق والروح النشطة المثابرة.
لقد اراد الله تبارك وتعالى ان يكون البناء الاجتماعي الفاضل للحياة منطلقاً من البناء الاسري الذي صمّمته الرسالة الاسلامية. فمن مجموع الأسر المتماسكة يكون البناء الاجتماعي الرصين، وسـير الحياة الطبيعي نحوتحقيق الكمال وعبادة الكامل المطلق.
ولعل أبرز وأعظم ما خطّط وبرمج له الاسلام هوالتنظيم الأسري القائم، والمنطلق من اعماق الفطرة الانسانيـة. ونقصد بالتنظيم الأسري تلك المجموعة من السنن والقوانين والانظمة الالهية، والغرائز المهذبة والموجهة بالاتجاه الايجابي السليم، والتي اودعها الله سبحانه في ذات الانسان ذكرا كان أم انثى.
الاسرة هدية المجتمع:
ولو امعنّا النظر وتدبّرنا في مصدر الرقي والتقدم الحضاري، وتتبّعنا امتدادات أشعّة القيم والفضائل والمثل الخيرة، ومنابت الاخلاق والآداب في الوسط الاجتماعي، لرأينا ان ذلك كله ينطلق من التنظيم الاسري المتماسك. فلو كان الكيان الأسري في المجتمع قائما على ركائز الفضيلة والآداب الخلقية النبيلة، فان هذا المجتمع ستسوده روح التعاون والاخاء والمحبة، وسيكون مجتمعا منسجما متّحداً وأهلاً لحمل الامانة الالهية في الحياة. اما اذا اصبح الكيان الأسري كياناً يقوم على الانحراف والرذيلة والتمزق، فان هذا يعني تحلّل هذا المجتمع وانحطاطه وتخلّفه. ولو اتّسع نطاق هذه الانحرافات فانه سيتحول الى امة سوء وضلال وفساد، لا منحى لها في الحياة غير الهزيمة والتراجع، ولا نهاية غير السقوط.
وعلى هذا الاساس فان الاسرة هي التي تحمل هوية المجتمع وسمات الامة، ولو مثّلناها بشكل هرمي فان الاب يشكل قمة هذا الهرم، فهو مسؤول عن رعاية وحماية الزوجة التي هي الركيزة الثانية للاسرة باعتبارها مسؤولة عن تربية الاولاد، وتنظيم شؤون البيت.
فالزوجـة محـميّة مـن قبل الرجـل في النظام الاسري الفاضل، يوليها
فائق الرعاية، ويوفر لها كافة مستلزمات الحياة بقدر طاقته وامكاناته، ويعاملها بلطف ورقّة امتثالاً لقول النبي صلى الله عليه وآله: المرأة ريحانة وليست بقهرمانة ([1]). فينفق عليها، ويفي لها بحقوقها.
وهكذا فان موقـع الاب في الاسرة هو موقع القيادة والقيمومة، والذي اشار اليه تعالى في قوله: « الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ» (النساء/34). وهذه القيمومة ليست مفروضة ودخيلة، بل هي فطرية غريزية منسجمة مع طبيعة البناء الأسري، وباعثة على الرضا والطمأنينة والسكينة بين أعضاء الخليّة الاجتماعية الواحدة. ثم انها تمثّل القيمومة الطبيعية التي تدفع الرجل لأن يضحّي براحته طلبا للرزق و لقمة العيش انطلاقـاً من شعوره بالمسؤولية، واحساسه بالقيمومة العائلية. فهو المسؤول عن توفير المستلزمات الضرورية للحياة، واسباب العيش الكريم لمن هم تحت مسؤوليته ورعايته. ثم انـه مسؤول أيضاً عن توفير الحماية والامن لأسرته لان الرزق والامان يمثّلان امرين اساسيين في حياة الانسان.
الفهم السلبي لقيمومة الرجل:
وعنـدمـا جـعلت القيمـومـة للـرجـل عـلى المـرأة وكيـان الأسـرة ككـلّ، ظهـر الفهـم السلبي لهذه القيمومـة، والذي يشكل خطـراً على التنظيـم الاسـري، والحياة الاجتماعية. ويتمثل هذا الفهم السلبي بـ (الاستبداد)، وهو ان يفرض الرجل آرائه وأحكامه الصارمة على اعضاء اسرته، وخصوصا الزوجة التي تمثّل مركز الامومة، والنصف الآخر من المجتمع الانساني.
وعلى سبيل المثال فان اليونانيين القدماء كانوا يعتبرون المرأة اداة وآلة بيد الرجل، وقد خلقت لتعمل في خدمته ليلاً ونهاراً. فتأمّل مدى انحطاط هذه الرؤية الجاهلية التي نشأت منها عادات كثيرة تسيء الى المرأة ومكانتها، وتحطّ من قيمتها الانسانية؛ ومن هذه العادات المقيتة التي ربما ماتزال آثارها موجودة؛ قتل او حرق المرأة ودفنها حيّة مع زوجها في حالة موته، حيث تجري هذه العادة في بعض مناطق الهند.
ولاشك ان مصدر هذه الخرافات، والممارسات اللاانسانية؛ التصور المغلوط القائل ان المرأة هي مجرد خادمة خلقت لسدّ احتياجات الرجل، وتنفيذ مطالبه. فاذا به يصبح دكتاتوراً يأمر وينهى ويفعل ما يحلو له.
ان غالبيّة الرجال في ظل مثل هذه الاوهام يشكّلون عصبة تعيش الاحساس العنصري والتمييز، وحالة الاستعلاء على المرأة التي تذهب بدورها ضحية هذا الشعور. فترى الرجل يفرض ارادته المجحفة، ويملي الاوامر التعسّفية عليها. ومـن خلال مطالعة التأريخ الانساني نكتشف ان العديد من الرجال الذين غرز في قلوبهم حب النساء، واوجد فيهم الحالة الشعوريـة التي ينطلقـون منها في الدفـاع عن المرأة، وحماية الأسرة ككل، إذا بهم يتحولون بسبب الخرافات والاساطير المسيطرة على مجتمعاتهم الى وحوش كاسرة تفترس المرأة، وتمزق الكيان الاسري لدواع تافهة يسندها الجهل وانعدام الوعي والثقـافــة.
والغريب في الامر ان هذه المعتقدات الخرافية كانت توضع وتصاغ في أطر فلسفيّة، ومن هذه الصياغات الفلسفية القديمة انطلقت تشريعات واهية تستهين بالمرأة؛ منها ما كان يعتبر المرأة جزءً من التركة والميراث، شأنها شأن الاموال والممتلكات، تشترى وتباع، وتورث، فتصبح بعد موت الزوج أمة يرثها احد الابناء عند تقسيم الارث.
ولعلّ افضل تلك التشريعات لم يكن يصل الى مستوى مساواة المرأة مع الرجل بأي شكل من الاشكال. ومن ضمن هذه التشريعات الظالمة؛ ان المرأة كانت تعامل في اوربا الى فترة قريبة بما يشبه ذلك التعامل الروماني. فقد كانت تكد وتعمل وتكدح ليل نهار، ولكنها في نهايـة المطـاف لم يكن لها حق التملك، وليس لها حـرية التصرّف بمـا يقـع تحـت يـدها مـن الاموال، لانها قبل بضعـة قرون لم تكن انسانة في نظرهم.
وهكذا فان النظرة الى المرأة لدى الجاهليتين الاولى والحديثة، انما هي نظرة واحدة، وهي التشاؤم والاستصغار، ولكنّهما تختلفان في طريقة التعامل معها؛ ففي العصر الجاهلي الذي سبق ظهور الاسلام كانوا يرتكبون الجرائم ليتخلّصوا -حسب زعمهم- من شرّ المرأة. فهي مصدر الشؤم عندهم كما يقول تعالى: « وإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالاُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ» (النحل/58-59). ولذلك فقد كانت الانثى تواجه مصير الموت او الحرمان والاحتقار، كحرمانها من الارث ومعاملتها معاملة الأمة والخادمة.. وهذه هي النظرة الجاهلية القديمة.
اما الجاهلية المعاصرة فقد اضحت المرأة فيها العوبة ووسيلة لهو وترفيه وتمتّع، وكأنها ليست تلك الانسانة المكرّمة المحترمة التي اطّرها الله سبحانه وتعالى بالعفاف والحرمة، ورسم لها طريق الرقي والكمال، كما هو الحال بالنسبة الى الرجال. فهي اليوم لاشغل لها إلا الاهتمام بمنظرها وزينتها، لكي تكون جاهزة لأن يقضي الرجل منها وطره، ويشبع نزوته، كما وأضحت سلعة عامة تجذب الرجال اليها بعرض مفاتنها في الشوارع.
حدود القيمومة في الاسلام:
صحيح ان للرجل قيمومة عـلى الأسرة، والمـرأة بشـكل خـاص في الاسلام إلاّ أن هذه القيمومة لها حدودهـا وشروطها التي تنتهي عند التجاوز والتعدي، وعندما تتحول الى عامل ضرر. وشأن هذه القيمومـة هي كشأن قيمومة الحاكم الذي يحكم على الناس. فهي باقية ومستمرة مادامت في اطارها الصحيح.
ويحدد القرآن الكريم لنا حدود هذه القيمومة بقوله: « بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ» (النساء/34). فهي قيمومة مشروطة مقيّدة، وابرز شروطها القدرة على تأمين الرزق، والعقل. فالتفضيل الالهي يراد به هنا -كما أرى- التفاوت في مستوى التفكير والتدبير والابداع الذي مصدره القدرة العقلية، والنشاط الذهني. فالرجل قيّم على المرأة من حيث الانفاق والمسؤولية المعيشية، اللذان يدفعانه الى الحركة والعمل بجد ونشاط لكسب القوت، وتوفير مستلزمات الحياة. امّا الرجل الكسول الاتكالي الاناني الذي لايهمّه إلاّ نفسه، ولا ينهض ليكسب ما ينفقه على زوجته وعياله، فان هذا وامثاله تسقط عنه القيمومة، واذا ما حاول فرضها فان هذا هو الاستبداد بعينه.
ان الأب الحقيقي يجب ان يكون مهتما بشؤون العائلة، فهو اوّل من يحمل آلامها وهمومها. فيجب ان يكون جديرا بهذه المسؤولية، قادرا على استخدام الحكمة والعقل، فيرشد ويوجّه الزوجة والأولاد، ويـكون مضحّيا براحته وسعـادته في سبيل توفيرهما لاهله واطفاله. وهذا هو المعنى الحقيقي للأبوّة والقيمومة على الاسرة.
الدور الأمثل للمرأة:
ولاشك في ان اعظم دور، وافضل نشاط يمكن ان تقوم بهما المرأة ما ينسجم مع طبيعتها التكوينية والنفسية، وهو ما تؤديه في اطار بيتها واسرتها. وهـذا الرأي يؤيده كل انسان منصف لم يتأثر بالابواق الدعائية الفاسدة، والتيارات المنحرفة التي تريد للمرأة الانجراف في عوالم الفساد والانحلال والضياع والمقولات الرخيصة التي تستهدف الحطّ من مكانة المرأة، ومنزلتها المقدسة في المجتمع، والهبوط بها الى الحضيض.
وفي نظري ان المرأة هي عمود خيمة الاسرة، وهي المحول الذي تلتف حوله الاسرة، وينجذب نحوه اعضاؤها، فبها تتآلف الأسرة وتنسجم. ولقد اثبت العلم الحديث ان الطفل يكتسب بعض الطبائع وهو مايزال في بطن أمّه، ويتأثر بالكثير من حـالاتها النفسية سواء كانت ايجابية أم سلبية، وفي الحقيقة فان هذا الاكتشـاف جاء ليؤيد الحديث الشريف القائل: الشقي من شقى في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمّه ([2]) . كما واثبت العلم الحديث ان تأثير طبائع الأم يستمر على الطفل ، ويستمر الى مدة خمسة عشر عاماً. كما ولوحظ -أيضاً- ان الطفل يتأثر، ويرضخ لكلام أمّه واسلوبها العاطفي اكثر من الأب.
وهنا تبرز اهمية ثقافة المرأة ووعيها، وتفتح مداركها. فهي المدرسة الأولى التي يتخرج منها الجيل الجديد الواعـي والناضج، إن أحسن المجتمع تربيتها بحيث تكون اهلا للامومة الصالحة، والتربية الطيبة.
وهناك بعض النساء يتسائلن عن دورهن الاجتماعي الذي من الممكن ان يقمن به؟
وللجواب على هذا السؤال نقول: ان بامكان المرأة ان تؤدي أي نشاط ينسجم مع بنيتها الجسمية، وصفاتها الروحية والعاطفية، وفي حدود المحافظة على عفافهـا. فهي على الصعيد الاجتماعي يمكـن ان تقوم بدور التأليف والتوجيه، والتعليم.. علماً ان بعض الوظائف لايمكن ان تقوم بها إلا المرأة؛ كالتمريض والطبابة الخاصة بالنساء. اما على صعيد البيت الذي هو عالمها الحقيقي المفضّل فهي المسؤولـة عـن ادارة شؤونـه، وتربية وتوجـيه الاطفال، وما الى ذلك من الأمور المنزلية.
فالأم الصالحة الواعية هي التي تنشئ جيل الرجال الابطال الذين وصفهم القرآن الكريم قائلاً: « رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ » (النور/37). فهم الرجال الذين ينشأون في احضان مباركة طاهرة لامّهات كريمات تقف عـلى رأسهنّ فـاطمة سلام اللـه عليها، والسائرات على نهجها.
المرأة في الواقعالإسلامي
نور اللـه سبحانه لابد ان يتجلى في مشكاة، والمشكاة وحدها لاتكفي فهي تحتاج الى مصباح، والمصباح لايضيء إلا بوقود نقي، ولايتسنى له بلوغ ذروة التجلي من دون زجاجة شفافة.
البيوت الفاضلة:
هذه الخصائص كلها متوفرة في الاسرة الفاضلة، التي يقول عنها عز وجل: « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ» (النور/36). فهذه البيوت سمت الى الاهداف العليا، وتخلّت عن صغائر الامور وتوافهها بسبب شيوع ذكر الله في اطرافها. وسمّو هذه البيوت لايأتي من حيث هي بيوت، بل ينبعث من سمو الرجال الذين يعيشون فيها، وسمو هؤلاء الرجال يكون بذكر الله ليل نهار؛ هذا الذكر الذي يتعالى بدوره على الماديات كالبيع والتجارة.
« فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيـُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَـهُ فِيهَـا
بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ*رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الـلَّهِ» (النور/36-37)
والذي يدفع هؤلاء الرجال الى ذكر اللـه في كل وقت، والالتزام بالعبادات والفرائض دوما؛ هو وجل قلوبهم وخوفهم وخشيتهم من ذلك اليوم الرهيب، الذي عـظم في السماوات والارض. ومن خشيته تتحول الجبال الى كثبان مهيلة، وتتفجـر البحـار نيرانا هائلة، وترتعد فرائص ملائكة اللـه وحملة عرشه.
«يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ» (النور/37)
والتقلب يعني ان القلوب تتبدل وتتحول في يوم القيامة، رغم انها في الدنيا قد لاتتبدل بسبب القسوة التي لازمتها.
اذن فليوجه كل واحد منا قلبه في هذه الدنيا على هدى رسالات الله، قبل ان يقسو القلب فيرين عليه الذنب، ويحجبه الاثم، ويعيش في أكنة الخطايا. وجزاء هؤلاء الذين يربّون قلوبهم على ضوء التعاليم الالهية عظيم، حيث ان الانبياء سيحتفون بهم كثيرا، ويدعونهم الى مجالسهم. وحتى الله سبحانه وتعالى يستضيفهم تحت ساق عرشه فيتجلى لقلوبهم، وهذا التجلي هو اعظم من كل نعم الجنة على عظمتها، فيقعون ساجدين للرب شكرا له، فيأمرهم تعالى برفع الرؤوس قائلاً لهم: إليَّ قد اعطيتكم سبعين ضعفاً اضافة لما سبق من الثواب تطبيقا لقوله عز من قائل: «لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ» (النور/38)
البيوت الكافرة:
وفي مقابل بيوت هؤلاء المؤمنين تبدو بيوت الذين كفروا مهدمة جدرانها، خربة سقوفها. فهي لاتستطيع ان تحفظ شيئا من اعمالهم. فهي لاتحجز في مكان حفيظ، بل تتناثر وتذهب هنا وهناك، كما يشير الى ذلك عز وجل في قوله:
«وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْاَنُ مَآءً حَتَّى إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِن فَوْقِهِ سَحَابٌ» (النور/39-40)
فالليل والسحاب وظلمات البحر والامواج المتراكمة فيه، كل ذلك لايبقي بصيصا من النور في القلوب المظلمة التي تربّت في بيوت اللهو والإنشغال بالدنيا؛ البعيدة عن سنن الله واحكامه، والتي تشبه ظلمات قيعان البحر. فتكون قلوب الذين يعيشون فيها مظلمة، من جراء ظلمات الذنوب والفساد والطبيعة البشرية غير المهذبة.
والنور الكفيل بازالة هذه الظلمات لايستطيع احد تسليطه سوى الله جل وعلا، وقد قال ربنا عزوجل: «وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ» (النور/40). ويأتي نور الهداية هذا عـبر ذكر الله جل وعلا.
دور المرأة في بناء الاسرة الفاضلة:
والاسر الفاضلة التي يشكل قسما من افرادها رجال مهديون، بحاجة ماسة الى نساء. لان الله عز وجل يلقي بالمسؤولية على عاتق الاثنين؛ فالمرأة هي التي تحافظ على الاسرة، فهي مشكاتها ووقودها. ولذلك فان علينا ان ندرس مليا الحضارات السائدة، والتجمعات الموجودة، والمجموعات العاملة عبر طبيعة معاملتها للمرأة، ومدى الدور الذي تنهض به فيها، فاذا كانت المرأة ذات بصيرة منحرفة، فان هذه البصيرة ستنعكس على الرجل. وهكذا الحال بالنسبة الى الرجل. فالمجتمع لايمكن ان يكون له موقفان، بل موقف واحد.
ان موقفنا من المرأة ينبغي ان ينبعث من ولائنا لفاطمة الزهراء عليها السلام، والمعرفـة بدورها في تأسيس البيت الرسالـي، والشجـرة المحمديـة التي ماتزال مستمرة، وستظل كذلك الى يوم القيامة. وموقفنا منها عليها السلام يعبّر عن موقفنا من المرأة اليوم، كما ان اهتمامنـا ومعرفتنا بفاطمة الزهراء عليها السلام ينعكسان على اهتمامنا بأيـة امرأة.
النظرة الايجابية للمرأة:
وعلى كل رجل ان ينظر الى المرأة نظرة ايجابية سليمة، لئلاّ يظلم حقها. كما ان على المرأة بدورها ان لاتنظر الى نفسها بمنظار الحقارة فتستاء، لان الله عز وجل بعث كل الانبياء من الرجال. فالله لم يغفل دور المرأة الرئيسي، حيث انه جعل من النساء قدوات حسنة امثال مريم عليها السلام سيدة نساء عالمها، والصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام سيدة نساء العالمين، والسيدة زينب بنت امير المؤمنين والسيدة خديجة بنت خويلد وآسية بنت مزاحم..
ومن مميزات الخط الرسالي عن الخطوط الاخرى، فهمه العميق لدور المرأة، واهتمامه الجاد بهذا الدور؛ حتى ان الحركات الرسالية في التأريخ الاسلامي كانت تستلهم من شخصية فاطمة الزهراء عليها السلام الشئ الكثير، لانها وقفت بصلابة في سبيل تكريس الخط الرسالي، وترسيخ القيم القرآنية، رغم انها امرأة. ومع ذلك نهضت فاطمة عليها السلام لتكون مثالا اعلى للقيم والمبادئ.
فاطمة الزهراء انموذج المرأة الرسالية:
وقد كانت عليها السلام منبعا للحنان الذي فقده رسول الله صلى الله عليه وآله في طفولته، فقد تجلى الحب الذي لم يره في حياته في تعلق فاطمة به.
وهكذا فان نور الله يتجلى في بيوت المؤمنين مثل بيت فاطمة عليها السلام، التي تزهر لأهل السماء كما تزهر النجوم لأهل الارض عندما تقف في محراب عبادتها. وعندما كانت تربي اطفالها الحسن والحسين عليهما السلام وزينب وأم كلثوم على اسمى معاني الخير والفضيلة، فيغدون انواراً تضيء لأهل الارض. كما انها كانت تقوم بدور جهادي هائل في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وبعد وفاته، وتؤدي دور الدعم لزوجها أمير المؤمنين عليه السلام وهو يمارس اعماله ومهامّه في الساحة الاسلامية.
