• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آراء بعض الباحثين

 

آراء بعض الباحثين:

وانطلاقاً من ذلك يقول الشيخ المفيد: الغلاة من المتظاهرين بالإسلام، وهم الذين نسبوا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب وذرّيته إلى الاُلوهية والنبوّة، ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحدّ وخرجوا عن القصد، فهم ضُلاّل كفّار([1]) .

ولا أحتاج إلى حشد النصوص والأدلة على براءة الشيعة من الغلاة . وأي موقف أشدّ صراحة من هذه المواقف التي ذكرتها؟! ولا يسع مؤمناً يؤمن بالله ورسوله ويصدر عن تعاليم الإسلام في سلوكه ثمّ ينزع إلى الغلوّ في عقيدة أو بشر، إلاّ من ضرب الله على بصيرته .

ولأجل وضوح موقف الشيعة من الغلاة انطلقت الأصوات الموضوعية تشهد ببراءتهم من ذلك، ومن هذه الأصوات: مؤلّفو دائرة المعارف الإسلامية، فقد جاء في دائرة المعارف:

الزيدية والإمامية الذين يؤلّفون المذهب الوسط يحاربون الشيعة الحلوليين حرباً شعواء ـ الحلولي لا نعتبره من الشيعة كما مرّ ـ ويعتبرونهم غلاة يسيئون إلى المذهب، بل يعتبرونهم مارقين عن الإسلام([2]) .

ويقول الدكتور أحمد محمود في نظرية الإمامة عند ذكره للبابية والبهائية: وفي البابية آراء غالية جعلت منها مذهباً منشقّاً تماماً عن الإسلام، واتفق علماء الأزهر في مصر وعلماء الشيعة في العراق وإيران على تكفير البابية والبهائية، واُغلق المحفل البهائي فى مصر([3]) .

وقد استعرض الدكتور أحمد أمين حركة الغلاة فقال: إنّ أفراداً بسطاء هم الغلاة الذين يؤلّهون عليّاً، وإنّ الشيعة تبرأ منهم، ولا يجوز عندهم الصلاة عليهم([4]) .

هذه أمثلة بسيطة في موضوع الغلوّ والغُلاة أضعها أمام الذين دأبوا على رمي الشيعة بالغلوّ، ولست أنفي أن يكون بعض من شمله اسم الشيعة بمعنى انتمائه إلى الفئة التي تفضّل عليّاً، أو قل للتشيع بمعناه اللغوي قد نسبت له آراء وأقوال تفيد الغلوّ، وقد بادوا وبادت معهم آراؤهم ولا يوجد اليوم منهم أحد إلاّ في بطون الكتب، ومن ذلك: ما ذكره البغدادي في الفَرْق بين الفِرَق حيث قال: الإمامية من الرافضة هم خمس عشرة فرقة، هي: الكاملية، والمحمّدية، والباقرية، والناووسيّة، والشمطية، والعمارية، والإسماعيلية، والمباركية، والموسوية، والقطعية، والاثنا عشرية، والهشامية، والزرارية، واليونسية، والشيطانية([5]) .

وتعقيباً على قول البغدادي نذكر: أنّ الإمامية هم الاثنا عشرية، وهم جمهور الشيعة اليوم، ولا يوجد من الشيعة غيرهم وغير الزيديّة والإسماعيلية في هذه الآونة. ثمّ إنّ الاثني عشرية الذين هم مدار بحثنا يمتازون عن غيرهم بعقائدهم، ولا يصح أن تنسب إليهم آراء غيرهم، لأنّه يجمعه معهم الاسم، وشيء آخر هو: أنّ من ذكرهم البغدادي قد يمثّلون لكلّ فرقة ذكرها بضعة أفراد ليس إلاّ، وهذا اللون من الخبط والتساهل تَعلّمنا أن نرى مثله كثيراً في كتاب الفَرْق لابن طاهر وغيره . خذ مثلا ما يقول ابن طاهر في كتابه الفَرق بين الفِرَق عن جابر بن يزيد الجعفي، يقول:

جابر بن يزيد الجعفي من المحمّدية، وهم أصحاب محمّد بن عبدالله بن الحسن ينتظرون ظهوره، وكان يقول برجعة الأموات إلى الدنيا قبل القيامة([6]) .

ولم يكن جابر من أتباع محمّد بن عبدالله بن الحسن، ولا كان يقول برجعة مطلق الأموات، وإنّما كان يقول برجعة بعض أهل البيت، لروايات سمعها ليس إلاّ، وهكذا يكون التحقيق عند أمثال ابن طاهر من الكتّاب كأنّ مسألة العقائد أمر بهذه السهولة، بحيث ينسب للناس ما لم يقولوه ويُرجِعهم إلى فئة ليسوا منها .

