موقفنا من الغلوّ والغُلاة:
وبعد شرح مناشئ الغلوّ أو أهمها نقول: إنّ الشيعة تبعاً لمواقف أئمتهم وقفوا موقفاً حازماً من الغلوّ والغلاة، فسلّطوا عليهم الأضواء، وتبرّؤوا منهم، وكافحوهم، وشهّروا بهم، وهم بذلك لا يتعدّون موقف أميرالمؤمنين(عليه السلام) حينما يقول: «هلك فيَّ اثنان: محبٌّ غال وعدوٌّ قال». وموقف الإمام الصادق(عليه السلام) حينما يقول: «ما نحن إلاّ عبيد الذي خلقنا واصطفانا، والله ما لنا على الله من حجّة ولا معنا من الله براءة، وإنّا لميتون وموقوفون، ومسؤولون، مَنْ أحبَّ الغلاة فقد أبغضنا، ومن أبغضهم فقد أحبّنا، الغلاة كفّار، والمفوّضة مشركون، لعن الله الغلاة، ألا كانوا نصارى، ألا كانوا قدرية، ألا كانوا مرجئة، ألا كانوا حرورية»([1]).
والإمامية لا يورثون الغلاة، وإليك نصّ عبارتهم في ذلك: يرث المحقّ من المسلمين من مبطلهم، ومبطلهم من محقّهم ومبطلهم، إلاّ الغلاة يرث منهم المسلمون وهم لا يرثون المسلمين، كما أنّ الإماميّة لا يغسلون موتى الغلاة، ولا يدفنونهم، ويحرّمون تزويجهم، وإعطاءَهم الزكاة، وتجد هذه الأحكام موزَّعة في كتب فقه الإمامية في أبواب الطهارة والزكاة والإرث، إنّ الإمامية لا يعتبرون الغلاة مسلمين .
يقول الشهيدان الأوّل والثاني في اللمعة وشرحها في باب الوقف عند تعريف المسلمين: والمسلمون من صلّى إلى القبلة، أي اعتقد الصلاة إليها وإن لم يصلِّ لا مستحلاًّ، إلاّ الخوارج والغلاة فلا يدخلون في مفهوم المسلمين وإن صلّوا إليها; للحكم بكفرهم([2])، واُلحقا بهم المشبّهة والمجسّمة في الحكم، بل إنّ الإمام الصادق(عليه السلام) يعتبر الجلوس إلى الغالي وتصديقه بحديثه مخرجاً من الإيمان، كما روى ذلك المفضّل بن يزيد قال: قال لي أبو عبدالله الصادق(عليه السلام) وقد ذكر أصحاب أبي الخطّاب والغلاة: «لا تقاعدوهم، ولا تؤاكلوهم، ولا تشاربوهم، ولا تصافحوهم، ولا تورثوهم» . وقال الصادق(عليه السلام) لمرازم أحد أصحابه: «قل للغالية: توبوا إلى الله فإنّكم فسّاق مشركون»([3]) .
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي): 299/403، عنه بحار الأنوار للمجلسي: 5/289/46.
[2] . اللمعة الدمشقية : 1/228 .
[3] . الإمام الصادق لأسد حيدر: 4/150 .