وبالطبع فان المسؤولية ليست مقتصرة على المرأة فحسب، لأن تربية الرجل لها وهي صغيرة، ومعاملته لها كأخت، وموقفه منها كزوجة أو أم، كل ذلك يؤثر في التخطيط المستقبلي للمرأة. لان الرجل الذي يتطلع الى التقدم في الوقت الذي يأمر فيه زوجته بالاقامة في البيت للقيام بالاعمال المنزلية لا غير؛ لايمكنه ان يساهم في اعطاء المرأة دورها الرسالي.
المرأة لايقتصر دورها على البيت:
والمرأة التبريرية هي التي تشعر بالانهزام أمام الحياة، عندما تحصر دورها بين جدران البيت. صحيح ان من مهمة المرأة ادارة بيتها، ولكن لا يعني هذا ان لا تتطلع الى ادوار اخرى في حياتها.
فالمرأة يجب ان تواصل مسيرة العمل الرسالي الخالد، ففاطمة الزهراء عليها السلام كانت تأخذ بيد حسنيها الى بيوت المهاجرين والانصار لتطالبهم بالاستقامة والثبات على طريق الرسالة باتباع امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام ونصرته وامرأة اليوم عليها ان لاتتعلّل بابنائها، بـل عليها ان تذهب معهم الى سوح العمل الرسالي لتؤدي رسالتها الخالدة.
وقد استطاعت فاطمة الزهراء عليها السلام ان تبرمج حياتها؛ الأمر الذي مكّنها من ممارسة جميع نشاطاتها. فقد كانت تدير بيتها، وفي نفس الوقت كانت تقوم بدورها الجهادي نهارا، والعبادي ليلا.
وعندما انهزمت مجتمعاتنا انهزمت المرأة تبعا لها؛ فالرجل اصابه الانهزام بسبب تنصّله من مسؤوليته، والقائها على عاتق العلماء والمثقفين. اما المرأة فانها انهزمت متذرعة بانها ضعيفة لاتستطيع التحرك لتغيير مجتمعها. ولكن هذه الاعذار غير مقبولة عند الله، سواء كانت من الرجل أو المرأة.
وصايا الى المرأة المسلمة:
وفي هذا المجال اقّدم بعض الوصايا للمرأة، علّها ترتفع الى مستوى المسؤولية الخطيرة الملقاة على عاتقها:
1- لابد ان يساهم الرجل في تنظيم حياة المرأة سواء بالتوجية، ام باتخاذ المواقف المناسبة من خلال معرفة دور الطرف الآخر. فالرجل عليه واجبات، وكذلك المرأة. ولكن طبيعة تقسيم الادوار ينبغي ان تكون عادلة، لان ذلك سوف يؤثر في مواقف المرأة ومدى تحرّكها في الساحة.
2- على المرأة ان تخطط لمستقبلهـا الستراتيجي للتكيّف مع الظروف المختلفة التي تنتاب حياتها، وخصوصا من الناحية الجسديّة. فاذا ارادت لنفسها الصحة والسلامة، فانها تستطيع ذلك عبر برمجة اكلها وشربها وطريقـة حياتهـا والالتـزام بالبرامج السليمة لبناء قدرتها البدنيّة.
واذا اعطت المرأة ناحيتها الصحية حقها، فانها ستستطيع حينئذ ان تدخل الى سائر المجالات، فتنظّم برامجها بدقة للوصول الى اهدافها، وتتجنب المسائل التافهة التي تشغل فكر الانسان فتمنعه من التخطيط للمستقبل والبرمجة للحياة.
3- الجدّية في تذليل العقبات، وبالاضافة الى الابتعاد عن الصغائر. فان المرأة بحاجة الى الجدية في تذليل المشاكل، لان البعض قد يخطط للتغلّب على المشاكل، إلا انه سرعان ما يتراجع فور مواجهته للفشل، فينهزم نفسيا، وييأس من روح الله. في حين ان اليأس ذنب عظيم يرتفع الى درجة الكفر كما يقول تعالى: « وَلا تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُون » (يوسف/87)
وكذلك الحال بالنسبة الى المرأة فان عليها اذا دخلت ساحة العمل ان تبرمج لنفسها، وتكون جدية في تذليل العقبات امام مسيرتها المقدسة، حتى تسير مع الرجل جنبا الى جنب في خدمة الرسالة الالهية، والوقوف في وجه الجاهلية الحديثة حتى دحرها باذن الله.

المرأة في مجتمع الرسالة

المرأة في مجتمع الرسالة
من ابرز ما يتميز به الدين الاسلامي؛ منه شمولية المبادئ لجميع الحقول، وعلى كافة الاصعدة والمستويات، وفي شتى المراحل المتواصلة للحياة البشرية.
وتتجلى لنا هذه الحقيقة في القرآن الكريم، حيث نجده يخاطب عقل النبي الاعظم صلى الـله عليه وآله بصفته العقل الأوسع والأكبر، كما انه يخاطب في الوقت ذاته عقل الطفل الذي لايكاد يميّز بين الكثير من الامور. فالنبي صلى الله عليه وآله ينتفع من القرآن، ويستشف منه اعظم المعاني وابلغ العبر، وكذلك الطفل يستفيد من هذا الكتاب العظيم حسب قدراته الذهنية ومداركه.
وعلى هذا فان الآيات القرآنية هي كالسحب التي يسقي الله تعالى بها الارض؛ فهي مرتفعة ساميـة تهطل على الوديـان والهضاب والسهول، كما تروي قمم الجبال وسفوحهـا. وكلام الخالق جل وعلا مرتفع ايضاً، وعندما يفيض نوره، وينبعث هداه يشمل ويحيـط بالجميـع.
وهذه الحقيقة تمثل تجلي طبيعة الاسلام؛ فهي تعاليم وواجبـات على الجميع؛ وتربية وقيم لكلّ الناس، ابتداء من الطفل الصغير الحديث الولادة، وانتهاء بالشيخ الكبير الواقف على اعتاب الموت، كما انها تشمل المرأة والرجل بلا استثناء.
فحينما يأمرنا الاسلام بطلب العلم، ويحثنا على السعي فيه، لم يحصر هذا الأمر بالرجل دون المرأة، بل هو طلب شمولي لكل جنس الانسان. لذلك قال رسول الله صلي الله عليه وآله: طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ([3]).
وكذلك حينما يدعوا الاسلام الى فريضتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لم يفرق بين الرجل والمرأة في تحمل مسؤولياتهم في هذا المجال. وقد قال ربنا عز وجل: « وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَولِيَآءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (التوبة/71).
ان هذا الاسلوب الشمولي لايؤدي الى تقوية العمل السياسي فحسب، وانما يعمل على تمتين اواصر الحياة الاجتماعية. وعلى سبيل المثال فعندما يريد رجل سياسي -في ظل المذاهب الوضعية- ان يهاجر لأجل ان يتمتّع بحرية سياسية اكبر، وتطرح امامه احتمالات الاعتقال و السجن والاغتيال، فاننا نراه لايستطيع اقناع زوجته وعائلته. لانهم سيقولون ان أمر العالم لايعنينا، بل تعنينا انفسنا فحسب. وبهذا الاسلوب يخاطبه اهله، ولذلك فانه يلاقي صعوبة في تحركه من بيته، وانطلاقه للعمل لوجود الاغلال الاجتماعية التي تمنعه من ذلك.
هذا في حين ان الانسان المؤمن على العكس من ذلك تماما. فهو عندما ينطلق فان زوجته واهله واقاربه هم الذين يشجعونه، ويدفعونه الى العمل والتحرك والتضحية في سبيل الرسالة الاسلامية.
وهكذا فان لغة القرآن هي تلك اللغة التي تنسجم مع طبيعة جميع افراد البشرية، ولذلك نرى المسلمين حقا يشجّعون ابناءهم على الانطلاق والتحرّك؛ الأمر الذي يجعل الإبن لايشعر وهو في المعتقل بوخز الضمير، والندم لعلمه. ان اهله يقدرون موقفه، ويذكرونه بالدعاء له دوماً.
اما الرساليون الذين يعيشون في بلدان المهجر فان اهاليهم لايشعرون بحرج -بدورهم- لعلمهم ان ابناءهم قد ذهبوا لأداء مهام رسالية. وانهم بذلك يدفعون ثمن الجنة، لأنهم يتحملون مسؤولياتهم الرسالية. اما الزوجة او الأم فانها تتحمّل مسوؤلياتها عبر تربية الاولاد، والقيام بمهام البيت.
ان الروح الرسالية لبعض النساء كان لها الأثر الكبير، في الدور الذي أداه الائمة عليهم السلام على مدى التاريخ. فعلى سبيل المثال فان الامام موسى بن جعفر عليه السلام -شأنه في ذلك شأن سائر العترة الطاهرة- شبّ على اجواء التحرّك في سبيل الله عز وجل، على الرغم من كونه اكثر الأئمة عيالا، وبالرغم من تكالب المشاكل السياسية عليه، وبالرغم -وهو الأهم- من ان كبريات المصائب والبلايا قد توالت عليه الا وهي مصيبة السجن؛ فلقد انصرم عمره الشريف متنقّلاً بين معتقلات وسجون العباسيين غير شاك ولامتذمر. فلقد رضي بالسجن محرابـاً للعبادة، والتقرب الى الله تعالى.
وفي غمرة هذه المراحل الحرجة المتأزمة التي مرّ بها هذا الامام الصابر، لم نسمع يوما ان زوجة من زوجاته قد اعترضت مسيرته الجهادية هذه، بل ان كلا من زوجاته وبناته واولاده واقاربه كانوا ملتزمين بخطه، وسائرين على هداه. وهذا ما تؤكّده لنا احاديثه عليه السلام وأدعيته التي لم يذكر فيها قط ولم يشر الى تململ من ضغط عائلي، أو تضجّر مما قد يعانيه اهله من مرارات الفراق بعده.
والسبب في ذلك ان التربية الاسلامية علّمت المرأة كيف تقوم وتنهض بأعباء المسؤولية كاملة، دون اظهار أية بوادر للجزع، وامارات للضعف.
وهكذا الحـال بالنسبـة الى الامام الحسين عليه السلام، فقـد كان هـو واهل بيته يمثّلون قمة الفضائل والمكارم. وقد تجلت هذه الصفات الاخلاقية السامية بشكلٍ جلي إبان ملحمة عاشوراء.
وموقف بطلة الطّف السيدة زينب عليها السلام في ليلة الحادي عشر، وهي تشير الى جثمان اخيها الشهيد قائلة: ربنا تقبّل هذا القربان من آل محمد صلى الله عليه وآله؛ هذا الموقف هو اوضح دليل على ذوبان اهل البيت في العقيدة الاسلامية. والادوار التي ملأت بها هذه المرأة الشجاعة اطار ملحمة كربلاء، هي اكثر من ان تحصى او توصف بكلام.
وهكذا الحال بالنسبة الى جميع نساء أهل البيت عليهم السلام في كربلاء، فقد كنّ القلعة المنيعة للثلّة المؤمنة التي نزلت الساحة الدموية المحتدمة لاتلوي على شيء، لعلمها ان هناك وراءها زوجات وامهات واخوات، بل وحتى اطفالا هم في مستوى التحدّي، بل وارفع واسمى منه، لايرتضون لهم العودة إلا بالشهادة. فكانوا يتواثبون بقلوب مؤمنة، ويهرعون الى القتال بشوق، وهم موقنون انهم قد خلّفوا وراءهم اهلا لايتململون من آلام الأسر، ولا تحرفهم مرارة الآلام عن جادة الحق والصواب.
نعـم؛ فهذه هـي حالـة الشموليـة فـي الاسـلام، والتي تعني قيـام كل انسان مسلم بدوره الاولي في الدفـاع عن حريم الرسالة ونصرة المجاهدين. الأمر الذي يجعل كل فرد من افراد المجتمع الاسلامي بأنه يندفع و ينطلق من نفس المبدأ، الذي ينطلق منه الرساليون، ويجعل ذات الفكر والقيم والتوجهات الاسلامية التي يحملونها والتي تحدو بأي شاب مسلم ان يتحرك من بلد الى آخر، حتى وان تعرض للصعوبات والمشاكل.. وهذه التوجهات والقيم والمبادئ والاوامر الالهية هي التي تنفخ روح النهضة في زوجته أو أمه أو أخته، وتحرضها على الصمود في وجه المشاكل، وتدفعها الى القيام بأدوار اساسية في العمل في سبيل الله تبارك وتعالى.
واليوم علينا ان نعرف ان العدو استطاع ان يكتشف هذه الميزة المهمة للرساليين. فالاستعمار يستخدم وبصورة مجزأة قوة الجماهير ومن مختلف القطاعات في سبيل دعم قوّته الشيطانية، ومن ضمن هذه القطاعات القطاع النسوي.
ومن هذا المنطلق فقد عمدت الانظمة والحكومات العميلة المعادية للصحوة الاسلامية الى تعبئة الطاقات النسويّة، وصبّ هذه الطاقات في مجالات لاتخدم بأي حال من الاحوال الرسالة الاسلامية. فقاموا بتأسيس الاتحادات النسويّة التي هي في الحقيقة بؤرة موبوءة بانواع المفاسد الاجتماعية، وتضمّ بين طيّاتها مجموعة من النساء اللواتي ليس لهنّ أية علاقة بالقضايا الالهية.
وبعـد تركيـز العمـل، وتعبئـة الطاقـات دخل قسم كبير من النساء المسلمات في هذه الاتحادات طوعا وكرها. وقد راحت بعضـهن يدافعن عن الانظمة الجاهلية، ويسندن الباطل..
والسبب في ذلك ان الجاهليين المجرّدين من الافكار الالهية الاصيلة، اخذوا بزمام المبادرة وعملوا على تثبيت مواقفهم.. اما الاسلاميون فقد تراجعوا وتلكّأوا وتقاعسوا، وحاولوا ان يقنعوا المرأة بأن البيت هو افضل مكان لها، ورضت هي بدورها بقرار لم يكن لها ايّ يد في اصداره.
ونتيجة لتلك الجهود التي بذلتها الحكومات والانظمة المعادية للاسلام، والمتمثلة في إلهاء المرأة، واقحامها في مجالات غير تلك التي عيّنها لها الله سبحانه وتعالى. فقد انشغلت عن ادارة شؤون البيت، والقيام بمسؤوليتها المتمثلة في دعم مسيرة الرجل الرسالية، لتنهمك في الأمور التافهة من قبيل الجري وراء الكماليّات، والحياة المرفّهة. وهي في هذا المجال لايهمّها من اين يحصل الزوج على الأموال التي تؤمن تلك الاحتياجات الكاذبة.
ومن المؤسف ان نرى هذه الظاهرة منتشرة عند بعض الاخوة الرساليين. فقد كان الواحد منهم يفكّر في كيفية القيام بالمشاريع الجهادية، اما الآن فانه اصبح يفكّر في كيفية الخروج مع زوجته للتنزّه والترفيه، أو أن يفكّر في كيفية تلبية رغبات زوجته وتهيئة وسائل الرفاه والرخاء لها!
ان على المرأة التي تمارس على زوجها شتى انواع الضغوط، ان تفكّر بان له طاقة محدودة لايمكن ان تدوم من اجل تحقيق طلباتها الخيالية؛ وعليها ان تدرك ايضاً انه لايستطيع ان يوفّق بين مهامه الرسالية، ومشاغل البيت بشكل كامل. فالحياة تكتنفها الصعوبات، وخصوصاً بالنسبة الى المجاهدين والمهاجرين الذين يريدون ان يطوّروا المسيرة الجهادية، ويعطوا من انفسهم الكثير.
ومن هنا اذا ما أرادت المرأة ان تقدم العون لزوجها العامل في سبيل الله، فعليها ان تتبع اسلوب التقشّف والاقتصاد في حياتها، لكي تسهم بذلك في تخفيف الضغط المعاشي على زوجها.
فالمرأة انما تعتبر زاهدة اذا عرفت كيف تدير البيت، وتدبّر امور المعيشة، دون ان تجعل الرجل محتاجا الى القيام بأعباء هذه الامور لوحده اما اذا فعلت العكس، فلن تكون -عندئذ- تلك المرأة الزاهدة المتقية.
ولا يغيب عنا؛ ان وجود النساء الميّالات الى البذخ والترف لايدعن رجال الأمة ان يساهموا في بناء كيانهم الرسالي، ويسلبن منهم تطلعاتهم في الاعمار..
وعلى هذا يجب تكثيف الجهود والتوجهات حيال القطاع النسوي من المجتمع؛ سواء كان متمثلاً بالأم أو الزوجة أو الأخت أو البنت.. وذلك من خلال تزويد هذا القطاع بالتربية الاسلامية، وتركيز الأفكار والرؤى الرسالية في.. كل ذلك لأجل أن يتمتع النصف الثاني من المجتمع بالوعي والنباهة، وبذلك لا يفقد دوره في مسيرة نهوض الأمة وتقدمها.

عقبات في طريق المرأة

عقبات في طريق المرأة
ان الاسلام يؤمن بان مسؤولية المرأة هي كمسؤولية الرجل، ولذلك فان القرآن الكريم يطلق خطاباته لتشمل كلاّ من الرجل والمرأة؛ فهو اما ان يقول يا أيها الناس او يا أيها الذين آمنوا . ومن المعلوم ان تعبيري الناس، والذين آمنوا، ينطبق على الانسان بصورة عامة بغضّ النظر عن كونه ذكرا ام انثى.
وهكذا فان الخطاب القرآني موجّه الى كل الناس، سواء كانوا رجالاً أم نساءً، ومن الخطأ ان نخصص المسؤوليات الدينية بالرجال. ومثل هذا التصور المغلوط هو افراز لعهود التخلف والانطواء، والهروب من المسؤولية، والغَيبة عن الساحة. فالكثير من المسلمين يتصورون خطأً ان النساء غير مسؤولات عن الواقع الاجتماعي، في حين اننا نرى ان المرأة طيلة تأريخنا الاسلامي المديد كانت تشارك الرجل في كل المجالات الاجتماعية بلا استثنـاء؛ والمثال الواضح على ذلك خديجـة الكبرى سـلام الله عليها، وفاطمـة الزهراء عليها السلام، و العقيلة زينب عليها السلام وغيرهنّ من النساء اللاتي اشتركن بشكل مباشر في العمل الرسالي والنشاط النهضوي، وكنّ شاهدات علـى ان الاسـلام يدفع المرأة للمساهمة في تحمل المسؤوليات الاجتماعيـة والتربـويـة.
وحتى في عصرنا الحديث نرى ان المرأة قـد قامت بين الحين والآخـر بأدوار جبارة؛ والمثال الواضح على ذلك، ثورة العشرين في العراق التي ساهمت فيها المرأة المسلمـة مساهمة فاعلـة؛ وثـورة التنباك في ايران، والتي يروي لنا التأريخ ان المرأة هي التي فجّـرت هذه الثورة، حيث خرجت في اليوم الأول تظاهرة نسائية ضد ناصر الدين شاه في طهران.
اما في عهود التخلف التي لم تشهد قيام أية نهضة، فقد كان المجتمع يوحي للمرأة ان عليها ان تجلس في البيت فحسب.
لا شك؛ ان هناك ثمة عقبـات تعتري دور المرأة، وتحد من مشاركتها في الاعمال التي يقـوم بها الرجل والمسؤوليات الملقاة علـى عاتقه. ومن تلك العقبات ما يلي:
1- الضغوط النفسية والاجتماعية:
ان النساء قد يشتركن احيانا في بعض الاعمال، ولكن خلفية الجمود والجبن، وعدم الشعور الكامل بالمسؤولية.. هذه الخلفية تمارس الضغط عليهنّ.. حالهنّ في ذلك كحال الانسان الذي يريد ان يتسلق مرتفعاً، ولكنه يحمل معه حملاً ثقيلاً. فمن جهة نرى ان عنده اندفاعاً للصعود، ومن جهة اخرى نرى ان الثقل يحاول ان يسحبه ويبطئ من حركته. فالمرأة في مجتمعاتنا تحاول ان تعمل وتتحرك، ولكنّ المجتمع يقف حائلاً دونها.
وفي بعض الاحيان نرى الثقافة التبريرية هي المترسخة في ضمير المرأة، فهذه الثقافة توحي اليها أن ليس من الواجب عليها ان تعمل شيئاً.
2- الزواج ومسؤوليات البيت:
قد يؤدي الزواج بالمرأة المسلمة العاملة الى تحديد نشاطها، أو انسحابها منه بشكل كامل، بسبب عدم قدرتهنّ على التوفيق بين مهام الزواج ومسؤوليات العمل الرسالي. فهناك الكثير من النساء كن يعملن ويجاهدن، وكانت الواحدة منهنّ تمثل كتلة من النشاط والتحرك، ولكنهنّ -للاسف الشديد- لم يعـرفن كيف ينتفعن من الزواج ويحـوّلنه الى باب للمزيد من العمل والنشاط، والجمع بين العمل البيتي والعمل في سبيل الاسلام.