وأعود لموضوع الغلاة فأقول: قد اتضح للقارئ موقف الشيعة من الغلاة، ولكن مع ذلك تجد باحثاً كالزبيدي صاحب «تاج العروس» يعرّف الإمامية في كتابه «التاج» فيقول: الإمامية هم فرقة من غُلاة الشيعة([7]). وتجد الدكتور محمود حلمي في كتابه «تطوّر المجتمع الإسلامي العربي»، يقول: وقد سمّوا بالشيعة لأنّهم شايعوا عليّاً وقدّموه على سائر أصحاب رسول الله(صلى الله عليه وآله) . واستشهد أهل الشيعة بنصوص من القرآن الكريم فسّروها على حسب نظريتهم، وغالى بعض الشيعة في تبرير أحقّية عليِّ بن أبي طالب وأضفى عليه بعض صفات التقديس والاُلوهية([8]).

إنّك لتستغرب لهجة هؤلاء الكتّاب خصوصاً بعض كتّاب مصر، فإنّهم يصوّرون الشيعة كأنّهم اُناس لا إيمان لهم ولا دين، يتلاعبون بالنصوص من دون رقيب من الله تعالى ولا ضوابط من علم وخلق، وإنّهم والله أولى بذلك، وإلاّ فما الدليل على ما ذكره محمود حلمي؟ وهذه كتب الإمامية بين يديه، فليدلّنا على مكان تنسب فيه الشيعة الحلول والاُلوهية إلى عليٍّ، وسوف لا يجد ذلك قطعاً . إنّهم يُصدرون فيما يقولون عن عدم شعور بالمسؤولية: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً)([9]). والأنكى من ذلك أن تجد مَنْ تأثَّرَ بهؤلاء الكتّاب من قريب أو بعيد وهو من الشيعة، وتراه يكتب بنفس الاُسلوب، ورحم الله
من يقول:

وظلمُ ذوي القربى أشدُّ مضاضةً***على المرءِ من وقع الحُسام المهنّد

يقول الدكتور كامل مصطفى في كتابه: وبذلك يتبيّن أنّ الغلاة وإن كانوا مغضوباً عليهم من الشيعة المعتدلين وأئمتهم، قد أسسوا العقائد الأصلية للتشيّع من بداء، ورجعة، وعصمة، وعلم لَدُنّي بحيث صارت مبادئ رسمية للتشيّع فيما بعد، ولكن على صورة ملطفة. إنتهى .

وظهر لي أنّ الدكتور كامل أخذ ذلك من تصريح ابن نوف، وهو أحد أصحاب المختار، وهو قد أخذها من المختار([10]). واُعيد إلى الذاكرة أنّ العقائد قد أخذها الشيعة من القرآن والسنّة كما برهنّا عليه فيما مرّ، ثمّ لو قدر أنّ ابن نوف هذا أو المختار قد قالا قولا خاصاً بهما فما ذنب الشيعة؟ ومن هو ابن نوف حتّى يمثّل الشيعة؟!

وإذا كان الدكتور كامل يعترف بأنّ الغلاة مغضوب عليهم من الشيعة وأئمتهم فكيف تأخذ الشيعة منهم؟.. وهي إنّما غضبت عليهم لغلوّهم . إذا كانت هذه العقائد من الغلوّ وهو ليس منه في شيء أليس هذا هو التناقض بعينه؟ وإذا كنّا نعذر حلمي وأمثاله لأنّهم لم يأخذونا من مصادرنا، فما عذر مثل كامل الشيبي وهو من الشيعة ويعيش بين مصادرهم؟ وليس هذا بالاستنتاج الوحيد من الدكتور كامل الذي لا نقرّه عليه، بل له استنتاجات كثيرة من هذا النوع، ومنها: أنّه عندما استعرض مصادر القول بالرجعة عند الشيعة ذكر أنّ من مصادرها كلمات للإمام عليٍّ(عليه السلام)وردت في نهج البلاغة عندما أظفره الله تعالى بأصحاب الجمل، وقال له بعض أصحابه: وددت أنّ أخي فلاناً كان شاهدنا ليرى ما نصرك الله به على
أعدائك، فقال له أميرالمؤمنين(عليه السلام): أهَوَى أخيك معنا؟([11]) قال: نعم، قال: فقد شهدنا([12]). ولعلّ الإمام يشير إلى الآية: (وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ)([13])، ولكنّ الخبر يتوجه إلى الرجعة بكلّ ما فيها من عبرة وعمق، بل إنّ بقية الخبر تنفذ إلى أغوار بعيدة من فلسفة الرجعة وحكمتها، فإنّ الإمام يقول:

ولقد شَهدنا في عسكرنا هذا أقوام في أصلاب الرجال وأرحام النساء، سيرعف بهم الزمن، ويقوى بهم الإيمان . ومن ذلك يبدو أنّ عليّاً لا يكتفي بتقرير عودة الماضين في الجهاد ليقطفوا ثمرة جهادهم، بل يقرّر أنّ المجاهدين الآتين يحضرون هذا النصر، ليزيد ذلك من أيّدهم ويربط على قلوبهم، وتلك اُمور فيها من الأفلاطونية القديمة والحديثة مدخل كبير . إنتهى كلامه([14]) .

