قلنا بأن الدليل الأول على رد الحديث الذي نقله أبو بكر عن النبي (ص): نحن معاشر الأنبياء لا نورث، أنه مخالف لنص القرآن، فإن الآيات الكريمة صريحة في توريث الأنبياء.
وأما الدليل الثاني في رده: هو أننا نعلم بأن الإمام علي (ع) هو عَيْبَة علم رسول (ص) وهو الذي قال فيه النبي (ص) كما نقله علماء الفريقين: " أنا مدينة العلم وعلي بابها، وأنا دار الحكمة وعلي بابها، ومن أراد العلم والحكمة فليأت الباب ".
والحديث النبوي الآخر، الذي اشتهر أيضا بين المحدثين من الفريقين قوله (ص):
" علي أقضاكم ".
فكيف يمكن أن يبين النبي (ص) حكما خاصا في الإرث وقاضي دينه وباب علمه، لا يعلم ذلك؟ ولا سيما الحكم الذي يكون في شأن فاطمة (ع) وهي زوجة علي (ع) وهو وصي رسول الله (ص).
فكيف يقبل عقلكم أن النبي (ص) يكتم هذا الأمر عن أخص الناس إليه وعمن يخصهم الحكم وقوله لأبي بكر الذي لا يرتبط بالموضوع؟! والمفروض أنه (ص) يقول ذلك الحكم لوارثه أو وصيه، وهذا أمر بديهي يعرفه كل أحد حتى عامة الناس والسوقيين ، فكيف بسيد المرسلين وخاتم النبيين؟!
الشيخ عبد السلام: أما حديث أنا مدينة العلم، غير مقبول عند محدثينا، وكذلك لم يثبت عند جمهور علمائنا بأن عليا وصي رسول الله (ص)، وهذا الأمر غير مقبول، بل عندنا مردود ما رواه الشيخان البخاري ومسلم عن عائشة (رض) أنه ذكر عندها أن رسول الله (ص) أوصى. قالت: ومتى أوصى؟ ومن يقول ذلك؟ إنه دعا بطست ليبول، وإنه بين سحري ونحري، فانخنث في حجري فمات وما شعرت بموته.
فكيف يمكن أن يوصي رسول الله (ص) لأحد ويخفى ذلك على أم المؤمنين عائشة(رض)؟!
قلت: أما نفيك الحديث أنا مدينة العلم وعلي بابها فهو تحكم وتعصب، لأن كثيرا من أعلامكم ذكروه في كتبهم وإسنادهم وحسنوه وصححوه، منهم:
الثعلبي، والحاكم النيسابوري، ومحمد الجزري وبن جرير الطبري والسيوطي والسخاوي والمتقي الهندي والعلامة الكنجي ومحمد بن طلحة والقاضي فضل بن روزبهان والمناوي وابن حجر المكي والخطيب الخوارزمي والحافظ القندوزي والحافظ أبو نعيم وشيخ الإسلام الحمويني وابن أبي الحديد المعتزلي والطبراني وسبط بن الجوزي والنسائي وغيرهم(69).
_________________________
69- من الضروري أن أضع النقاط على الحروف وأذكر مصادر الحديث الشريف:
" أنا مدينة العلم وعلي بابها " بشكل أدق وأوضح، رواه الحاكم بسنده عن مجاهد عن ابن عباس في مسترك الصحيحين: 3/ 126 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ورواه بطريق آخر في صفحة 127 عن جابر بن عبدالله الأنصاري، والخطيب البغدادي في تاريخه ج4 / 348 وبطريق آخر في 7/ 172 وبطريق آخر في ج11 / 48 وبطريق رابع في ج11 / 49 ثم قال: قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث فقال هو صحيح. رواه ابن الأثير في أسد الغابة ج4 / 22 وابن حجر في تهذيب التهذيب: ج6/320 . وج7 / 427، وفي كنز العمال ج6/ 152 والمناوي في فيض القدير ج3/46، وقال أخرجه العقيلي وابن عدي والطبراني والحاكم عن ابن عباس، ورواه الهيثمي في المجمع ج9/ 114 ورواه المتقي في كنز العمال ج6 /156 قال أخرجه الطبراني في صفحة 401 حكاه عن ابن جرير وفي صفحة 156 قال أخرجه أبو نعيم في المعرفة، ورواه المناوي أيضا في كنوز الحقائق / 43 قال أخرجه الديلمي ورواه المحب الطبري في الرياض النضرة ج2 / 193 قال أخرجه في المصابيح في الحسان، ورواه ابن حجر في الصواعق / 73 ط. المطبعة الميمنية قال: أخرجه البزار والطبراني في الأوسط عن جابر، وأخرجه الحاكم والعقيلي وابن عدي عن ابن عمر، والترمذي والحاكم عن علي (عليه السلام) وأما حديث: أنا مدينة الحكمة وعلي بابها .. الخ أو قال أنا دار الحكمة... الخ فقد رواه الترمذي في صحيحه ج2 /299 وفي تاريخ بغداد ج 11 / 204 بسنده عن ابن عباس، وفي كنز العمال ج6 / 401 قال: قال الترمذي وابن جرير معا الخ وقال: أخرجه أبو نعيم في الحلية، ثم قال المتقي: وقال ابن جرير: هذا خبر عندنا صحيح بسنده وذكره المناوي في فيض القدير في المتن وقال: أخرجه الترمذي، ثم قال في الشرح: وفي رواية أنا مدينة الحكمة وعلي بابها.. الخ وقال أيضا في شرح (علي بابها): أي علي بن أبي طالب (ع) هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة، فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها، وهذه المنقبة ما أعلاها، ومن زعم أن المراد بقوله (صلى الله عليه وآله): وعلي بابها أنه مرتفع من العلو وهو الارتفاع فقد تنحل لغرضه الفاسد بما لايجزيه، ولا يسمنه ولا يغنيه.
" انتهى كلام المناوي ".
((المترجم))