وللاسف فان القسم الاكبر من نسائنا يتصورن ان مهمّتهنَّ في الحياة تتلخص في الاهتمام بالبيت والزوج والأولاد.. وهذا تصور صحيـح، شريطـة ان لاتطغى هذه المهمة على جـميع جوانب حياتها، فعلى الانسان ان يوفّق بين جوانب حياته المختلفة.
3- الجوانب الخلقيّة المبالغ فيها:
ومـن المشاكل الأخـرى التي تقف عقبة في طريق مشاركة المرأة في ساحة العمل؛ الجوانب الخلقيّة المبالغ فيها. فهناك البعض من النساء غير مستعدات لان ينتمين الى مجموعة عاملة من النساء يديرها احد الاخوة المؤمنين ويستصعبن على أنفسهن ذلك، لتصورهن ان هذه الحالة تسلبهن شخصيتهن. في حيث ان العمل مع اخوة مؤمنين يكرس شخصيتهم وينميها.
اضف الى ذلك فان طبيعة العمل الرسالي تقتضي ان تتوزّع المهام، وان تكون هناك عناوين واسماء يعمل الانسان من خلالها. كما يتطلب التفاعل مع من يتصدى لشؤون العمل.
4- عدم معرفة الاساليب المناسبة للعمل:
عدم معرفة المرأة لأساليب العمل المناسبة لها. فهناك البعض من النساء يتصورن ان الابواب مغلقة امامهنّ، ومن الطبيعي ان المجتمع يحاول هو بدوره ان يغلق هذه الابواب في وجه المرأة، لان فمجتمعاتنا لا زالت تعاني من التخلف الكثير الكثير. والذي يزيد الطين بـلّة، ان المرأة تتهيّب و تستصعب عملية فتح تلك الابواب، والمبادرة الى دخول المجالات الكامنة وراءها.
وهكذا فان الكثير من الاعمال بحاجة الى ارادة واندفاع وشجـاعة، لكي يستطيع الانسان ممارستها وفتح ابوابها المغلقة. الا اننـا - للاسف -
لا نبادر الى ذلك بحجة ان الآخرين لم يبادروا إليه.
واذا ما سلّمنا جدلاً بأن المرأة لاتستطيع اقتحام المجـالات المغلقة امامها، فانها تستطيع -على الأقل- ان تساهم بشكل فاعل في حقول العمل المفتوحة أمامها؛ من مثل التأليف والعمل التعليمي... فمثل هذه الاعمال وغيرها من الممكن للمرأة ان تمارسها دون ان تخلّ باعمالها المنزلية.
ومن جملة الاعمال الاخرى التي تستطيع المرأة المسلمة ان تزاولها دون ان تصطدم بأية عقبة؛ عملية تربية النساء الاخريات وارشادهن. وبالطبع فان هذه العملية بحاجة الى شجاعة وصبر من قبل المرأة التي تمارسها. فالانسان الذي يريد ان يوجه الآخرين يجب عليه ان يتحمل الصعوبات اكثر من غيره. والمرأة يمكنها ان تقوم، ولاسيّما في المراحل الاولى من العمل بتوجيه مثيلاتها من النساء، وان تتحمل في سبيل ذلك الصعوبات المتمثلة في الحواجز النفسية التي هي من افرازات عهود الجهل والتخلف.
وحينما ندعو إلى ازالة هذه الافرازات، والقضاء على التحجّر، يجدر ان نتسلّح بشجاعة بالغة وارادة قوية ومثابرة عالية وعدم الشعور بالتعب..
وعلى هذا؛ فان القضيـة المهمّـه التي يجـب التوجـه إليها بجـديـة هي قضية مقاومة الرواسب الجاهلية، وضغوط الشهوات. لأجل أن تأخذ المرأة مكانتها الطبيعية في المجتمع.

المرأة حرة؛ تلك مسؤولة

المرأة حرة؛ تلك مسؤولة
ترى كيف يتعامل الله سبحانه وتعالى مع عباده بقضائه، وكيف يحقق ارادته في اعطاء الملك للمستضعفين في الارض؟؟
ان لذلك تفصيلاً يبيّنه القرآن الكريم، ومن خلال بيانه للتفاصيل يوضح لنا فلسفته ورؤيته العامة تجاه الحياة.
والحقيقة التي يؤكد عليها القــرآن في هذا المجـال؛ ان التاريـخ يُصنـع بحركـة الافراد، لا بحركة الجماعات. فالمجتمعات والشعوب ماهي إلا افراد يقومون بصياغـة التأريـخ، والدليل على ذلك قصـة النبـي موسى عليه السـلام. فهذا النبي العظيم كان يمثل شخصاً يتمتع بقـدرة التحدي، وكـان ينشر هذه القوة بين صفوف بني اسرائيـل الذيـن كانوا قوما مستضعفين لم يستطيعوا لوحدهم تحدي ضغوط فرعـون، بل انتظـروا مجـيء بطـل وقائـد لهم، فكـان النبي موسى عليـه السـلام.
هـذا فـي حـين ان المـذاهـب الاخـرى -كالمـاركسية- تـرى ان الجماهـير هي التي تصنع التأريـخ. وهذه رؤية خاطئة، لان الجماهير لايمكن ان تتزود بالوعي، إلا من خلال افراد يتحركون بين صفوفها، ويستقطبون طاقاتها. وقد صدق المؤرخ المعروف (ارنولد توينبي) عندما قال: ان التأريخ هو التحدي، والاستجابة لهذا التحدي من قبل الامم والشعوب، وبقيادة افراد من دونهم لايمكن ان تؤسس هذه الامم الحضارات.
من مدرسة الامهات:
والقرآن الكريم يؤكد دائما على ان هؤلاء الابطال الذين غيّروا مسيرة التأريخ قد تخرّجوا من مدرسة الامهات. فيذكر لنا مقاومة ام النبي موسى عليه السلام، لا رهاب فرعون وسلطته، وتحديها لقراراته الجائرة. كما يذكر لنا قصة الصديقة مريم بنت عمران عليها السلام ومعجزة ولادتها للنبي عليه السلام.. وغيرهن كان لهن ادوار مهمّة في تأريخ رسالات السماء، وهذه الأدوار تتمثل في بناء وتربية جيل من الابطال الذين يصنعون التأريـخ.
وللأسف فان البعض منا يتصور ان المرأة يجب ان تلازم بيتها ولا تفارقه ابداً، لان الله تعالى قد أوجب عليها الحجاب؛ ولان الحجاب واجب عليها، فيجب ان تبقى في بيتها، ويجب ان تتحـدّد مسؤوليتها في اداء امور وواجبات معينة لاتتعداها.
وهنـا لابـد ان نقول: ان المرأة حرّة، ولانها حرّة ومريدة ومختارة فهي مسؤولة عن كل خطأ يصدر منها، وعن جزء من الفساد الذي يظهر في المجتمع؛ وهي مسؤولة عن اصلاح وازالة هذا الفساد، لان المسؤولية مرتبطة بالحرية، وحيثما كانت الحرية والقدرة على الاختيار تكون هناك ايضاً المسؤولية.
الحجاب في القرآن:
ولقد ذكر القرآن الكريم كلمة الحجاب مرة واحدة، وذلك في قوله تعالى: « وَإِذَا سَأَلْتُـمُوهُنَّ مَتَاعاً فَسْأَلُوهُنَّ مِن وَرآءِ حِجَابٍ » (الاحزاب/53).
وفي موضع آخر اشـار القـرآن الى الحجاب في الآيــة التي تقـول: « وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى» (الاحزاب/33). هذا في حين انه تحدث عن الزواج في آيات كثيرة تربو على المائة.
ونحن نفهم من ذلك ان الشارع المقدس اراد ان يقيم العلاقة الاجتماعية الصحيحة بين الرجل والمرأة والتي من شأنها ان تجتثّ جذور الفساد.
فالحجـاب مهمّ وواجـب، ولكنـه لايشكل عقبة في طريق المرأة، ولا يمنعها من ان تتحرك وتقدم العطاء.
وللأسف فاننا نرفع الحجاب شعارا وتبريرا لتخلفنا، وسلاحا ضد مساهمـة المرأة؛ كما نرفع سائر الافكار والتصورات الخاطئة سلاحاً ضد مساهمة الرجل في بناء الحضارة والحياة.
ان الآيات التي تحدث فيها القرآن الكريم عن المرأة من زاوية وجوب الحجاب عليها، وحرمة التبرج؛ هذه الآيات تقع في سورة الاحزاب، وهي السورة التي خصصت لهذا الموضوع. فلنتأمل هذه الآيات لنرى كيف تحدث القرآن الكريم عن الحجاب:
« يَـا نِسَآءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا * وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِـهِ وَتَعْمَلْ صَالِحاً نُؤْتِهَآ أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقاً كَرِيمًا * يَآ نِسَآءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَآءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَءَاتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ اِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ ءَايَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ اِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً * اِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّآئِمِينَ وَالصَّآئِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُم ْوَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِـرَاتِ أَعَـدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْـراً عَظِيمًا » (الاحزاب/30-35)
ونحـن نلاحـظ في الآيـات السابقـة ان القرآن الكريم تحدث عن الحجاب على ضوء الامور الاخرى التي تطرق اليها، كالعلاقة بين رسول الله صلى الله عليه وآله، وبين نسائه في مجال الدعوة الاسلامية. كما ونلاحظ انه بعد ان تحدث عن الحجاب اشار مباشرة الى اشتراك المرأة والرجل في القيام بالواجبات الدينية، فأوضح النقاط المشتركة بين الرجل والمرأة. فكيف يحق لنا ان نغضّ النظر عن هذه الامور المشتركة، ونركّز على نقاط الاختلاف، فننظر الى الحجاب نظرة مغلوطة نستهدف من خلالها ان نبعد المرأة عن مسؤولية القيام بواجبات الحياة.
وحتى فيما يتعلق بالجهاد، فاني لم أجد آية تدل على ان الجهاد مختص بالرجال. صحيح ان الجهاد كان مقتصرا في عصر النبي صلى الله عليه وآله على الرجال، ولكن هناك ظروفا معينة قد تستوجب ان تشترك المرأة في عملية الجهاد من خلال القنوات المناسبـة لهـا، كما تشهـد على ذلـك مـواقف فاطمـة الزهـراء عليها السلام، وزينب الكبرى عليها السلام.
وهكذا فان علينا ان لانلغـي دور النساء، وان لانطلب منهن ان يكتفين بادارة شؤون البيت ليتحمل الرجـل وحده تبعات الحيـاة.
وللأسف فان هذه الفـكرة جاءت لتتلائم مع حـب نسائنا للراحة، وانسجاماً مع الثقافة التبريرية الشائعة في اوساطهن..، فتخلّصن من مسؤوليـة الامـر بالمعـروف والنهي عـن المنـكر، والقيـام بالواجبات الاخرى.. لذا جلسن في البيوت منتظرات ان يأتي رزقهن لهن رغداً.
صحيح ان واجبات البيت كانت في السابق اضخم، واكبر من واجبات خارج البيت. ولكن المرأة اليوم توفـرت لها كل وسائـل الراحة، والاجهزة الحديثة التي من شأنها ان تعينها على القيام بواجبات البيت في اقصى سرعة، واقل جهد ممكن؛ فهل هنالك عذر بعد هذا؟
أين يتجسّد دور المرأة؟
وعلى هذا يجدر بالمرأة في مثل هذه الاحوال ان تقوم بأي دور مـن الادوار، التي تسهم في عملية الاصلاح الاجتماعي. إلاّ اننا -للاسف- لانهتم بهذا الجانب، الذي هو من أهمّ الجوانب التربويــة والاجتماعية. فالمـرأة بامكانها ان تعلّم اولادهـا الكثير مـن دروس التربيـة السليمـة، اما المرأة التي لا همّ لها سوى الغيبة، والنميمة، وتوجيه التهم والافتـراءات..، فكيف مـن الممكن ان تـربّي اولادها التربية الصحيحة، وكيف تستطيع ان تخرّج الاجيال المضحية البطلـة؟
انها في هذه الحالة سوف لاتخرّج إلا أجيـالا متقاعسة، كسولة، لا همّ لها سوى اثارة الفتن والمشاكل الاجتماعية، والانغماس في الامور الجزئية التافهة.
ان مثل هذه الافكار والسلوكيات يجب ان تحذف من حياتنا، لنبدأ حياة جديدة؛ حياة المرأة الرسالية كما يريدها الاسلام، وان لا نفرق بين الرجل والمرأة، إلاّ في الامور التي نص عليها الاسلام؛ كالحجاب، والتبرج، وما الى ذلك.
ومن هنا نعود لنؤكد على ان دور المرأة في المسؤولية هو كدور الرجل، لان المسؤولية -كما قلنا- مرتبطة بحرّية الانسان، والمرأة حّرة. فهي -اذن- مسؤولة تمامـاً، كما هو الحال بالنسبة الى الرجل.
عن المرأة و العمل الاسلامي
من المعلوم ان النظرة الاسلامية الى الحياة هي نظرة شاملة؛ فالاسلام لايرى أي فرق بين ابناء البشر مهما كانت انتماءاتهم العنصرية والاجتماعية، اللهم إلا بعض الفوارق التي ترتبط بطبيعة التنظيم الاجتماعي؛ من مثل قانون الولاية، حيث للأب - على سبيل المثال- الولاية على اسرته، والامتيازات التي اعطيت للرجل على المرأة، او للمرأة على الرجل..
ومع ذلك فان ابتعاد المسلمين عن الثقافة الاسلامية الاصيلة، وسوء فهمهم لها، كان لهما الأثر الأكبر في ترسّخ الكثير من المفاهيم المغلوطة حول الاسلام في اذهانهم. فلقد توغلوا في بعض الافكار والعادات الجاهلية، فقالـوا: ان المـرأة شرّ لابد منه، وفضلوا الرجل عليها... وكل ذلك كان نوعاً من الابتعاد عن الاسلام، اعقبتـه موجة غربية حوّلت هـذا الفعـل الى ردّ فعـل. فظهـرت فئـات تطالب بـ (حقـوق)
المرأة، وكأن حقوق المرأة مهضومة في الاسلام!
ومن ضمن الفروقات والتبعيضات التي أفرزتها حالة الابتعاد عن الاسلام فيما يخص المرأة؛ تحديد المسؤولية بالرجال، وخصوصاً الشباب المثقفين، سواء المسؤولية السياسية ام الاقتصادية ام الدينية.. ومثل هذه الثقافة ماتزال رواسبها في نفوس الكثير من الرجال والنساء الذين يرون ان دخول المرأة في مجالات العمل الاسلامي انما يعني تجاوز حدودها، والخروج من تعاليم الاسلام. وهذا النوع من التفكير ينسجم مع الطبيعة التبريرية لشعوبنا؛ فالمرأة ليس من حقها التدخل في السياسة، كما ليس من حقها ان تدخل في أي مشروع اجتماعي..
وهذه الثقافة التبريرية أدت الى ظهور السلطات الظالمة في بلداننا. فشعوبنا تتهرب من المسؤولية باسم او بآخر؛ فالبعض يتذرعون بانهم طاعنون في السن، وآخرون يبررون عدم تدخلهم لصغر سنهم. اما النساء فيتذرعن بانهن امهات او زوجات، وآخرون يقولون اننا آباء... وبذلك بقيت الحكومات الظالمة متسلطة على رقابنا. اما اذا شارك الجميع في تحمل المسؤولية، واندفعوا في مجالات العمل والنشاط، فحينئذ سوف لايعود بامكان أي أحد ان يختلق الاعذار والتبريرات، وبالتالي فان الانظمة الطاغوتية سوف تتساقط الواحدة تلو الاخرى.
وللمـرأة المسلمـة اسوة حـسنة في هذا المجـال بالمرأة الايرانية ايام الثورة الاسلامية. فقد كانت النسوة الايرانيات يشتركن في التظاهرات وهنّ يحملن اطفالهن الرضع، معرّضات أنفسهن وأطفالهن لرصاص نظام الشاه المقبور. وهذا يعني ان المرأة الايرانية المسلمة كانت قد قطعت علاقاتها بالدنيا بشكل كامل.
وهذه البطولات قد استلهمتها المرأة المسلمة من واقعة الطف، عندما حمل ابو عبد الله الحسين عليه السلام طفله الرضيع وتقدم باتجاه العدو، فما كان من الاعداء القساة القلب إلا ان امطروا هذا الطفل البريء بوابل من سهامهم الحاقدة؛ ليفهمنا الامام من خـلال موقفه البطولي هذا، ان دماء أطفالكم ليست بأزكى من دماء طفلي.
لقد أقمنا المجالس الحسينية مئات السنين، وذرفنا الدموع على علي الاصغر، وهذه الدموع يجب ان تكون ذات جدوى وفائدة، وان تتحول الى مواقف سلوكية وعملية. وفائدتها تتمثل في ان يدفعنا موقف ابي عبد الله عليه السلام الى التضحية، حتى بأطفالنا الرضع في سبيل الاسلام.
وهكذا فان المسؤولية الكبرى الملقاة الآن على عاتق المرأة المسلمة؛ ان تدخل ساحة الجهاد. فالاسلام لاتقتصر احكامه على الصلاة والصوم والحج والزكاة وما الى ذلك من عبادات، بل يجب ان نضيف الى ذلك التقوى التي هي شرط قبول تلك العبادات، كما يقول ربنا تبارك وتعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ» (المائدة/27). والتقوى تعني تطبيق جميع الاحكام الاسلامية، ومن اهم هذه الاحكام اليوم الدفاع عن الاسلام، واقامة وحدانية الله تعالى وجعل كلمة الله هي العليا وهذا لا يمكن الا من خلال اسقاط الطواغيت.
والمرأة ليست معذورة في عدم تحملها لمسؤولية العمل في سبيل الله. فهذه المسؤولية لاتقتصر على الرجال فحسب، كما انه ليس من الضروري ان يعطي الرجل للمرأة الضوء الاخضر للمشاركة في ذلك، بل عليها ان تبادر من تلقاء نفسها. فهي ليست معذورة في عدم اداء مسؤوليتها في الدفاع عن الاسلام اذا ما منعها والدها او أخوها او زوجها. فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . كما يقول الامام أمير المؤمنين عليه السلام.
وفي القرآن الكريم آيات كثيرة توبّخ الكافرين، لانهم اتبعوا آباءهم بالباطل. وعلينا نحن ان لانكون مصداقـاً لهذا التوبيخ.
وبالطبع فاني لا اقصد هنا ان نخرج عن المألوف، وان نرفع عقيرتنا بصرخات الاحتجاج ضد اولياء امورنا بل علينا ان نتبع الحكمة في ذلك من خلال ارضاء اوليـاء الأمور بطريقة او بأخرى. ولكن جوهر الامر -وهو خدمـة الاسـلام- لا يمكن ان يسقط بأي حال من الاحوال. فنحن لسنا معذورين في ترك العمل الرسالي اساساً، بحجـة ان اولياء امورنـا لايوافقـون على مشـاركتنا فيه؛ لان هذا العمل هو بمنزلة الصلاة والصوم وسائـر العبادات الواجبـة.
والمرأة باستطاعتها ان تقوم باعمال رسالية كثيرة؛ كالتوجيه الديني والاجتماعي، وتقديم الخدمات الاجتماعية.. ولكن -وللاسف الشديد- فان مشاركة المرأة المسلمة ضئيلة حتى في هذه المجالات، رغم ان باستطاعتها ان تجمع بين عملية ادارة شؤون البيت والقيام بتلك الاعمال. اما ان تجلس وتنثر الكلمات والعبارات التبريرية السلبية، فان كل انسان من السهولة عليه ان يفعل ذلك، فيلغي قدرته، ويجمّد مواهبه وطاقاته. وهذا هو ما أراده الاستعمار لنا. فلقد استهدف ان يسلب ايماننا بأنفسنا، وقدراتنا ونشاطنا..
وهكذا فان على المرأة المسلمة ان تفجر طاقاتها، وان لاتكون حبيسة بيتها، وتقيّد نفسها بالاوهام والمخاوف من اقتحام الساحة الاجتماعية والسياسية؛ وذلك من خلال الاقدام، وتدريب نفسها على تلك الاعمال، وتنمية مواهبها. فعليها ان لاتنتظر احداً ليعظها ويوجّهها، فالانسان يجب ان يكون المربي الاول لنفسه.