وأنا أضع هذا النصّ بين يدي القارئ، ليرى ما هو مقدار الصواب من هذه الاستنتاجات التي أوردها الدكتور، والآثار التي رتّبها عليها، والاكتشافات الأفلاطونية التي ذكرها، واُعقِّب على ذلك بما يلي:

أولا: إذا كان هذا النصّ وارداً في الرجعة، فمعنى هذا أنّ الإمام عليّاً(عليه السلام) هو الذي وضع عقيدة الرجعة وليس الغلاة كما يقول الدكتور كامل .

ثانياً: إنّ هذا النصّ وبكلّ بساطة أجنبي كما ذكره الدكتور، ولا صلة له بالمرّة بالمعاني التي ذكرها، وكلّ ما في الأمر أنّ هذا النصّ يفيد معنى الرواية: «من أحبَّ عمل قوم حُشر معهم وشاركهم في عملهم» ولذلك سأل الإمام عليّ(عليه السلام)الرجل عن هوى أخيه، هل هو مع أميرالمؤمنين(عليه السلام) وأصحابه؟ فلمّا أجابه بنعم، قال: «لقد شهدنا» . أي أنّه شاركنا بمشاعره، ثمّ قال له الإمام: إنّ جميع من سيرعف بهم الزمان وهم على رأينا سيشاركوننا بعد ذلك بحصول الثواب والفرح بالنصر، وكم لهذا الموضوع من نظائر.

ومن ذلك: ما رواه مؤرّخو واقعة الطف، حيث قالوا: إنّ جابر بن عبدالله ] الأنصاري[ زار الحسين(عليه السلام) بعد قتله، فقال في الزيارة: «أشهد أنّا شاركناكم فيما أنتم فيه»، فقال له رفيقه الأعمش: إنّ القوم قُطعت رؤوسهم وجاهدوا حتّى قتلوا فكيف شاركناهم نحن فيما هم فيه؟ فقال له جابر: إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحاب الحسين([15]). ذكر ذلك أصحاب المزارات كافة، هذا هو معنى كلام الإمام عليّ(عليه السلام) لا كما ذهب إليه الدكتور .

 

 

--------------------------------------------------------------------------------

[1] . شرح عقائد الصدوق ، للشيخ المفيد ، باب الغلاة .

[2] . دائرة المعارف الإسلامية : 14/63 .

[3] . نظرية الإمامة : 436 ، هامش .

[4] . فجر الإسلام : 2371 .

[5] . الفَرق بين الفِرق : 53 .

[6] . الفَرق بين الفِرق : 44 .

[7] . تاج العروس : 8/194 .

[8] . تطور المجتمع الإسلامي : 48 .

[9] . الكهف: 5.

[10] . الصلة بين التصوف والتشيّع فصل الغلاة .

[11] . أي هو مع طريقنا واتجاهنا؟

[12] . نهج البلاغة: 36. الخطبة 12.

[13] . آل عمران : 169 .

[14] . الصلة بين التصوف والتشيّع : 114 .

[15] . بشارة المصطفى: 126/72، عنه البحار: 98/196/31.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
رمضان
الأدعية
المحاضرات
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

30 رمضان

وفاة الخليفة العباسي الناصر لدين الله

المزید...

23 رمضان

نزول القرآن الكريم

المزید...

21 رمضان

1-  شهيد المحراب(عليه السلام). 2- بيعة الامام الحسن(عليه السلام). ...

المزید...

20 رمضان

فتح مكّة

المزید...

19 رمضان

جرح أميرالمؤمنين (عليه السلام)

المزید...

17 رمضان

1 -  الاسراء و المعراج . 2 - غزوة بدر الكبرى. 3 - وفاة عائشة. 4 - بناء مسجد جمكران بأمر الامام المهد...

المزید...

15 رمضان

1 - ولادة الامام الثاني الامام الحسن المجتبى (ع) 2 - بعث مسلم بن عقيل الى الكوفة . 3 - شهادة ذوالنفس الزكية ...

المزید...

14 رمضان

شهادة المختار ابن ابي عبيدة الثقفي

المزید...

13 رمضان

هلاك الحجّاج بن يوسف الثقفي

المزید...

12 رمضان

المؤاخاة بين المهاجرين و الانصار

المزید...

10 رمضان

1- وفاة السيدة خديجة الكبرى سلام الله عليها. 2- رسائل أهل الكوفة إلى الامام الحسين عليه السلام . ...

المزید...

6 رمضان

ولاية العهد للامام الرضا (ع)

المزید...

4 رمضان

موت زياد بن ابيه والي البصرة

المزید...

1 رمضان

موت مروان بن الحكم

المزید...
012345678910111213
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page