قلت: أترك النقاش حول سند الحديث و صحته أو سقمه، وأبدأ معك في مدلوله حتى لا نبتعد عن صلب الموضوع والبحث الذي نحن فيه.
فأقول: أولا: اتفق المسلمون وأجمعوا على أن كل من أدرك رسول الله (ص) وسمع حديثه فهو صحابي، سواء أكان من المهاجرين أم الأنصار، أم من الموالين وغيرهم.
ومن الخطأ أن نحسب كل أولئك هادين مهديين، لوجود المنافقين بينهم والفاسقين، وذلك ثابت بالنص الصريح في القرآن الحكيم(29).
حتى أن التاريخ يحدثنا بأن جماعة من أصحاب النبي (ص) الذين كانوا يتظاهرون بحبه وطاعته، تآمروا عليه عند رجوعه من غزوة تبوك وأرادوا قتله في بطن عقبة في الطريق، إلا أن الله تعالى عصم رسول الله (ص) من كيد أولئك الأشرار المنافقين.
الحافظ: لقد روى قضية العقبة جماعة من علماء الشيعة وهي عند علمائنا غير ثابتة.
قلت: انك قلت رهجا وذهبت عوجا، فإن قضية العقبة اشتهرت بين المؤرخين والمحدثين حتى ذكرها كثير من أعلامكم: منهم الحافظ أبو بكر البيهقي الشافعي، في كتابه دلائل النبوة، ذكرها مسندا، ومنهم احمد بن حنبل في آخر الجزء الخامس من مسنده عن أبى الطفيل، ومنهم ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة، حتى لعن رسول الله (ص) في تلك الليلة جماعة من أصحابه وهم المتآمرون عليه والقاصدون قتله.
______________
29- كم يحدث القرآن الكريم ويحدثنا التاريخ عن أناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) كانوا بادئ أمرهم مؤمنين ثم انقلبوا كافرين.
وقد صرح العزيز الحكيم بذلك في قوله: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) آل عمران 144 وقوله تعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) التوبة 74.
وأما الذين فسقوا منهم فلا يعلم عددهم إلا الله عز وجل حيث يقول :..(وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) المائدة 49 ـ 50.
وإن كثيرا منهم هجروا القرآن وتركوا العمل به حتى ان النبي (صلى الله عليه وآله) يشكوهم عند الله سبحانه كما اخبر القرآن عن ذلك بقوله: (وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا) الفرقان 30.
ومن المناسب نقل الخبر الذي رواه العلامة الكنجي الشافعي في الباب العاشر من كتابه الطالب، بسنده المتصل عن ابن عباس قال: قال رسول الله: إنكم تحشرون حفاة عراة عزلا... الا وان أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول : أصحابي أصحابي قال: فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.. الخ.
قال العلامة الكنجي: هذا حديث صحيح متفق على صحته من حديث المغيرة بن النعمان، ورواه البخاري في صحيحه عن محمد بن كثير عن سفيان، ورواه مسلم في صحيحه عن محمد بن بشار " بندار " عن محمد بن جعفر " غندر " عن شعبة، رزقناه عاليا بحمد الله من هذا الطريق. انتهى كلام العلامة الكنجي الشافعي.
أقول ورواه أيضا البخاري عن محمد بن بشار عن غندر عن شعبة في الجزء الرابع من صحيحه في كتاب الرقاق في باب / كيف الحشر / ص82 / ط مصر سنة 1320.
((المترجم))