وهاهو ذا القرآن موجود بين ايديهن، وبامكانهن ان يربين أنفسهن في هذه المدرسة العظيمة، بالاضافة الى الاحاديث والادعـية. وبعد هذه المرحلة؛ أي مرحلة التنمية الذاتية، عليهن حينئذ ان يتوجهن الى النساء الاخريات من خلال اقناعهن بضرورة العودة الى ساحات العمل عبر الاساليب المختلفة. وخصوصاً الامهات، ذلك لان المرأة عندما تصبح أمّا فانها تجد لنفسها مجالا اكبر للتبرير والتملّص من المسؤولية بحجة ان مسؤولية، ادارة شؤون البيت، واداء حقوق الزوج، وتربية الاطفال تقع عليها. في حين ان بامكانها ان توفق بين هذه الاعمال، وبين اداء العمل لدينها ورسالتها.
وبهذا الاسلوب عـلى المرأة ان تدخل الساحة، فتخرج بذلك من جمودها. وبالتالي من اطار الثقافة التي حددتها وسلبت منها ثقتها بنفسها، وايمانها بطاقاتها وقدراتها. وعندما ينوي الانسان المساهمة والمشاركة في العمل الرسالي فان اللـه جـل اسمه، سوف يوفّقه ويهديه بدوره كما وعد بذلك قائلا: « وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا» (العنكبوت/69)
وحينئذ ستكتشف المرأة ان امامها سبلا كثيرة ومختلفة بامكانها ان تقتحمها، وان تقوم بدورها فيها. فهي تستطيع ان تمارس الكتابة، والخطابة، وان تسهم في دعم الثورات وتفجيرها.. وهذا ما يشهد به التأريخ القديم والحديث. فقد كان للمرأة الدور الفاعل في تأريخ صدر الاسلام، بل وفي التأريخ الاسلامي برمته. فلماذا -اذن- لاتشترك المرأة المسلمة المعاصرة في العمل الرسالي اسوة بالرجل، وهذا تاريخنا الاسلامي المشرق قد لعبت فيه المرأة دورا فاعلا في تسجيل ملاحمه وبطولاته وصوره المضيئة المشرقة؟
ترى اين المرأة المسملة المعاصرة من النساء اللاتي سطّرن الملاحم والبطولات الخالدة عبر التأريخ الاسلامي المديد، مثل فاطمة الزهراء عليها السلام، وزينب، وخديجة الكبرى، وأم سلمة..؟ انها للأسف الشديد جـالسة في البيت، خـانعة فيـه، منطوية على نفسهـا، منشغلة بالامور التي لاتغني ولا تسمن من جوع.
ان على المرأة ان تجرب العمل الرسالي يوما، وحينئذ سوف تكتشف كيف انه سينقذها من الفراغ الثقافي واللاهدفية في الحياة.. كما انه سيجعلها تعكف على تربية نفسها، وتنمية مواهبها، وتفجير طاقات النساء الاخريات اللاتي يعشن في الوسط الذي تعيش فيه، وتعبئة هذه الطاقات في طريق العمل الاسلامي جنبا الى جنب طاقات الرجل. وبذلك سوف تشعر بوجودها فتصنع الكثير من الاعمال والانجازات..

المرأة الشاهدة على عصرها

المرأة الشاهدة على عصرها
من الظواهر المؤسفة في الساحـة الاسلامية، ان امتنا بما تملك من طاقات وقوى بشرية هائلة، لاتزال غائبة عن الساحة السياسية؛ سواء في ادارة شؤونها، أم في المساهمة الفعالة في تقرير مصير العالم.
ان العالم تتناوب عليه اليوم القوى الجاهلية المتصارعة في الشرق والغرب، وهذه القوى تسعى جاهدة من اجل تدمير الحضارة البشرية، وتضليل الانسان وفصله عن القيم المعنوية السامية. ولولا بقية من اولي البصائر الناهين عن الفساد في الارض، لأصبحت الحياة على وجه الارض مهدّدة بالفناء.
ان خمسة عشر طنا فقط من الاسلحة البيولوجية، التي يملك العالم اليوم آلاف الاطنان منها، كافية لإنهاء الحياة فوق الكرة الارضية. وهذه الحقيقة وغيرها تكشف لنا عن ان البشرية تنحدر وبسرعة هائلة نحو هاوية الفناء، وليس هناك من يقف امام هذا الانحدار المستمر.
غياب الامة عن الساحة:
ان الامة الاسلامية التي هي اقرب الأمم الى الرسالات السماوية، من الممكن ان تكون هي الامة المرشحة لايقاف مسيرة الانحدار في العالم. ولكنها -للأسف- غائبة اليوم عن الساحة، وليس لها أية مساهمة فعالة في الاحداث التي تجري من حولها. بل والادهى من ذلك، انها لاتؤدي أيّ دور يذكر في تقرير مصيرها هي. هذا على الرغم من ان الله سبحانه وتعالى أراد لهذه الامة ان تكون شاهدة على العالم، حيث يقول في محكم كتابه الكريم: « وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً» (البقرة/143)
ترى كيف حدثت هذه الغيبة عن الساحة، واين هم المسلمون الآن؟ اين اولئك الذين جنّدوا جيشا جرّارا يشهد له التأريخ بالعظمة بمجرّد ان امرأة مسلمة استغاثت بأحد حكام المسلمين؟! أين اولئك الذين كانوا يطبّقون احاديث رسول اللـه صلى الله عليه وآله احساسا وعملا وتعبئة لطاقاتهم؟
الجواب؛ ان هذا الغياب لم يظهر مرة واحدة، بل بشكل تدريجي. ففي البدء قالوا للعجزة والمتقدّمين في السنّ: انتم شيوخنا وسادتنا، فاجلسوا في بيوتكم ونحن نكفيكم ونقوم بالاعمال المطلوبة. ثم قالوا للمرأة: ان افضل مكان لك هو البيت، فلا تخرجي منه، والاسلام لم يوجب عليك الجهاد.. فما كان منها إلا ان جلست في بيتها حتى اخرجها الاعداء لمحاربة الاسلام. فكان محرما عليها ان تخرج لتؤدي صلاة الجماعة والجمعة، فأخرجوها الى دور السينما ومراكز اللهو، وجنّدوها في مختلف الوظائف للعمل ضد الاسلام!
وهكذا فقد كان من نتيجة غياب المسلمين ان خسروا المرأة التي تشكّل نصف الأمة الاسلامية.
ثم جاؤوا بعد ذلك الى شباب المسلمين فقالوا لهم: مالكم والجهـاد، مالكم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ ان هذه الامور تخصّ العلماء ورجال الدين. ثم قالوا لعلماء الدين: مالكم والسياسة؟ ان مكانكم هو المسجد ولا شأن لكم بما يجري من أحداث في المجتمع!
وهكذا استطاعوا شيئا فشيئا ان يبعدوا كل ابنائنا عن ساحة العمل السياسية والإجتماعية.. ونحن عندما اعتزلنا، وغبنا عن الساحة السياسية، جاءت القوى الجاهلية لتملأ هذه الساحة. فعندما يجلس البررة في بيوتهم، فان الفسقة والفجرة سيأتون ويسيطرون على مقاليد الامور. ومشكلتنا اننا تركنا هؤلاء يحكموننا، وسمحنا للقوى الكبرى بأن تسيطر علينا. والذنب هو ذنبنا، لان الاسلام لم يرض لنا ان نذل ونستعبد من قبل الآخرين، وقد قال لنا امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام: لا تكن عبداً لغيرك وقد خلقك اللـه حرّاً .
وهنـاك تقـرير قـديم لوزارة المستعمـرات في بريطانيـا يقول: ان من نقاط ضعف الشرق، والتي يجب ان نستغلها، هي روح الكسل واللامبالاة.. وهذا التقرير يعني ان القوى الاستكبارية لم تستطع ان تستعمرنا، إلا بعد ان سمحنا لها بذلك.
وقد كان للمرأة نصيب لايستهان به في تأخير وتخلف الامة الاسلامية وخضوعها للسيطرة الاستعمارية. هذا في حين ان الاسلام يهيب بالمرأة قائلا: أيتها المرأة ارجعي الى واقعك، وعودي الى خندقك، وساهمي في تقرير مصير أمّتك.
فالمرأة عندما تدخل الساحة،فان دخولها هذا سيكون دافعا للرجل الى ان يشارك مشاركة فاعلة في هذه الساحة. ففي هذه الحالة سوف لايعود بامكان الشاب ان يقول: لا انخرط في سلك العمل الرسالي، لان زوجتي ترفض ذلك. ولا يستطيع الرجل الامتناع عن القيام بالنشاطات الدينية بحجة انه لايعلم اين يضع زوجته ومن يعيلها في غيابه. ذلك لان زوجته سوف تدفعه الى الاقدام والفاعلية في مسيرة العمل الاسلامي.
أسوة حسنة:
وللمرأة المسلمة اسوة حسنة، في تلك المرأة البطلة التي كانت تشجع زوجها (وهب) قائلة له: قاتل دون الطيّبين . وكذلك (الخنساء) الشاعرة المعروفة التي دفعت بابنائها الأربعة الى سوح الجهاد، فاذا بهم يقتلون جميعا دون ان تذرف عليهم دمعة واحدة، في حين انها بكت اخاها صخرا أربعين سنة في الجاهلية. ولما سئلت عن ذلك، قالت: ان اخي مات على الكفر فهو في النار، ولذلك بكيت عليه. اما اولادي فقد ذهبوا الى الجنة، فلماذا ابكي عليهم؟
وفي الحقيقة فان المرأة الفاعلة، الحاضرة، الشاهدة والشهيدة، هي التي صنعت تلك الانتصارات. وصدق من قال: وراء كل رجل عظيم امرأة .
وبلا أي منافس جُعلت فاطمة الزهراء سلام الله عليها قمة كل اسوة في عالم المرأة والاحاديث والنصوص الواردة فيها اوضحت ذلك، فكانت مدرسة لكل امرأة في حياتها. فهذه المرأة العظيمة جسّدت الوحي بكلّ ابعاده، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيها: فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني ومن غاظها فقد غاظني ومن سرها فقد سرني ([4]) ان الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضي لرضاها ([5]). ومثل هذه الاحاديث وغيرها تدل دلالة واضحة على ان هذه المرأة كانت تطبق الاسلام، وتجسّد تعاليم الرب في كلّ خطواتها وافعالها.
ان رسول الله صلى الله عليه وآله الذي جعله الله تعالى مربّياً للأمة الاسلامية، قد صبّ اهتمامه على هذه الشخصية العظيمة، وصاغ بيده الكريمة واشرافه المباشر هذه الشخصية الفذة ليجعلها قدوة للنساء. فقال: .. ابنتي فاطمة وانها سيدة نساء العالمين. فقيل: يا رسول الله هي سيدة نساء عالمها؟ فقال: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الاولين والاخرين.. ([6]).
وباجماع الرواة من كلّ الفرق الاسلامية، كان رسول الله صلى الله عليه وآله يجيء كل يوم عند صلاة الفجر حتى يأتي باب علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فيقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. فيقول: علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام: وعليك السلام يا رسول الله ورحمة الله وبركاته. ثم يأخذ بعضادتي الباب ويقول: الصلاة الصلاة يرحمكم الله ((انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)). فلم يزل يفعل ذلك كل يوم اذا شهد المدينة حتى فارق الدنيا. وقال أبو الحمراء خادم النبي صلي الله عليه وآله: انا شهدته يفعل ذلك ([7]).
وقد سمّيت فاطمة بـ (الزهراء) لانها كانت تقف كل ليلة في محرابها تتعبّد لله عز وجل، وتتبتّل اليه فتزهر لملائكة السماء كما تزهر النجوم لأهل الارض. وكانت تدعو للمسلمين من أول الليل حتى الصباح، وتدعو لجيرانها، وللفقراء والمستضعفين والمحرومين.. وعندما يهلّ الصباح يسألها ابنها الامام الحسن عليه السلام قائلاً: أماه! أراك قـد دعـوت لكلّ الناس، ولكنّك لم تذكرينـا في دعائـك؟ فتقـول: يا بنيّ؛ الجار ثم الدار ([8]).
ومع ذلك فقد كانت عليها السلام حاضرة في المواقف السياسية، والحوادث العسكرية، والقضايا الدينية والثقافية.. فكانت تمثّل المرأة المسلمة التي ينبغي ان تكون شاهدة على عصرها، لكي تساهم في تقرير مصير الأمة، وترفض الانحراف، والشرك والضلالة، وكلّ انواع الكفر والنفاق والفسوق.
ان فاطمة عليها السلام يجب ان تكون قدوة لنسائنا اليوم، ولبناتنا وفتياتنا. والحمد لله على هدايته لجيل من الفتيات المسلمات في العالم الاسلاميّ، فنحن نجد الآن ان المرأة المسلمة هي أحسن مما كانت عليه سابقا؛ فهي تتواجد في المساجد، وتشترك في المجالس الدينية، وتساهم في اعمال الخير والاحسان، بل اننا نجد بعض النساء يقتحمن ميادين الجهاد، ويحملن السلاح دفاعا عن حريم الاسلام.
ومع ذلك فان المسافة ماتزال شاسعة بين المرأة وبين الخندق الحـقيقي الـذي ينبغي عليها ان تتواجـد فيـه، وما يـزال عـلى المرأة ان تقطع هذه المسافة لتكون بالفعل شاهدة على عصرها.
ولا ريب؛ لولا غياب أمتنا الإسلامية عن فرائضها الرسالية، ولولا انّها لم تجعل نفسها شاهدة على عصرها، لما حلّت بنا هذه المصائب، ولما استضعفتنا القوى الجاهلية في الارض، ولما اعدموا خيرة شبابنا، ولما
تجرأ الحكام العملاء على ان يفعلوا ما فعلوا، ويرتكبوا ما ارتكبوه..
من هنا يجدر بنا ان نساهم في قيادة الارض. فالارض لله يـورثها مـن يشاء من عباده الصالحين، فأين هم عباد الله الصالحون،ولماذا لايتقدّمون باقدام ثابتة لكي يأخذوا بزمام امور العالم من هؤلاء الذين يدفعون به الى الهاوية؟
المرأة المؤمنة؛ أدوار متميزة
حينما يلغى تصور دور الأمومة ومواصفاته المرسومة في العقيدة الاسلامية من قاموس ثقافتنا، ولا نعرف الطريق لتربية وإعداد المرأة لتكون الأم المثالية، فإنها ستصبح أمّاً، لا يعدو دورها في أن تكون مجرد وعاء للإنجاب؛ لها حنانها وعطفها واهتمامها المادي بالوليد فحسب.
حينما يقتصر دور المرأة عند هذا الحدّ، فإن المجتمع لـن يحصد غير العواصف الهوجاء التي من شأنها أن تقلب المعايير والثوابت رأساً على عقب. وسوف لن تكون ثمة فرصة لاستدراك ما فات، اللهم إلا بعد أن يدفع المجتمع الثمن أضعافاً مضاعفة. ولن يحصد المجتمع من وجـهة النظر التأريخـية إلا أجـيالاً محـطمة عـاجـزة عن مقاومة هـوى النفس، ولا تنظر للمرأة ذاتها من غير المنظار الشيطاني.
فإذا طمحـنا الى تكوين وصياغـة المجتمع الإلهي المثالي؛ المجتمع الحر السعيد المتفتح، فأمامنا قانون تربيـة وإعداد الأم المثالية السامية، والواعيـة لشخصيتها ودورها الهام والمقدس في صياغة شخصية الأجيال صياغـةً منيعـة.
إننا لا نجد حديقة غناء، ولا بستاناً مثمراً، ولا أرضـاً زراعية خيرة ابداً ما لم يكن وراءها فلاح أو بستاني خبير ورشيد قادر على استصلاح الأرض واختيار النبات المناسب والوقت المناسب والسماد المناسب.. إذ الأرض لوحدها ليست الأساس، وهي لا تنبت غير الحشائش والأشواك والأشجار الملتفة على نفسها...
ومن خلال التدبر بالآيات القرآنية الشريفة، نستنتج؛ أن الأم كمصطلح ديني، هي تلك المرأة الإنسانة التي بمقدورها تربية جيل نزيه عن الموبقات، محب للخيرات. فالقرآن الكريم حينما يحدثنا عن قصة النبي العظيم موسى عليه السلام، وعن ذلك الانقلاب الكبير الذي حدث في مصر القديمة، إنما يبدأ بالإشارة الواضحة الى ام موسى بقوله: « وَأَوْحَيْنَآ إِلَى اُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ » (القصص/7) باعتبارها منطلق القصة النبوية العظيمة.
ومن هنا توضح الآيات الكريمة، بما لا لبس فيه -والعياذ بالله- أن دور الأمومة لا يبدأ مــن حـين الـولادة، بـل لعـل الأمومـة تبـدأ منـذ استعداد المرأة لأن تصبح زوجة، ثم من علوق النطفة في الرحم.
قصة الفضيلة :
قـال الله تعـالى: « إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ اِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا
فِي بَطْنِي مُحَرَّراً » (آل عمران/35)
فامرأة عمران بمجرد إحساسها بالحمل نذرته الى الله تبارك وتعالى، معتبرة إياه وسيلة للتقرب الى الرب الجليل، وليس جزءاً تابعاً لها. فهي قالت: « مَا فِي بَطْنِي » ولم تقل ولدي أو جنيني أو حملي.
وهذا منطوق قرآني يعبر بدقة وبلاغة متناهية عن درجة إيمان زوجة عمران. ثم إن هذا المنطوق القرآني المجرد لم يشر الى وجود رغبة خاصة لدى امرأة عمران في أن يكون وليدها خادماً لمسجد أو كنيسة أو معبد ما، وإنما هي نذرت نذراً مجرداً خالصاً تبعاً لإيمانها المجرد والخالص لله عز وجل، ولكن شاءت الأقدار أن يكون الوليد -مريم- خادماً لمسجد، تماماً كما كان الحال بالنسبة لأسلافه الطاهرين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، حيث أمرهما الله عز وجل بأن يطهرا بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود، بعد أن قاما بإقامة هذا البيت.
أهداف مقدسة:
فأم مريم الصديقة كانت تهدف من خلال نذرها ابنتها الى تحقيق امور مقدسة وسامية، وليست أموراً شخصية؛ منها أن تكون ابنتها من خدمة دين اللـه وبيته، حيث تمارس العبادة وتعلم الناس الكتاب والأخلاق. ومن أهدافها أنها كانت تطمح الى أن يتقبل الله منها نذرها، إذ هي كانت ذات إيمان قوي وعلاقة مباشرة، وهو ما يدعى بإيمان الدعاء، وليس تلفظ الدعاء فحسب.
وإذ حانت ساعة الولادة وعرفت الأم الصديقة أن جنينها انثى، لم تتفوه إلا بالقول: « فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ اِنِّي وَضَعْتُهَآ اُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي اُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (آل عمران/36)
وكأنها تشتكي الى الله عمق المأساة المسيطرة عـلى المجتمع اليهودي بفعل الاباطيل التي اخترعها رجال الدين اليهود، البعيدون كل البعد عن ديانة السماء القائلة بعدم التمييز العنصري بين الرجل والمرأة. وبنص التوراة المحرفة اعتبروا المرأة أو سمحوا باستخدامها لتحقيق طموحاتهم السياسية والمالية. فضلاً عن بقية التشريعات الباطلة فيما يخص الجانب الإجتماعي، حيث تتحول المرأة الى أشبه ما تكون بالجارية لاخ زوجها المتوفى، وأن من حق هذا الاخ ضمّ زوجة أخيه الميت الى ممتلكاته..
المرأة المؤمنة تقهر التحديات:
ورغم سيطرة هذه الصورة القاتمة، فإن التعبير القرآني البارع نزل ليؤكد عظمة المرأة إذا ما أرادت تحدي الظروف الظالمة. فأم مريم انتقلت بطموحها من مجرد أن تكون ابنتها خادمة لدين اللـه ومسجده الى أن تكون هذه البنت وذريتها اللاحقة مـن البعيديـن عن الشيطان وجنوده وأباطيلهم، لتتحول الوليدة الى صديقة على درجة عـالية للغاية من الايمان والوعي والتقوى.
وهذا لعمرى أعلى ما يمكن أن يطمـح الانسان الى بلوغه، فضلاً عن
كونه رجلاً أو امرأة. وهذا يعني بالتالي أن من يصرّ على احتقار أو استضعاف المرأة عملياً، إنما هو في الواقع بعيد كل البعد عن حقيقة إرادة السماء. وفي سلوكه الشائن هذا، يعمل على تكريس عادة جاهلية جاء الاسلام لمحقها. وهذه الأديان السماوية، إنما قامت بجهد كبير بذلته نساء عظيمات كأم موسى واخته وزوجة عمران وبنتها مريم وخديجة الكبرى وبنتها فاطمة الزهراء سلام الله عليهن جميعاً. فهذه أوعية اصفاها الله لتحمل أنواره وكلماته، وليس هذا بالأمر البسيط أبداً.
والى هنا كان دور الام دوراً ممتازاً بما اختزل من بصيرة ووعي فائقين، ولكن الأعظم منه أن الله سبحانه وتعالى تقبل النذر واستجاب الدعاء بأروع ما يكون القبول، وأقدس ما تكون الاستجابة. فالام التي تجاوزت عاطفتها تجاه ابنتها، واهتمت بالدين اكثر مـن اهتمامهـا بذاتهـا، اتحفهـا اللـه بالقبول الحسن، حيث يقول تعالى: « فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً» (آل عمران/37).
فهذه البنت المحـاطة بالايمان، ووعي التقرب الى الله تبارك وتعـالى، كانت حرية أن تنبت النبات الحسن.
ثم قال ربنا عز وجل: « وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا» (آل عمران/37) قد اختار الله تعالى النبي زكريا عليه السلام ليكفل مريم عليها السلام، من بين جميع من امتحن نصيبه في التشرف بكفالة الصديقة الصغيرة مريم.
ثم إن سيرة مريم ودرجة إيمانها أذهلت النبي زكريا الذي كان يرعاهـا
ويحافظ عليها، وكثيراً ما سألها عما لديها من رزق كان من المفترض ان يوفره لها.. وكانت تجيبه بان ما لديها من عند الله وليس سواه. «كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ...» (آل عمران/37).
مريم معلمة للنبي زكريا !؟
لم يتنبه النبي العظيم الى أن الطفلة الصغيرة تحولت بفعل منبتها الحسن وإيمانهـا العميـق الى معلمة له؛ وسواء كان الطعام والرزق الذي كان بين يديها قد نزل اليها من السماء مباشرة أو بواسطة إنسان ساقه الله اليها على غيبة من النبي زكريا. فانها كانت تعتقد برسوخ ثابت أنه من عند الله، ولم يكن إيمانها ليسمح لها أن تحتمل احتمالاً آخر. فالله يرزق من يشاء بغير حساب، بعيداً عن الموازين المادية ومعادلات التجارة المعروفة بين بني البشر.
« هُنَالِكَ دَعـَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ» (آل عمران/38).
فبعد مدة ليست بالقصيرة، فوجئ النبي زكريا الذي كان لم يرزق الذرية بعد، بحقيقة واقعة؛ وبأنه من الحريّ به جداً أن يقلد مريم في إيمانها، إذ أن من يرزق طفلة صغيرة معتكفة في محرابها لقادر على أن يمنحه الذرية بعد مديد من العمر...
من خصائص الام الحقيقية:
ونخلص الى القول بأن هناك مواصفات مثالية، ينبغي للمرأة كأم أن تتحلى بها لمضاعفة الأمل في تمكنها من أداء دورها بالدرجة المطلوبة. ومن هذه المواصفات:
أن تكون المرأة طاهرة عفيفة كما يصف الامام زين العابدين عليه السلام نفسه بقوله: أنا ابن نقيات الجيوب، أنا ابن عديمات العيوب... أو كما نسلم على الامام الحسين عليه السلام حسب نصوص زيارته: لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها . فهذا إنما يكون من امهات طاهرات فاضلات نقيات قبل الحمل وايام الحمل وبعد الحمـل. فالأم التي تقرأ القرآن الكريم، غير تلك التي تضيع وقتها في سماع الموسيقى والأغاني. ومن تتحدث بأحاديث الاخلاق والايمان، تختلف عمّن لا قدرة لها على مغادرة مجالس الغيبة والتهمة والتهريج واللغـو.
بعـد ذلك؛ على الأم أن تهتـم اهتمامـاً بالغـاً بحالة جنينها أو طفلها الصحي، إذ لعل معظم ما يحصل من تشوهات جسدية للطفل إنما يحصل بفعل الاهمال الصحي وقلة وعيها بهذا الجانب، غافلة عن أن وليدها سيعيش سبعين عاماً -مثلاً- في ضعف ومرض وزمانة، وأنها ستكون مساهمة فيما يمكن أن يقترفه من ذنوب جراء ما يحمله من عقد ونقائص روحية حدثت بالتبع لنقصه الجسدي.
وبين هذا وذاك؛ ينبغي أن تكون للرجل رقابة على تربية الأولاد، وأنه يجب ان يعرف نصيبه -بوعي بالغ- من هذه التربية.
وبعد ذلك؛ ثمة قضية خطيرة جداً، ومن الممكن أن تعود بالسلب على روحية الطفل، وهي إصرار بعض الآباء والامهات على التنازع أو حلّ التنازع على مرآىً من الطفل، غافلين أو متغافلين عن أن مثل هذا الواقع من شأنه زرع بذور الانفصام في شخصية الأولاد، فضلاً عن استفحال أمراض الخنوع والجبن والكسل لديهم. هذا إن لم نقل بامكانية تحول الاطفال الى الضفة الاخرى، وهي ضفة التهور والإجرام والرذيلة..
نسأل الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن ينتفع بسنن الأولياء وبهدي الصالحين، وأن يجعلنا نهتـدي بهـداهم ونقتـدي بهم فـي الدنيـا وننال شفاعتهم في الآخرة.

عن التربية

عن التربية
دور الأم في التربية
لقد استطاعت عواصف التضليل الثقافي - مع شديد الأسف - اجتياح معتقدات شعوبنا وتقاليدها. ففي كل يوم تواجهنا تقليعة جديدة واسلوب جديد ووسيلة جديدة. فإن كانت محطات التلفزة الموجّهة إلينا مائة محطة في السنة الماضية، فهي اليوم قد تضاعفت. وإذا كان انتشار الانترنت في الأمس بسيطاً، فهو اليوم هائل.
إن استراتيجية تحويل العالم برمّته الى عالم صغير، أو ما يسمّى بين المثقفين بسياسة العولمة، حيث تحذف الحواجز والفوارق، هذه الاستراتيجية لايكمن وراءها سوى إخضاع الشعوب، او تحطيم الخصوصيات التي تمتاز بها الأم المستضعفة، وتهميش دينها وثقافتها الأصلية. وبالفعل فقد نجحت هذه الاستراتيجية الى حدّ كبير في الزحف والسيطرة واستلاب ما تبقى لدينا من قيم روحيّة واهتمامات معنوية.
أقول - وبكل تألّم-: إنّ الانباء التي تواجهني فيمـا يخصّ هذا البلد
المسلم او ذاك مزعجة للغاية، حيث أرى وأسمع كيف تمكنت شبكات الأقمار الصناعية الغربية من جذب المشاهدين -وهم عدد كبير جداً- وهي تغروهم في عقر دارهم بأفلام الرذيلة والانحطاط الفكري والخلقي، وليس من سرِّ اكشفه إذا ما قلت بأن تلك الأفلام والبرامج تعمّ الصغير قبل الكبير، والشاب قبل الكهل، حتى أصبح أطفالنا مدمني غناءٍ وموسيقي، فاستعاضوا بهما عن قراءة القرآن ومطالعة سنّة أهل البيت عليهم السلام...
والآن حيث تلمّسنا شيئاً من واقعنا المرير، فعلى عاتق من مسؤولية هذه الهزيمة الاخلاقية والروحية النكراء؟
والجواب لايعدو عن القول، بأن الجميع ولكن بدرجات متفاوتة. فحكّام الشعـوب المسلمة مسؤولون، والشعوب برجالها ونسائها مسؤولة هي الأخرى، والوالدان مسؤولان عن اولادهما، والأخ مسؤول، والاخت مسؤولة، والأولاد بدورهم مسؤولون.
ولكن لمّا كان إطار بحثنا يختصّ بالتربية، ولمّا كان البيت ونطاق الاسرة ومستوى تأثير الأمّ المتوقّع على اطفالها، آخر ما تبقّى من وسائل في التربية - وإن كان أهمها- فإنني احمل الام المسؤولة أولاً.
فإن نظرت الأمهات الى اطفالهنّ وقد كبروا وأصبحوا رجالاً بعد عشرين عاماً مثلاً، وهم على ماهم عليه من تأثر بليع بثقافة الانحطاط المحيطة بهم، فماذا سيكون جوابهنّ أمام محكمة التأريخ؟ بل الأحرى التساؤل عن طبيعة موقفهنّ أمام محكمة العدالة الإلهية يوم القيامة، حيث يواجههنّ جيلهنّ بتهمة التفريط والتقصير في فريضة التربية السليمة، وهنّ على الأقل كنّ قادرات نعلى منع أجهزة الانحراف والثقافة المائعة دون الدخول الى بيوتهنّ.
الواقع المشهود أنّ اهتمام الأمهات - بصورة عامة- منصب على توفير أفضل ما يمكن من طعام للأطفال، وأنهنّ يعانين ما يعانيين إذا ما اُصيب احدهم بعلّة او وجع خفيف في جسمه.. في حين انّ هذا الأمر إذا كان ملحّاً، فإنّ الأمر الأكثر الحاحاً هو الاهتمام والعناية بروح الطفل وعقله، إذ من الخطأ الفادح تصور الأطفال دون عاطفة او عقل. فالطفل يؤهله استعداده الى تلقي التربية واستيعاب التعليم منذ احتضان المهد إيّاه، كما أكدت ذلك روايات أهل البيت عليهم السلام الخاصّة بالتربية وطلب العم، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وآله وسلّم: اطلب العلم من المهد الى اللحد . وهذا القول الشريف ليس إلاّ دعوة صريحة للآباء والأمهات لطلب العلم والتربية للأولاد منذ وقت مبكّر للغاية.
إنّ الخيار الوحيد المتاح لمواجهة تيارات الانحراف هو خيار التربية الأسرية، فمراكز التوجيه الاستراتيجي في الغرب قد سلبتنا كل شيء، بدءً بالمدرسة والصحيفة والمحطات المرئية والمسموعة، وانتهاءً بأجهزة التوجيه الحديثة حيث الحاسوب وآليات الاستفادة منه.. كلّها أخذوها منّا ولم يتبقّ لدينا سوى التربية البيئية، وقد يأتي يوم من الأيام فيسلبونا حتى هذا المتبقى كما هو حادث في بلدانهم هم، حيث تتدخل تلكم المراكز في كلّ صغيرة وكبيرة في حياة العائلة الغربية لتوجه أطفالها كما يحلو لها، ساعية الى تعميق الهوة ما أمكن بين الطفل ووالديه.
ولكن ماهي الخطوط العريضة التي ينبغي لأم المسلمة الالتزام بها مبدئياً على صعيد التربية؟
الخطر الأول: أن تنهض الأم بمستواها الثقافي هي قبل كلّ شيء. فمادامت جاهلة بالتعاليم والقيم الدينية ستبقى عاجزة عن التربية والعطاء، إذ أنّ فاقد الشيء لايعطيه. ومن الممكن التأكيد على أنّ ايجاد مراكز علمية متخصصة بهذا الشأن. سيكون له الدور الكبير في انجاز هذه المهمة، وأمّا الأمهات اللاّتي لايستطعن الحضور في مثل هذه المراكز، فبأمكانهن الاطلاع ودراسة العلوم الدينية والتربوية عبر أشرطة الكاسيت دراسة منزلية.
ثم إن إشراك الإطفال في الحضور مع أمهاتهم وآبائهم في مجالس الوعظ الديني والعلمي، هو الآخر له أثر كبير في صياغة شخصية الطفل وترسيخ قول الخير في ذاكرته، حتى تكون رصيداً غنيّاً ينعكس على سلوكياته ومعتقداته في المستقبل.
ولقد اتذكر جيداً أنّ جدي المرحوم آية الله العظمى السيد مهدى الشيرازي، وكان احد مراجع الدين الكبار في زمانه، نقل لي أنّ والدته كانت تنهض لأداء صلاة الليل فتجلسه على سجادة الصلاة معها لمجرّد ان ينظر اليها تصلّي، حتى أنه تعوّد على هذا المنظر المقدّس. فكان مواظباً على أداء صلاة الليل الى آخر يوم من عمره الشريف، بل لم تكن لديه القدرة على تركها.
وهذا يعني - فيما يعني- أنّ التربية والتوجيه لايشترط فيها ألاّ تكون إلاّ بالقول، فممارسات الأبوين لها الأثر الأكبر في تكريس قناعات الإنسان واعتقاداته وسلوكياته. وهذا بدوره يمثل خطّاً ثانياً من خطوط التربية.
والخط الثالث: تطهير الجو المنزلي واضفاء القدسية عليه، وتجنيب الأطفال كلّ ما من شأنه تدنيس أرواحهم وعواطفهم الشفافة. فالبيت يجب ان يتحول الى محطٍّ للملائكة، بدلاً ان يكون وكراً للشياطين.
ان الأجدر بمكان أن يكوّن محـور العائلة وكبيرها، جلسات العلم وقراءة القرآن، لا الانسياق مع التلفزيون وبرامجـه التي تعود بالضـرر - في أغلب الأحيان-. وما أروع ان يخصص الآباء والأمهات من اوقاتهم قسماً كبيراً لنقل قصص الأنبياء وأهل البيت والصالحين من أولياء الله على مسامع الأطفال. وذلك ضمن برنامج توجيهي متقن يتفاعل مع قابلية واستعداد الأطفال الذهني والروحي. وما أروع ان نستعيض عن صور الممثلين والممثلات السينمائيين وصور لاعبي كرة القدم بصور العلماء الأفاضل. بل ماذا يربط الطفل المسلم بلاعب لكرة القدم يربح الملايين ويتنعم في حياته بمختلف الأشكال، وهذا الطفل يأنّ فقراً روحياً ومادياً ومستقبلياً؟ وماذا يربط أطفالنا بممثلة او مغنية لاتجد حرجاً بعرض والديها من شرف وحشمة أمام انظار الملايين من المشاهدين لكسب شيء من المال والشهرة؟
ومما يمكن ان أرويه لك في هذا المجال، أن السيد حسن الشهرستاني صاحب كتاب المنتخب الحسني استطاع الى حد كبير في الابداع والنجاح في هذا المجال، حيث حول هذا الرجل بيته الى بيت الملائكـة، إذ كان بيته يحوي عدة طوابق يقطن فيها اولاده المتزوجين وبناته المتزوجات وكان قد وزّع مكبرات وناقلات الصوت على زوايا البيت، فكان يبدأ بقراءة القرآن الكريم في وقت السحر، ليستيقظ الكبار والصغار على صوت كبير عائلتهم ليؤمّهم في صلاة الصبح. وعود ابنـاءه على اداء النوافـل من الصلوات، ومداومة قراءة الادعيـة والزيـارات..
إن الرحمة والبركة إنما تتنزّل على بيت مفعم بروح الايمان والقرآن والمحبّة والعواطف النبية، لا على بيت يضجّ باصوات الفسق والانشغال بتوافه الأمور الدنيوية، ولقد صدق الله العلي العظيم حيث قال: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً» (طه/124).
ويغفل كثير من الناس عن السبب الحقيقي وراء قلقلهم النفسي الدائم وتعب أجسادهم، إذ ما ان تسأل الواحد منهم عن علة عدم اهتمامـه بأولاده، حتى يجيبك بأنه لا مجال لديه، أو أنّه تعب روحياً وجسدياً، ولكنّ الحقيقة تؤكد بأنّ انشراح نفسية الإنسان المسلم لاتكون إلاّ بالاتصـال مع القـرآن الكريم والالتزام بتعاليم الديـن والايمـان.
أما الخط الرابـع؛ فهو تربيـة الأطفال على حب الآخرين والرغبة في فعل الخير لهم. فالطفل حيث يكون كائناً انانيـاً او يكره الآخريـن، لن يكـون إلاّ نموذجـاً للطغـاة الذيـن تربّـوا في احضان التكبّر والبغـض والظلم. فالأخلاق تنمو في ذات الإنسان، حتى تصبح جزءاً لايتجزأ منـه.
وأنا شخصياً حينما يخبرني الاصدقاء عن نجاحهم في انجاز مشروع خيري، أؤكد عليهم بضرورة الدعاء لآبائهم وامهاتهم ومن علّمهم حبّ الخير، فــروح التضحية والعطاء والجهاد، إنّما كانت تراثـاً انتقـل إليهم ممن علّمهـم.
فيا أيتها الأمّ؛ يا من وصلتي الى هذا المقام المقدّس الرفيع، أطالبك بما طالبك به الدين، أن تعملي عملاً يكون لك ذخراً صالحاً يوم المعاد، فاجعلي كلّ اهتمامك على غرس حب الآخرين في أطفالك، ليكون كلّ واحدٍ منهم نموذجاً اجتماعياً صالحاً يسعى الى بناء مجتمعه المؤمن السليم. فعلّمي أطفالكِ على حبّ زملائه في المدرسة، وعلميهم على حبّ أقاربهم..
إنّ تكريـس حبّ الآخرين وإسـداء الخير لهم يعتبر الخطوة الأساسيــة
الأولى لاستراتيجية بعيدة المدى، تنتهي الى القضاء نهائيـاً على الأزمـات الانسانية والاقتصادية والسياسية التي يعاني منها المجتمع المسلم بصورة عامة. فلو كان التعاطف والتراحم متكرساً بين المسلمين كما هو المطلوب، هل حدث ما حدث من نكسات وهزائم وفجائع انسانية في العراق او افغانستان.. حيث الجوع والتشرد وتدمير الشخصية مثلاً؟
ولقد جاء في قصص الأنبياء أنّ نبياً -ولعله النبي يونس عليه السلام- أوحى الله له بأنه سيعذب قومه بسبب كفرهم في الوقت الفلاني. فانتظر هذا النبي العظيم حتى حلّ الوقت، فلم ير أية العذاب، فنادى ربّه متسائلاً عن السبب في عدم نزول العذاب، فأوحى الله له بأنه ضيّق عليهم ومنع عنهم المطر واجدب أرضهم فقلّت أرزاقهم، ولكنّهم أخذوا يتراحمون ويتعاونون فيما بينهم، ولمّا كنت أنا - الله - أرحم الراحمين فقد بدا لي عدم تعذيبهم وتدميرهم فرحمتهم...
ولتعلمي أطفالكِ، بالقول وبالفعل، بأنّ الإيثار وحب الآخرين ليس شرطه أن يكون ذا كمٍّ كبير، بل الأهم هو تكريس روح الإيثار والانفاق والعطاء والاحسان والاهتمام بالآخرين. وقد ورد عن المعصوم قوله الشريف: انفقوا ولو نصف تمرة... فصفة الانفاق والايثار ليست خاصّة بالأغنياء، بل العكس هو الصحيح، إذ كلّما ازداد الانسان غنىً كلما ازداد شحّاً إلاّ من عصمه الله.
ثم إنّ المرأة كزوجة مطالبة أيضاً بالوقوف وراء زوجهـا ودفعه بأداء واجباته المطلوبة تجاه ابناءه، حتى تتكامل عوامل تربية الطفـل ولا يحس بنقص ما في شخصيته، إذا ما تنبّه الى تغافل أبيه عنـه.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله حيث قال: الجنة تحت أقدام الأمهات .
وأصاب من قال: وراء كل رجل عظيم امرأة.
كيف نربّي الجيل الناشئ؟
لقد تراكمت كتل من المسؤوليات على عاتق الانسان؛ لو قصّر في أداء واحدة منها لحوسب حساباً عسيراً. ولولا ان الله سبحانه وتعالى قد سبقت رحمته غضبه، لكان ابن آدم يؤخذ على الصغيرة من الخطايا فور تلبّسه بها، غير ان الخالق الرحيم قد أجّل الحساب والعقاب الى يوم معلوم، وهو يوم البعث والنشور يوم القيامة، يومٌ من الحتم على الانسان أن يوليه كل تفكيره وجهده للوصول اليه بسلام وأمن...
فأين نحن من تلكم المسؤوليات الملقاة على عواتقنا، وكنا قد تحملناها برضاً وطيب خاطر كاملين في عالم سابق لعالمنا الذي نعيشه الآن، وهو عالم الذر، حيث أبت فيه السماوات والارض والجبال تحمل المسؤولية وأمانة قيادة الكون.
ومن المسؤوليات المهمة الملقاة على عاتقنا هي مسؤولية تنشئة الجيل الجديد والحفاظ عليه من الانحراف والضلال، مسؤولية الآباء والامهات عن اولادهم، مسؤولية كل جيل عن الجيل الذي يليه على مختلف الاتجاهات والاحتمالات.
مهام تربوية:
وهناك في واقع الأمر جملة اقتراحات وتوصيات، لعلها تقع موقع الفائدة في هذا الإطار، منها :
1- انّ على كل أب أن يبذل في سبيل تربية وتهذيب اولاده من الطاقة والجهد ما يبذله في إطار توفير لقمة العيش لهم بمعنى أنّ الأب كما يصمّم ويعمل منذ الصباح وحتى المساء ليصرف ما يكسبه من مال على صحة الاولاد، عليه ان يصمّم ويعمل ويهتم بتنشئة روحهم وتزكية أنفسهم وزرع القيم المثلى في قلوبهم، وحملهم على حبّ الدين، والإيمان به إيماناً صادقاً، إيماناً مقروناً بالعلم والاستدلال، غير نابع من التقليد الاعمى الذي سرعان ما يتبخر ويتلاشى عند أبسط امتحان وصعوبة.
والمطلوب في هذا المجال أن يسعى الوالدان الى توزيع الاهتمام بالأطفال، توزيعاً يتصف بالاتّزان. فإذا كان الاب -مثلاً- يعمل لمدة ثمان ساعات خارج البيت، فإنه سيتبقى لديه ثمان ساعات اخرى من الضروري ان يقسمها على الاهتمام بشؤون الاولاد الروحية والمعنوية.
والمال المكتسب، هو الآخر ينبغي توزيعه على الاهتمام بأجسام وعواطف وروحيات الاولاد.
وليس الآباء لوحدهم مسؤولون عن أطفالهم، بل العلماء والمتخصصون وولاة الأمر في بلادنا الاسلامية هم أيضاً مسؤولون عن نشأة الجيل الجديد، من حيث بناء المدارس النموذجية، والحسينيات الفعّالة، والمتنزهات البعيدة عن المفاسد والانحلال، وإقامة الدورات التثقيفية المستمرة والمتماشية مع اصول التربية الدينية والعلمية..
أما أن يحجم عقلاء القوم عن مثل هذه الامور، أو عن الابداع في إيجادها والترغيب في حضورها، أو ان يمتنع الآباء عن تقديم الرفد المادي لإقامة هذه المؤسسات، فانّه من الطبيعي أن يحاسبوا أمام الله عز وجلّ حساباً عسيراً؛ فضلاً عن أن تحدث الهوّة العميقة بين الجيل والجيل الآخر، أو أن يكون -الجيل القديم- مصبّاً للعنات الجيل الجديد.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ويل لأبناء آخر الزمان من آبائهم . فقيل: يا رسول الله؛ من آبائهم المسلمين أم الكفّار؟ فقال: لا؛ من آبائهم المسلمين.
فالآباء قد يكونون مسلمين ظاهراً، ولكنّ أعمالهم وموقفهم من أبنائهم قد يطابق عمل ورغبة الكفار حقيقة. بمعنى ان الاباء حينما يمتنعون بصورة أو بأخرى عن الاهتمام العقلي والنفسي والروحي بأبنائهم، يكونون قد سهّلوا على الكافرين مهمة نشر الرذيلة والانحطاط في سلوكيات ومعتقدات الجيل الجديد. بل انهم حينما يقتصرون على الاهتمام المادي بأبنائهم، فهم لا ينشئون إلاّ أبداناً مستعدة للانحراف والتيه ومحاربة الصحيح ونصرة الخطأ..
الغاء الفواصل بين الوالدين والاولاد:
2- على الآباء أن يردموا الهوّة ويزيحوا الفواصل بينهم وبين أطفالهم، وأن لا يتركوهم يشعرون بأنهم يجابهون الحياة بمفردهم، وذلك ضمن برنامج علمي وعملي متدرج التطبيق. ومن ذلك أن الاب مدعوّ الى النزول الى مستوى أطفاله في إطــار اللعب، وقد جاء في الحديث الشريف: من كان له صبي فليتصابى. وتؤكد الأحـاديث الشريفة الاخرى، ونظريات التربية الحديثة؛ أنّ اللعب والهزل والتنزه إذا كان أمراً بسيطاً بالنسبة الى الكبـار، فهو على درجـة مهمة من الجديّة بالنسبة للاطفال، من حيث شعروا بذلك أم لم يشعـروا.
إن الطفل بحاجة الى الضحك واللعب وعدم الجدية في سلوكه، بنفس المقدار من حاجته الى الأكل والشرب.
قد يوجّه البعض من الآباء والأمهات الاهانة والتوبيخ لطفل من أطفالهم إذا ما ضحك او تبسّم في مجلس من مجالس الكبار، ويمنع الاطفال من دخول المساجد أو الحسينيات في بعض الأماكن والمناسبات بداعي الحفاظ على جدية هذه المجالس وهذه المناسبات.. ولكن الكبار يغفلون أو يتغافلون عن أنّ الطفل إذا لم يتضاحك في صغره ستتكرس في نفسيته عقد الكآبة والاعتزال والخوف، وأنّه إذا منع من دخول أماكن الشعائر الدينية والثقافية، فإنه سيضطر -أو يجد نفسه مجبراً- على التيه وحضور مجالس اللهو والانحراف..
إن التصابي للطفل يعني البحث من قبل الآباء عن لغة مشتركة بين الكبير والصغير، بين الجيلين القديم والجديد، وأن تجد النصائح الموجّهة وعاءً مستعداً لتقبّلها.
استغلال فرصة العطلات:
3- لَمّا كان فصل الصيف فصلاً للعطلات والسفرات، فإن من الجدير بالآباء والامهات أن يبرمجوا هذه العطلات والسفرات لأولادهم. فإذا كانوا يزمعون الاصطياف في المرابع الجميلة، فما عليهم إلا أن يقرنوها بزيارة المساجد أو أضرحة الاولياء في تلكم المناطق -مثلاً- أو على الاقل القيام بزيارة المستشفيات وعيادة المرضى فيها، من اجل تنمية روح الشكر لله سبحانه وتعالى من قبل الأطفال على ما أنعم عليهم من نعم وفيرة.
ولعلّ من الأفضل للآباء اختيار قصد الأماكن والبقاع ذات البعد الديني والمذهبي لزيارتها، والتزود الروحي منها وتعميـق رابطة وحبّ الأطفال لأهل البيت عليهم السلام، وهي الفرصة التي لا ينبغي الاقتصار فيها على العطلة السنوية فحسب، بل ان بالامكان استغلال عطلة الاسبوع لذلك أيضاً .
الغذاء الروحي:
4- الاهتمام بالغذاء الروحي والعقلي لدى الأطفال من خلال اختيار الكتب والأشرطة والافلام لهم، وتوجيههم نحو الاستئناس بها. فالأب كما يهتم بتثقيف نفسه، أو قصد المكتبات لاختيار كتبه، فعليه أيضاً اختيار الكتاب والثقافة المناسبة لأولاده، وعدم البخل بالمال في هذا الإطار أبداً...
الوالد والوالدة بامكانههما تحويل البيت الى مستقرّ ومركز روحي وثقافي، وذلك عبر الالتزام بالسنن والارشادات الدينية، من قبيل اتخاذ مصلى خاص في البيت تقام فيه الصلاة وتتلى فيه آيات الله المباركة، أو إقامة مكتبة خاصة فيه، ليعيش الطفل المسلم منذ نعومة أظفاره أجواء العبادة والثقافة، ويحسّ إحساساً مباشراً بأهمية هذين العاملين وفائدتهما بالنسبة لمستقبله.
حفظ النصوص الدينية:
5- وتوصية اخرى هامة جداً، وهي تشجيع الاولاد على الحفظ، ولا سيما حفظ آيات القرآن الكريم، والأدعية وأحاديث الائمة المعصومين عليهم السلام كنهج البلاغة مثلاً. فالأطفال حينما يحفظون سورة من السور أو قطعة من الأدعية او خطبة من خطب نهج البلاغة.. فهم يتفاعلون مع ما يحفظونه تفاعلاً فطرياً بريئاً، وترتكز جميع الافكار التي تحويها النصوص الاسلامية في عقله الباطن، لتنطبع في سلوكه فيما بعد، ولتكوّن فيما تكوّن الملكة النفسية اللازمة التي تحول دون الوقوع في الذنوب والخطايا...
ويلزم القول هنا ان النصوص الدينية -كالقرآن الكريم- ليست حكراً على الكبار دون الصغار، فالقرآن كتاب الله الذي أنزل الى جميع الناس بتفاوت طبائعهم ومواقعهم، ومن الممكن أن يستفيد منه الناس كافة. وهذه الطبيعة القرآنية ذاتها إنما هي وجه إعجازي واحد من وجوه الاعجاز القرآني بصورة عامة. كذلك الحال بالنسبة الى الادعية، حيث يدعو الطفل وقد يدعو بما يحفظه من نصوص وبقلب وسريرة طاهرتين، حتى إنك لتجد الواحد من أئمة أهل البيت عليهم السلام كثيراً ما كان يطلب حضور الاطفال بين يديه ليدعو هو ثم يؤمّن الاطفال على دعائه، رغم ما نعلم من وجاهة ومنزلة أهل البيت عليهم السلام المتعالية عنـد الله جلّ وعلا، كأصـل من أصـول التربيـة الفذّة التي كان الائمـة يعتمدونها في سيرتهم الشريفة.
العبرة بقصص الانبياء:
وقد سلّط القرآن الكريم الاضواء على كثير من اساليب التربية الرسالية ومناهجها القومية؛ ومنها ما ذكره في قوله تعالى: « إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَآ أبَتِ إنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَابُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَكَذَلِكَ يَجْتَبيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الاَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى ءَالِ يَعْقُوبَ كَمَآ أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ » (يوسف/4-6)
النبي يوسف الصديق عليه السلام كان طفلاً صغيراً وكانت تقلبات الحياة تنتظره على فارغ الصبر، ليثبت من خلالها مصداقيته كنبي وملك عظيم؛ سيحكم فيما بعد حضارة من اكبر الحضارات.
وبعد أن قصّ الصديق يوسف على ابيه النبي يعقوب رؤياه، تعامل الاب مع ولده تعاملاً مزج فيه الايمان والمنطق والعاطفة بشكل قل نظيره.
لقد حذّره كيد إخوته، واحتمال تأثرهم بالشيطان؛ العدو الاكبر للانسان. ثم بيّن له تفسير حلمه، حيث أنار له الطريق، واكد له اصطفاء واجتباء ربّه له من بين الناس كافة. وبكلمة اخرى؛ فقد حفّز يعقوب عليه السلام ابنه اليافع على الاستعداد لتلقي النبوة والسلطة في آن واحدٍ .
ثم نجد النبي يعقوب عليه السلام قد رجع بولده الى ربط الحاضر بالماضي، حيث وضح له أنّ النبوة تجربة عظيمة قد يخوضها بعض أبناء آدم ممّن أنعم الله عليهم، كما أشار الى قضية اخرى في هذا الإطار الروحاني، وهي امتداد سلالة النبوة فيه كما بدأت بأبويه من قبل إبراهيم واسحاق عليهما السلام؛ بمعنى أن يعقوب النبي كان يحرض ابنه على الاعتقاد بانه ليس كسائر الابناء، إنما هو يمثل حلقة وصل بين الأنبياء العظام.
وثمة تجربة قرآنية اخرى، حيث نتعلم عبرها طريقة من طرق التربية السليمة، إذ تقول الآية الكريمة: « لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ ءَايَاتٌ لِلسَّآئِلِينَ» (يوسف/7) أي ان الانسان المتصفح للتأريخ مدعو الى أخذ التجارب والعلامات التي تهديه الى سواء السبيل، واستيعاب هذه الدعوة من الضروري جداً نقلها الى ذهنية الاطفال لدى تربيتهم وتعليمهم.
إذن؛ فالتخطيـط والبرمجة الجديدة قضية هامـة للغايـــة في إطار التربية والتعليم، لا سيما حينما يتسع الوقت وتسنح الفرص في أيام العطل -مثلاً- لتكريس هذه الحقيقة وتطبيقها تطبيقاً شمولياً، ليكون الجيل المسلم الجديد، جيلاً جديراً بحمل رسالة الاسلام العملي، وليس النظري فقط.
وقبل هذا وذاك، يتوجب على الآباء والامهات أن يدعوا الله كثيراً ليوفقهم الى استلهام الروح الدينية الحقّة ونقلها بالطرق الواعية الصحيحية الى أولادهم، إذ المهمة عسيرة للغاية.
وإذا ما استطاع أولياء الأمور أن يربّوا جيلهم وفق أسس التربية الصالحة، فذلك ما يعود عليهم بالنفع المادي والمعنوي في الدنيا والآخرة.
الاسرة بيت النور الالهي
الدين الاسلامي الحنيف منظومة متكاملة من القيم المثلى التي اوحى الله سبحانه وتعالى بها الى البشرية، لتسعد في الدنيا وتفلح في الآخرة. فهي تتكامل وتتسامى عبر هذه القيم، ولكن هذه القيم لابد لها من ظرف يستوعبها ومن اطار يصونها ومن سور يحافظ عليها، ومن دون ذلك يكون من الصعب او المستحيل تصور ديمومة هذه القيم او بقائها. فالبيت لايمكن تصوره من دون سور او سقف يحافظ عليه.
فياترى؛ ماهو سور القيم وقواعده؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال، أودّ الاشارة هنا الى جملة من تلكم القيم؛ فأقول اولاً: ان توحيد الله وعدم الشرك به، وضرورة ان تكون للانسان حرمة وكرامة، وفريضة التطلع الدائم للانسان نحو السمو والتقدم، وان يعيش المرء مع الآخرين ويتعاون معهم ضمن اُطر مشتركة.. هذه وامثالها تعدّ في مقدمة القيم المثلى التي نتحدث عنها في مقامنا هذا، حيث تكوّن بمجموعها نظاماً مثالياً، الهدف منه صيانة الانسان وتحصينه دون الوقوع في الخطأ، واتجاهه نحو الانحراف ومن ثم الابتعاد عن خالقه عز وجل.
أما الحديث عمّا يحافظ على القيم وعمّا يمنحها مزيداً من المصداقية والاستمرارية؛ فأقول: إن أوّل عوامل المحافظة هو بيت الانسان وعائلته، ومحيطه الاسري والتربوي. فمن يتنامى في المحيط العائلي الطيب، يكون قد أحرز أول عوامل الصيانة لقيمه دون الانهيار. في حين إنّ من يعيش بلا بيت وبلا أسرة او يرفض الانتماء الى الأب او الى الأم او إلى كليهما معاً، سيكون من الصعب عليه وعلى الآخرين تصور كيفية محافظته على مبادئه المثلى، إن لم نقل إنه سيكون عديم المبادئ والقيم، إلاّ من رحم ربك. فكيف سيمكنه ان يفهم القيم، وأين سيتعلم قيمة التعاون، واين سيعي قيمة العمل المشترك، وأين سيفهم مبدا احترام الكبير والشفقة على الصغير، واين سيتعلم أنّ عليه أن يكون إنساناً حضارياً ضمن مدنية يكون للآخرين حقوقهم وأدوارهم، ترى اين سيتعلم هذه القيم؟!
إنما يمكن تعلم وإدراك المثل العليا من خلال الأسرة والجو العائلي الحميد. وعلى هذا الاساس نجد القرآن الكريم قد أولى اهمية عظمى لدور العائلة والبيت في نشأة الانسان وتكوينه التربوي، وقد خصّ الله سبحانه وتعالى لهذا الشأن سورة كاملة، أطلق عليها اسم سورة النور. هذا الاسم المبارك والعجيب من بين مختلف اسماء السور القرآنية الأخرى، التي تتفاوت واسم هذه السور تفاوتاً ملحوظاً، تبعاً لما يعلمه الله تبارك وتعالى من دور مميز للعائلة في صياغة الشخصية الانسانية ودفعها نحو السمو والتكامل، وهو الغرض الذي يعتبر بحق الهدف الأول لهبوط الوحي وبعث الرسل والانبياء.
ولماّ كان البيت وكانت العائلة العنصر الاساس في المجتمع وفي بلورة الشخصية الانسانية، كان لابد من احاطته بقانون او مجموعة صارمة من القوانين تحول دون انهياره وتفتته. ولذلك فقد جاء في مطلع هذه السورة القرآنية المباركة قانوناً يقضي بانزال العقوبة الشديدةبحق الزاني والزانية الذي يعتبر فعلهما رمزاً قبيحاً لتشتت الأسرة. فكان قانون الجلد، ثم قانون الرجم الذي نصّت عليه السنّة النبوية المفسرة للقانون الأول تبعاً، حيث يشهد المؤمنون تنفيذ عقوبة الجلد، أو يشاركون عملياً في انزال عقوبة الرجم، حيث يضيع دم المرجوم بينهم جميعاً. والعلّة في ذلك، ان هذا الانسان قد تجاوز وانتهك اعظم الحرمات، وهي حرمة البيت والأسرة.
لقد وصف ربنا سبحانه وتعالى البيت الذي تنمو فيه القيم المثلى، كقيم الصلاة والزكاة والإخلاص لوجهه الكريم، يصفه كأنّه المشكاة، حيث يتجلى فيه نور العبادة والعلم والحكمة، فيقول تعالى: « اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ٌّيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيِّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ » (النور/35-36).
إنّ النموذج الأسمى لهذه البيوت المليئة بالنور والهدى الإلهي المبارك، هو بيت الرسالة؛ بيت نبينا محمد وأهل بيته علي وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين. فهذا البيت هو المصباح، وهو المشكاة، وهو مركز النور الالهي في الكون. وإنما كان كذلك، لأن فيه كان التسبيح لله بالغدوّ والآصال، وكان فيه « رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ » (النور/37).
وإذا كان الشرك دناءة ورجس ودنس في الانسان، فان ما يقابله هو طهارة الايمان، والايمان لايكون إلاّ بالتسبيح.
إن القرآن الكريم لا يعبر بالقول، إنّ رجال الله لا تجارة لهم ولا بيع، وإنّهم يعكفون في الكهوف للعبادة، وإنما يقول بالحرف الواحد: « رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ ... » . فهم رجال في عمق الواقع وصميم المجتمع وتيار الاقتصاد، ولكنّ وجودهم هذا لايلهيهم عن أن يكونوا مؤمنين.
فهم إذن رجال اثبتوا جدارتهم وشخصيتهم المثلى في أن يمتلكوا المال ويزاولوا التجارة دون ان يمتلكهم المال او تسيّرهم العمليات التجارية. وهم حتى في لحظة الربح والأخذ والعطاء يجعلون الله نصب اعينهم، فلا يغشون ولا يخادعون الناس ولا يغفلون عن ذكر الله، بل وفوق ذلك وأسمى انهم يعتبرون الصدق في المعاملة وسيلة الى التقرّب نحو الله، وخطوة عملية في قاعدة ذكر الله الدائم. هذا فضلاً عن كونهم لايغفلون عن العبادة، ولا يتكاسلون عنها إذا ما حلّ بهم وقت الصلاة، فلكل أمر وقته. مما يوحي أن هؤلاء الرجال يمتازون بالوعي الثاقب ونظم الامور، وبالتالي فهم شخصيات حضارية لا تزيلهم الزلازل عن مواقعهم التي رسمها الله لهم. وهؤلاء الرجال لما كانوا عديمي التأثر بغرور الدنيا عبر الضروريات فيها - وهي التجارة والبيع وكسب المال- فإنه من الطبيعي جداً تصور كونهم عديمي التأثر بتوافه الأمور الدنيوية كالغناء والافلام سيئة الصيت والتلفزيون والصحافة المبتذلة والاهتمام بمدح هذا أو ذم ذاك عبر وسائل الإعلام الشيطانية. فهذه إنما موقعها موقع الكماليات في حركة الحياة.
والقرآن يبين السبب في ذلك كله، فيقول: « يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ » . فترى جسد أحدهم في الاسواق او في العمل السياسي او الاجتماعي، لكنّ قلبه وهدفه متعلقان بغاية أسمى وأنبل من ذلك بكثير، ألا وهي القيامة، حيث يومذاك تتقلب فيه القلوب والأبصار. التقلّب الذي يعني الانقلاب والعودة الى الحقيقة، فكم من امرئ فاسد كان قد خدع الآخرين وخدع نفسه فأظهر الورع والصلاح وكسب من ذلك ما كسب في الدنيا، وكم من امرئ كان يرتكب من السيئات ما يرتكب وهو يحسب انه يحسن صنعـاً.. غير أن الانقلاب والعودة الى الحقيقة، ثم الكشف عن السرائر موعده في يوم القيامة. ورجال الله المؤمنين إنما يهجرون السيئات خوفاً من يوم الاعلان الأكبر عن الضمائر وما أخفته الصدور، فهم لايخادعون الله، وانما يخادعون الشيطان، ويصبرون على ارتكاب السيئات والاخطاء والجرائم تحسّباً من ذلك اليوم العظيم.
إنّ رجال الله لم يصبحوا على ما هم عليه إلاّ بعد ان كانت تربيتهم تربية سليمة؛ بمعنى أنّ آباءهم وأمهاتهم قد وفّروا لهم مستلزمات الوعي السليم للاتجاه الديني والايماني. فكلّما كانت الاسرة أقرب الى هدى الوحي والى تعاليم أهل البيت عليهم السلام، كلّما كانت مركزاً ومحوراً لنور الله تبارك وتعالى. وكلّما ابتعدت عن تعاليم الوحي، كلّما طمست في أوحال الجاهلية. ودرجة القرب او الابتعاد المشار اليهما، بمثابة عنوان ضمان صلاح او فساد الأطفال في المستقبل.
وإزاء ذلك؛ فلينظر الأب ولتنظر الأم الى من يكلان اولادهما، هل يكلانهم لصانعي افلام الصور المتحركة والأفلام المستهجنة وما يقف خلفها من نوايـا وثقافـة شريرة غايتهـا الأولى والأخيرة تحطيم النفوس
والارواح والحضارات؟
من هنا لابد لنا من وقفة مع أنفسنا، لنفكر ثم نقرر ماذا نريد لجيلنا الجديد ونشئنا القادم، ولنتعرف الى مسؤوليتنا تجاهه. وقبل هذا وذاك ينبغي ان نضع نصب اعيننا القدوة الحسنة والنموذج السيئ، ثم نختار لأولادنا ما أمرنا الله ان نختار. فهذا بيت فاطمة الزهراء سلام الله عليها الذي ضربه الله لنا مثلاً بالنور والكرامة، وذاك بيت أبي سفيان الذي وصفه الله بالشجرة الخبيثة وضربه لنا مثلاً بالدناءة والفساد.. فلننظر ما نختار.
فإذا رأيتم رجالاً يمارسون الغيبة والتهمة، مصابين بالكسل والتخلف ولا يفكرون بالدنيا ولا بالآخرة.. فعليكم ان تبحثوا عن الجذور، فانكم ستجدونها في بيوتهم حتماً. وإذا رأيتم رجالاً متعافي النفوس، طيبي القلب، حسني السيرة والصورة.. فابحثوا ايضاً عن الجذور، فستجدونها في بيوتهم طبعاً.
وأروي لكم حادثة لمستها بنفسي فيما يخصّ حديثي هذا، وهي أنني كنت بمعية بعض الاصدقاء نقطع احد شوارع طهران فمررنا بالقرب من احدى مدارس الطالبات، ولمّا كان الطريق ضيّقاً مزدحماً بادرتنا بعض الطالبات بابتسامات السخرية نظراً الى ان من كان في السيارة كان معمماً روحانياً، فما كان مني إلاّ أن اقول: سبحان الله! متعجباً لاحتمال أن تكون هذه الطالبة او تلك أمّاً، وكيف سيكون مستقبل اولادها. فالبنات اللاتي تراهنّ اليوم في الشوارع والأزقة وقد سلب الحياء من عيونهنّ، ترى كيف سيصبحن أمهات صالحات ليتحملن مسؤولياتهن إزاء الجيل الجديد؟ ولقد تأكدت أن امثالهن لا يزمعن ان يكنّ امهات ولا يفكرن في يوم من الأيام ان يفضن على ابنائهن او بناتهن بالمحبة والحنان. فالقضية سالبة بانتفاء الموضوع كما يعبر المنطقيون، تبعاً الى انهنّ بدورهنّ قد حرمن من شعور آبائهنّ او امهاتهنّ بالمسؤولية المقدّسة تجاههنّ.
إن الاسرة تمثل الخندق الاساسي والأخير فيما يخص موضوع الاهتمام الصالح والتربية السليمة للاولاد. فمعظم وسائل التربية كالمدارس والصحافة اليوم تدار ضمن خطط تسيل من ادمغة واضيعها الشهوة والانحراف والتضليل. وإذا كنّا نعجز عن ادارة بيوتنا، فعلينا التأكد بأن كل شيء ماثل الى الانهيار.
ولقد كنت اتحدث في مجلس ضمّ حوالي ثلاث مائة من النساء في مكة المكرمة مؤخّراً، وقلت لهن بوضوح وصراحة: إن مسؤولية المرأة (الأم) في مجتمعنا المعاصر أهم وأخطر بدرجات من مسؤولية العلماء والخطباء والشخصيات الاجتماعية الاخرى. وذلك لأن حكوماتنا الظالمة وما يقف خلفها من دفع غربيّ جاهلي لم تبقِ لنا شيء. فالخطط والممارسات الجهنّمية والشيطانية قد احتلت واستولت على كل شيء، ولكن بقيت لنا الأسرة، وهي الآن تعزم على مصادرتها منّا.
فإذا كانت المحطات التلفزيونية المدارية تلتقط ثلاثين شبكة مثلاً، فهي في الغد ستلتقط ثلاث مائة شبكة. وإذا كنّا نرى وجود شبكة الانترنت في بعض البيوت، فسوف نراها في الغد قد غزت جميع البيوت. في ذلك سيبقـى الشيء الوحيد المتبقي هو نظام الأسرة الصالح الذي من الممكن تطبيقـه بعد المحافظة عليه، فكيف يتمّ إنجاز ذلك؟
أؤكد أن إنجاز هذه المهمة المقدسة يكون بملاحظة عدة امور، منها:
1/ تكريس المحبة والعاطفة المتوازنة بين أفراد العائلة، وخلق الإحساس في نفوس الاولاد بأن لديهم من يحبهم ويفيض عليهم الرحمة، وذلك بعد ان يكون الزوجان قد وفّروا المودّة والرحمة فيما بينهما، حتى تفيض هذه العلاقة على بقيّة الأفراد. وعلى هذا الاساس لاتجد او يندر ان تجد زوجين يتبادلان المودّة والرحمة والصلاح ومن اولادهما من هو شقي تعس، وإذا كان كذلك فعليك البحث عن العلّة في مكان آخر حتماً.. وعلى العكس فإنّك تجد المجرمين يعانون من الفرقة الحاصلة من آبائهم وأمهاتهم.
إنّ تبادل المحبة والودّ لا يتأتى بين ليلة وضحاها، وإنّما هو وليد الاحساس بالحقوق الفردية لكلّ من الزوج والزوجة، بالاضافة الى وعي الحقوق المشتركة وضرورة حلّ المشاكل بالطريقة السلمية ووعي أهمية تبادل الاحترام في كل صغيرة وكبيرة. وهذا لايكون مالم يسمو الزوج والزوجة بثقافتهما الدينية والانسانية، وإدراكهما لقوانين الدين والتجارب البشرية الصالحة فيما يخصّ هذا الشأن.
ولقد قال الدين كلمته الطيبة، وهي: ما بني بناء في الاسلام أكثر بركة من بناء الاسرة والزواج. ولكنّ اعداء الحضارة الانسانية واعداء فطرة الانسان يسعون الى هدم هذا البناء عبر بث بعض الأفكار، من قبيل فكرة المساواة بين الرجل والمرأة ونبذ مبدأ القيمومة التي نص الله سبحانه عليها في القرآن، وعبر بثّ الفساد والمشاعية الجنسية.. والهدف من كل ذلك ان يقدّموا لنا نحن المسلمين المؤمنين بفطرة الله التي فطر الناس عليها، والمؤمنين بالنزاهة والطهارة؛ نموذجاً شيطانياً يقف وراءه هدف أقبح، وهو هدم الأسرة، فهدم المجتمع، فاستغلالنا.
2/ ان يؤمن الآباء بضرورة الموازنة العادلة بين بذل الجهد في خارج المنزل وداخله، فضلاً عن ضرورة اعتقاده بأنّ توفير المحبّة أهم بكثير من توفير الطعام. فمن الممكن مراوغة الطفل على جوعه الموقّت، ولكن من المستحيل مراوغته على هجرة الأب له. ثم ليعرف الأب أولاً أنه مطالب بتربية أولاده، وهذه التربية لاتكون من دون التعرف الى خفايا نفسية اولاده بدقّة متناهية، وعلى ضوء هذه المعرفة يمكن تربيته، وخلق الاستجابة لديه. أمّا اللّجوء الى وسيلة الضرب في إطار التربية، فهي وسيلة اثبتت فشلها بمختلف الظروف والتجارب، اللهم إلاّ ان يكون فعلاً رمزياً تأديبياً يتبين للطفل القصد من وارئه. وإذا كان الأب يعي عدم جدوائية ممارسة العنف مع اولاده، ولكنّه يعتبر ذلك عادة متأصلة في داخله، تبعاً لما تعرض هو بنفسه من قبل والديه. فعليه ان يطمئن الى أنّه قد قطع خطوة كبيرة في هذا المجال، حيث انّه قد حدّد الداء، وعليه الآن أن يحدّد الدواء، فيعوّد نفسه شيئاً فشيئاً، فيمرّنها على إدراك خطورة العنف، ثم ليبحث لنفسه عن متنفّس آخر يتخلص فيها من عقده السابقة، وليتخلص ايضاً من مصاعب عمله اليومي خارج إطار الأسرة.
3/ السعي الى ايجاد الجو الايجابي العام في البيت، وبث روح الايمان والتفاؤل والأمل فيه، عبر قراءة القرآن والأدعية في الصباح والقيام بالزيارة الدورية للأماكن المقدسة ومحالّ الترفية النزيهة عن الباطل، بالاضافة الى شراء الكتب الهادفة الى تكوين شخصية الطفل المعنوية كبديل ناجع بوجه الغزو الثقافي الذي تتعرض له ادمغة جيلنا الجديد.

التقوى أساس التربية

التقوى أساس التربية
للتقوى مفاهيم عديدة ومتنوعة؛ فمنها ماهو شخص، ومنها ماهو اجتماعي، ومنها ماهو حضاري وغير ذلك.
كما تأخذ التقوى اشكالاً وصور عديدة ومتنوعة ايضاً؛ كالعبادة، واحراز ملكة اجتناب المعاصي، والاستعداد لأداء الحسنات..
وبين هذا وذاك؛ فإنّ مقياس صلاح الانسان وفساده إنّما هو التقوى لا غير. فنيّة المرء وهمته وعزمه هو الذي يحدد سلوكيته ويعين مصيره، وقد قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: « إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ » (المائدة/27). فالتقوى هي ميزان قبول الاعمال.
ولما كان الله تبارك وتعالى قد قال: « وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» (البقرة/197) لنا أن نتساءل عن هذا التزوّد، ولمن يكون، وكيف يكون؟
فالواقف موقف عرفة - وهو القمّة في القرب من الله ومبدأ غفران
الذنوب ومضاعفة الحسنات- هل يتزوّد لنفسه بالتقوى فحسب؟ ام أنّه مكلّف بحمل هذا الزاد المقدس للآخرين ايضاً؟ ومن هم يا ترى هؤلاء الآخرون؟
من الطبيعي والجدير بمكان أنّه مكلّف بالتزوّد لنفسه قبل كل شيء، ومن الطبيعي ايضاً ان يكون مكلّفاً بالتزوّد للآخرين، لأن الانسان ليس شأنه الاعتزال عنهم، لاسيما وأنّ الدين الاسلامي قد أمر المسلم بنبذ الأنانية وحبّ الذات. ولما كان القرآن المجيد قال: « وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ» (البقرة/180) فقد اصبح على المرء طلب التقوى والخير للأقربين، وفي مقدمتهم الأولاد واجباً محتوماً.
إنّ الأب والأم مدعوّان الى التزوّد بالتقوى في موسم الحج مثلاً لا إلى أنفسهما فحسب، وإنّما ينبغي لهما التزوّد لمن خلّفاه في بلادهما وهم الأولاد، بل وأكثر من ذلك؛ فليتزود الوالدان بالتقوى والفضيلة للأولاد في الأصلاب والأرحام، لتتواصل سلالة العائلة المسلمة المؤمنة بطناً بعد بطن، وجيلاً بعد جيل في أجواء الدين، وللحيلولة دون وقوع كارثة التعرب بعد الهجرة كما يحدث - وللأسف- لبعض المسلمين ممن هاجر الى بلاد الغرب، حيث بلغ الأمر بردّتهم الى تسمية أولادهم بأسماء اجنبية غريبة بعيدة عن تأريخ وواقع عائلاتهم، فضلاً عن حدوث الردّة الفعلية في معتقداتهم وممارساتهم اليومية التي يخجل المرء من التطرق الى الخوض فيها ...
إنّ طالب التقوى والايمان حريٌّ به ألاّ يطلبهما لنفسه فقط، بل ليجعل كل همّه ان يتفضل الله تبارك وتعالى عليه، فيربي أولاده واخوانه والآخرين عموماً وفق أصول التقوى والايمان. وهذا يعني انّ طالب التقوى والايمان يجب ان يكون ذا أفقٍ واسع يتفاعل مع مستوى وعيه المطلوب بالأحداث من حوله، فيكون عزمه وإصراره على درجة عالية يتمكّن من خلالها إثبات وجوده كمؤمن، فيحقق لمعتقداته الانتصار والنجاح على كل ما تتعرض له من مؤامرات ثقافية وعلمية شيطانية صادرة عن دول الغرب المستعمرة؛ المؤامرات التي لم تُحك إلاّ لسرقة العقل المسلم لجيلنا الحاضر والآتي، كأسلوب شيطاني لضمان المصالح الاستراتيجية الغربية في اوطاننا المسلمة.
واثنـاء عملية الغزو الثقافي التي تقودها شبكات التلفـزة الفضائيــة -حيث الميوعة والفساد- بمعيّة الصحف التي تصدر عن جهات معروفة، لا تهدف إلاّ تحويل الاهتمامات الانسانية والدينية لعقل المسلم الى اهتمامات مادية ودنيوية بحتة، فتسلخ المرء عن حقيقة وجوده في الدنيا، في ظل هذه الهجمة الثقافية، نجد ان كثيراً من بلداننا المسلمة قد أصبحت محطات مهمة لتجارة المخدرات وتعاطيها. وإزاء ذلك كله، لابد من العمل على توفير عوامل مضادة لافشال هذه المؤامرة. ومن المؤكد ان يكون عامل تصليب قاعدة الأسرة وصيانة أجوائها في مقدمة تلكم العوامل.
وعلى المرأة الأم التفكير الجدي في مصير ذريتها، وذرية ذريتها، ذلك لأن المؤامرة الشيطانية المشار اليها اخذت على عاتقها سرفة الشخصية المسلمة التي ستولد بعد عقود زمنية عديدة وبعيدة.
إنّ اهتمام الأم بالطفل منذ نعومة أظفاره يعني ضرورة وعيها بأنّ إعداد طعام لذيد للزوج او السهر على حمّى بسيطة قد تصيب الطفل، أقلّ أهمية بدرجات من ضرورة سلامة الطفل العقلية والثقافية والدينية بشكل عام، إذ بالدين وحده يمكن الحصول على خير الدنيا والآخرة وبالصورة المطلوبة.
ولكن أن تذهب الأم الى المطبخ وتُشاغل أطفالها بجهاز الفيديو وأفلام الصور المتحركة والأغاني والموسيقى، غافلة أو متغافلة عن مدى التأثير السلبي لهذا الجهاز على شخصية الطفل وتكوينه، فإنّ ذلك يعدّ حماقة مابعدها حماقة، بل الأجدر القول بأنّ ذلك يعد خيانة عظمى ترتكبها الأم بحقّ أطفالها، وهي تتحمل كل المسؤولية أمام القضاء الإلهي في يوم القيامة.
فلتجعل الأم بدلاً عن الغناء -مثلاً- جهاز التسجيل ليبث صوت القرآن بصورة التأهيل والتعليم لأولادها، حتى تتعود آذانهم على سماع كلام الله.
وبكلمة ثانية؛ أؤكد أنّ وظيفة الأمّ الاساسية تجاه أولادها الصغار، خلــق أجـواء ايمانية طيّبـة تحملهم على الأنـس والرغبة في الركون الى الديـن والإيمـان.
ومن الممكن ايضاً الاستفادة من فرص التزاور العائلي خلال أيام الجمع والعطل، وجعلها مدرسة كبيرة للعائلة، حيث يجمع الأطفال وتلقى عليهم الدروس وقصص التأريخ الاسلامي..
وليعلم الآباء والأمهات أنّ اطفالهم حتى سنّ السابعة من العمر يكونون أحراراً اكثر من غيرهم، فليستغلوا هذه الفرصة التي لاتعوض بإدخالهم في مؤسسات تهتم بتحفيظ القرآن الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام، ولن يضيع ما يصرفه الوالدان من مال في هذا المجال سدىً أبداً، إذ أنهم بخطوتهم المباركة هذه يضعون حجر الأساس الراسخ في بناء شخصية أطفالهم.
التربية الصالحة ضمان الاستقامة
عندما تتواتر المصائب وتتلاحق المآسي على الأمة، فان جوهرها الحقيقي سيظهر لنفسها وللناس جميعاً. وان الأمة التي تصطدم بواقع الضعف والانكسار.. لايسعها الا استخراج كنوزها الذاتية، واستخلاص قواها المكنونة، المتمثلة في الاستقامة.
ولا يخفى؛ ان الاستقامة هي جوهر كل امة، والامة التي لاتتمتع بالاستقامة هي أمة منهزمة في جوهرها وكيانها، عاجزة في قدراتها..
وبناء على ذلك، فان الاستقامة هي مقياس جوهر الأمة، وميزان ثباتها وتحديها..
ولاننا اليوم نعيش تحد حضاري على جبهتين؛ جبهة الخارج، حيث نواجه مطابع المستكبرين، وخططهم في استغلالنا ونهب ثرواتنا.. وبالتالي السيطرة علينا. وجبهة الداخل، حيث نواجه التخلف والانحطاط، والظلم والاستبداد..
فلا مناص لنا من الاستقامة. ولكن ماهو السبيل الذي يجعلنا نحظى بالاستقامة؟
ان الذي يعيننا ويعين ابناء امتنا الاسلامية على الاستقامة، هو ان نتلقّى التربية الاسلامية منذ الطفولة، وفي هذا المجال تلعب المدارس دوراً اساسياً في ترسيخ الاستقامة في نفوس شبابنا .
ومن المعلوم ان الغالبية العظمى من صفات الانسان تبدا بالظهور منذ الطفولة، ومنذ السنين الأولى من حياته، ونحن عادة ننسى المواقف الجزئية التي اثّرت في حياتنا، وصاغت شخصيتنا، وكوّنت افكارنا.. ولكن هذه العوامل ماتزال تعيش معنا متمثّلة في نتائجها.
وعلينا ان لا ننسى في هذا المجال ان نستوحي تعاليمنا وتوجيهاتنا وارشاداتنا التربوية من القرآن الكريم، ولكننا نلاحظ - للاسف الشديد- ان القرآن مهجور في بلداننا الاسلامية، بل ان البعض يدّعون ان القرآن كتاب انزل قبل ابعة عشر قرناً، وانه موجّه الى اولئك الذين كانوا يعيشون في ذلك العصر. فنراهم يهجرون القرآن، ويؤطّرونه - في افضل الاحوال- بأطر تقليدية محدودة ينبغي ان لايخرج منها، فيقول ان الآيات القرآنية قد نزلت بشأن اناس عاشوا في عصر ما ثم انتهوا، وانّه لا يعيننا من قريب او بعيد.
ان مظاهر الانحراف والبعد عن التعاليم القرآنية قد انتشرت - للاسف الشديد- في جميع ارجاء العالم الاسلامي، وعلى سبيل المثال فاننا نلاحظ ان المصارف والبنوك تتعامل من الصباح الى المساء بالربا، ومظاهر الفساد منتشرة في كل مكان، والسبب في ذلك اننا قد (اعتقلنا) القرآن - إن صحّ التعبير-، وعلينا ان نطلق سراحه لكي يطلق سراح الأمة، ولكي تطلق آياته طاقات الأمة وتفجّرها باتجاه البناء.
والقرآن يقول بشأن الاستقامة التي سبقت الاشارة اليها، والتي اعتبرناها العامل الرئيسي في مقاومة التحديات المضارية: « إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلآَئِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ » . (فصلت/30)، ثم يقول بعد ذلك: « وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ الْسَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ » (فصلت/34)
وهاتان الآيتان تبيّنان لنا ان الاستقامة لاتتحصل إلاّ من خلال التربية الصالحة، وانا هنا اوجّه حديثي الى الآباء والامهات، والى العاملين في المؤسسات التربوية والتعليمية، فأقول: ان هذا الجيل الذي نحن جزء منه قد يكون عاجزاً عن تحقيق اهداف الأمة، فهو جيل الكوارث والمصائب، جيل احتلال الاراضي المقدّسة عام 48 و67 و73 و82، فهو الجيل الذي تلقّى الصفعات.
فيامن تتولّون مسؤولية تربية الجيل القادم انتم مسؤولون عن تنشئة جيل التصدّي والتحدّي، جيل يكون قادراً على اداء مسؤولياته بالكامل.
وعلـى الآباء والأمهات تقع المسؤولية الكبرى في هذا المجال، وذلك
من خلال اتباع الخطوات والاساليب التالية:
1- تربية الأولاد على الحرية التي هي بنت الفطرة والارادة. علماً ان المسؤولية لاتكون إلاّ بعد ان تتحقق للانسان الحرية، والمسؤولية هي اعظم وافضل صفة للانسان، فعلينا ان لا نقهر الطفل منذ نعومة اظفاره، وان لانهزم نفسيته.
ان الأب اذا هزم نفسيّة الطفل في بيته فانه سيصبح طاغوتاً في حدود هذا البيت، وكذلك الحال بالنسبة الى الأم والطفل والطفلة عندما يشبّان فانهما سيتحولان ايضاً الى طاغوتين ثم تستشري حالة الطغيان في المجتمع كلّه.
وبالاضافة الى ذلك فان الطفل الذي تعوّد على الخضوع والسكوت، واعتاد الكبت والهزيمة النفسية في البيت، فانه سوف لايستطيع غداً ان يتحدى المظاهر الفاسدة.
لنحاول ان نمنح اولادنا الشخصية، ولنزوّدهم بالاعتداد بالنفس، والثقة بالذات، ولنوحِ لهم بانهم مسؤولون عن تصرفاتهم. فتربية الطفل ليست كتربية الدواجن . فالله سبحانه وتعالى خلق الطير -مثلاً- بحيث يعيش باستقلالية بمجرّد ان يخرج من البيضة، ولكنّه خلق الطفل بحيث يحتاج الى ابويه لسنين طويلة. وحكمة ذلك ان يعمل الابوان من اجل تربيته، وصياغة شخصيته، ولكي يتحملا مسؤوليتهما في تنشئته ورعايته، بحيث لايصنعان منه انسانــاً جبانــاً، ضعيف الأرادة، مهزومـاً من الناحية
النفسية، خانعـاً لكل قوة، خاضعـاً لكل سيطرة.
وبناء على ذلك فان على الآباء والأمهات ان لايطردوا -مثلاً- اولادهم من البيت لمجرّد انه قد تحدّاهم، او لم يمتثل لاوامرهم بشأ، المدرسة التي اختارها، او نوع الملابس التي يريد ان يرتديها، وما الى ذلك.
فنحن لسنا آلهة بالنسبة اليهم، وهم ليسوا عبيداً لنا، وصلاحياتنا محدودة ضمن اطر معيّنة بالنسبة اليهم.
فلنعطِ -اذن- كرامة لاطفالنا، ولننمّي فيهم روح الاستقامة، ولنعوّهم على ان يحيوا حياة الابطال دون ان نفرط في (تدليلهم)، ونبالغ في رعايتهم والعناية بهم الى درجة بحيث نجعلهم مرتبطين بنا، معتمدين علينا. وفي هذا المجال يقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: شر الآباء من دعاه البرّ الى الافراط .
فعلينا ان لا نفرط في حق ابنائنا، وان نستخدم الحب كطريق ووسيلة لتربيتهم. اما ان نبالغ في رعايتهم، فان هذه الرعاية سوف تضرّ بهم، خصوصاً وان هذا الجيل من المفترض فيه ان يكون جيل الجهاد، مادامت بلداننا محتلّة، ومادامت حقوقنا مغصوبة ومادمنا بؤساء في هذا العالم.
وعلى هذا لابد من ان نخشوشن، وان نربّي اطفالنا على الصعوبات، وعلى النظام الذي يختارونه بأنفسهم.. وهذا الاسلوب هو الذي من شأنه ان يخلق الاستقامة في نفوس الأطفال.
3- علينا ان نربّي اطفالنا على حب الوطن وحبّ الناس، وان نجعلهم يشعرون بلذّة الاحسان الى الضعفاء والبؤساء، وان نحذر كل الحذر من ان نربّي فيهم روح الانانية والذاتية. فاذا ما قام احد اطفالنا بالاحسان الى صديقه، فعلينا ان لا نؤنّبه، بل علينا ان نمدحه ونثني عليه ونشجّعه على سلوكه هذا مستهدفين بذلك تنمية روح التعاون والايثار في نفسه.
وللاسف فانّ هناك ظاهرة مؤسفة منتشرة بين الآباء والأمهات في مجتمعاتنا، وهي انهم يحاولون دائماً - من حيث يشعرون او لايشعرون- الى تنمية روح الانانية والفردية في نفوس اولادهم، وهذه الظاهرة تتجلى في مجال الدراسة اكثر من أي مجال آخر فتراهم يزقّون اولادهم بافكار وتوجيهات لا تؤدّي إلاّ الى تخريج جيل انانيّ، لا يفكّر إلاّ في نفسه ومصالحه. فتراهم يؤكدوا على اولادهم ان يركّزوا اهتمامهم على الدراسة من أجل ان يحصلوا على الشهادات العليا، ويشغلوا المراكز، والمناصب الرفيعة التي من شأنها ان تحقّق مصالحهم، وتجعلهم يصلون الى ما يصبون اليه من الشهرة والمجد والثروة لانفسهم،و ان لايهتفوا بتقديم العون والمساعدة الى الآخرين، وان (يحودوا النار وراء قرصتهم) كما يقول المثل الشعبي المعروف!
وبالطبع فاننا لا نقصد ان على الىباء والأمهات ان لا يحثّوا ابناءهم على الجدّية في الدراسة، والتفكير في بناء مستقبلهم ولكنّ اسلوبهم في هذا الحثّ والتشجيع مغلوط، لأنه يؤدي الى اشاعة روح الانانية والفردية بين اوساطهم، فعليهم بدلاً من تلك التوجيهات، والايحاءات المغلوطة، ان يشجّعوا ابناءهم على الدراسة ولكن من خلال تلقينهم بأنّهم اذا جدّوا في هذه الدراسة واهتمّوا بها، فانّهم سيصبحون في المستقبل افراداً فاعلين في المجتمع، مقدّمين للخدمات المفيدة اليه، ومؤمنين للكوادر المختلفة التي يحتاج اليها والتي من شأنها ان تجعله في غنىً عن البلدان الاستعمارية التي تسعى من أجل ربطنا في جميع مناحي حياتنا بعجلتها.. وبالتالي فانّ علينا ان نخلق في انفسهم الروح الجماعية، وحالة التحدّي، وعدم الاستعداد بأيّ شكل من الأشكال للخضوع للباطل..
4- وقبل كل هذه الخطوات المتقدمة، لابد ان نغرس في قلوب ابنائنا حب الله جل وعلا. وبذلك يمكننا ان نربّي ابناءنا تربية صالحة، عبر التحدّث عن نعم الله عز وجل لهم، وعن آياته في الطبيعة، وحرصه على ان تكون عاقبته سعيدة في الدنيا والآخرة.
وهكذا فان التربية الفاضلة هي التي تصنع جيلاً يستطيع ان يتحدّى المشاكل والصعوبات، حتى يبني حضارة مجيدة سامية، ومثل هذه القمة الرفيعة لايستطيع ان يتسنّمها إلاّ الذين ربّوا في انفسهم روح التحدي والصبر والاستقامة، ووطّنوا انفسهم على الصمود ازاء التحدّيات الحضارية.
التربية الصالحة ضمان السعادة
المشكاة التي يتجلّى فيها نور الله ، والمصباح الذي يضيء هذا النور وينشره، والزيت الذي يوقد هذا المصباح؛ لابد أن تكون كل هذه الوسائل - المجازية - على درجة كاملة من الطهارة والنقاء ، لأنّ هذا النور هو نور ربّ العالمين ؛ خالق السماوات والأرض ؛ نور من بيده ملكوت كل شيء ، ولا يتجلّى هذا النور في كل مشكاة ولا عبر كل مصباح. ولذلك حينما يصف ربنا نوره بالقول الكريم : « اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالاَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَاَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ٌّيُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيِّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَآءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الاَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ » (النور/35) ثم يعطف ربّنا على قوله بآية أخرى - تأتي تفسيراً ضمنياً - وهي : « فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَآءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالاَبْصَارُ» . (النور/36-37) فهذا النور الإلهي الذي يتجلى في بيت النبوة - محمد وآل بيته الطاهرين عليهم السلام- في ذلك البيت الذي قال عنه ربّنا سبحانه وتعالى : «اِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» . (الاحزاب/33)
فالبيت في الآيتين هو هو ، والنور المشار إليه هو حبل الله الممتد بين الله وبين خلقه ، وهو نفسه الذي قال عنه الله تعالى في موقع آخر : «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا» (آل عمران/103).
المهـم ؛ أنّ ذلك النور لايتجلى في كل قلب، أو عبر أيّة سلسلة ومرحلـة، إنما يتجلّى في قلب من قال عنه ربنا سبحانه وتعالى في سورة آل عمران المباركة : « ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (آل عمران/34). الذريـة التي نعتهـا القرآن الكريم بقوله : «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَآءِ» (ابراهيم/24). وهذا الواقع لم يحكمه الله تبارك وتعالى بين البشر على سبيل الجبر، وإنما هو اختيار حكيم نابع من علمه سبحانه بما سيكون عليه بنو البشر، وان العلم الإلهي يتعالى عن ان يكون فيه جبراً أو تسييراً .
إذاً فالحديث يجرّنا في هذا الإطار الى شيء من التفصيل، حيث الحديث تارةً يكون عن عالم ما قبل عالم الأنساب والأصلاب ، وتارةً يكون عن عالم الذر ، وتارةً يكون عن عالم الولادة والوجود المادي المحسوس .
اما الحديث عن عالم ما قبل الأنساب والأصلاب ، فقد أكدت الروايات الصحيحة بأن الله سبحانه وتعالى خلق أرواح النبيين والأصفياء كأظلّة وأرواح ، وهذه الأرواح كانت تسبّح له وتقدسه وتنزهه سبعين ألف عام على باب العرش وحوله . ثمّ أدخل الله تعالى هذه الأرواح - وفي مقدمتها وأقدمها أرواح النبي محمد صلى الله عليه وآله وأئمة أهل البيت عليهم السلام - في بحار القدس والقدرة والملكوت والنور. ولقد تجاوز الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بروحه الطاهرة المطهرة كل هذه البحار والأنوار ليصل الى درجة رفيعة حتى اقترب واقترب « فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى» (النجم/9).
واحتراماً لهذه الأنوار القدسية ، فقد أدخلها الله سبحانه وتعالى في صورة الذر صلب النبي آدم عليه السلام أبي البشر، وأسجد الملائكة أجمعين لآدم احتراماً لهذه السلسلة المباركة، رغم ما قالته الملائكة بأنها هي التي تسجد لله وتحمده وتقدّس له ، حيث أكد لهم الرب بأنه يعلم ما لا يعلمون. ثم أخرج ذلك النور وتلك الأجسام وتلك الذرية الطيبة لعالم الميثاق ، حيث يقول الله تعالى في هذا الصدد : « وإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلى» (الاعراف/172). وكان رسول الله صلى الله عليه وآله أول من لبّى نداء المعرفة ونداء التوحيد الإلهي، ثم لبّى الأئمة عليهم السلام، ثم الانبياء عليهم السلام.
ثم يقول رب العزة لرسوله صلى الله عليه وآله: « وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ» (الشعراء/219)؛ أي منذ آدم عليه السلام الى عبد الله أبي النبي عليه السلام. وفي ذلك إشارة واضحة الى مدى العناية الالهية برسول الاسلام الذي هو سيد البشر. كما هو في نفس الوقت تأكيد مباشر على أن الحقيقة والصورة والنطفة التي تكوّن منها رسول الله صلى الله عليه وآله، لايمكن أن تحملها أصلاب غير موحّدة أو ساجدة لرب العالمين ، إذ أن مقام النبوة جدير كل الجدارة بأن يحاط بالعناية الربانية الفائقة، وكذلك بالنسبة لمقام الإمامة في أهل البيت عليهم السلام.
وها نحن نقرأ في زيارة الامام الحسين عليه السلام نصوص النور التي تشهد لهذا الإمام العظيم بأنه طهر طاهر مطهّر من - صلب - طهر طاهر مطهّر ، قد طهر وطهرت به البلاد ، وطهرت أرض هو فيها ، وأنه لم تدنّسه الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسه من مدلهمّات ثيابها.. والسبب في كل ذلك هو أن مقام النبوة والامامة الذي يتجلى فيه النور الالهي لابد وأن يكون على مستوى رفيع جداً من النورانية والروحانية والعظمة والطهر والنقاء .
ومن هناء يمكننا القول بأن العظمة التي كان يتمتع بها آباء النبي صلى الله عليه وآله، كانت تؤهلهم لأن يكونوا أنبياء. غير أنّ الحكمة والتقدير السماوي كان قد حتم أن لايكون بعد النبي عليه السلام نبي، ما خلا نبي الاسلام محمد المصطفى صلى الله عليه وآله. فالله أعلم حيث يجعل رسالته.
ثم يستعرض لنا القرآن الكريم قصة ولادة هذه المرأة الطاهرة ضمن قصة هي الغاية في البداعة والبلاغة الروحانية واللغوية ، وقد جاء فيهـا : « إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ اِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» (آل عمران/35). فرغم أنّ الإنسان بطبيعته يريد الذرية لنفسه ويريدها امتداداً لشخصه. غير أن هذه المرأة المثالية كانت قد تجردت عن الآمال الشخصية، محدّدة طبيعة ومستقبل وليدها وثمرة فؤادها. فهي قد نذرت أثمن ما تملك لله سبحانه وتعالى، كما أنها خلال ذلك لا لتمنّ على ربّها بهذا النذر ، بل هي كانت تعرف حدودها كإنسان مخلوق ، وتعرف أيضاً عظمة الله وفضله عليها، ولم تكن بين هذا وذاك لترجو أمراً سوى قبول الله لهذا النذر ، الذي هو الأعظم من بين جميع الامور ، وبالتالي كونها تطلب من الله تعالى أن يكون وليدها إنساناً نورانياً إلهياً مادامت عناية الرب محيطة به .
لقد كانت زوجة عمران طيلة فترة حملها تظنّ بأنّ ما في بطنها جنيناً ذكراً ، ولكنها لمّا وضعت مريم : « فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ اِنِّي وَضَعْتُهَآ اُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ» (آل عمران/36). فكان من عظمة مريم عليها السلام، هذه المرأة الجليلة القدر أنه لم يرد ذكر اسم لأيّة امرأة أخرى في القرآن الكريم سوى اسمها .
وختمت أم مريم دعاءها العظيم ببصيرة نورانية اُخرى بقولها : «وَإِنِّي اُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» (آل عمران/36). وحينما رأى كل هذا الأخلاص وهذا الإيمان وهذه البصيرة في الدين، استجاب لها أحسن استجابة. « فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا » (آل عمران/37).
زكريا ؛ هذا النبي العظيم أصبح كفيلاً لمريم ، وفي ذلك تكريم لهذه الطفلة الصغيرة، التي كانت - حسب ما يبدو - أكثر يقيناً من زكريا. إذ أنّ سيرة مريم وعبادتها كانت دليلاً لكفيلها الذي تنبه بعد حين الى أن يطلب من الله تعالى الرزق والبنين، رغم كونه قد بلغ من الكبر عتيّاً. « هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَآءِ» (آل عمران/38).
وهكذا تلاحظ تناقل الأفكار بين الصالحين؛ زوجة عمران التي نذرت الى الله ما في بطنها محرراً وأعاذته بربّها من الشيطان الرجيم، وبين زكريا الذي لم ينقطع به الرجاء فطلب الى ربّه أن يرزقه ذرية؛ ذرية طيبة تكون خير وارث لحمل أفكار وبصائر رسالات السماء .
من خلال هذه القصة العظيمة التي سردها القرآن الكريم، تتضح لنا معالم العلاقة بين الإنسان وذريته، متى تبدأ ؟ وكيف تكون ؟
إن القرآن الكريم يريد لنا أن نعرف بأنّ هذه العلاقة تبدأ قبل ولادة الذرية؛ بل وقبل الزواج أيضاً، وتستمر حتى تصبح الذرية في رحم الأم وتتنامى حينما يخرج الجنين طفلاً صغيراً ؛ يحسبه الجاهل قطعة من اللحم، غافلاً عن إن الوليد الجديد عبارة عن جهاز متكامل. هذه العلاقة عادةً ما يغفل عنها الإنسان، فيبدر منه التقصير بحق أولاده .
إن تبعات غفلة الوالد والوالدة عن أولادهما لاتأتي دفعة واحدة، بل هي أمر تدريجي التأثير . فالوالد - مثلاً - حينما يذهب الى السوق ، والسوق كما البحر - فيه اللآلئ والدرر و الأسماك الطيبة وما يحل اكله، وفيه أيضاً الحيوانات الخبيثة وما يحرم اكله - في هذا السوق تجارة طيبة وتجارة خبيثة. ومن المؤسف جداً أن هذا الأب الذي يتاجر لا يفكر بغير الربح، وينسى أنّ في صلبه ذرية، وأن الطعام الحرام الذي يتناوله سيؤثر حتماً على طبيعة ذريته الاخلاقية والنفسية. ثم تراه يتساءل عن السبب في فساد بنيه وبناته. ثم حينما تحلّ مرحلة الحمل يتغافل الاب عمّا ينبغي أن يطعم زوجته، والزوجة التي لا ترى في سماع الغيبة والتهمة والأغاني عيباً وضرراً عليها وعلى جنينها. في حين ان الجنين يتأثر بمجرد تفكير أمّه، فضلاً عن فعلها. وفي مدة طفولته البريئة يتصوّره الأب والأم دمية يستريحان اليها..
و قبل هذا وذاك ؛ لابد من التأكيد على ضرورة اختيار القرين الصالح في الزواج ، ليتسنى بذلك ضمان أكبر نسبة ممكنة من النجاح في العلاقة الاسرية، بما في ذلك التناسل وصلاح الأجيال .
ومن يهدف إيقاف الانحدار والانحراف في الامة الاسلامية، لابد له من العمل على تغيير الأرضية التي تؤدي الى الانحراف، إذ بذلك تتم الوقاية الصحيحة. وبكلمة اُخرى؛ إن الآباء والأمهات مدعوون الى التفكير والعمل على تربية جيل سليم الأخلاق. وتربية الجيل لاتعني بالضرورة سوق النصائح تلو الاخرى على مسامع الأطفال ضمن قوالب جامدة، تنـفّر الطفل عن الثقافة السليمة والبناءة أكثر مما تقربها وتحببها إليه .
كما لابد للآباء والأمهات أن يعوا بأن مشاكلهما الشخصية تنعكس بصورة مباشرة على نفسية الاولاد ، مما يعني أن تربيتهما لهم لن تكون سوى هواء في شبك. فانعكاس المشاكل الخارجة عن المنزل أو المشاكل التي لا علاقة للأولاد بها، بمثابة التربية السيئة - العملية - للأولاد. ومعلوم أنّ الإنسان بطبيعته يستجيب ويتأثر ويتفاعل مع العمل أكثر منه بالقول.
ثم من الضروري جداً أن يسعى الآباء والامهات الى النهوض بمستواهم الديني والثقافي، ليوفروا لذريتهم الميدان المناسب الذي من شأنه الإجابة على ما يطمحون إليه من تطور وآمال . وعلى الذين يعكفون على التفكير الدائم بالدينار والدرهم، أن يعرفوا بأنّ السعادة الحقيقية - في واقع الأمر- تكمن في العمل على ضمان سعادة الآخرة عبر تقديم ذرية صالحة للمجتمع.
وفي الوقت الراهن نحن بمسيس الحاجة الى نهضة حقيقية في إدارة الاسرة والتربية ، وتغيير الكثير من العادات والتقاليد الحاكمة التي ما أنزل الله بها من سلطان. التقاليد التي ترسبت في أذهاننا ونفسياتنا السلبية، التي هي الاخرى وليدة أخطاء الماضي وضغوط المادة والانحدار في الحاضر .
وإننا لمدعوون اليوم - في ظل التحديات الجبارة التي تتعرض لها الأمة الاسلامية بشكل عام وشريحة الشباب بشكل خاص - الى التخطيط بدقة متناهية على ضوء تعاليم الرسالة، لرسم مسيرة صالحة بما للكلمة من معنى لتربية الأولاد، ليكونوا بحقّ نموذج البشرية الأفضل
.

الهوامش

الهوامش
([1]) بحار الانوار / ج74 / ص216 / رواية1.
([2]) بحار الانوار / ج5 / ص9 / رواية13.
([3]) بحار الانوار / ج1 / ص177 / رواية54 .
([4]) بحار الانوار / ج27 / ص62 / رواية 16.
([5]) المصدر / ج43 / ص19 / رواية 2.
([6]) بحار الانوار / ج37 / ص85 / رواية 52.
([7]) المصدر / ج35 / ص207 / رواية 2.
([8]) بحار الأنوار / ج43 / ص82.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page